أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (47)
جمال الدين الأفغاني
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن محاولة محمد عمارة تحديد الأسوة والقدوة والرواد للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل, والرائد الثالث من الناحية التاريخية وهو الأول والأساس من ناحية التأثير هو جمال الدين الشيعي الإيراني المتأفغن عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
المبحث السادس ماسونية جمال الدين:
يقول محمد عمارة وهو الذي يقدِّم لنا جمال الدين رائداً من رواد الصحوة الإسلامية؛ بل أكبر روَّادها، يقول عنه: [ إن الأفغاني قد ربط تحقيق الكثير من آماله وأحلامه مثل سيادة السلام، وانتهاء الحكم المطلق وكذلك سيادة الاشتراكية كل مجتمعات العالم بسيادة الفكر والمعرفة الصحيحة حياة البشر وتحولها إلى قوة مؤثرة في أحداث هذه الحياة وعلو راية الإخاء الإنساني فوق كل هذه الرايات ]([1]).
ويقول: [ وبرز الطابع السياسي لنشاط الأفغاني وأدرك دوره التنظيمي وأهميته في حركة الإصلاح والتغيير، وكانت الحركة الماسونية على ذلك العهد ذات سمعة حسنة إلى حد كبير، فهي ترفع شعارات الثورة الفرنسية (الحرية - الإخاء - المساواة) وتواصل النضال الذي بدأته منذ العصور الوسطى ضد الكهنوتية والسلطة الرجعية، وتسعى لفصل السلطة الزمنية عن السلطة الدينية كي تضعف من سلطان الأباطرة الملوك والسلاطين، كما كانت تضم صفوة المجتمع بصرف النظر عن الجنس والدين، ولم تكن في العقد الثامن من القرن الماضي قد ظهرت مخاطر الحركة الصهيونية الحديثة، الأمر الذي يجعل من وجود نفر من اليهود بالمحافل الماسونية أمراً يستريب منه الوطنيون والمصلحون العرب في أمر الحركة الماسونية، كما هو الحال بـعد تلك الحقبة من التاريخ ]([2]).
ثم يقول عمارة: [ ولكنه - أي الأفغاني - اكتشف الخيوط التي تربط قيادة المحفل الماسوني بالاستعمار ومهادنتها للسلطة المستبدة... وبعد هذا التمرد الذي قاده الأفغاني في المحفل الماسوني الغربي التابع للمحفل البريطاني، وبعد هذه الثورة التي أعلنها في اجتماع ضمّ أميراً إنجليزياً حضر ضيفاً في الاجتماع، أحدث جمال الدين انشقاقاً في الحركة الماسونية بمصر وخرج بخيرة عناصر المحفل الوطني، فأسس بهم محفلاً وطنياً شرقياً علاقته مع المحفل الفرنسي ]([3]).
وعندما ترك المحفل الإنكليزي كما نقله محمد عمارة، قال: [ كنت أنتظر أن أسمع وأرى في مصر كل غريبة وعجيبة، ولكن ما كنت لأتخيل أن الجبن يمكن أن يدخل بين أسطوانتي المحافل الماسونية !! إذا لم تدخل الماسونية في سياسة الكون وفيها كل بنّاء حرّ، وإذا آلات البناء بيدها لم تستعمل لهدم القديم وتشييد معالم حرية صحيحة وإخاء ومساواة وتدكّ صروح الظلم والعتو والجور، فلا حملت يد الأحرار مطرقة حجارة ولا قامت لبنائهم زاوية قائمة، ماسونيتكم اليوم لا تتجاوز كيس أعمال وقبول أخ يتلى عليه من أساطير الأولين ما يملّ ويخلّ في عقيدة الداخل، وهي رموز لا يفقه أكثرنا مغزاها ولا المراد من وضعها ]([4]).
إذن جمال الدين يعرف أن الماسونية تخلُّ بالعقيدة, وبها رموز توراتية يدعي عدم معرفتها, فماذا صنع بعد ذلك؟
لقد قام جمال الدين بطلب انتساب؛ بل بتأسيس المحفل التابع للماسونية الفرنسية.
فقال: [ يقول مدرس العلوم الفلسفية بمصر المحروسة جمال الدين الكابلي، الذي مضى من عمره سبعة وثلاثون سنة بأني أرجو من إخوان الصفا وأستدعي من خلان الوفا، أعني أرباب المجمع المقدس الماسون، الذي هو عن الخلل والزلل مصون، أن يمنوا علي ويتفضلوا إلي بقبولي في ذلك المجمع المطهر، وبإدخالي في سلك المنخرطين في ذلك المنتدى المفتخر، ولكم الفضل.
الخميس 23 ربيع الثاني 1292 هـ. التوقيع: جمال الدين الكابلي ]
نشرت صورة هذا الطلب الفوتوغرافية في كتاب " مذكرات السلطان عبد الحميد " ص / 206. وقد نشرت بعد هذا الطلب صورة فوتوغرافية لكتاب موجه إلى جمال الدين من المحفل الماسوني الفرنسي المسمى (كوكب الشرق) يدعوه إلى حفلة انتخابه رئيساً للمحفل. ونص الخطاب:
[ لوج كوكب الشرق نمره 1255
في القاهرة بمصر و 7 جنايو سنة 1878 / 5878.
إلى الأخ جمال الدين المحترم.
