الذكرى السنوية الثانية لغزوة منهاتن
(مناقب الأبطال و أحوال الرجال)
14 رجب 1424 هـ10 سبتمبر/أيلول 2003 م
لأسد الإسلام أسامة بن محمد بن لادن (رحمهُ الله)
[كلمات الشيخ أبي عبدالله و أيمن الظواهري كما جاءت في الشريط المرئي (وصية سعيد الغامدي - الجزء الأول والثاني)]
إن غزوتي نيويورك وواشطن جسدت معنى العزة و الكرامة في زمن الذلة و المهانة، وإن أبطال تلك الغزوتين أمسوا نجوماً زاهرة لأهل الأرض قاطبة، وسط هذه الظلمات المدلهمة؛ تُرشد الحائرين إلى طريق الحرية و الإباء و المقاومة و الفداء ضد فرعون العصر، الذي يريد أن يستعبد البشرية جمعاء، و إن يواصل إمتصاص دمائها و نهب خيراتها لصالح الشركات الكبرى.
إن هؤلاء الفتية كبدوا العدو خسائر فادحة معنوية ومادية، كما أحبطوا مخططاته العدوانية، فقد ظهر بالوثائق أن هذا العدوان في احتلال المنطقة وتقسيمها قد بُيِتَ بليل قبل ستة أشهر من الغزوتين، فكان إرباك العدو كافياً للناس بأن ينتبهوا من غفوتهم ويهبوا من سباتهم للجهاد في سبيل الله.
وقد تشرفت بالتعرف على هؤلاء الرجال، وبمثل هؤلاء يتشرف الناس، كيف لا وقد شرفهم الله ووفقهم لنصرة الإسلام، ولا أراهم إلا غرساً غرسهم الله في دينه، واستعملهم في طاعته، فلله درهم.
أولئك آبائي فجئني بمثلهم *** إذا جمعتنا يا جرير المجامع
وقد كان منهم الشاب الناشئ في طاعة الله؛ سعيد الغامدي من بلاد الحرمين، فقد كان صاحب عبادة، و زهد و أدبٍ جم، و حياء و صفاء، فطنٌ صدوق، لا يعرف المداهنة في الحق، هموم الأمة تؤرقه، ليثٌ مقدامٌ، لا يهاب في الله لومة لائمُ، نحسبه كذلك والله حسبه.
أسدٌ دم الأسد الهزبر خماره *** ليثٌ خليص الأُسد منه ترعَب
... فمن أراد أن يتعلم والوفاء الصدق، والكرم والشجاعة لنصرة الدين من قُدُواتٍ مُعاصرة فليغترف من بحر سعيد الغامدي و محمد عطا و خالد المحضار و زياد الجراحي و مروان الشحي و إخوانهم يرحمهم الله، فإن هؤلاء تعلموا من سيرة نبينا مُحمد عليه الصلاة والسلام فهو أصدق الناس وأشجع الناس وأكرم الناس، وقد قال عليه الصلاة و السلام: ”ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذوباً“.
وهذه الصفات ضرورية لقيام الدين، فمن فاتته هذه الصفات فلن يستطيع أن ينصر الدين ويقيمه.
وهنا أقول؛ لمن فاتته بعض هذه الصفات من المخَلَفينَ و المُخِذلين عن الجهاد:
ممن لم يكن بالقتل مقتنعا *** يخلي الطريق ولا يغوي من اقتنع
وأقول لهم:
ومن يتهيب صعود الجبال *** يعش أبد الدهر بين الحفر
... هذا الفتى المؤمن وإخوانه صغار السن، والمرء بأصغريه قلبه ولسانه، ولكنهم كبار العقول والهمم، حافظوا على سلامة عقولهم من أن تداس أو يغرر بها من خلال الحكومات العميلة ومؤسساتها، التي تصور المنكر معروفا والمعروف منكرا، والباطل حقا والعدو صديقا، مرات ومرات، لأن هؤلاء الشباب مؤمنون حقا و المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام.
