سقوط الأخوان في منظومة الطغيان (16)
رضوان محمود نموس
الملاحظات وبعض الردود
نتابع الرد في هذه الحلقة على مقولة أصحاب البيان:
36- يقول محمد سعيد حوى ومن ورائه الإخوان: ص6 سطر 4: تطوير مبادرة القيادة بتعليق أنشطة الجماعة في ظل ظروف غزة إلى خطاب إعلامي سياسي إستراتيجي يهدف إلى مصالحة وطنية شاملة مع تشجيع وتأييد كل المواقف السورية السليمة والإعلان الدائم عن أهدافنا في المصالحة الوطنية والحوار الوطني وإزالة كل العقبات التي تحول دون ذلك، وإن إثارة الاتهامات للنظام حتى فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية علناً يفسد ذلك، لأنه سيجعله يقف سلبياً ونحن لا نملك أي وزن حقيقي.
لقد جاء الكاتب هنا بعدة طامات:
أولاً: تطوير التزلف للنظام الكافر المستكبر
ثانياً: تأييد مواقف النظام
ثالثاً: ذم نقد النظام حتى لا ينزعج ولأن الكاتب يصف نفسه وجماعته بأنهم لا يملكون أي وزن.
لذا يريد خطاباً استراتيجياً دائماً ونشيداً مستمراً يعزف على أنغام التزلف للنظام. ولقد جرت محاولات كثيرة منذ أوائل الثمانينات للبحث عن الوهم والسراب الذي يُسمَّى المصالحة الوطنية، وأسهمت فيها شخصيات، وقادة دول ووزراء (أربكان، الترابي، جبهة العمل الإسلامي الأردن، السودان، حماس, وغيرها) وجرت لقاءات في ألمانيا وغيرها من الدول وأظن أنه لا أحد يجهل النتيجة وشروط الدجال وحماره. الذي طالب بتغيير مناهج الإخوان وكتابة كتب على غرار كتاب الضلالة (الجهاد في الإسلام كيف نفهمه وكيف نمارسه) ومهاجمة فكر ابن تيمية وسيد قطب. والآن يريد محمد سعيد حوى أكثر من ذلك؛ يريد تغييراً جذرياً في نظم وتفكير وقيادات واستراتيجيات الجماعة واستبدال المسلمات. ليقدم ذلك بين يدي طلب المصالحة!! ممكن أن ينسى الإنسان التاريخ, ولكن من غير الممكن أن ينسى واقعه ويدس رأسه في التراب, وحديثاً جرت محاولات من بعض الدول والمنظمات والأحزاب ولم تفلح، لأنَّ النظام لا يريد الإخوان ولا الإسلام كُلَّه، ولا يفكر في ذلك أبداً، فهل يريد الكاتب أن يتابع الركض وراء السراب يحسبه ماءً؟؟!! وكيف كان موقف النظام من شيخ الجماعة عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله تعالى عندما نزل إلى سوريا بناءً على رغبة رأس النظام؟؟!! أظن أن الكاتب ومن على هواه يعلمون, وسيعلمون شيئاً آخراً ولكن بعد رحيل العمر وهو أنهم كانوا يطاردون خيط دخان. ولن يقبل بهم النظام إلا عندما يتخلون عن إسلامهم ويصبحون مواطنين صالحين بمعايير النظام النصيري الكافر.
ثم بعد كل هذا يدعي الكاتب الجهاد والدعوة إليه!!! فمن تجاهد يا ابن أخي؟! وكيف تجاهد إذا كنت تمنع حتى الكلام؟!.
هل تريد مجاهدة أعداء النظام؟!
هل تريد مجاهدة السلفيين والقاعدة أعداء أمريكا وإيران والنظام؟!
أم تريد مجاهدة نفسك على طريقة أبي يزيد البسطامي؟!
حبذا لو وضح الكاتب لنا مراده وأراحنا من هذه المعضلة.
37- يقول في الفقرة الثانية ص6: ما هي البدائل إذا لم نفعل؟ الاستمرار في المنافي بلا أمل ولا هدف.
أقول: إنه لو عرف الكاتب الغاية من وجوده لعلم أنها عبادة الله وإخلاص التوحيد والجهاد في سبيله وإعلاء كلمته، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن دار الظلم إلى دار العدل، وهكذا الأمثل فالأمثل. بل من دار الكفر إلى ما هو أقل منها كفراً.
فهل يَعُدُّ الهجرة بلا هدف.
وهذه الأرض مليئة بثغور الجهاد، من أفغانستان إلى العراق إلى الصومال إلى الشيشان إلى غير ذلك. فهل الهدف والأمل هو العودة للعيش تحت ظل الطاغوت النصيري المرتد؟ لا بارك الله بهذه الأهداف.