إنه لمعلوم لديكم بأن جلسة 28 الماضي وبأغلبية الآراء صار انتخابكم رئيساً محترماً لهذا اللوج لهذا العام، ولذا قد نهنيك ونهني ذواتنا على هذا الحظ العظيم، وعن أمر الرئيس المحترم الحالي أدعو أخوتكم للحضور يوم الجمعة القادم 11 الجاري الساعة 2 عربي بعد الغروب إلى محفل هذا اللوج لأجل استلامكم القادوم بعد إتمام ما يجب من التكريز الاعتيادي ثم سيصير يوم الخميس 10 الجاري الساعة 6 إفرنجي مساءً تكريز رئيس محترم لوج كونكورديه، فالرجاء حضوركم في اليوم المذكر للاشتراك في الأشغال، وفي الحالتين ملابسكم تكون سوداء ورباطة الرقبة والكفوف بيضاء.
ونلفت الانتباه إلى أن التاريخ الآخر (5878) هو التاريخ العبري.
ثم أصبح جمال الدين رئيس محافل البلاد العربية، وهذا ما أشار إليه رشيد رضا إذ يقول: [ وفي خلال عام 1878 زاد مركزه خطراً في البلاد، وسما مقامه لأنه تداخل في السياسات وتولى رئاسة جمعية الماسون العرب ]([6]).
وماسونية جمال الدين الأفغاني أمر مجمع عليه بين كل من ترجم لجمال الدين الأفغاني من محبِّ أو غير ذلك. وسنستعرض بعض الأقوال في هذا الموضوع لنتأكد من ذلك:
فقد نشرت جريدة الأهرام سلسلة مقالات عن جمال الدين الأفغاني تصب كلها في الدفاع عنه ما بين 29 أغسطس إلى 17 أكتوبر 1983م، جمعها الدكتور محمد أمان صافي في كتابه "السيد جمال الدين الأفغاني بين الحقيقة والافتراء" وكانت كما يلي:
في مساهمة الدكتور جابر قميحة يقول: [ والثابت أن جمال الدين الأفغاني اشترك في المحفل الماسوني الإنكليزي مشدوداً على حد قوله بشعارهم الكبير الخطير: حرية إخاء مساواة، وكان المحفل يضم أشراف الناس وكبراءهم، وصُدِم جمال الدين حين رأى أن هذا الشعار لا وجود له في واقع هؤلاء الأعضاء، بل لم يجد منهم إلا الجبن والسلبية والتزاحم على المناصب، فاستقال وأنشأ محفلاً آخر تابعاً للشرق الفرنسي، ونجح في تنظيمه حتى بلغ أعضاؤه ثلاثمائة عضو ].
أما الشيخ محمد الغزالي فيقول عن الأفغاني: [ قالوا كان منتسباً لأحد المحافل الماسونية ولا أنفي هذا، وإنما أسأل في أي كتاب إسلامي شرحت آثام الماسونية وحذّر المسلمون منها قبل عصر الأفغاني، إنّه خُدع بكلمات الإخاء والحرية والمساواة... وقد أُلِّفت عشرات الكتب عن نابليون تنوه بأمجاده وتتواصى بالسكوت عن غدره وشذوذه وخسته. القوم إن رأوا من عظمائهم خيراً أذاعوه وإن رأوا شراً دفنوه ]([7]).
وقال الغزالي مادحاً الأفغاني في نفس الكتاب: [ إنه –أي الأفغاني– قدم إسلاما بلا مذاهب مفرِّقة وداس بكبرياء ما انشغل به جلة علماء الدين من فروع الفقه وبحوث اللاهوت ]([8]).
ويقول أيضا مدافعاً عن ماسونية الأفغاني: [ أذكر أنه جمعتني أيام طيبة بالدكتور محمد محمد حسين رحمه الله وهو رجل خبير بالتيارات الأدبية الحديثة وله غيرة مشكورة على الإسلام وأكن له في نفسي احتراما كثيرا سمعت منه كلاما لم أتجاوب معه.
قال: إن شعار الحرية والإخاء والمساواة اختراع يهودي وإن اليهود هم صانعو الثورة الفرنسية عن طريق محافلهم الماسونية وإن النظام الجمهوري نفسه يكاد يكون من صنع اليهود وهؤلاء اليهود المكرة من وراء الثورة الشيوعية في روسيا عام 1917 م.
قلت في نفسي ولعلهم كذلك صانعو هيئة الأمم المتحدة ما أحقهم بالحياة إذا كانوا مع قلتهم بهذا الحجم الضخم وبذلك الأثر العميق.
واستطرد الحديث ليتناول مبدأ (الأمة مصدر السلطات) وكيف أنه مبدأ غير إسلامي وتحدث الرجل عن جمال الدين ومحمد عبده حديثا مليئا بالسخط والزراية وقال إنهما ماسونيان.
قلت: أحب أن أرجئ الحديث عن الأشخاص وأكترث بالحديث عن المبادئ، ليكن فلاناً شيطاناً رجيماً أو ملاكاً كريماً فذاك يعنيه عند ربه، وما تنفعه شهادتي له إذا كنت مخدوعاً فيه.
إذا كان شعار الحرية والإخاء والمساواة من صنع عبّاد الشيطان فماذا صنع عبّاد الرحمن؟ وإلى أين تتجه الطبقات التي تشعر بالعبودية والنبذ والظلم؟
يا صديقي إن الشعار عظيم، قل: إن اليهود يتاجرون به، أما أن تعلن عليه حرباً باسم الإسلام فلا، ولا.. لا تظلم الإسلام.
وقضية أن الأمة مصدر السلطات لا تعني أكثر من وضع حد للحق الإلهي في الحكم الذي زعمه ملوك أوربا لأنفسهم، أي أنه لا حق لأبي بكر في الخلافة لو لم تختره الأمة اختياراً عبر عن رغبتها الحرة وسلطانها في التقريب والإبعاد.
