لأسد الإسلام أسامة بن محمد بن لادن (رحمهُ الله)
و المسلمين عامة: الرسالة الأولى إلى أهل بلاد الحرمين خاصة
(الخلاف والنزاع بين حكام الرياض وأهل البلاد، والسبيل لحله)
4 ذو القعدة 1425 هـ16 ديسمبر/كانون الأول 2004 م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإلى المسلمين في بلاد الحرمين خاصة وإلى المسلمين في غيرها عامة..
فهذه رسالةٌ حول الخلاف والنزاع بين حكام الرياض وأهل البلاد والسبيل لحله.
فقد كَثُر الحديث في بلاد الحرمين عن ضرورة الأمن والأمان وعن حرمة دماء المسلمين والمستأمنين، وعلى أهمية الألفة والاجتماع وخطورة الفرقة والنزاع، وزعموا أن المجاهدين يتحملون ما آلت إليه الأمور في بلاد الحرمين. ومحض الحقيقة الواضحة أن المسؤولية تقع على عاتق النظام، حيث فرَّط في الشروط المطلوبة للمحافظة على الأمن والدماء، والألفة والاجتماع، وذلك بعصيانه لله تعالى وارتكابه الكبائر التي تُعَرِّض البلاد لوعيد الله وعقابه، وقد ذكر الله لنا قصص العصاة وعقابهم لنعتبر.
قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112]. وقال الله تعالى: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَاد * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:11-14].
كما أن الموالين للنظام، المداهنين له، وكذا القاعدين عن إنكار المنكر يتحملون المسؤولية أيضاً، وقد قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة:78-79].
وقد صح عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: ”فما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل فيتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم“ رواه الحاكم، وقال أيضاً ”إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه“ رواه ابو داوود.
وقال النووي رحمه الله: ”واعلم أن هذا الباب - أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - قد ضُيِّع أكثره من أزمان متطاولة ولم يبقَ منه في هذه الأزمان إلا رسومٌ قليلةٌ جداً، وهو بابٌ عظيمٌ به قِوَام الأمر وملاكه، فإذا كثر الخبث عمّ العقاب الصالح والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم } [النور:63]“ انتهى كلامه.
ومن أبيات الحكم:
إذا كنتَ ذا نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
فالمعاصي التي ارتكبها النظام عظيمةٌ جداً، فقد تجاوز الكبائر والموبقات إلى نواقض الإسلام الجليّات، تجاوز ظلم العباد وهضم حقوقهم والاستهانة بكرامتهم، والاستخفاف بعقولهم ومشاعرهم، والعبث بمال الأمة العام، فاليوم يعاني من الفقر والحرمان ملايين من الناس مقابل أن تدخل الملايين من الريالات إلى حسابات المتنفذين من كبار الأسرة، فضلاً عن تدني الخدمات واغتصاب الأراضي، ومشاركة الناس في تجارتهم عنوة بغير عوض، وإلى ما هنالك. فإن النظام قد تجاوز ذلك كله إلى نواقض الإسلام الجليات، فتولى أمريكا الكافرة وناصرها ضد المسلمين وجعل من نفسه نداً لله تعالى يُشَرِّع للناس تحليلاً وتحريماً من دون الله ومعلوم أن ذلك من نواقض الإسلام العشرة. وقد أشرنا إلى بعض المظالم التي ارتكبها النظام في أمور الدين والدنيا بشيء من التفصيل في البيان السابع عشر ومن شاء فليرجع إليه.
وهذا الذي تقدم من أهم أسباب الخلاف بين المسلمين وحكام الرياض، وحَلُّ هذا الأمر سهل معلوم في دين الله تعالى إن صدق الحاكم في إرادته للإصلاح إن كان يملك الإرادة أصلاً.
أما نحن فعلم الله أننا نريد الإصلاح ما استطعنا ونسعى إليه، وما خرجنا من ديارنا إلا رغبة فيه، وما كنا نشتكي نقصاً في أمور الدنيا ولله الحمد والمنة، وما بنا عن بلاد الحرمين تَشَوّفٌ إلى غيرها وقد طال المقام بعيداً عنها، ولكنه في سبيل الله يسر.
حجازٌ حبُها في عُمْقِ قلبي *** ولكنَّ الولاةَ بها ذئابُ
وفي الأفغانِ لي دارٌ وصحبٌ *** وعند الله للأرزاق بابُ
وقد قيل:
وما الخيلُ إلا كالصديقِ قليلةٌ *** وإن كَثُرَتْ في عينِ من لا يجربُ
وكل امرئ يولي الجميل محببٌ *** وكلُ مكانٍ ينبتُ العز طيب
ومن توكل على الله كفاه، والكيّس من لم تغره دنياه، ولا معنى للحياة إن لم تكن في طاعة الله، فأسأل الله الثبات وحسن الختام.
وخلاصة هذه المسألة أنَّ سبيل النجاة إنما هو بالإصلاح والاستقامة على أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام، قال الله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} [هود:112].
وقال تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُون} [هود:117].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”قل آمنت بالله ثم استقم“.
فصلاح هذه الأمة بما صلح به أولها، وقد كانت جزيرة العرب أمواجاً متلاطمة من القتل والجوع والخوف في الجاهلية، فلما بعث الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأنزل القرآن واستقام الناس معه على الإسلام صَلُحَ حالهم وحَسُنَ معاشهم، فأعزهم الله بعد أن كانوا أذلّاء، وأَلَّف بينهم بعد عداء، فجمعهم بعد فرقة، وأطعمهم بعد جوع، وآمنهم بعد خوف، قال الله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم} [الأنفال:63].
وقال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون} [الأعراف:96].
وحَلُّ الخلاف بين الراعي والرعية لخَّصه الخليفة الأول للخليفة الثاني - رضي الله عنهما - بكلمة قال له: ”استقم تستقم لك رعيتك“ فهذا كلام الراشدين رضي الله عنهم، عليه نور مقتبس من النور المبين، فإذا استقام الأمير على شرع الله استقامت الرعية ووجب عليها السمع والطاعة بأمر الله تعالى، وأما إذا ارتد الأمير وخرج عن شرع الله وجب على الرعية أن تخرج عليه بأمر الله تعالى أيضاً، فطاعته ليست مطلقة، وإنما مقيدة بالمعروف، وقد أكد أهل العلم على ارتباط الاجتماع والألفة بالطاعة الله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ”إنّ سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وسبب الفرقة تَرْكُ حظٍ مما أمر العبد به والبغي بينهم“ وقال أيضاً: ”وهذا التفريق الذي حصل من الأمة - علمائها ومشائخها وأمرائها وكبرائها - هو الذي أوجب تسلط الأعداء عليها وذلك بتركهم العمل بطاعة الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام“ انتهى كلامه.
فالجماعة كما عَرَّفها السلف: أن تكون على ما كانت عليه الجماعة الأولى - رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم - فبذلك تكون من الفرقة الناجية.
والجماعة: أن تكون على الحق ولو كنت وحدك، كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، والشاهد أنه متى ترك الناس بعض ما أمرهم الله به وقعت بينهم العداوة والبغضاء، فتسلط عليهم الأعداء، وهذا ما نحن فيه، ولا حول ولا قوة الا بالله.
هل يستطيع الحكام أن يستقيموا على أمر الله لتستقيم الرعية، فيهنأ الناس في حياتهم في أمور دينهم ودنياهم؟
بعض الناس يقولون: نعم، يستطيعون، فقد بدؤوا بمركز الحوار الوطني، كما بدؤوا بالانتخابات البلدية. لكن ذلك لم يغير شيئاً من أساس الداء، ورأس البلاء. وأحسن أحوالهم أنهم سيدخلون في لعبة الانتخابات كما في اليمن أو الأردن أو مصر ويدورون في حلقة مفرغة لعشرات السنين، ناهيك عن حرمة دخول المجالس التشريعية الشركية.