ثم يقول الكاتب: أي إذا لم نفعل نصنف مع الأعداء والأمريكان.
ونقول له: لقد قال الله تعالى: (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) آل عمران: ١٨٦ وهل اتهام الكفار لنا بالعمالة يغير مواقفنا واستراتيجياتنا، لقد قالوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ساحر وكاهن وكذاب وشاعر ومجنون... الخ. فهل أثناه هذا عن دعوته؟! مالكم كيف تفكرون؟! والحركات الإسلامية دائماً متهمة، وهذه من السنن أنَّ الطواغيب يتهمون أهل الحق, قال تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر26 وهل تريد تثبيت قاعدة بوش بجعل أمريكا هي الناظم والفيصل فإما مع أمريكا وإما ضد أمريكا, من هي أمريكا يا ابن أخي؟ هي أمبراطورية الكفر والظلم والبغي والفساد, هي رأس محور الشر في الدنيا الآن, يا ابن أخي تذكر قوة الله وقدرته تهون عليك أمريكا وكل طواغيت الأرض, يا ابن أخي كن مع الله ولا تبالي.
38- قال الكاتب ص6 سطر 14: بناء سياستنا على تصورات خاطئة واتهامات لا أساس لها وهذا لا يجوز شرعاً.
ما شاء الله تبارك الله لا قوة إلا بالله. -عاد الكاتب أخيراً إلى التكلم بالشرع- ولكن ما هي هذه التصورات الخاطئة؟ هل هي عقيدة الولاء والبراء؟ أم إنكار العلمانية؟ أم عدم فصل الدين عن السياسة؟ أم إخلاص التوحيد؟ أي تصور خاطئ تقصد؟! وأي اتهامات تقصد أنها لا أساس لها، أم أنك تريد نفي الجرائم التي يمارسها النظام كافة. ويصبح الإسلام والمسلمون هم المتهمون!!
وهل اتهام النظام السوري النصيري بالكفر والنصيرية والعمالة اتهام باطل ولا أساس له؟ إن من لم يكفر النظام النصيري الكافر في سوريا وآيات قم الذي يشركون مع الله آلهة أخرى، أو سائر الكفار عليهم أن يراجعوا دينهم. وإن القاعدة الشرعية تقول:
من لم يكفر الكافر فهو كافر ومن شك في كفره فهو كافر([1]).
وذكر شيخ الإسلام حكم من لم يكفر الكافر سواء كان كافراً أصلياً كاليهود والنصارى، أو من ثبت كفره يقيناً كالباطنية، فقال - رحمه الله - في رده على أهل الحلول والاتحاد: (وأقوال هؤلاء شر من أقوال النصارى، وفيها من التناقض من جنس ما في أقوال النصارى، ولهذا يقولون بالحلول تارة، وبالاتحاد أخرى، وبالوحدة تارة، فإنه مذهب متناقض في نفسه، ولهذا يلبسون على من لم يفهمه، فهذا كله كفر باطناً وظاهراً بإجماع كل مسلم، ومن شك في كفر هؤلاء بعد معرفة قولهم ومعرفة دين الإسلام فهو كافر، كمن يشك في كفر اليهود والنصارى والمشركين) (وقال في بيان حكم من زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلمإلا نفراً قليلاً أو أنهم فسقوا عامتهم، قال: (فهذا لا ريب - أيضاً- في كفره لأنه مكذب لما نصه القرآن في غير موضع من الرضى عنهم والثناء عليهم، بل من يشك في كفر مثل هذا فإن كفره متعين...)
وذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - من نواقض الإسلام: (الثالث: من لم يكفر المشركين، أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم، كفر إجماعاً) (وقال الإمام سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم الله: (...فإن كان شاكاً في كفرهم أو جاهلاً بكفرهم بينت له الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على كفرهم، فإن شك بعد ذلك وتردد فإنه بإجماع العلماء على أن من شك في كفر الكفار فهو كافر)
وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي: من نواقض الإسلام من لم يكفر الكافر إذا عرف كفره بالدليل، وأدلة هذا الناقض كثيرة ([2]).
39- يقول الكاتب ص6 سطر 18: وما المانع أن نصحح.
أقول: التصحيح أمر مطلوب، بل واجب شرعي، فعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).([3])
ولكن مجرد تعديل السمت لا يكون تصحيحاً، بل ربما يكون عين الخطأ، وقبل التصحيح لا بد من المراجعة؛ للتأكد من نقطة وقوفنا, أين نحن من كتاب الله؟ أين نحن من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أين نحن من الدعوة إلى الله؟ أين نحن من الجهاد في سبيل الله؟ أين نحن من أهدافنا؟ أين نحن من معسكر المجاهدين؟ أين نحن من معسكر الردة؟ أي نحن من معسكر الكفر؟ وعلى ضوء الإجابات نستبين ما هو الصحيح من مواقفنا فننميها ونستمر عليها، وما هو الخطأ فنتراجع عنه ونصححه.