قال: المبدأ أوسع من ذلك، فهو يعطي الأمة حق التشريع والتشريع لله وحده.
قلت: صيحة لا حكم إلا لله معروفة في تاريخنا.
ونحن المسلمين نوقن بأن نصوص الكتاب والسنة واجبة التطبيق ومعترضها ينسلخ عن الدين ودائرة النص محدودة الأبعاد، ومن ثم قام القياس والاستصلاح والاستحسان وقام النظر الحر في شؤون الدنيا واستطاع المسلمون بالإرشاد الإلهي أن يشرعوا لأنفسهم على امتداد الزمان والمكان. إنني أرفض بل أزدري صياحا أبله ضد مبادئ هي من صميم الفطرة ومن غايات الإسلام الاجتماعية لا لشيء إلا لأنها غير ما نألف في عاداتنا وتاريخنا أعني عادات أمتنا إبان هزائمها الثقافية والسياسية وما حواه تاريخها الأخير من تخلف وضياع وقد كان الإمامان العظيمان جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده يسعيان لتجلية حقائق الإسلام ونفض ما علاها من غبار ويتنكران للتقاليد الدخيلة عليه أو التي تستمد حق البقاء من التصاقها به ولما كان لهذه التقاليد سدنة يفيدون منها ويبنون وجاهتهم على حيطانها فقد انطلقوا يصيحون في كل فج مهددين بالويل والثبور وعظائم الأمور ويعلم الله أن هؤلاء الصائحين إما صديق جاهل بالإسلام وإما عدو مضل مبين.
وهنا سأل سائل: أمن خدمة الإسلام الانتساب إلى الماسونية؟.
وقلت: إنني أكره هذا العمل وهو خطأ بولغ في تضخيمه والماسونية نحلة ما كان أحد يدري خباياها كانت تخادع بشعار الحرية والإخاء والمساواة فلما دخلها جمال الدين وأحس أن أعضاءها مزورون شن عليهم الحرب وفض محفلهم وأسس محفلا آخر يقول فيه ما يريد.
ولو أني دخلت حانة للخمر وجلست على إحدى موائدها لأعكر صفو الشاربين وأذم إليهم السموم التي يتناولونها وأصف لهم مساخرهم في غيبوبتهم ما كنت ملوما.
والدول الإسلامية الآن تنتمي إلى هيئة الأمم المتحدة وتحرص على البقاء فيها وهي ماسونية كبيرة إن صح التعبير وليس ذلك عيبا إنما العيب أنها نسيت حقوق الإسلام عليها ولم يكن حديثها في هذه الهيئة ترجمانا لأهدافه الإنسانية الرفيعة ودفاعا باسمه عن المظلومين وما أكثرهم في ظلام هذه الحضارة ]([9]).
أي أن المطلوب منا كما يريد الشيخ الغزالي أن نصنع كما صنع الفرنسيون بسكوتهم عن نابليون، فعلينا أن نسكت عن شذوذ جمال الدين وخسته وغدره.
ولقد شبه الشيخ الغزالي دخول جمال الدين للمحفل الماسوني الإنجليزي بدخول خمارة للاستهزاء بأهلها. وكنا لا نحب أن يصدر مثل هذا التهويش والغوغائية والكلام غير المسؤول وغير اللائق والأشبه بكلام السُّوقَةِ من شخصية مثل الشيخ الغزالي, ولا يملك الإنسان في مثل هذه المواقف إلا أن يقول اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك, ونسألك اللهم أن لا تفتنّا, وأن تحفظ علينا ديننا وعقولنا.
وهنا نود أن نسأل الشيخ الغزالي: إذا دخل جمال الدين للاستهزاء بالماسونية الإنجليزية فلماذا أسس ماسونية وخمارة على حد تعبير الغزالي تابعة لفرنسا؟ ولماذا دخل في الخمارة الماسونية الإيطالية؟ والخمارة الماسونية الأمريكية؟ والخمارة الماسونية الإيرانية؟ والخمارة الماسونية الهندية؟ والخمارة الماسونية الروسية؟
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمِلْ *** ما هكذا يا سعدُ تُورَدُ الإبلْ
كنا لا نحب للغزالي وأمثاله أن يتلوثوا بهذا الدنس الذي أصابهم بلله لقرب مأخذهم الفكري من مدرسة الأشقياء هذه. قال الله تعالى: ) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (([10]).
- كما نشرت مجلة الشرق الأوسط مداولات فكرية حول جمال الدين الأفغاني, بمناسبة مرور 100 عام على ذكراه في الفترة ما بين 18 مارس 1989 إلى 31 مايو 1989م, جمعها الدكتور أمان الله صافي في نفس الكتاب سالف الذكر ومما جاء فيها:
مساهمة الأستاذ محمد حسين زيدان قال فيها مدافعاً عن ماسونية الأفغاني: [ فكثيرٌ من العلية في مصر كانوا الرؤساء للمحفل الماسوني، فما عرفنا منهم أنهم أفسدوا شعبهم ]. ونقول للأستاذ: إذا كنت حتى الآن لا ترى ما أحدثه الماسون وأفراخهم من إفساد في الدين وإهلاك للحرث والنسل فمتى تدري يا مسكين بل يا مغفل وإلى متى ستظل تائهاً؟!.