لذا فإذا أردنا حل الخلاف حلاً صحيحاً علمياً وعملياً ينبغي أن نعرف حقيقته وجذوره وأبعاده. فهذا الصراع في جزءٍ منه صراعٌ قُطْرِي داخلي، ولكنه في أبعاده الأخرى صراعٌ بين الكفر العالمي ومعه المرتدون اليوم بزعامة أمريكا اليوم من جهة وبين الأمة الإسلامية وطليعتها سرايا المجاهدين من جهة أخرى.
وهذه الأسر الحاكمة العميلة الظالمة في المنطقة اليوم والتي تقمع كل حركة إصلاحية وتفرض على الشعوب سياسات ضد دينها ودنياها إنما هي نفس الأسر التي ناصرت الصليبيين ضد المسلمين قبل قرن من الزمان، وهي إنما تقوم بذلك بالوكالة عن أمريكا وحلفائها وهذا يشكل امتداداً للحروب الصليبية السابقة على العالم الإسلامي.
وبنظرة على السياسات الداخلية لبلادنا، يتضح لنا مدى السيطرة الصليبية الصهيونية عليها، فالتدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية حَدِّثْ عنه ولا حرج، فلا يمكن تعيين ملك أو نائب له إلا بموافقة أمريكا، وهذا بناءاً على اتفاقيات بين الملوك السابقين والحكومة الأمريكية.
كما أن مهزلة الحكم القائم اليوم في بلاد الحرمين هي بموافقة أمريكا، لتحول دون انفلات الوضع كتصاعد خلافات الأمراء إلى الأسوأ وخاصة في هذه السنوات الأخيرة الحرجة.
فحالة الحكم هذه في بلاد الحرمين حالةٌ لا يعرف لها التاريخ شبيهاً، فقد يُحكم الشعب بعد موت الحاكم لساعات أو لأيام باسمه كما في حادثة شجرة الدر، أما أن تُحكم البلاد بطولها وبعرضها باسم ملك لم يعد يعلم من بعد علم شيئاً لعقد من الزمان فهذا من العجائب!!
فهو لم تسقط ولايته شرعاً فقط لارتكابه نواقض في الإسلام، بل سقطت ولايته أيضاً لعجزه وفقده القدرة العقلية اللازمة لإدارة أدنى الأمور فضلاً عن إدارة البلاد والعباد، فينبغي على أشقائه أن لا يحملوه ما لا يطيق، وهم إنما يُصِرُّون على بقائه لرفضهم أن يصبح أخوهم من أبيهم عبد الله ملكاً على البلاد فتتقلص صلاحياتهم ويستأثر بالأمر من دونهم. وهو لا يستطيع أن يتجاوزهم لسيطرتهم على زمام الأمور وخاصة وزارتي الدفاع والداخلية، وكذلك الاستخبارات، وأهم من ذلك سيطرتهم على الديوان الملكي، مما يمكنهم من إصدار مرسوم ملكي من ولي الأمر المزعوم لعزله وتنصيب بديل عنه.
وهذا الاختلاف الحاد داخل الأسرة، فضلاً عن ظلمهم للشعب مَكَّن أمريكا من أن تبالغ في ابتزاز الأمراء المتنافسين وخاصة الأمير عبد الله لمطالبها، وهو يعلم علماً مؤكداً أنه لو لم يستجب لأوامرها فمصيره في أحسن الأحوال العزل على أيدي إخوانه كما عزلوا أخاهم الملك سعود من قبل، فهو على علم بأن منافسيه أصحاب تجارب سابقة، وأنهم مستعدون للقيام بما هو أكبر من العزل إن لزم الأمر.
ومن أراد مثالاً حياً قريباً على دور أمريكا في قرار العزل فلينظر إلى الأمير الحسن بن طلال في الأردن فبعد أن بقي لبضعة عقود نائباً للملك رجع أخوه الحسين من أمريكا قبل وفاته بأيام ومعه قرار العزل لأخيه وعزله فاستكان للأمر وأصبح صفراً سياسياً، وهذا ما يخيف الأمير عبد الله إن عصى وَلِيَّةُ أمره أمريكا، وبالتالي لا يخفى أن أصحاب القرار في الأمور العظام هم في أمريكا.
ومما يدل على عمق السيطرة الصليبية على بلادنا، تنفيذ هؤلاء الوكلاء للتغييرات التي يفرضها الموكّل حتى في مناهجنا التعليمية بغرض مسخ شخصية الأمة، وتغريب أبنائها، وهو مشروع قديم قد بدأ منذ عقود في مناهج الأزهر بمصر، ثم طالبت أمريكا بقية الدول العميلة بتغيير مناهجها لتجفيف ما تسميه منابع الصحوة. فقد طالبت اليمن بإغلاق المعاهد العلمية قبل أكثر من عقدين من الزمان. كما طالبت أمريكا حكام الرياض بتغيير المناهج الدينية فتم ذلك نزولاً عند رغبتها هذا كله قبل غزوتي نيويورك وواشنطن بأكثر من عقد ونصف. فضلاً عن التغيُرات الإضافية الجديدة التي اعتمدها النظام أيضاً إضافة إلى عزل الأئمة والخطباء.
وهذا التدخل الصليبي في تغيير المناهج هو من أخطر التدخلات في شؤوننا على الإطلاق لأنه باختصار تغيير للدين، والدين كُلٌ لا يتجزأ، فمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فهو كافرٌ حقاً، والمشركون هم المشركون تشابهت قلوبهم، وقد قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل مثل هذا وأخبر الله عنهم بقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:15].
ولكن حكام الرياض خافوا أمريكا وبدلوا المنهج، فلا يخفى أن محصلة تغيير المناهج الدينية هو خسارة الدين والدنيا؛ أما الدين فقد عرفتم أنها ردة جامحة، وأما الدنيا فإن المناهج سوف تُخْرِج للبلاد عبيداً متعلمين يوالون أمريكا ويبيعون مصالح البلاد ويُحْسِنون التبسُّم في وجه الأمريكي وهو يحتل الأرض ويفسد العرض بذريعة الحرية والمساواة وقوانين الأمم المتحدة، فهذا نموذج من التدخل الأمريكي في السياسية الداخلية.
وأما تدخلهم في السياسة الخارجية فإن الأسر الحاكمة قد استجابت لأمريكا وهي تؤدي دورها بخياناتها، فهذا الملك حسين قد واصل مسيرة الخيانة التي بدأها جده عبد الله بن الشريف حسين، وأبوه أيضاً ضد فلسطين. فهذا ابنه عبد الله الثاني من بعده في نفس المسيرة، وهذا محمد السادس في المغرب يسير على خط الخيانة نفسها التي سار عليها أبوه وجده من قبل، وما زال تنفيذهم للمؤامرات الصليبية مستمرة. ففي هذه العجالة لا يتسع المجال لاستقصائها، وإنما نذكّر ببعضها لأهميتها.
فهذه حكومة الرياض دخلت في حلف عالمي مع الكفر الصليبي بقيادة بوش ضد الإسلام وأهله. وكما وقع في أفغانستان، وكذلك هذه مؤامرات في العراق قد بدأت ولم تنتهِ بعد، فقد فتحوا قواعدهم للقوات الأمريكية لكي تغزو العراق مما ساعدهم وسَهَّل عليهم احتلالها، وخرج يومها وزير الدفاع السعودي مستخفاً بدين المسلمين ودمائهم وعقولهم معترفاً بأن حكومته فتحت مطاراتها للأمريكيين للأغراض الإنسانية كما زعم.
