موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الجمعة، 11 يناير 2013

رسائل إلى أهل الثغر(10) {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}


رسائل إلى أهل الثغر(10)
{وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}
رضوان محمود نموس
أخوتي أهل الثغر؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله الكريم أن يجعل قلوبنا جميعاً متعلقة بكتابه جل وعلا تلاوة وتدبراً لنزداد إيماناً إلى إيماننا, ويوفقنا وإياكم لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ما زلنا نستلهم الوصايا للمجاهدين من سورة الأنفال "سورة الجهاد" وفي هذه الرسالة سنلقي الضوء على تكامل الإيمان مع الجهاد, فأساس الإيمان وعدته والمعول عليه هو العمل.
وهذا بين لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد, إن من يتلو آيات القرآن بخشوع وهو يعلم أنه كلام ربه لا بد أن يحلق ويزداد إيمانه, وإلا كان قلبه منكوساً أجرداً  كصخرة صماء بل أشد لأن من الحجارة لما يشقق من خشية الله قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 74]  
عَنْ حَنْظَلَةَ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَعَظَنَا، فَذَكَّرَ النَّارَ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ إِلَى الْبَيْتِ فَضَاحَكْتُ الصِّبْيَانَ وَلَاعَبْتُ الْمَرْأَةَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا تَذْكُرُ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَافَقَ حَنْظَلَةُ فَقَالَ: «مَهْ» فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا قَدْ فَعَلْتُ مِثْلَ مَا فَعَلَ، فَقَالَ: «يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً، وَلَوْ كَانَتْ تَكُونُ قُلُوبُكُمْ كَمَا تَكُونُ عِنْدَ الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ، حَتَّى تُسَلِّمَ عَلَيْكُمْ فِي الطُّرُقِ»([1]).
فتدبر الذكر والتفكر فيه والعمل بمقتضاه وهو الركن الأهم الذي يرفع درجة المؤمن إلى عليين.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَاسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، فَقَالَ لَهُ: " كَيْفَ أَصْبَحْتَ يَا حَارِثَةُ؟ " قَالَ: أَصْبَحْتُ مُؤْمِنًا حَقًّا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " انْظُرْ مَا تَقُولُ، فَإِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً إِيمَانِكَ؟ " قَالَ: فَقَالَ: عَزَفَتْ نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لِيَلِي وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ كَيْفَ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَهْلِ النَّارِ كَيْفَ يَتَعَادَوْنَ فِيهَا، فَقَالَ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَبْصَرْتَ فَالْزَمْ، مَرَّتَيْنِ، عَبْدٌ نَوَّرَ اللهُ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ " قَالَ: فَنُودِيَ يَوْمًا فِي الْخَيْلِ: يَا خَيْلَ اللهِ ارْكَبِي، فَكَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ رَكِبَ، وَأَوَّلَ فَارِسٍ اسْتُشْهِدَ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِي حَارِثَةَ، أَيْنَ هُوَ؟ إِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ وَلَمْ أَحْزَنْ، وَإِنْ يَكُنْ فِي النَّارِ بَكَيْتُ مَا عِشْتُ فِي الدُّنْيَا، قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أُمَّ حَارِثَةَ، إِنَّهَا لَيْسَتْ بِجَنَّةٍ وَلَكِنَّهَا جِنَانٌ، وَحَارِثَةُ فِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى "، قَالَ: فَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَضَحَكُ وَتَقُولُ: بَخٍ بَخٍ لَكَ يَا حَارِثَةُ. كَذَا قَالَ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ]([2]).
فذروة سنام العمل الجهاد.

عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَقَالَ لِي: «إِنْ شِئْتَ أَنْبَأْتُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ» قَالَ: قُلْتُ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: أَمَّا «رَأْسُ الْأَمْرِ فَالْإِسْلَامُ، وَأَمَّا عَمُودُهُ فَالصَّلَاةُ، وَأَمَّا ذِرْوَةُ سَنَامِهِ فَالْجِهَادُ» .([3]).
والقضية الأولى في قوله تعالى : {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وهي الركن الركين في مفهوم الإيمان، فالإيمان إذا كان تصديقاً فقط أو قولاً وتصديقاً فلا يزيد ولا ينقص ولكن عندما أعلمنا ربنا أن من صفات المؤمنين أن يزدادوا إيماناً بتلاوة القرآن وتدبره دل على أن العمل هو ركن الإيمان الركين وهذا بالنسبة لأهل السنة والجماعة، قضية إجماعية، فلم يقع الخلاف بين أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو التابعين أو من بعدهم من أهل السنة والجماعة في حقيقة الإيمان مطلقاً؛ فإن أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة كلها قضايا إجماعية، لأنها هي عقيدة الفرقة الناجية؛ ولأنها هي العقيدة المقبولة عند الله تبارك وتعالى، فأجمعت عليها الأمة ولله الحمد، ومن خرج عن هذا الإجماع فقد حكم على نفسه بالشذوذ بداهة، وحُكم عليه بالابتداع بمخالفته لهذا الإجماع، وتعريف الإيمان الذي أجمع عليه أهل السنة والجماعة هو: (أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص) وهاتان الكلمتان على إيجازهما تحملان معاني عظيمة جداً.
فنحن أوجب ما يكون علينا أن نرى كيف فهموا الإيمان، وكيف فسروه، ثم نجعل ذلك معياراً لنحكم به على أنفسنا وعلى غيرنا ويكون فهم الصحابة والتابعين هو الميزان فهم القرون المفضلة التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»([4]).
ولنعرف أين موقعنا نحن من هذا الإيمان، وما موقع هذه الفرق الضالة منه.
ولقد نقل إجماع السلف على أن الإيمان قول وعمل أئمة كثر منهم الإمام الكبير الحجة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، فقد نقل ذلك في كتابه الأم في باب النية: فقال: (أجمع الصحابة والتابعون على أن الإيمان قول وعمل) ونقل ذلك أيضاً الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ونقل ذلك أيضاً الفضيل بن عياض و سفيان بن عيينة وغيرهم من الأئمة والعلماء، ومنهم الإمام البخاري رحمه الله تعالى- يقول: (لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم كلهم يقول: الإيمان قول وعمل، ويقول: أدركت العلماء على ذلك قرناً بعد قرن -أي طبقة بعد طبقة- في مصر والشام والحجاز والعراق وبغداد وواسط  كلهم يقولون: الإيمان قول وعمل) فهؤلاء ألفٌ من العلماء الذين أدركهم الإمام البخاري كلهم يجمعون على أن الإيمان قول وعمل, ونقل مثل ذلك أيضاً الإمام محمد بن جرير الطبري فذكر إجماع الصحابة ومن بعدهم على أن الإيمان قول وعمل،
ونقل مثل ذلك الإمامان [أبو زرعة وأبوحاتم الرازيان، فقالا: (إننا أدركنا علماء الأمصار قديماً وحديثاً ، كلهم مجمعون على أن الإيمان قول وعمل) وممن نقل الإجماع على ذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية في كتاب الإيمان، ونقل ذلك أيضاً الحافظ ابن كثير في أول تفسير سورة البقرة أن هذا إجماعٌ من السلف الصالح، كما نقل ذلك الحافظ ابن رجب في أول كتابه جامع العلوم والحكم في شرح حديث جبريل. وذكر هذا جمع لا يحصى من العلماء.
فالعمل هو أس الإيمان وقاعدته وبه يزيد وبنقصه ينقص وبانعدامه ينعدم .
وذروة سنام العمل الجهاد ولمعرفة حقيقة العلاقة بين العقيدة والجهاد..يتحتم معرفة حقيقة كلمة التوحيد ومقتضياتها ولوازمها ولا يمكن لكلمة التوحيد أن تبقى وتنتشر إلا بالجهاد قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ } [الأنفال: 39]
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } [التوبة: 111]
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ»([5]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ»([6]).
عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، ثنا أَبُو الْمُثَنَّى الْعَبْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ الْخَصَاصِيَةِ، يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَايِعَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ «تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَتُصَلِّيَ الْخَمْسَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ، وَتُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمَّا اثْنَتَانِ فَلَا أُطِيقُهُمَا، أَمَّا الزَّكَاةُ فَمَالِي إِلَّا عَشْرُ ذَوْدٍ، هُنَّ رُسُلُ أَهْلِي وَحَمُولَتُهُمْ وَأَمَّا الْجِهَادُ فَيَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ وَلَّى، فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، فَأَخَافُ إِذَا حَضَرَنِي قِتَالٌ كَرِهْتُ الْمَوْتَ، وَخَشَعَتْ نَفْسِي، قَالَ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ثُمَّ حَرَّكَهَا ثُمَّ قَالَ: «لَا صَدَقَةَ وَلَا جِهَادَ فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟» قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُبَايِعُكَ فَبَايَعَنِي عَلَيْهِنَّ كُلِّهِنَّ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَبَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ مِنَ الْمَذْكُورِينَ فِي الصَّحَابَةِ مِنَ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ»([7]).
فالذين عزلوا لوازم وأسس شهادة التوحيد عنها؛ وعزلوا العمل عن الإيمان, وقعوا في الإخلاد إلى الأرض والركون إلى الذين ظلموا والسير بركب الطواغيت وربما أضافوا إلى ضلالهم ضلالاً آخر فنسبوا ذلك إلى سماحة الإسلام ووسطيته! وهؤلاء هم المرجئة والمميعون والعصرانيون والمتعلمنون وأضرابهم..
ولقد قال الشيخ محمد الغزالي في كتابه من معالم الحق: . إن اجتياح “التتار” لبلاد الإسلام وطيها لراية الخلافة في بغداد ? وتقتيلها ما قتلت من السادة والرعاع ? إن ذلك المصاب أهون في وقعه وأثره من شيوع مذهب المرجئة بين عوام المسلمين وظنهم أن الأعمال ليست ضرورة لصحة الإيمان.
فلا بقاء للإيمان إلا بالجهاد ولا تعلوا راية لا إله إلا الله إلا بالجهاد فإن المتفق عليه بين الجميع أن الجهاد ـ"هو ذروة السنام " وهو الدين الخالص الحق..سواء كان الجهاد طلباً أو دفعاً.