أما الدكتور أبو اليزيد العجمي فقال في دفاعه عن ماسونية الأفغاني: [ قد اجتهد أن هذه الجمعية قد تحمل فكرته أو تحمل معاني تتفق مع المعاني العامة التي كان يدعو لها الأفغاني، والصورة التي أدركها كانت بعيدة عن مساوئ الماسونية التي اكتشفها العلماء فيما بعد ].
وأما الدكتور أحمد شلبي فيقول: [ أما اتهامه بالماسونية فلا يستطيع أحدٌ أن يلومه عليه لأن أخطار هذه النِّحلة لم تكن قد ظهرت بعد وقتَ ظهور جمال الدين الأفغاني، كما أن بثّ سمومها يتفاوت من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن ].
وقال الدكتور عبد الباسط محمد حسن عميد كلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر: [ يؤخذ على جمال الدين أيضاً أنه استعان ببعض الدول الأوربية والسفراء الأجانب في تحقيق رغباته، فكيف يحق للسيد جمال الدين أن يستعين بالأجانب ضد بني وطنه، وكيف يحق له أن يلتجأ إلى قنصل فرنسا ممثلاً عن الماسونية المصرية طالباً منه أن يعمل على عزل الخديوي إسماعيل، وكيف يحق له بعد اختلافه مع الشاه ناصر الدين أن يذهب إلى إنكلترا مطالبا الإنكليز بعدم التعاون مع الشاه ].
أما الدكتور سيد يوسف الطويل عميد كلية الدراسات العربية والإسلامية في جامعة الأزهر فقد قال في مساهمته: [ انضم جمال الدين للمحفل الماسوني الاسكتلندي الذي يضم علية القوم وكانت وجهته أن يوصل أفكاره بهذه الطبقة لأنهم أقدر على التغيير من غيرهم ثم استقال وأنشأ محفلا آخر تابعا للشرق الفرنسي ].
ويقول الدكتور عبد الحليم عويس الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض في معرض دفاعه عن ماسونية الأفغاني: [ ففي عدد من البلاد العربية الآن تعمل أندية الروتاري والليونز بصورة رسمية وعلنية وتحرسها الحكومات الإسلامية ويخطب فيها أحيانا بعض علماء الإسلام الذين لا نستطيع أن نشك في مصداقية بعضهم لكنه الجهل بأبعاد التآمر العالمي أو الرغبة في اقتحام المجهول ومحاولة معرفته لمقاومته أو محاولة تبصير بعض المنتسبين إليه عن جهل. وفي يقيني أن السيد جمال الدين الأفغاني عندما تعامل مع الماسونية وعندما تعامل مع التيارات الإصلاحية المطروحة والتي انكشف أمرها فيما بعد كان ينطلق من أنه أقوى منها وأنه يجب عليه احتواؤها وليس الهروب منها ].
أما الشيخ محمد علي الصابوني فقال عن جمال الدين: [ ولا يستبعد أن يكون قد غرر به من قبل الحركات الهدامة لأنها كانت تظهر النفع بأبناء العالم وهي تخفي المخالب التي تفترس بها، فما ينسب إليه من أنه دخل في الحركة الصهيونية إنما يكون من هذا القبيل إنه غرر بهذا تحت شعار النفع العام ].
أما الدكتور مصطفى عبد الواحد مدير مركز إحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى فبرر ذلك بقوله: [ ولقد دفع الأفغاني شغفه بالسياسة ومحاولة إنهاض الأمة الإسلامية من كبوتها إلى تلمس الطريق لتحقيق هذا الهدف وكان انخداعه بالماسونية خطأ كبيرا ].
أما مساهمة الدكتور علي شلش فلأهميتها ولتخصص الرجل بدراسة تاريخ جمال الدين الأفغاني, وكتابته عنه وعن محمد عبده فسننقل مساهمته كاملة، قال: [ عاش الأفغاني في مصر ثماني سنوات 1871 –1879م من أخطر سنيي تاريخها الحديث لا لأنها آخر سنوات حكم الخديوي إسماعيل وقمة التغلغل الأوربي قبل الاحتلال البريطاني وحسب وإنما لأنها قمة مرحلة التأسيس التي مرت بها الماسونية في مصر وقد شهدت السنوات الأربع الأخيرة من إقامة الرجل في مصر نشاطا عجيبا للمحافل الماسونية التي أنشأها الأوربيون المستوطنون في المدن الكبرى ولا سيما في القاهرة والإسكندرية ومع أن المصريين الأصلاء كانوا قلة بين أعضاء هذه المحافل فقد اجتذبت الماسونية الأفغاني مثل ما اجتذبته الخطابة والصحافة والتعليم ووجد فيها وسيلة للاتصال بالصفوة من الحكام الذين قاموا برعايتها والمتعلمين الذين دخلوا المحافل بتأثير الأوربيين وكانت تلك السنوات الأربع من ناحية أخرى فترة اختمار للحركة الوطنية وسط الظروف الصعبة التي أوصل إسماعيل البلاد إليها من الاقتصاد المتردي والديون المتزايدة إلى الاستبداد المطلق والفقر المدقع فضلا عن الصراع بينه وبين عمه المطالب بالعرش الأمير محمد عبد الحليم أصغر أبناء محمد علي، وكان عبد الحليم هذا أو الأمير حليم كما عرفه الناس قد وصل إلى مرتبة الأستاذ الأعظم لمحفل الشرق الأكبر المصري سنة 1867م وبدأ يحرك