فهاهم اليوم قد أظهروا لنا حلقة جديدة من سلسلة مؤامراتهم مع أمريكا سموها "مبادرة إرسال قوات عربية وإسلامية لحفظ الأمن في العراق" وهذه خيانة كبرى فلم يكتفوا بمناصرة الكفار لاحتلال بلاد الإسلام حتى جاءوا بهذه المبادرة لإسباغ الشرعية على الاحتلال الأمريكي، فحسبنا الله عليهم ونعم الوكيل.
ومما زاد الأمر سوءاً والمصيبة فداحة عند الناس أن كثيراً منهم كانوا يظنون أن الأمير عبد الله بن عبد العزيز عندما تصدّر لإدارة البلاد أنه سوف ينقذها من أوحال المعاصي والفساد الإداري والمالي والإعلامي وغيره ومن التبعية لأمريكا، ولكنه وبينما الناس ينتظرون خيره جاءهم بشره، ففي الوقت التي كانت أمريكا تبعث بجيوشها إلى الخليج لغزو العراق كان نظام الرياض يخادع الأمة بتصريحاته، ويقول أنه يرفض استخدام أمريكا للقوة ضد العراق.
وقبل الغزو بفترة وجيزة قَدَّم الأمير عبد الله مبادرة زعم أنها إنسانية! وهي أن يخرج صدام إلى المنفى حقناً للدماء! كما قال، وبعبارة واضحة أن يسلم العراق لأمريكا بكل ما فيه على طبقٍ غنيمةً باردةً، ومثال هذا كمجرم قطع عليك الطريق وقدّم إليك أحد عبيده بصورة المصلح الناصح وقال لك: أنا أنصحك أن تترك أهلك ومالك وتنجو بنفسك، وهكذا يأخذ اللص أموال الناس في العراق ويتعدى على أرضهم وعرضهم بدون عناء بدعم ونصح الأمير الأعرابي.
صحيح أن صدام لصٌ ومرتد، ولكن لا يكون الحل أبداً بنقل العراق من اللص المحلي إلى اللص الدولي؛ لأن تمكين الكافر ومناصرته لأخذ أرض المسلمين والسيطرة عليهم من نواقض الإسلام العشرة.
وقبل الغزو أيضاً خرج الأمير عبد الله بن عبد العزيز على الملأ ليصرح تصريحاً ماكراً مخادعاً حيث قال: إن الحشود الامريكية ليست للحرب! واعتقدَ الذين يحسنون الظن به أنها غفلة من غفلاته - وما أكثرها - ولكن لم يمض إلا سنة أو بضعة أشهر حتى فضحه الله تعالى على رؤوس الخلائق وأظهر كذبه وخداعه وغدره وخيانته للأمة ليس بشُبَهٍ أو قرائن وإنما ببراهين دامغة وبأدلة ناطقة. كما نطق الأمير طلال بن عبد العزيز من قبل على الملأ قائلاً: إن أباه كان يتقاضى أموالاً من الإنجليز - لحاجة في أنفسهم -، وهو بذلك يؤكد على الحقائق والوثائق التي تثبت أن أباه كان عميلاً للإنجليز.
فكذلك اليوم نطق بها ابن أخيه - سفيره في أمريكا - بندر بن سلطان أمام الملأ بأنه اجتمع مع نائب الرئيس الأمريكي ووزير دفاعه وقائد هيئة الأركان وأطلعوه على الخرائط السرية لغزو العراق وإلى ما هنالك، وكان هذا الكلام خلال تعليقه بعد صدور كتاب يفضح الأمير عبد الله وهو يتعهد بتقديم الدعم لأمريكا ويستحثها على غزو العراق. [يشير الشيخ إلى كتاب الصحفي الأميركي ”بوب ودوارد“ وهو الكتاب الصادر بعنوان: ”خطة الهجوم“ (Plan of Attack)]
إذن فتصريحاته السابقة قبل الغزو بما فيها قوله: ”إن إحساسه أن هذه القوات الامريكية التي وصلت إلى الخليج ليست للحرب“ فهو إذن إنما كان يكذب على الأمة عن علم متعمداً ليخادعها ويرجف بها، وهو بذلك يكون قد قام بالجزء الأول من الحرب النفسية نيابة عن أمريكا ضد العراق وأهله ليستكينوا ولا يستعدوا للحرب وحتى يبث فيها معاني الخنوع والاستسلام لعدوها، وحتى لا تتعرض القوات الامريكية لأي مقاومة تذكر.
ياللعار والشنار!
يا للكفر والخيانة!
ياللغدر والعمالة!
فإن الناس ما زالوا يتذكرون عناقه الحار للوفد العراقي في مؤتمر بيروت وإعلانه عن المصالحة بين البلدين ثم يغدر ويذهب بليل ليتفق مع أمريكا على غزو العراق ويتعهد بدفع مليار دولار مساهمة منه في دعم تلك الحرب. ألهذه الدرجة وصلت بحكام الرياض الأمور؟
ثم يزعم المنافقون أنهم أولياء أمور! يكذبون على الأمة ويخادعونها من أجل دراهم معدودة عليهم من الله جميعاً ما يستحقون.
وهنا ينبغي للعقلاء أن يقفوا وقفة مع أنفسهم ويتدبروا في تصرفات الحكام فإن حجم الخلل عظيم جداً، ولا يجوز لمسلم أن يرضى بهؤلاء حكاماً عليه، أَمَا فكر العقلاء المصلحون الذين يريدون الإصلاح عبر هؤلاء كيف يمكن لهم أن يقوموا بالإصلاح وهم يسبحون في وسط بحر هائج من هذه الصفات الذميمة؟ فهذا لا يمكن لأن الغرق ينتظرهم، ولا يمكن لعاقل أن يرضى لمن هذه صفاته أن يكون شريكه في أي عمل من الأعمال مهما صغر، فكيف ونحن نتحدث عن عظائم الأمور المهمة من قضايا الأمة.
ومن تدبر مساعي الناصحين وحواراتهم يرى أن النتيجة لا شيء على أرض الواقع، وإن اختلفت أساليب الحاكم بين المماطلة أو الكذب، أو الإغراء والإغواء، أو السجن والإقصاء، والهدف الثابت الوحيد للحاكم من حواره مع كل دعوة إصلاحية هو إجهاضها ولو بعد حين، وهذا ما لمسته بنفسي، وقد ناصحت الحكومة قبل عقدين من الزمن بواسطة كبار العلماء إلا إن الأوضاع لم تتغير.
ثم قبل عقد ونصف توجهت بالنصح مباشرة لنائب وزير الداخلية وأخبرته عن الكبائر العظام التي ينبغي على الدولة أن تزيلها وعن خطورة بقائها ولكن دون جدوى. ثم التقيت بنائب وكيل الوزارة للشؤون الأمنية، فعاتبني بشدة لأني نصحت نائب وزير الداخلية وأخذ يردد على مسمعي الكبائر التي أخبرت الأمير بها ثم يقول: ”هذا معروف ما نبي حد يعلمنا“! وهذه الكبائر التي ناصحتهم فيها قد مضى عليها عشرات السنين وقد نصحهم فيها قبلي كثير، فهي ما زالت موجودة إلى اليوم، وهم يدافعون عنها وملتزمون بها لأن الملك شرّعها كما نلتزم نحن ما شَرَّعه الله لنا.