إن هؤلاء الفتية يعلمون أن طريق الهلاك هو تعطيل الشريعة، و لو في بعض أحكامها، ويرفضون المداهنة في ذلك و لو للأمراء أو للعلماء، و يعتقدون أن سلامة الشريعة مقدمة على سلامة الرجال مهما عظموا، و الناس في دين الله سواسية، و يهتدون بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: ”وأيم الله؛ لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها“.
إن هؤلاء الفتية قد فقهوا معنى لا إله إلا الله، وأنها رأس الإسلام، وأنه يجب أن تكون مهيمنة علينا، حاكمة لنا في جميع شؤون حياتنا، ولما كان الأمر غير كذلك، بل إن أهواء الحكام وتشريعاتهم هي المهيمنة على الناس، وإن سمحوا ببعض الشعائر للناس، عند ذلك علم هؤلاء الفتية بأن الحكام ليسوا على شيء، بل إنهم مرتدون، وإن صلوا وصاموا وزعموا أنهم مسلمون، فرفض هؤلاء الفتية أن يقعدوا مع القاعدين و يعملوا في أمرٍ لا رأس له، وإنما نفروا وسارعوا لإقامة ونصرة كلمة التوحيد؛ لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فجاهدوا الكفار، وكان حالهم كحال معاذ بن الجموح عندما سأل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما قائلا: "يا عم هل تعرف أبا جهل؟" فقال: "نعم، وما حاجتك إليه يا ابن أخي؟" فقال: "أُخبِرتُ أنه يسب رسول الله! و الذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا".
هكذا الصدق، هكذا الإيمان؛ يحرك أصحابه إذا وقر في القلوب.
... وإن لكل أمر حقيقة، فحقيقة هذا البطل سعيد الغامدي و إخوانه؛ أنهم دللوا على صدق إيمانهم بتقديم أنفسهم و رؤوسهم في سبيل الله، فوطئوا موطئاً أغاظ الكفار غيظاً عظيماً، وسيغيظهم إلى زمن بعيد بإذن الله، عندما اتجهوا إلى التطبيق العملي، والحلول الجذرية لنصرة الدين، و رموا بعرض الحائط الحلول الكفرية الظالمة؛ حلول الأمم المتحدة، والبرلمانات الملحدة، وحلول الحكام الطغاة، الذين جعلوا من أنفسهم آلهة تشرع من دون الله.
كما أنهم لم يلتفتوا إلى الحلول العقيمة؛ حلول الموسوفين القاعدين المخلفين من الأعراب، الذين شغلتهم أموالهم وأهلوهم وخادعتهم أنفسهم بأنهم منشغلون بالإعداد منذ عشرات السنين.
وشتان شتان بين من ينظر إلى ميادين الإعداد وساحات الجهاد على أنها مشقة وفراق للآباء والأبناء ومخاطرة بالنفس والمال، فيقعد له الشيطان في طريق الجهاد فيُقعده مع القاعدين، وبين من ينظر إلى ساحات الجهاد على أنها سوق الجنة مفتحة الأبواب، يخشى إن تأخر ساعة أن تغلق دونه، ويخشى أن يكون ممن كره الله انبعاثه فيثبطه، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46]
كما يخشى إن لم يستجب لأمر الله، وعصاه بالقعود عن الجهاد بطاعته المخلفين من الأعراب، وأن يحال بينه وبين قلبه الذي بين أضلعه، فيضل ضلالاً مبيناً، ويكون من الفاسقين، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24].
وقال الله تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].
... إن هؤلاء الأبطال شامة في وجه أمتنا، و إن كثيراً من أمم الأرض و شعوبها سرَّها ضرب الطغيان الأمريكي، و كان يشرفها لو أن في أبنائها أمثال هؤلاء الرجال؛ ليكونوا قدوة لأجيالها في الشجاعة و الرِفعة و الإباء لزمنٍ طويل، ولكن الله ادخر هذا الفضل العظيم كله لهذه الأمة و أبنائها، لأولئك الرجال العِظام، أتباع نبينا محمد عليه الصلاة و السلام.
و إن أمم الأرض و شعوبها مَدينةً لهؤلاء الرجال، الذين كسروا حاجز الخوف من طاغية العصر، عندما أصابوا عيره و نفيره في المَقاتِل العِظام، و داسوا هيـبته و كبريائه على الملأ، فأغرقه الله في بحرٍ متلاطم من المصائب و الناس كلهم ينظرون، في أحداثٍ هائلة مهيبة مدوية، كحال فرعون من قبل، قال الله تعالى: {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} [البقرة:50].