أنصاره من الأوربيين ضد إسماعيل حتى تنبه الأخير فطرده من مصر في نهاية العام التالي وسافر عبد الحليم إلى الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية حيث أقام إلى آخر حياته ولكن شبحه ظل يطارد إسماعيل وابنه توفيق من بعده كما ظل أنصاره مهيمنين على الحركة الماسونية يدعون لولايته في السر ويفضلونه على توفيق في العلن ولا سيما بعد تأكيدات السلطان ولاية أبناء إسماعيل عام 1873م وعندما انضم الأفغاني إلى الماسونية عام 1875م كان ذلك بتأثير بعض المهاجرين من أبناء الشام الذين التف بعضهم حوله وصاروا من مريديه وكان هو نفسه قد اقتنع بعجز إسماعيل عن حل مشكلات الوضع المتفاقم في البلاد وبدأ في استقطاب عدد من شباب المتعلمين حوله مثل محمد عبده وإبراهيم اللقاني وإبراهيم المويلحي فضلا عن المهاجرين مثل سليم عنحوري وأديب إسحاق وسليم النقاش ومع أنه كان يؤيد مع هؤلاء فكرة عزل إسماعيل وتولية ابنه توفيق فقد كانوا جميعاً يعطفون على قضية الأمير المنفي المطالب بالعرش، وكان من أنصار الأمير وقتها يعقوب صنوع الذي ظل يؤيده في صحفه العربية بباريس حتى وفاته.. ومع ذلك ظل الأفغاني أقرب وأميل إلى ولي العهد الأمير توفيق ولا سيما بعد أن اتفق معه على إصلاح حال البلاد والحكم بالدستور والبرلمان. وجد الأفغاني نفسه فجأة في قلب الصراع الدائر وبعد أن قضى سنواته الأولى في القاهرة في تعليم الشباب بمجالسه الخاصة أوفي داره وتجميع حلقة من التلاميذ والمريدين على اختلاف عقائدهم نزل إلى ميدان السياسة التي شغلت الجميع وقت ذاك وشجع المحيطين به إلى إصدار الصحف ودخول الماسونية ولم يكن تشجيعه على دخول الماسونية (لأنه رأى فيها امتداداً لحركات التطرف الإسلامية القديمة التي تعاطف معها (مثل القرامطة والزنج والحشاشين-) كما قال أحد المستشرقين وإنما لأنه رأى فيها وسيلة للإصلاح والتغيير ويبدو أنه أعجب بشعار الماسونية التي رفعته في ذلك الوقت (الحرية الإخاء المساواة) وهو ذاته شعار الثورة الفرنسية الذي روجته المحافل التابعة لفرنسا في مصر وكان أول محفل انضم إليه الأفغاني مع أربعين شخصاً من تلامذته ومريديه يتبع المحفل الأكبر في اسكوتلندا وكان المحفل يسمى (محفل كوكب الشرق) أسسه القنصل الإنكليزي في مصر ونائبه مع ذلك تبين من الأوراق التي اكتشفت حديثا للأفغاني في إيران أنه كان على صلة ببعض المحافل الأخرى ذات الولاء اليوناني والإيطالي وفي أواخر عام 1877م انتخب الأفغاني رئيسا لمحفل كوكب الشرق وأصبح من أهم الشخصيات الماسونية في مصر وصارت الصحف التي شجع تلامذته على إصدارها (مصر، التجارة، مرآة الشرق) تتابع أخباره ونشاطه الماسوني ومن هذه الأخبار ما نشرته صحيفة التجارة في 21 يناير 1879 م حين وصفت إحدى الحفلات الماسونية التي خطب فيها الأفغاني بصفته رئيسا للمحفل فقالت: " انتظم على مائدتها نيف ومائة قائل بالحرية والإخاء والمساواة معظمهم من وجوه الوطن ونبهائه وفيهم فئة كبيرة من ذوي المقامات والعلماء من المسلمين وغير المسلمين فقام فيهم الرئيس المحترم خطيبا يبين ماهية ذلك الاجتماع ومقاصد الماسونية وصفق الحاضرون ونادوا بأعلى الصوت فلتحيا الحرية والمساواة والإخاء ثم توالت الخطب للسعي فيما يوجب سعادة النوع الإنساني وإنقاذه من ربقة الذل والعبودية وتحالفت القلوب على الانتصار للحق والإنسانية وأن لا يخافوا فيها أحدا ".
واستمرت صحافة الأفغاني -إذا صحت التسمية- في هذه الحماسة الماسونية حتى اعتقاله ليلة السادس من رمضان عام 1297هـ، 24 أغسطس 1879م، وترحيله إلى الهند بعد يومين وكانت هذه الصحافة تقود تياراً ينادي بالحكومة الدستورية الشورية كما كانت تسميها، ولكن الرجل –أي جمال الدين– أقدم قبل أيام من خلع إسماعيل في 26 يونيو 1879 على تصرف جريء أثار انقساماً خطيراً بين الماسونيين وأنشب معركة حادة بين أنصار توفيق وأنصار حليم فقد طلب من سليم نقاش مدير جريدتي مصر والتجارة أن يصحبه إلى دار القنصلية الفرنسية في القاهرة كمترجم بينه وبين القنصل الفرنسي حتى يبلغه رسالة مهمة وكانت الرسالة تتلخص في تأييد موقف القنصل الذي سبق أن طلب من إسماعيل التنازل لابنه عن الحكم ورد عليه القنصل مطمئناً بأن التنازل صار أمراً مقرراً وشيك الحصول على حد تعبير جريدة مصر التي نشرت الخبر في يوم 27 يونيو 1879م أي في اليوم التالي لخلع إسماعيل.
