لا تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته(59)
رضوان محمود نموس
يتابع الكاتب في هذه الحلقة حكم الاستعانة بالمشركين
ولقد قال المفسرون في قوله تعالى:]مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا}([1]).
قال القرطبي: [ قوله تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا التقدير عند الفراء من كان يريد علم العزة وكذا قال غيره من أهل العلم أي من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها لأن العزة إذا كانت تؤدي إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل جميعا....وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس ولا يحزنك قولهم إن العزة لله ويحتمل أن يريد سبحانه أن ينبه ذوي الأقدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق فتكون الألف واللام للاستغراق وهو المفهوم من آيات هذه السورة فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل وسكون وخضوع وجدها عنده إن شاء لا ممنوعة ولا محجوبة عنه قال صلى الله عليه وسلم من تواضع لله رفعه الله ومن طلبها من غيره وكله إلى من طلبها عنده وقد ذكر قوما طلبوا العزة عند سواه فقال:] الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } فأنبأك صريحا لا إشكال فيه أن العزة له يعز بها من يشاء ويذل من يشاء وقال صلى الله عليه وسلم مفسرا لقوله من كان يريد العزة فلله العزة جميعا من أراد عز الدارين فليطع العزيز وهذا معنى قول الزجاج ولقد أحسن من قال وإذا تذللت الرقاب تواضعا إليك فعزها في ذلها فمن كان يريد العزة لينال ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ومن اعتز بالله أعزه الله]([2]).
وقال الطبري:[ القول في تأويل قوله تعالى: الذين يتخذون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا أما قوله جل ثناؤه الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين فمن صفة المنافقين يقول الله لنبيه يا محمد بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلاء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة يقول أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي فإن العزة لله جميعا يقول فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم هم الأذلاء الأقلاء فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين فيلتمسوا العزة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء فيعزهم ويمنعهم ]([3]).
وقال ابن كثير: [قال الله تعالى ينعو عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين أيبتغون عندهم العزة ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له كما قال تعالى في الآية الأخرى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا وقال تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عبادة المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد]([4]).
أقوال العلماء:
1- قال الإمام مالك رحمه الله تعالى:[ ولا أرى أن يستعان بالمشركين على قتال المشركين إلا أن يكونوا خدما أو نواتية]([5]).
3-قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى :[ وقد قيل لابن عمر إنا ندخل على الإمام فيقضي بالقضاء فنراه جورا فنمسك فقال إنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد هذا نفاقا فلا ندري ما تعدونه أنتم وقد ذكرنا قبل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من كن فيه كان منافقا خالصا وإن صلى وإن صام وقال إني مسلم فإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز أن نقطع عليهم بالكفر الذي هو ضد الإسلام إلا بنص ولكنا نقطع عليهم بما قطع الله تعالى به من اسم النفاق والضلالة والإركاس وخلاف الهدى ولا نزيد ولا نتعدى ما نص الله تعالى عليه بآرائنا وبالله تعالى التوفيق وقال الله تعالى بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا % الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا % إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ثم مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا % يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا % إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما.
قال أبو محمد أما هؤلاء فمنافقون النفاق الذي هو الكفر فلا شك لنصه تعالى على أنهم مذبذبون لا إلى المؤمنين ولا إلى المجاهرين بالكفر في نار جهنم وأنهم أشد عذابا من الكفار بكونهم في الدرك الأسفل من النار]([7]).
4- قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: [لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ولا تتخذوا بطانة من دونكم تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين ونحو ذلك وروى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الخروج إلى أحد جاءه قوم من اليهود فقالوا نسير معك فقال عليه الصلاة والسلام إنا لا نستعين على أمرنا بالمشركين وهذا هو الصحيح من مذهب الشافعي]([8]).