وهذا يعني أن السيادة والطاعة المطلقتين للملك وتشريعاته فليست لدين الله تعالى، وهذه هي الحقيقة الخطيرة وهذه هي عقيدة القوم والتي عبّر عنها نائب الوكيل بقوله: ”هذا معروف ما نبي حد يعلمنا“.
فما ذكرته لهم من كبائر هم يعرفون أنها محرمة في دين الله، ولكن لا يريدون من أحد أن ينكرها لسبب بسيط، وهو أنها غير محرمة في دين الملك، فيتعجبون منّا كيف ننكرها بل يطالبوننا أن لا نُعْلِمُهم بحرمتها! فالملك قد أصدر مراسيماً وتشريعات يبيحها ويحميها.
وكلمة ”الدين“ تعني - فيما تعني - القوانين التي يشرعها الملك أو الحاكم، قال الله تعالى {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم} [يوسف:76]. قال أهل التفسير: أي حكم الملك.
ومن نَوّر الله بصيرته فتدبر في تصرفات النظام وجد هذه الحقيقة ماثلة أمامه، فالشؤون الداخلية والخارجية سواء، فالسيادة والطاعة لأمر الملك وليستا لله تعالى، فما يحلله الملك يصبح حلالاً وما يحرمه يصبح حراماً، فللملك الحق في نظرهم أن يحلل الشيء عاماً ويحرمه عاماً. وسأضرب أمثله لذلك:
المثال الأول: فإن حرمة الربا معلومة من الدين بالضرورة وقد قال الله تعالى {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275] ولكن النظام أصدر مراسيماً وتشريعات تبيحه وتُقَنِّنُهُ وتعاقب من أراد أن يمنعه، أو امتنع عن دفع ما احتالوا على تسميته بالفائدة، ومعلومٌ أن أكل الربا كبيرة من الكبائر وأما التشريع والتحليل من دون الله تعالى فهو ناقض من نواقض الإسلام.
وأما المثال الثاني: فهو تولي الكافرين، فعلى سبيل المثال:
فإن النظام الأردني نظامٌ جاهليٌ كافرٌ ولكن حكام الرياض كانوا يتولون الملك حسين، فلو وصفه خطيب أو كاتب بأنه عميل لليهود فإنه يتعرض للعقاب من قِبَلِ نظام الرياض عبر قوانين قد شُرّعَت لمثل هذا الغرض، ولكن لمَّا دخل الملك حسين في حلف صدام عندما غزا الكويت تبرأ الملك فهد من وليه السابق، وامتلأت صحف الرياض بالوثائق والصور التي تثبت عمالة حسين بن طلال لليهود - وهذا حق فهو كذلك -، وبالمقابل امتلأت صحف الأردن بالوثائق والصور التي تثبت عمالة حكام الرياض للإنجليز ثم لأمريكا - وهذا حق هم كذلك -.
لذا ورغم مصيبتنا الكبيرة في حكام المنطقة العملاء إلا أن مصيبتنا في كثير من قيادات العمل الإسلامي أكبر، فهم يُصِّرون على وصف هؤلاء الطواغيت بأنهم ولاة أمر، فبعض الناس يظنون أنهم [أي قيادات العمل الإسلامي] سفينة النجاة وهم في الحقيقة سفينة الغرق، وأحد أوجه النظام ولكن باسم الدين كذباً وزوراً، فينبغي على الصادقين في هذه الجماعات تخليص العمل الإسلامي منهم.
ثم بعد هذه الفضائح الكبيرة المُوَثَّقة أشارت أمريكا على الملك فهد باستقبال الملك حسين، فاستقبله وتناسى الماضي، ثم لما مات حضر أمراء آل سعود جنازته مع الوفد الإسرائيلي والأمريكي وغيرهم ثم أمر بإقامة صلاة الغائب عليه في الحرم ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالولاء والبراء أوثق عرى الايمان، نوالي من والى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ونعادي من عادى الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام، ولكن المنافقين عبيد الدرهم والدينار يَتَّبعون الملكَ حقاً فعلَ أم باطلاً، يوالون من والى، ويعادون من عادى، فهل يبقى الإنسان إنساناً سوياً وهو يغير عقله بهذه الطريقة المهينة الجارحة؟! أم أن المفروض أن يتخلى المسلم عن دينه ويدوس على عقله، ليصبح مواطناً صالحاً!!
وقس على ذلك عبد الناصر، والسادات، والقذافي، وصدام. فعبد الناصر كان قد دخل معهم في خصومة فَكَفَّروة من على منبر الحرم المكي - وهو كذلك - ثم لما اصطلح معهم أصبح مسلماً!
وكذا الحال مع القذافي خلال ثلاثة عقود إذا شتمهم فهو كافر! وإذا اصطلح معهم ذلك الزنديق أصبح مسلماً ويدخلونه الكعبة المشرفة!.
وهذا السادات عندما وقَّع مبادرة الاستسلام مع اليهود اتهمه حكام الرياض وبقية الدول العربية بالخيانة والعمالة - فهو كذلك - وامتلأت صحفهم بذمه وشتمه، ثم لما قام الأمير عبد الله بنفس الخيانة والعمالة في مبادرة بيروت مدحه المنافقون وأيدوه! فعلماء السوء وأصحاب الأقلام المأجورة يدورون مع الحاكم حيثما دار، ويتردون معه حيثما تردى من أجل المال، ثم يدّعون العلم والمعرفة والهدى والرشاد!.
إذن فمما سبق يتضح أن الحاكم له دين آخر، وإنما هو يتاجر بدين الإسلام ويخادع الناس به، وبعد أن ظهر ما ظهر من كون حكام المنطقة عموماً وحكام الرياض خصوصاً عملاء مرتدين فضلاً عن صفات السوء الأخرى، وظهر أن الخلاف خلافٌ بين منهجين، ونزاعٌ عميقٌ بين عقيدتين:
نزاعٌ بين المنهج الرباني المتكامل الذي أسلم الأمر كله لله تعالى في جميع الشؤون:
- منهج:{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163]،
- منهج: لا إله الا الله محمد رسول الله بكل دلالاتها ومقتضياتها ...
وبين المنهج العلماني الصارخ:
- منهج الذين {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُون} [البقرة:9]،
- منهج الذين يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله،
- منهج الذين قال الله فيهم {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء:61] ...
وبعدما اتضح هذا فإن الحل لإصلاح الأوضاع هو - كما وضّحه الشرع - وذلك بخلع الحــاكم من الإمارة، فإن أبى وامتنع وجب القيام عليه بالسلاح وخلعه، وهذا هو حكم الشرع الذي يحفظ للناس دينهم ودنياهم. والنظام من جانبه قد عَرَضَ حلاً مشابهاً لحفظ تشريعاتهِ ودنياه! فعرض على المصلحين أن يخضعوا لتشريعات الملك ومراسيمه - أي دين الملك - بدون قيد أو شرط وإما أن يكون الحوار بالسيف والبندقية كما قال وزير الداخلية.
ومعلومٌ أنَّ كلَّ صاحبِ دينٍ - حقاً كان أو باطلاً - لابد له من سلاح ليقيم دينه، فكيف يجوز لعاقل وهو يرى الحاكم المرتد وجنوده مدججين بالسلاح ثم يزعم أنه يريد الإصلاح بالحل السلمي، فهذا من أعظم الباطل، وهذا تخذيل عن إقامة الحق، فنحن هنا لا نتحدث عن حاكم فيه بعض الفسق والفجور، وإنما نتحدث عن ردة وعمالة للكفار.
فكما أنه لا فرق بين بريمر - الحاكم الأمريكي السابق في بغداد - وعلاوي - الحاكم الحالي - في تنفيذ سياسات أمريكا في العراق فإنه لا فرق بين بريمر وباقي حكام المنطقة لتنفيذ سياسة أمريكا.