ومع أن الجريدة هنأت البلاد لتولية توفيق بعد أبيه فسرعان ما نشبت معركة حامية بين أنصار توفيق ومنهم الأفغاني وجماعته أو حزبه وبين أنصار حليم من مؤسسي محفل كوكب الشرق فقد اتهم المؤسسون (ومنهم القنصل الإنكليزي ومفتش اللغات الإنكليزية أيضا ومترجم القنصلية الشامي وطبيب سويسري وأنصارهم من الأوربيين والشاميين) اتهموا الأفغاني وجماعته بأنهم خرجوا على المبادئ الماسونية وخالفوا قانونها الذي يمنع التدخل في المسائل السياسية والدينية ومع أن الاتهام صحيح لأن الماسونية تزعم عدم التدخل في السياسة والدين فإن سببه الحقيقي كان عدم تأييد هؤلاء المؤسسين وأنصارهم لتولية توفيق حتى ذلك الوقت لأنهم رجعوا عن رأيهم هذا فور إعلان السياسة الإنكليزية عن تأييدها لتوفيق بعد ذلك وبدأوا في محاربة الأفغاني وجماعته ورد الرجل وأنصاره على التشهير بهم في الصحف المعادية ولا سيما صحيفة الوقت التي حملت عليه حملة شعواء ثم قدم استقالته مع أربعين شخصا من أنصاره من المحفل الإنكليزي وشرع في تأليف المحفل المصري كما سماه فاتخذ أعداؤه هذا التكتل الجديد قرينة ضده وأوعزوا إلى الخديوي أنه ألف جمعية هدامة تسعى إلى قلب نظام الحكم وتولية الأمير المغضوب عليه.
كان يرأس الوزارة المصرية في ذلك الوقت محمد شريف باشا الذي كان من العاطفين على الأفغاني وإن كان عطفه أقل من عطف خصمه رياض باشا الذي ترك مصر قبل عزل إسماعيل وأقام في إيطاليا ولكن الأحداث لم تلبث أن تحركت بسرعة على غير ما يشتهي الأفغاني فلم يمض أسبوعان على انسحابه من المحفل الإنكليزي وتأسيسه المحفل الجديد حتى وصلت إرادة السلطان العثماني بتولية توفيق رسميا وعلى الفور أقال الخديوي الجديد وزارة شريف باشا التي كانت تطالب بالدستور والحكم النيابي وتولى هو بنفسه رئاسة الوزارة الجديدة في 18 أغسطس 1879م.ونشرت جريدة التجارة بعد أربعة أيام خبراً عن مثول بعض رؤساء الماسون بين يدي الخديوي للتهنئة ومن الواضح أن هؤلاء ما جاءوا للتهنئة وحدها فقد فات ميعادها وإنما للتبرئ من تصرف الأفغاني وإقحامه الماسونية في السياسة واحتكاره الكلام بلسانها وإذا ربطنا بين هذا كله وبين اعتقال الأفغاني بعد يومين آخرين من نشر الخبر لأدركنا خطورة تصرفه الجريء, وإسهامه في التعجيل بطرده.
هكذا أيضا راح الأفغاني ضحية وشايات إخوانه من الماسونيين ولم يشفع له أحد ومع ذلك طلب وهو في باريس عام 1884م بعد تحريره من منفاه الالتحاق بأحد المحافل الماسونية الفرنسية].
وفي مساهمة الأستاذ إبراهيم حركات أستاذ بكلية الآداب في الرباط يقول: [ إن الماسونية الرمزية لمصر عرفت مع حملة نابليون سنة 1798م فأسس نابليون محفلا سماه (إيزيس) وضم إليه الأعيان والعمد وغيرهم بقصد توطيد نفوذه... ثم أنشئ محفل آخر سنة 1845م باسم محفل الأهرام بالإسكندرية والتحق به عدد من كبار الشخصيات بينهم الأمير عبد القادر الجزائري وكان يرعاه الخديوي... وعمل جمال الدين في مصر على جلب عدد كبير من العلماء والأعيان فجمع ثلاثمائة عضو وما لبث الجمع أن توسع بساسة وأدباء وعمد إلى عقد اجتماع سري نوقشت فيه أوضاع مصر وعلى أثره تقرر إنشاء الحزب الوطني وكان الذي تقدم ببرنامج الحزب الوطني المنبثق عن الحركة الماسونية هو جمال الدين مع وفد من الأعضاء اتصلوا بالقنصل الفرنسي والجهات البريطانية وكان محمد عبده من أعضاء المحفل ].
أما الدكتور أحمد النيفر من جامعة الزيتونة بتونس فيقول عن دخول أعلام تونس بالماسونية التي أسسها الأفغاني: [ هكذا نفهم حفاوة النخبة التونسية بمقدم الأستاذ الإمام -أي محمد عبده- إلى تونس وبما عرضه عليهم من الانضمام إلى التنظيم الدولي البديل الوحيد عن القيادات السياسية العاجزة والمتهالكة ].
أما الدكتور زكريا سليمان بيومي أستاذ التاريخ الحديث بكلية البنات في جدة فيقول: [ أما عن انتماء جمال الدين للمحافل الماسونية فقد خدعه في البداية بريق شعاراتها في وقت لم تكن قد وضحت حقيقة أهدافها ولهذا فقد انضم جمال الدين الأفغاني إلى محفل كوكب الشرق في مصر والذي كان تابعا للمحفل الإنكليزي الأكبر في إنكلترا وانضم معه تلميذه الشيخ محمد عبده ].