... و إن هذا الحدث العظيم غيرَ وجه الأرض، و هز ضمير البشرية، و أثر في واقعها تأثيراً عظيماً، عندما رأت فتية في ربيع أعمارهم ينغمسون في العدو حُسَراً، و لكن في قلوبهم يقين بالنبأ العظيم.
و إن ما نراه اليوم من تداعي الدول و الشعوب ضد فرعون العصر إنما كان من أسبابه العِظام تلك الجرأة الرهيبة من أولئك الرجال، الذين أظهروا الطاغية على حقيقته، فاقتفا أهل الأرض آثارهم، و اقتدوا بفعالهم، للتحرر من عبودية طاغية العصر، فكان فعل هؤلاء الفتية الأبطال كالغلام الذي تقدم و وقف في وجه الملك الطاغية، و ضحى بنفسه في سبيل الله؛ ليحيا الناس بالإيمان و ينتصر الدين.
و نتيجة لذلك تدفق على الأرض سيلٌ عَرِم من الصدق و الشجاعة و الكرم، و غيرها من الأخلاق العظيمة، غمرت نواحي المعمورة.
... فالسبيل لإحقاق الحق هو بالجهاد في سبيل الله، و السبيل لإبطال الباطل هو بالجهاد في سبيل الله، و السبيل لكف بأس الكفار هو بالجهاد في سبيل الله، و الجهاد هو أحد القواعد الخمس التي يقوم عليها ركن الدين العظيم.
إن هذا البطل [يقصد الشيخ البطل سعيد الغمادي] و كثيراً مِن إخوانه لم يكونوا قد ولدوا بعد يوم أن رُفعت رايات الجهاد و فُتحت ميادين الإعداد في أفغانستان، و مع ذلك حين شبوا و بلغوا تسابقوا إلى هذه الساحات، و قد أدركوا سُنةَ الله الجارية؛ وهي التدافع و التقاتل بين أهل الحق و الباطل، منذ أن بعث الله الرسل عليهم الصلاة و السلام و أنزلَ الكتب، قال الله تعالى: {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة:251].
فحرص هؤلاء الفتية أن يكون من آوائل ما يكتب عليهم القلم في صحائفهم أنهم غبروا أقدامهم في سبيل الله، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ”... طوبى لعبدٍ آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه، مغبرة قدماه، إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع“ [صحيح البخاري:2730].
و في المقابل، يوم رُفعت رايات الجهاد قبل ربع قرن في أفغانستان، كان هناك رجال شغلتهم الدنيا عن الهجرة و الجهاد لنصرة الدين، و قعدوا مع الخوالف تحت ظل الأنظمة المرتدة، فحُرِموا أجراً عظيماً، و سَفِهوا أنفسهم، و خسرت تجارتهم، وقد حذرنا رسول الله -صلى الله عليه و سلم- من الدنيا؛ فقال: ”... تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش“ [صحيح البخاري:2730].
فشتان شتان بين هاتين الفئتين، بين الذين للظلم يحنون الرؤوس، و بين الذين لربهم باعوا النفوس.
الباسلين إلى الردى *** و السيف يرمقهم عبوسا
الناصبين صدورهم *** من دون دعوتهم تروسا
... سيتبين لنا اليوم، بإذن الله سبحانه و تعالى، أن الأمة قادرة اليوم على قتال اليهود، و على هزيمة اليهود، و على إخراج اليهود من فلسطين بإذن الله، و إن الأمة اليوم قادرة على قتال النصارى، و على قتال رأس الصليب؛ أمريكا، و إخراجها من بلاد الإسلام عامة، و من جزيرة العرب خاصة بإذن الله تعالى، ولا يمكن لقوة مهما كان أن تقف أمام جحافل التوحيد، و أن تقف أمام الذين يحبون الموت أكثر مما يحبون الحياة.
أبو عبد الله أَفْغَانسْتَانَ – خُرَاسَانَ
0 التعليقات:
إرسال تعليق