فلا يتحقق الإيمان إلا بالكفر بالطاغوت {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} [البقرة: 256] والطاغوت لن يتخلى عن طاغوتيته إلا بالجهاد {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76]
فحيثما كان الطاغوت وجب الجهاد
والذي يزعم أنه يمكن إن يكون الإيمان دون الكفر بالطاغوت خالف نص القرآن والذي يظن أنه يمكن التعايش مع الطاغوت وفق قواسم متفق عليها, المشترك الإنساني – زعموا-, فلا دينه فهم ولا الواقع علم.
ولا بد للحق من الوقوف في وجه الطاغوت ولن يستطيع دون قوة تحميه، وتردع الباطل، وتضع حداً لعربدته وطغيانه، فالباطل لا يفهم إلا لغة القوة، ولهذا قال لوط عليه السلام (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) هود: ٨٠  ولقد جاء في الحديث (فما بعث الله بعده نبياً إلا في ثروة من قومه)([8]) وفي رواية (ذروة من قومه) قال محمد بن عمرو: الثروة: هي الكثرة والمنعة.
نعم إن الباطل لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يرى إلا بريق السيوف، ولا يسمع إلا هدير المدافع، وهو أصم أعمى عن الحق المسالم، عن الحق الضعيف، فهؤلاء قوم شعيب عليه السلام (قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيّاً إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) هود: ٩١ – ٩٢ هذه هي قدرة الباطل على الفهم، إنه يفهم القوة المحسوسة فقط، ولو رأى ألف ألف حكمة داسها بقدمه، ولو رأى مخلباً واحداً يرجع إليه أدبه حتى حين.
ولما وعى شاعرنا هذه الحقيقة من خلال القرآن ومما رأى شخصياً أنشد قائلاً:
إن كنت ذا حق فخذه بقوة ** الحق يخذله الضعيف فيزهق
لغة السيوف تحل كل قضية ** فدع الكلام لجاهل يتشدق
وكن اللبيب فليس من كلماتها ** شرع يداس ولا نظام يخرق
الخيل والرهج المثار حروفها ** والنار والدم والبلاء المطبق([9])
فَلَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ حَقِيقَةً إِلَّا بِالْعَمَلِ ولن يحمى الإيمان إلا بالجهاد.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ  وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ»([10]).
والذي يزعم أَنَّهُ بِالْقَوْلِ خَاصَّةً يَجْعَلُهُ مُؤْمِنًا حَقًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَمَلٌ فَهُوَ مُعَانِدٌ لِكِتَابِ الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولقد نفى الله الإيمان عن أناس بما عملوا فقال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} [المجادلة: 22] ، فأخبر أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله، فإن نفس الإيمان ينافي موادته، كما ينفي أحد الضدين الآخر. فإذا وجد الإيمان انتفى ضده، وهو موالاة أعداء الله، فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه، كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب.
ومثله قوله تعالى في الآية الأخرى: {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 80، 81] ، فذكر جملة شرطية تقتضي أنه إذا وجد الشرط وجد المشروط بحرف [لو] ، التي تقتضي مع الشرط انتقاء المشروط، فقال: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ.
ومثل الحكم بغير ما أنزل الله قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
فدلت الآيات على أن العمل هو المعول عليه بل هي منظومة كاملة من العمل عمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح.
وعندما يخبو أو يتخلف إي جزء من هذه المنظومة المتكاملة تتأثر بقية أفراد المنظومة وعندما ينشط أي فرد من المنظومة بصدق تنشط بقية أفراد المنظومة.
فإذا خبا في المؤمن روح الجهاد يذبل وينطفئ أيضاً عشق الإيمان والإسلام رويداً رويداً، فتحيطه شرارات الفتن من كل جانب، حتى تمسه ألسنة لهيبها. والفتن تولّد فتناً أخرى.