أما الدكتور حامد الرفاعي الأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز فيقول: [ وشيء آخر لا بد فيه من كلمة وهو التفسير المتكرر عند المدافعين عن تعامل الأفغاني مع الدوائر الماسونية مبررين ذلك بانخداعه بشعار الإخاء والحرية والمساواة وأحسب أن مقولة الانخداع مرفوضة ولا تستقيم موضوعياً مع ما توصف به شخصية الأفغاني من ذكاء وقدرات وتوقد بصيرة والذي يستقيم أنها بنظري تجربة اجتهادية غير موفقة ].
- أما مساهمة الدكتور محمد حرب الأستاذ في المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة فيقول: [ وكان الأفغاني قد اتخذ من انضمامه للماسونية وسيلة لتحقيق أهدافه ولكن ينبغي القول هنا إن الأفغاني عندما قدم طلبه للاشتراك في الماسونية ذكر فيه أنه مدرس العلوم الفلسفية بمصر ووصف الماسون بأنهم إخوان الصفاء. يعني هذا كله أنه كان يدرك موقف الماسونية من الدين ].
ويقول أحمد أمين عن دخول الأفغاني في الماسونية: [ ومن تمام برنامجه في هذا الباب أن انضم إلى المحفل الماسوني الاسكتلندي لأنه يضم كثيرا من علية القوم لعله بذلك يتمكن من إيصال أفكاره إليهم ]([11]).
ويقول الشيخ مصطفى عبد الرازق: [ وانتظم السيد في الماسونية وتقدم في درجاتها ثم أنشأ محفلا وطنيا جمع فيه نبهاء طلابه ومريديه حتى صار عدد أعضائه نحو 300 وكان هو رئيسه، يمرن فيه تلاميذه على الخطابة ويلهمهم مبادئه ويعدهم للعمل ويوقظ فيهم عواطف الوطنية ويعلمهم الشغف بحياة الحرية والنظم الدستورية ]([12]).
ثم يقول: [ وفي جمادى الأولى سنة 1303هـ سافر السيد إلى البلاد الإيرانية بدعوة من الشاه ناصر الدين فنال مكانة سامية وتزاحم حوله الأمراء والمجتهدون والكبراء وتمكن من نظم كثير منهم في سلك الماسونية ]([13]).
ويقول رشيد رضا: [ أراد الأفغاني أن يربي فيها –أي في المحافل الماسونية- رجالاً يعرفون كيف يحفظون بلادهم وأنفسهم فوجه همه إلى استخدام الماسونية في تعليم تلامذته ما لا يمكن التصريح به إلا في جمعية سرية فدخل في الماسونية ودخل معه تلامذته النابغون فجعل بهم قوة للمصريين وصار رئيس محفلهم ]([14]).
ثم يقول: [ عندما جاء إلى مصر رئيس الشرق الأعظم الإنجليزي وهو يومئذ ولي العهد للدولة الإنجليزية فاجتمعت الماسونية حفاوة فيه وذكر أحد رؤسائها ولي العهد بهذا اللقب فاعترض السيد جمال الدين وقال إنه لا يسمح أن يحتفل بأحد على أنه ولي العهد لدولة من الدول داخل المحافل الماسونية ]([15]).
وأما رأي الشيخ رشيد رضا في الماسونية فيقول: [ ثم إن الإفرنج عندما تغلغلوا في الشرق ورأوا مزاج السيادة الإسلامية لا يقبل له مشاركاً في حكمه فهو يجيش انفعال المسلمين لنبذ سلطة كل من يحاول السيادة عليهم استعانوا بالماسونية على إضعاف هذا المزاج وتوسلوا إلى بعض كبراء المسلمين وأغنيائهم بما توسلوا واستعانوا عليهم بنصارى بلادهم ويهودها ]([16]).
وذكر رشيد رضا [ أن اليهود أسسوا الماسونية لإزالة الظلم والاضطهاد الذي كانوا يلاقونه في أوربا وأن غايتها إضعاف الرابطة الدينية وإحلال الرابطة الوطنية محلها وإزالة السلطة الدينية -وأشار إلى دور الماسونية في الثورة الفرنسية والانقلاب العثماني والحرب الأهلية الأسبانية- ]([17]).
-أما محمد عمارة فكانت مساهمته على الشكل التالي حيث قال: [ أولاً: تهمة الماسونية، وهذه التهمة حقيقة وليست اتهاما، لكن خطأ البعض من الذين يتخذونها سبيلاً للهجوم على الأفغاني ودعوته وحركته إنما يأتي من الغفلة عن ملابسات علاقة الأفغاني بالماسونية. إن من الخطأ الشديد قياس الأحداث التاريخية بمقاييس عصرنا الراهن، فالماسونية في الفترة التي كان للأفغاني علاقة بمحافلها ورجالها -أي فترة السبعينيات من القرن التاسع عشر- كانت حركة حسنة السمعة ولم تكن سلبياتها ولا جرائمها قد انكشفت بعد، كانت قد تأسست في الغرب في العصور الوسطى كحركة مناهضة للبابوية ومعادية لاستبداد الكنيسة الغربية، وكانت ترفع شعارات الثورة الفرنسية الحرية والإخاء والمساواة، وكانت تستنكر التعصب الديني والقومي وكانت تسمي المنتسبين إليها بالبنائين الأحرار، ثم إن أكبر سلبيات الماسونية وجرائمها هي الطابع اليهودي الذي جعل منها أداة تمهد لاغتصاب فلسطين لم تكن قد تكشفت بعد... ويزيد من خطأ اتهام الأفغاني بسبب علاقته بالماسونية أن الذين يتهمونه وينتقصون من قدره لهذا السبب يغفلون تصور موقفه وعلاقته بهذه الحركة. لقد انتسب إلى المحفل الماسوني وهذه حقيقة تسجلها الوثائق ويتحدث هو نفسه عنها بلا مواربة لكن الوثائق والحقائق تقول لنا أيضا إنه دعا المحفل الماسوني ليتصدى للاستبداد الداخلي وللنفوذ الأجنبي، فلما رفض القائمون على هذا المحفل وكانت لهم علاقات بتنظيم المحافل الماسونية في إنكلترا ثار الأفغاني ثورة كبيرة وخطب خطبة عصماء في أعضاء المحفل وكان ذلك بحضور ولي عهد إنكلترا الذي كان يزور المحفل المصري في ذلك التاريخ، هاجم الأفغاني هذا الموقف المتخاذل لأعضاء المحفل الماسوني وأعلن أن في هذا الموقف تخاذلا عن الشعارات المعلنة من قبل الحركات الماسونية ثم استقال لكنه حاول الاستفادة من هذه الحركة كإطار تنظيمي فأنشأ محفلاً شرقياً كانت له علاقة بالمحفل الفرنسي].