وقد أجمع علماء الإسلام على أن الولاية لا تنعقد لكافر فإذا طرأ عليه الكفر سقطت ولايته فوجب القيام عليه بالسلاح؛ قال القاضي عياض رحمه الله: ”أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل“ وقال أيضاً: ”فلو طرأ عليه كفرٌ وتغييٌر للشرع أو بدعة؛ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر، ولا يجب في المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه فإن تحقق العجز لم يجب القيام“.
إذن فالقول بالخروج على الإمام الكافر ليس قولنا وإنما هو قول إجماع الائمة، وهذا هو حكم الشرع في مثل حالنا، لذا يجب على المسلمين جميعاً أن يتحركوا للإصلاح آخذين بالاعتبار حجم الخلاف وأبعاده، وأن هذه الأنظمة ما هي إلا جزء من منظومة الكفر العالمي، ويكون الإصلاح وفق شرع الله، وإلا فهو الإعراض عن شرع الله والاستنزاف للأوقات والجهود والتيه والضياع هذا إذا كان الجهل وحَسُنَت النوايا، أو الدجل والخداع إذا كانت الأخرى.
فالذين يرفضون الحوار المسلح من أبناء البلاد مع الحكومات لاسترجاع الحقوق هؤلاء يغالطون مغالطة كبرى، فلا يمكن استرجاع الحقوق من النظام عندما يرتد الحاكم ويرفض التنحي باللين إلا بقوة السلاح.
وهم ومن على شاكلتهم من أصحاب هذا المذهب في ضلال مبين، سواءً الذين قد دعوا صراحة إلى ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام وذلك بمساعدة الكفار على احتلال بلاد الإسلام كما صرح بعضهم بذلك تحت غطاء وخدعة المساعدة في استخلاص حقوقنا من الحكام، أو القسم الآخر الذين يخلطون الحق بالباطل ويرفضون التعاون مع الكفار لاحتلال البلاد - وهذا حق - ويرفضون خلع الحاكم المرتد بالقوة أيضاً - وهذا باطل - محصلة منهجهم واحدة.
فهؤلاء [يقصد الشيخ الذين يرفضون التعاون مع الكفار لاحتلال البلاد وفي نفس الوقت يرفضون خلع الحاكم المرتد] منهجهم غاية في الخطورة لوجهين:
أولاً: أنهم على خطر عظيم لأنهم زاحموا شرع الله بأهوائهم، وهذه من الكبائر العظام كما لا يخفى، ولا يمكن أن تصدر عن مسلم، قال الله تعالى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِم} [الأحزاب:36]، وقال تعالى {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65].
ثانياً: إن هؤلاء يشاركون في صد الناس عن منهج الله وفتنتهم في دينهم، حيث يمنعونهم من أخذ حقوقهم بالطرق التي شرعها الله مما يدفع المنافقين والجهلة إلى التفكير بالأخذ بمذهب تحالف الشمال وأمثاله، كعلاوي ومن معه، فهذا لا يجوز بحال.
وقبل الختام: أرد على بعض اتهامات النظام التي أزعج بها الناس بتكرارها في الصباح والمساء خلال السنتين الماضيتين فقد اتهم المجاهدين بمذهب الخوارج، وهم يعلمون أننا بريئون من هذا المذهب، وهذه خطاباتنا وهذا واقعنا يشهد بذلك.
وهل اقتحم علينا دارنا بالسلاح في السودان ليقتلونا إلا الخوارج!
ونحن نعتقد أن المعاصي التي هي دون الكفر لا يخرج بها المؤمن من الإيمان ولو كانت كبيرة كالقتل وشرب الخمر، فإن مات صاحبها ولم يتب منها فأمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه ثم مصيره إلى الجنة.
ونحن لا نكفر الناس بالعموم، ولا نستبيح دماء المسلمين، فإن قُتِل بعض المسلمين أثناء عمليات المجاهدين فنرجوا الله أن يرحمهم، وإنما هو كما في مسأله التترس والقتل الخطأ، ونستغفر الله منه ونتحمل المسؤولية عنه.
ولكن أقول لحاكم الرياض إنْ شئتَ حدثتك عن قاتل المسلمين، ومن قاتلهم من قبل ومن فرَّق جماعتهم، وأحدثك عمن يكفر بالعموم ويستبيح دماء المسلمين.
فأبوكم عبد العزيز هو الذي خرجَ وناصرَ الإنجليز ضد الدولة العثمانية وواليها ابن الرشيد في حائل، وأنتم أنفسكم قد خرجتم بقوة السلاح على أخيكم الملك سعود، وكادت تحصل بينكم مجزرة لولا الله تعالى ثم تدخل من تطاردون اليوم، ولم يقل علماؤكم عن أبيكم وعنكم أنكم خوارج.
ولو فتحنا ملف مجزرة الطائف الرهيبة [حتى المؤرخين الموالين لعبد العزيز أشاروا إلى هذه المجزرة في كتبهم!] لعلمنا من الذي يكفر بالعموم، تلك المجزرة التي غرَّر فيها أبوكم جنوده وقال لهم: إن أهل الحجاز كفار وإن قتالهم جهاداً في سبيل الله، وهو بذلك يكذب عليهم، ولو تحدثنا عما وقع في الطائف من فظائع لهانت بجوارها مصائب عظامٌ جداً.
فينبغي على الخصوم أن يلتزموا بآداب الخلاف والقتال ويكفَّوا أنفسهم وأُجَراءهم عن الكذب والبهتان، فذلك خير لهم، فلولا أنك مطمئن مهما واصلت الكذب علينا بأننا لن نكذب عليك لطمأنتك، إلا إِنْ سألتني عن مسلم اختبأ عندي وتريد أن تظلمه أو أن تسفك دمه بغير حق فعندها يكون الكذب واجباً، كما ذكر ذلك أهل العلم على افتراض أن الحاكم مسلم.
وكما تتهمون الشباب بالجهل في مسائل كل المسلمين فيها علماء، قال النووي رحمه الله: ”ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالماً بما يأمر به وينهى عنه، فذلك يختلف باختلاف الشيء فإن كان من الواجبات الظاهرة كالمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها فكل المسلمين علماء بها“ انتهى كلامه.
هل يجهل أحد من المسلمين حرمة مناصرة الكافر على المسلم أو حرمة تشريع الربا؟ فإن هذا معلوم من الدين بالضرورة، فهو كالعلم بحرمة الخمر والزنا، هل يجهل هذا أحد؟ أم أنكم تريدون أن تجعلوا في الإسلام كهنوتا! فتجعلوا هيئة كبار علماء السلطان مثل بابا النصارى، وتحتكرون فهم الدين، فتُحِلون ما حرم الله، وتحرمون ما أحل الله، وتصدرون صكوك الغفران لمن تشاؤون.
وتصفون الشباب أيضاً بأنهم أصحاب الفكر الضال، والزمرة الفاسدة، فمن هم أصحاب الفكر الضال؟ أهم الذين اتبعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجوب إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب:
- كما ورد عنه في صحيح البخاري حيث قال: ”أخرجوا المشركين من جزيرة العرب“
- وقال: ”لا يجتمع في جزيرة العرب دينان“
- وقال أيضاً في حديث آخر: ”قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، لا يَبْقَيَنَّ دينان بأرض العرب“
- وقال أيضاً: ”لأُخْرِجَنَّ اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدعُ إلاَّ مسلما“ رواه مسلم.