5- وقال الإمام الجصاص رحمه الله تعالى :[ باب الاستعانة بأهل الذمة: قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم الآية قال أبو بكر بطانة الرجل خاصته الذين يستبطنون أمره ويثق بهم في أمره فنهى الله تعالى المؤمنين أن يتخذوا أهل الكفر بطانة من دون المؤمنين وأن يستعينوا بهم في خواص أمورهم وأخبر عن ضمائر هؤلاء الكفار للمؤمنين فقال لا يألونكم خبالا يعني لا يقصرون فيما يجدون السبيل إليه من إفساد أموركم لأن الخبال هو الفساد ثم قال ودوا ما عنتم قال السدي ودوا ضلالكم عن دينكم وقال ابن جريج ودوا أن تعنتوا في دينكم فتحملوا على المشقة فيه لأن أصل العنت المشقة.. وقال الله تعالى ولو شاء الله لأعنتكم وفي هذه الآية دلالة على أنه لا تجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة وقد روي عن عمر أنه بلغه أن أبا موسى استكتب رجلا من أهل الذمة فكتب إليه يعنفه وتلا يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم أي لا تردوهم إلى العز بعد أن أذلهم الله تعالى – ثم قال -
قوله تعالى بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين قيل في معنى قوله أولياء من دون المؤمنين إنهم اتخذوهم أنصارا واعتضادا لتوهمهم أن لهم القوة والمنعة بعداوتهم للمسلمين بالمخالفة جهلا منهم بدين الله وهذا من صفة المنافقين المذكورين في الآية وهذا يدل على أنه غير جائز للمؤمنين الاستنصار بالكفار على غيرهم من الكفار إذ كانوا متى غلبوا كان حكم الكفر هو الغالب وبذلك قال أصحابنا وقوله أيبتغون عندهم العزة يدل على صحة هذا الاعتبار وأن الاستعانة بالكفار لا تجوز إذ كانوا متى غلبوا كان الغلبة والظهور للكفار وكان حكم الكفر هو الغالب فإن قيل إذا كانت الآية في شأن المنافقين وهم كفار فكيف يجوز الاستدلال به على المؤمنين قيل له لأنه قد ثبت أن هذا الفعل محظور فلا يختلف حكمه بعد ذلك أن يكون من المؤمنين أو من غيرهم لأن الله تعالى متى ذم قوما على فعل فذلك الفعل قبيح لا يجوز لأحد من الناس فعله إلا أن تقوم الدلالة عليه]([9]).
6- وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى في زاد المسير:[ قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم قال ابن عباس و مجاهد نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجالا من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والجوار والرضاع والحلف فنهوا عن مباطنتهم قال الزجاج البطانة الدخلاء الذين يستبطنون أمره وينبسط إليهم يقال فلان بطانة لفلان أي مداخل له مؤانس ومعنى لا يألونكم لا يتقون غاية في إلقائكم فيما يضركم قوله تعالى ودوا ما عنتم أي ودوا عنتكم وهو ما نزل بكم من مكروه وضر يقال فلان يعنت فلانا أي يقصد إدخال المشقة والأذى عليه وأصل هذا من قولهم أكمة عنوت إذا كانت طويلة شاقة المسلك قال ابن قتيبة ومعنى من دونكم أي المسلمين والخبال الشر قوله تعالى قد بدت البغضاء من أفواههم قال ابن عباس أي قد ظهر لكم منهم الكذب والشتم ومخالفة دينكم قال القاضي أبو يعلى وفي هذه الآية دلالة على أنه لا يجوز الاستعانة بأهل الذمة في أمور المسلمين من العمالات والكتبة ولهذا قال أحمد لا يستعين الإمام بأهل الذمة على قتال أهل الحرب]([10]).
7- وقال ابن مفلح رحمه الله تعالى في المبدع:[ وأطلق أبو الحسن وغيره أن الرواية لا تختلف أنه لا يستعان بهم ولا يعاونون وأخذ القاضي من تحريم الاستعانة تحريمها في العمالة والكتابة قال الشيخ تقي الدين من تولى منهم ديوانا للمسلمين انتقض عهده وفي الرعاية يكره إلا لضرورة فرع تحرم الاستعانة بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين]([11]).
8- وقال المرداوي رحمه الله تعالى في الإنصاف:[ وقال الشيخ تقي الدين من تولى منهم ديوانا للمسلمين انتقض عهده لأنه ينافي الصغار وقال في الرعاية يكره إلا لضرورة وتحرم الاستعانة بأهل الأهواء في شيء من أمور المسلمين لأن فيه أعظم الضرر]([12]).
9- وقال البهوتي رحمه الله تعالى في كشاف القناع:[ ولا يكون الذمي بوابا ولا جلادا ولا جهبذا وهو النقاد الخبير ونحو ذلك لخيانتهم فلا يؤمنون ويحرم توليتهم الولايات من ديوان المسلمين أو غيره لما فيه من إضرار المسلمين للعداوة الدينية وتقدم نحو الاستعانة بهم في القتال]([13]).
0 التعليقات:
إرسال تعليق