مما مرَّ يتبين لنا أن ماسونية الأفغاني ثابتة لا جدال فيها, ولكن المبررين اختلفوا في تبرير دخوله الماسونية على هذه المحاور:
- أن الأفغاني جاهل بالماسونية.
- أن الأفغاني ظن أنه أكبر من الماسونية وقادر على استيعابها مع علمه بحقيقتها.
- أن الأفغاني دفعه للماسونية اقتحام المجهول.
- أراد الأفغاني عرض آرائه على علية القوم عن طريق الماسونية.
- أن الأفغاني اجتهد فأخطأ. ولكن للأسف فإن هذا القسم نسي أن يقول: فله أجر.
- أن الأفغاني خدع بالماسونية وشعاراتها وغرِّر به.
- أن الماسونية لم تكن واضحة الأهداف.
- أن الأفغاني اعتبر الماسونية وسيلة للإصلاح.
أن الأفغاني دخل الماسونية ليعكر على الماسون عملهم.
- وهنالك ثمة رأي يطلب منا السكوت عن هذا الأمر, وعدم ذكره والاشتغال بتخليد بطولات الأفغاني الماسونية, والأخذ بسنن فرنسا بسكوتها عن جرائم نابليون ونشر بطولاته.
ولا جرم أن القارئ الحصيف يعرف ويدرك تماما تهافت هذه الآراء وتساقطها, بالرغم من أن غالب الذين أدلوا بها يحلون أسماءهم بلقب الدكتور أو الأستاذ في جامعة كذا.. وهذه الألقاب لا تغني من الحق شيئاً. فالماسونية معلومة للعجائز والسوقة, ومعلومة بشكل آكد لمن يدخلها من أول يوم نتيجة لطقوسها الغريبة؛ بل الأفغاني نفسه قال: إن بالماسونية ما يخلُّ بالعقيدة, وإن بها رموزاً وطلاسم لا يفهمها إلا القليل.
ومن يُخدَع يخدع يوماً ثم يؤوب, ولا يبقى على انخداعه من أول حياته إلى أن يموت على الماسونية, بينما أحبابه يصفونه بصاحب الذكاء المتوقد, والعقل الكبير, والعلم الواسع, والبصيرة النافذة.
وأما أنه ظن أنه أكبر من الماسونية: فهذا تبرير يصلح لخداع المغفلين.
وأما اقتحام المجهول أي مغامرات (أرسين لوبين), والسندباد الماسوني: فهو تبرير ينطلي على الأولاد ومحترفي حضور أفلام الكوبوي.
وأما تبرير عرض آرائه فمناسب لمرضى انفصام الشخصية.
وأعجب ما في التبريرات أنه اجتهد فأخطأ –فله أجر-, وكأن الأمر قضية فقهية مختلف فيها.
إن الماسونية من أول لحظة: هي ولاء بين أفرادها من أبناء الديانات المختلفة, وهي تبرؤٌ من كل ولاء سابق أي تبرؤٌ من الدين, وهي خدمة لليهود, وهي طاعة لأساتذة المحفل من الكفار فهل هذا أمر اجتهادي؟!! ولكن ما العمل فهكذا أراد فقهاء التبرير.
وأما الذين يفرضون علينا السكوت فنخشى أن يكون هذا الطلب منهم حتى لا يكشف عوارهم, وأنهم كانوا أعضاء في مثل هذه المحافل. وسنذكر بعد هذا الباب إن شاء الله باباً عن الماسونية, يتبين معه تهافت آراء السادة العلماء والأساتذة والدكاترة, أو قل حزب التبرير -إن شئت- إلا أن يكون التبرير لأنفسهم.
[1] - مسلمون ثوار، ص / 402.
[2] - الأعمال الكاملة للأفغاني - تأليف محمد عمارة، ص/ 34.
[3] - المصدر السابق، ص / 35.
[4] - المصدر السابق، ص / 35.
[5] - مذكرات السلطان عبد الحميد، ص 208 - نقلاً من كتاب سيد جمال الدين.
[11] - زعماء الإصلاح في العصر الحديث, ص / 73.
[12] - العروة الوثقى, ص / 22.
[13] - المصدر السابق, ص / 25.
[14] - المنار - ج 5 مايو 1903م, ص / 196، 197.
[15] - المنار - ج 11 آب 1905م, ص / 402، 403.
[16] - المنار - ج 5 مايو 1903م, ص / 196، 197.
0 التعليقات:
إرسال تعليق