أم هم الذين يستهزؤون بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ويحتالون عليها كأصحاب السبت؟ كما فعل الأمير عبد الله عندما قال عن حجتنا إنها واهية! والأجنبي جاء ليَخْدِمْ! ونحن حجتنا هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة بوجوب إخراج المشركين، وليس فيها استثناء إن جاء ليَخْدِمْ أو ليُخْدَم.
أنحن أصحاب الفكر الضال؟ أم الذين غدروا بالأمة، وأباحوا جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم لليهود والنصارى فمكنوهم منها وأعطوهم فيها القواعد العسكرية، فضلاً عن غدركم بالعراق، والغدر يحرم حتى مع الكافر، وقد قال رسولنا عليه الصلاة والسلام: ”لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدرته، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة“ رواه مسلم.
ومن هم أصحاب الفكر الضال والزمرة الفاسدة؟ أهم الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله؟ أم هم الذين يفسدون المسلمين بسياساتهم وإعلامهم حتى في البلد الحرام وفي الشهر الحرام وحول المسجد الحرام؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال الله تعالى {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم} [الحج:25]، وقال تعالى {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُون} [النمل:34].
من هم أصحاب الفكر الضال والزمرة الفاسدة؟ أهم الذين يدافعون عن المسلمين، وأعراضهم، وأموالهم في العراق وفلسطين وأفغانستان وكشمير والشيشان؟ أم هم الذين دخلوا في حلف الكفر العالمي ضد المسلمين، فضلاً عن نهب مال الأمة العام؟
ويكفي للتدليل على ذلك الإشارة إلى صفقة السلاح الكبرى، أو قل السرقة الكبرى وكلاهما سواء، المسماة ”بعقد اليمامة“ والتي بلغت قيمتها أكثر من ثلاثين مليار دولار، وكان ذلك قبل حرب الخليج بخمس سنين، فلما حصلت الحرب لم يظهر أي أثر إيجابي لهذه الصفقة ولا لغيرها من مئات الصفقات، وإنما أبحتم البلاد للدفاع عنكم، وكان يومها عدد العاطلين عن العمل محدوداً، فلو قُدِّر بمئة ألف عاطل فقسمنا قيمة الصفقة ثلاثين ملياراً على مئة ألف لكان نصيب الواحد منهم ما يساوي مليون ومئة وخمس وعشرين ألف ريال، فلو جعلت هذه الأموال في شركات مساهمة لاستثمارها بطريقة شرعية، وتوظيف العاطلين عن العمل والإنفاق منها على أهلها كالفقراء والمساكين والغارمين لتحسنت أحوال الناس.
وأما عن اغتصاب أراضي الناس، وشهوة حكام الرياض في بناء القصور، فإن الملك فهد قد أمر ببناء قصر ”السلام“ وقد أنفق على القصر ولأجله أربعه مليار ريال.
وأما قصر ”ذهبان“ وما أدراك ما قصر ”ذهبان“، فحدث عنه ولا حرج، فهو على بعد أربعين كيلو متراً على طريق جدة المدينة على ساحل البحر الأحمر، ويكفي لتصور مساحته المغصوبة أنه لو رست مملكة البحرين في فنائه الخلفي لما شعر أهل القصر بها! مع العلم أن البحرين يسكن فيها قريباً من مليون نسمة ومساحتها أكثر من مئة مليون متر مربع، فلو جاء أهل الدنيا بقصور ملوكهم ورؤساءهم وجيء بقصر الملك هذا في ذهبان، لغُلِبوا! فهل عرف التاريخ سفهاً أكثر من هذا؟! ثم يصفه المنافقون بالأمانة والحكمة والرشاد! قال الله تعالى في أمثاله {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف:79].
من هم أصحاب الفكر الضال والزمرة الفاسدة؟! الذين يستبيحون البلد الحرام ويقتلون المسلمين في مكة المكرمة؟ أهم خالد المحضار ونواف الحازمي وأخوه سالم الذين خرجوا من مكة المكرمة، وضربوا أمريكا في عقر دارها دفاعاً عن الإسلام في أم القرى وما حولها؟ أم هو فهد بن عبد العزيز الذي استباح حرمة الحرم وكان يمكن حل تلك الأزمة بغير قتال [يقصد الشيخ حادثة جهيمان العتيبي - رحمه الله – عندما اعتصم هو ومن معه بالحرم]، كما اتفق العقلاء في ذلك الحين، وإنما كان الموقف يحتاج إلى بعض الوقت وخاصة أن الموجودين في الحرم بضع عشرات، وأسلحتهم خفيفة، أكثرها بنادق صيد، وذخيرتهم قليلة وهم مُحاصَرون، ولكن عدو الله فهد فعل ما لم يفعله الحَجَّاجُ من قبل، فعاند وخالف الجميع، ودفع بالمجنزرات والمصفحات إلى داخل الحرم، ولا زلتُ أذكرُ أثر المجنزرات على بلاط الحرم ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولازال الناس يتذكرون المآذن كانت تكسوها السواد بعد قصفها بالدبابات إنّا لله وإنا إليه راجعون.
من الذي استباح حرمة البلد الحرام ودماء المسلمين؟ أهم الشباب؟ أم قوات الأمن التي قتلت المساكين والفقراء بحي ”الرصيفة“ بمكة المكرمة، وأخرجت من بقي حياً بقوة السلاح من بيوتهم وحجراتهم الضيقة المبنية بالصفيح ليهنأ بالأرض أميرٌ في وزارة الداخلية، وقد علم بذلك علماء وخطباء الحرم ولم يتكلموا بكلمة عن حرمة دماء المسلمين في البلد الحرام، لأن هؤلاء المُعتدى عليهم كانوا فقراء مساكين.
من هم أصحاب الفكر الضال والزمرة الفاسدة؟ أهم المجاهدون؟! أم هم الذين ساهموا مع أمريكا في قتل أكثر من مليون طفل خلال بضع سنين في أكبر مجزرة للأطفال عرفتها البشرية أثناء حصاركم الظالم للعراق. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ”دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت“ متفق عليه
وإن الذين يتولون النظام ويؤيدونه هم شركاء في هذا الذنب العظيم كلٌ بحسبه، وفي حديث آخر أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”لو اجتمع أهل السماوات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار“، قال الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:93].
وقد ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”أول ما يقضى بين الناس في الدماء“، وفي حديث آخر قال: ”لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم“، وعن ابن عباس رضي الله عنهما في حديث صحيح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”يجئ المقتول بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دماً، فيقول: يارب سل هذا فيمَ قتلني؟ حتى يدنيه من العرش“ رواه الترمذي.
هذا مقتولٌ واحدٌ يتعلق بقاتله، فكيف بتعلق مليون طفل بقاتليهم كل واحد منهم آخذ ناصيته ورأسه بيده وهم يقولون: يارب، سل هؤلاء فيمَ قتلونا؟! أكبر مجزرة للأطفال في تاريخ البشرية، فهذا ظلم عظيم وجرم كبير يجب على المسلمين أن يتوبوا منه ويندموا عليه ويتبرؤوا من هذه الحكومات الكافرة الفاجرة الظالمة التي كانوا يوالونها ويؤيدونها، وينبغي عليهم أن يفتدوا أنفسهم من أولياء المقتولين، قال الله تعالى {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْه} [التوبة:114]، وقال الله تعالى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه} [الممتحنة:4].