فإذا أصبح الجهاد غريباً مطارداً تخور قوا الأمة أمام الأحداث الداهمة فيسارعون للعويل والاستنجاد بعدو على عدو ويدفعون ضريبة الذل لأنهم تخلفوا عن دفع ضريبة الجهاد والتي هي أقل كلفة من ضريبة الذل.
وكذلك تزول من القلوب بركة الوحي بنسبة زوال الرغبة في الجهاد قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]. فأولئك الذين هداهم الله بهداه أما الناكثون عن الجهاد الملتجئون إلى الديمقراطية فلقد {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ } [الأعراف: 30] فحياتهم ظلمات بعضها فوق بعض ذلك لأن الله سبحانه وتعالى إنما يتفضل بالهدى والتثبيت والأنوار والطمأنينة على قلوب الذين يتحملون أعباء الجهاد ويتعهدون بإعلاء كلمة الله بما يوافق عظمته سبحانه، فالمجتمع المجاهد محروس ببركة الجهاد وبحماية الله له فإن تركوا الجهاد أذلهم الله.
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا تَرَكَ قَوْمٌ الْجِهَادَ إِلَّا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِالْعَذَابِ»([11]).
وإذا  كان المجتمع محروماً من هذه الروح وهذا العشق للجهاد، فإنه يتهاوى على رؤوس أفراده. إما اليوم، أو غداً، أو بعد غد. وإنّ غداً لناظره قريب. والتاريخ يشهد كم من أعزّاء أصبحوا أذلاء، وكم من أغنياء وأثرياء غدوا فقراء معدمين عندما حرِموا الجهاد. فالذين كانوا يتوّجون الملوك أصبحوا أذلاّء بعد أن دارت الأيام، وصاروا يتوسلون بتقبيل الأقدام. ونحن نتلو اليوم عليهم الآية الكريمة: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} [الدخان:25-27].
فالإيمان الحقيقي العملي يحصن المؤمنين ضد الغزو الكافر سواء كان هذا الغزو مادياً أو فكرياً فالله لا يرضى ولا يقبل من الناس إلا إيمانهم على الكيفية التي بيَّن لهم. وما عدا ذلك من معتقدات أو شعائر أو مناهج اصطلحوا عليها واستحسنوها ثم عكفوا على ممارستها ونسبوها إلى الإيمان وهو منها براء، فإن الله سبحانه لا يرضاها ولا يتولى من جاء بها.
ولا يتحصن بها من كيد الشياطين أو غزو الكافرين.
فلا إيمان دون جهاد ولا جهاد دون إيمان..
والإيمان يجعل الجهاد الإسلامي محفوفا بمنظومة من القيم الإيمانية والأخلاقية التي تنزهه عن كونه حربًا مجردة من المعاني النبيلة والغايات السامقة, لأن العقيدة التي من أجلها جردت سيوف الجهاد..هي في ذاتها تتسم بالصفاء عن كل الشوائب الوضعية.
فلنعمل جميعاً على زيادة إيماننا بتدبر القرآن وتلاوته للعمل به تلاوة من يقرأ أمر أعلى قيادة في الكون ليتفهمه ويبادر من فوره إلى التنفيذ وليس قراءته للتمايل والطرب فهذا نوع من الاستهزاء بأمر الله فلقد قال سبحانه {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } [الزمر: 23]
إنها الخشية والخوف وليس التمايل والطرب أنه أمر نزل للعمل وللتقيد به ولتنفيذ مضامينه وليس إلى تحريفها ولي أعناقها إنه منهج للحياة الدنيا عليه وليس للغناء إنه دستور للخلائق ومنبع للإيمان وأمر الله لعباده فلينظر كل امرئ أين يضع أمر الله.



[1] - صحيح مسلم (4/ 2107) 13 - (2750)
[2] - شعب الإيمان (13/ 158) 10106
[3] - المستدرك على الصحيحين للحاكم (2/ 86) 2408 - هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "[التعليق - من تلخيص الذهبي] 2408 - على شرط البخاري ومسلم
[4] - شرح السنة للبغوي (14/ 66) 3857
 [5] - صحيح البخاري (1/ 14) 25 متواتر
[6] - صحيح مسلم (3/ 1517) 158 - (1910)
[7] - المستدرك على الصحيحين للحاكم (2/ 89) 2421[التعليق - من تلخيص الذهبي] 2421 - صحيح[8] - مسند أحمد 27513
[9] - قصيدة للشاعر أحمد محرم مطلعها
      من هيبة يغضي القريض ويطرق  **  ويميل فيك إلى السكوت المنطق
[10] - سنن أبي داود (3/ 274) 3462[حكم الألباني] : صحيح

[11] - المعجم الأوسط (4/ 148) 3839

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.