ولكنَّ الكاتب عمد إلى مسيرة الجماعة. فنَقبَّ عن الأخطاء؛ لا ليغيرها, ويتجاوزها, بل ليجعل منها أصولاً ثابتة يُقاس عليها, وتعمق وتكرس, وتصبح منهجاً واجب الاتباع. فأصر على الأخطاء, بل طورها وحشد لها الأهواء والضلالات, وزج في المعركة كل الاحتياطي, من التدليس والتمويه, واللعب بالألفاظ, والمغالطات والأقيسة الفاسدة.
وقام بنفس الوقت بمحاربة ما هو صحيح وقصفه بكل الأسلحة والوسائط وحشد ضده كل أنواع وأصناف القوى.
ونسي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) يونس٨١. وقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) فاطر: ١٠ والواقع يقول: إن الجماعة وبعد وفاة مرشدها الأول رحمه الله كانت تفتقر إلى التأصيل الشرعي بالعودة إلى الكتاب والسنة، وتنمي التقليد الأعمى لقياداتها، خاصةً إذا كان هذا التقليد يناسب الأهواء. وأضرب لذلك مثلاً: فالإمام حسن البنا رحمه الله أصاب في الكثير وأخطأ في القليل، ولكنَّ من جاء بعده لم يقلدوه بالتأصيل الصحيح، وحرصوا على تقليده فيما أخطأ فيه، مثل: الاشتراك في الانتخابات الديمقراطية، والتحالف مع المشركين، مستندين إلى أنَّ حسن البنا أدخل أقباطاً باللجنة السياسية للإخوان منهم (وهيب الدوس) و (أحنوخ لويس أحنوخ). فحرصوا على هذه السابقة وكأنها قرآناً يتلى، وتركوا كل آيات القرآن والحديث التي تنهى عن موادة الكفار أو التحالف معهم أو الركون إليهم.
والكاتب أوغل في الأخطاء، بل استحدث أخطاءً لم تكن موجودة، وقد بينت قسماً منها. ولم يَدْعُ إلى إصلاح أو إلى تصحيح.
فمن التصحيح الذي يجب أن يدعو إليه إن كان لديه الحرص على التصحيح:
1. بناء المواقف على أسسٍ دينيةٍ شرعيةٍ؛ وهو ينادي بفصل الديني عن السياسي.
2. عدم موالاة الكفار؛ هو يحرص على التحالف معهم، والحلف ولاء.
3. جمع كلمة أهل السنة والجماعة؛ وهو لا يريد أهل السنة إذا لم يكونوا مجتمعين على أهوائه وآرائه، ويفضل أن يلتقي مع النصيريين والشيعة والعلمانيين والعروبيين والتحرريين.
4. إنكار المنكر؛ وهو يدعو إلى السكوت عن المنكر.
5. محاربة البدع, وهو يدعو إلى البدع والمآتم.
6. الثبات على الحق؛ وهو يدعو إلى التراجع عن الحق لإرضاء أهل الباطل.
7. الاعتماد على الأدلة الصحيحة من القرآن والسنة؛ وهو يدعو إلى أقيسة باطلة وأهواء مضلة.
8. المحافظة على الهدف؛ وهو يدعو إلى التخلي عن الهدف وتبديل الأهداف، وإلى التعايش السلمي مع الطاغوت والباطل.
9. تقدير الموقف واتخاذ القرار الشرعي؛ وهو في وريقاته تناقض في كل صفحة.
10. أن يكون اللقاء على العقيدة؛ وهو يرفض هذا ويدعو للِّقاء على القواسم المشتركة مع الطاغوت, والمشترك الإنساني.
إذن لا بد من التصحيح الشرعي وليس التمادي في الباطل، وما يدعو إليه الكاتب ليس من التصحيح في شيء، بل هو العماية والغواية والضلالة.
ولقد قال الشاعر: قريط بن أنيف العنبري.
لو كنتُ من مازن لم تستبحْ إبلي
فليت لي بهم قوماً إذا ركبوا قومٌ إذا الشر أبدى ناجذيه لهم لكنَّ قومي وإنْ كانوا ذوي عددٍ يجزون من ظلمْ أهل الظلم مغفرةً كأنَّ ربك لم يخلق لخشيته |
بنو اللقيطة من ذهل بن شبانا
شنوا الإغارة، فرسانا وركبانا طاروا إليه زرافات ووحدانا ليسوا من الشر في شيء وإنْ هانا ومن إساءة أهل السوء إحسانا سواهم من جميع الناسِ إنسانا |
0 التعليقات:
إرسال تعليق