ومع هذه المجزرة الرهيبة التي استمرت بضع سنين لم نسمع كلمة ولا فتوى من علمائكم الجهابذة، وخطبائكم المفوهين عن حرمة دماء المسلمين، ولكن عندما قَتَلَ الشبابُ ذلك العسكري الأمريكي المحارب [يُشير الشيخ إلى حادثة مقتل العلج الصليبي ”بول جونسون“ في الرياض، والذي قتله المجاهد عبد العزيز المقرن ورفقاه رحمهم الله وتقبلهم في الشهداء]، ارتفع صوت أولئك العلماء، والكَتَبَة الأُجراء في الليل والنهار، متحدثين عن حرمة دم المستأمن، وما هو بمستأمن، ولكن في فقه دين الملك ومن معه من المنافقين يكون قتل مليون مسلم ويكون قتل مليون طفل مسألة فيها نظر، وقتل صليبي واحد جريمة لا تغتفر!! حسبي الله عليكم أجمعين.
ومن أعجب العجائب والكذب اتهام النظام للشباب بما فيه من الكبائر كقوله: إن الصهيونية هي التي تقف خلف المجاهدين!! فأي دجل هذا، وأي بهتان هذا، وأي استخفاف بعقول الناس هذا؟!
فإن القاصي والداني من المسلمين والكفار يعلم أن أعدى أعداء الصهيونية هم شباب الجهاد، ولكن النظام رمانا بما فيه. قال الله تعالى {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [النساء:112]، وهو كما قيل: رمتني بدائها وانسلت.
وهنا أُذَّكر وأسأل حكام الرياض:
من الذي دعم عرفات بمئة مليون دولار لقمع انتفاضة المجاهدين الأولى؟
من الذي ناصرَ اليهود على المستضعفين في شرم الشيخ عام 96؟
من الذي فتح القواعد العسكرية لغزو العراق؟
من الذي تكفل بدفع تكاليف تدريب الشرطة العراقية لمحاربة المجاهدين في العراق؟
ألست أنت صاحب مبادرة بيروت التي اعترفت فيها بالصهاينة واحتلالهم لأرض فلسطين؟!
فأين ذهب عقلك يا رئيس الحرس الوطني؟
وأين ذهب ماء وجهك حتى تتهم المجاهدين بهذه الاتهامات الكاذبة الساقطة!!
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ”ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذابٌ أليمٌ: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر“ رواه مسلم.
وها أنت قد نهيت الأئمة عن الدعاء للمجاهدين في الشيشان، وبدلاً من ذلك أمرتهم بالدعاء على شباب الجهاد في بلاد الحرمين (عملاء الصهاينة كما تزعم) وأنت تكذب، وتعلم أنك تكذب، والخطباء والشعراء الذين يؤيدون افتراءاتك هم أيضاً يكذبون، ويعلمون أنك كاذب وخائن، ولكن ما أشبه هذه السنوات بالسنوات التي أُخبرنا بها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ”سيأتي على الناس سنواتٌ خدّاعات، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصادق، ويُؤْتَمَنُ فيها الخائن، ويُخَوَّنُ فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة“ رواه الإمام احمد.
وأنا أرجو من المسلمين عامة أن يدعوا على الصهاينة وعملائهم، كما أطلبُ منكَ إِنْ كنتَ صادقاً أن تدعو أنت ومن يطيعك بهذا الدعاء في الحرمين وباقي المساجد: ”اللهم عليك بالتحالف الأمريكي الصهيوني ومن والاهم وعملائهم، اللهم دمر كيانهم، واقصم ظهرهم، وانزع ملكهم، وشتت شملهم، وفرق جمعهم، ورمّل نسائهم، واجعل بأسهم بينهم، وتتبع عوراتهم كما يتتبعون عورات المجاهدين، وافضحهم على رؤوس الخلائق، واكفناهم بما شئت“.
ثم إني أخص إخواني المجاهدين بهذه الكلمات فأقول لهم:
وقفتم لنصرة الدين يوم قَلَّ الواقفون، وجاهدتم يوم قعد الخطباء والمُحَدِّثون، وصدعتم بالحق يوم سكت الخائفون والطامعون، غيركم قال كما قال السحرة قبل أن يؤمنوا قالوا: {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ} [الشعراء:41] فقال لهم الطاغية: {قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء:42].
وأما أنتم فالأجر والقرب من الرحمن ترجون، ذقتم حلاوة الإيمان فلم تغركم حلاوة الدنيا - أحسبكم كذالك والله حسيبكم ولا أزكي على الله أحداً - وجزاكم الله خير الجزاء.
وقفتم وما في الموتِ شكٌ لواقفِ *** وحطمتم الأوهام والوهم يُكسرُ
تخوضون بحر الموتِ لا ترهبونه *** ومن لا يهاب الموت لا شئ يَحذرُ
حطَّمتم الهالات الملقاة على الطغاة منذ عقود كذباً وزوراً، فهنيئاً لكم أن أَنَرْتُمُ السبيل بدمائكم للملايين من الأجيال الناشئة لتستقم على الصراط المستقيم، ولتجتنب سبيل الطغاة المجرمين، ففي الحديث: ”فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النعم“ رواه البخاري.
يرحم الله إخواننا الشهداء في كل مكان، في فلسطين والعراق وبلاد الحرمين والمغرب وكشمير وأفغانستان والشيشان ونيجيريا وإندونيسيا والفليبين وتايلاند.
ويرحم الله الشيخ يوسف العييري وأبو علي الحارثي وخالد الحاج وعبد العزيز المقرن وعيسى العوشن وإخوانهم جميعاً [هؤلاء المجاهدين الذين ذكرهم الشيخ قتلوا جميعاً على يد عساكر الحكومة السعودية باستثناء أبي علي الحارثي الذي قتلته القوات الأمريكية في اليمن].
ونرجوا الله أن يرحم - سبحانه وتعالى - المجاهدين الذين اقتحموا على قنصلية الأمريكان في جدة.
كيف يريدون أن ينعموا بالأمن وهم يوزِّعون الدمار والقتل والخراب على أهلنا في فلسطين وعلى أهلنا في العراق؟! فهؤلاء ليسوا أهلاً للأمن في أي مكان في العالم، وأما وجودهم في بلاد الحرمين بل في كل جزيرة العرب فهو محرم شرعاً كما ذكرنا الأدلة على ذلك.
هؤلاء الذين قُتلوا من إخواننا نرجو الله أن يتقبلهم في الشهداء.
وأقول لإخواننا وأهلنا: إن لله مأخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، فلتصبروا ولتحتسبوا، وأذكركم بقول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِير} [الحديد:22].
فكيف لا يصبر المسلم المستسلم للحق سبحانه وتعالى، وهذا مولانا خالق الخلق يقول لقائد المسيرة عليه الصلاة والسلام - التي نحن في ركبها – {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُوم} [الطور:48]، وقد قال الله تعالى بعد غزوة الاحزاب وأهوالها أيضاً: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا * وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } [الأحزاب:21-22]، وقد قال رسولنا عليه الصلاة والسلام ”إن عِظم الجزاء مع عِظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضيَ فله الرضا، ومن سخط فله السُخْط“ رواه الترمذي والحاكم.
وتمثلوا قول القائل:
وإني لصبارٌ على ما ينوبني *** وحسبك أن الله أثنى على الصبرِ
ولستُ بنظاّرٍ إلى جانب الغنى *** إذا كانت العلياء في جانب الفقرِ
فواصلوا المسير، ولا تهابوا العسير، وطَهِّروا جزيرة العرب من المشركين والزنادقة والملحدين، ولا تهنوا، قال الله تعالى {وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:104].
ولا يغرَّنكم كثرة المخذّلين والمخالفين فقد قال رسولنا عليه الصلاة والسلام - كما في صحيح مسلم -: ”لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك“.
فنقول للطاغية كما قال المؤمنون من قبل: {قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه:72].
فيا أيها المجاهدون اصبروا وصابروا واحتسبوا، فهذا طريق الأنبياء، هجرةٌ ودماءٌ، وقتالٌ وأشلاءٌ، تخيفون العدو ويخيفكم، ولا يخفى عليكم أن أكثر قضايا الأمة اليوم سخونة؛ الجهاد في فلسطين والعراق فاحرصوا كل الحرص على نصرتهم.
وإنّ استنزاف أمريكا اليوم في العراق اقتصادياً وبشرياً ومعنوياً فرصة ذهبية نادرة فلا تضيعوها فتندموا، كما أَنَّ من أكبر الأسباب الدافعة لأعدائنا للهمينة على بلادنا؛ سرقة نفطنا، فابذلوا كل ما تستطيعون لإيقاف أكبر سرقة تتم في التاريخ من ثروات الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل بالتواطؤ بين الدخلاء والعملاء، فهم يأخذونه بثمن بخس، مع العلم أن جميع السلع تضاعفت أسعارها عدة مرات إلا النفط وهو أساس الصناعة انخفضت أسعاره عدة مرات، فبعد أن كان يباع قبل عقدين بأربعين دولاراً، بيع بتسعة دولارات في العقد الماضي بينما كان ينبغي أن يكون سعره اليوم على أقل تقدير مائة دولار، فاجتهدوا وحولوا بينهم وبينه، وركزوا عملياتكم عليه وخاصة في العراق والخليج فذلك حتفهم.
وفي الختام أوجه رسالة مختصرة لحكام الرياض، وأخرى لأهل الحل والعقد، وأقول لكم:
إن الإمارة عقد بين الراعي والرعية، يترتب عليه حقوق وواجبات على كلا الطرفين، وله نواقض منها: أن يخون الراعي مِلَتَهُ وأُمَتَه، وهذا ما وقع منكم - على افتراض أن أساس العقد كان قبل قرن من الزمان كان صحيحاً - والحقيقة غير ذلك، وقد وثبتم على رقاب الناس بدون رضي منهم أو مشورتهم، وإنما بدعم وذَهَب الإنجليز. وإنكم كثيراً ما تدَّعون حرصكم على الوطن والمواطن ورحمتكم به، ولا يخفى عليكم أن الناس قد استيقظوا من غفلتهم، وتبين لهم حجم الاستبداد والفساد الذي تمارسونه في العبث بحقوقهم وأموالهم، وإن المسلمين في بلاد الحرمين مصرون على استرجاع حقوقهم مهما كلف الثمن.
وبناءاً عليه أمامكم طريقان:
أولاً: أن تردوا الأمانات إلى أهلها بطريقه سلمية، وتتركوا أهل البلاد وشأنهم في اختيار حاكم مسلماً يحكمهم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
ثانياً: أن ترفضوا إرجاع الحقوق إلى أهلها، وتواصلوا بغيكم على الناس، وسلب حقوقهم، وتُسَخِّرون بعض أبناء الشعب بما تدفعونه لهم من مال الأمة العام ليضربوا ويقتلوا إخوانهم وأبناء عمومتهم الذين كفروا بولايتكم، ولكن ينبغي أن تعلموا أن الأمر شَبَّ عن الطوق، وأن الشعوب عندما تتحرك للمطالبة بحقوقها لا يمكن أن توقفها الأجهزة الأمنية، وينبغي أن لا يغيب عن أعينكم مصير شاه إيران رغم شهرة وقوة وخبرة أجهزته الأمنية (السافاك)، وكذلك مصير تشاوشسكو في رومانيا ذلك الحال المفزع الذي آل إليه هو وأسرته بما فعله بهم العوام، فردوا الأمانات إلى أهلها خيراً لكم.
وأنتم تعلمون أننا في تنظيم القاعدة لا ننافسكم على حطام الدنيا، ولكن ساءنا ارتكابكم نواقض الدين ومنها: الحكم بغير ما أنزل الله، وتولي الكافرين.
ثم إني أوجه خطابي لأهل الحل والعقد من العلماء الصادقين والزعماء المطاعين والأعيان والوجهاء والتجار: بأن يتداركوا الأمر قبل فوات الأوان، فإن الأمور تسير بسرعة غير عادية نحو الانفجار، فابذلوا ما في وسعكم لسحب فتيل الأزمة، مع العلم أن المجاهدين في بلاد الحرمين لم يبدؤوا القتال بعد ضد النظام، ولو بدؤوا فعلاً لكان في رأس القائمة التخلص من أَئِمَّةَ الكفر المحلي حكام الرياض، ولكن الذي يجري ما هو إلا امتداد للقتال مع التحالف الصليبي الأمريكي الذي يقاتلنا في كل مكان ونقاتله في كل مكان كذلك، بما في ذلك بلاد الحرمين ونحن نسعى لإخراجهم منها بإذن الله.
فيا أهل الحل والعقد اتقوا الله في أنفسكم وفي أمتكم، وليهاجر الذين يستطيعون فيتحرروا من القيود الوهمية ومما يفرضه النظام من ضغوط نفسية ليتسنى لكم القيام بواجبكم بتوجيه الأمة، وترتيب الأولويات المهمة، فإنَّ تأخركم يزيد الأمور تعقيداً، والمشاكل عمقاً وتشعباً، ويفتح الباب للشباب ليجتهدوا دونكم باتخاذ قرار البدء بالقيام المسلح على الحاكم إذا بدا لهم أنهم قد أعدوا ما يلزم لذلك وغلب على ظنهم أن ما أعدوه كافياً لخلع الحاكم المرتد، مع العلم أن الواجب أن تتحد جهود الصادقين للقيام بهذا الأمر العظيم، ولكن إن تثاقل بعضهم فإن واجب القيام على الحاكم لا يسقط.
وقد نصحتُ مراراً من قبل ولكن لم تُعط الأمور حقها، فقوموا بواجبكم وسارعوا في استدراك الموقف، ولقد كان الاقتتال قاب قوسين أو أدنى قبل عقود بين حكام الرياض اليوم وأخيهم الملك سعود، فتم التوسط بينهم وإقناع الملك سعود بالتنازل عن الملك، وبذلك تم حل الخلاف، وهذا هو الدور المطلوب منكم اليوم أن تقنعوا هؤلاء البغاة الذين وثبوا على رقاب الناس بأن يردوا الأمانات إلى أهلها، فإن الناس لم يطلبوا باطلاً، فهذا حقهم وقد قيل: ”درهم وقاية خيرٌ من قنطار علاج“.
ثم إني أتوجه إلى الله تعالى بالدعاء فأقول:
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
اللهم ألَّف بين قلوب المسلمين واجمع شملهم ووحد صفهم، وارحم ضعفهم واجبر كسرهم.
اللهم ابرم لأمتنا أمر رشد، يُعز فيه أهل طاعتك ويُذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم اشرح صدور شبابنا وفتياتنا للالتزام بدينك وارزقنا الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم ثبت أقدامنا يوم تزل الأقدام. اللهم ثبتنا وثبت المجاهدين في كل مكان، ولا سيما في فلسطين والعراق وكشمير والشيشان وأفغانستان وبلاد الحرمين.
اللهم سدد رميهم واربط على قلوبهم ومُدَّهم بمدد من عندك، وانصرهم على عدوك وعدوهم فإنه لا ناصر لنا ولهم إلا أنت يا قوي يا عزيز.
{وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُون} [يوسف:21].
وصلِّ اللهم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو عبد الله - أَفْغَانسْتَانَ – خُرَاسَانَ
0 التعليقات:
إرسال تعليق