موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الاثنين، 20 أغسطس 2012


الجماعة 21
رضوان محمود نموس
وإن تقديم العقل على النقل أوصل أهل المدرسة العقلية الجدد أو قل المعتزلة الجهمية الجدد إلى نتائج لا يحسدون عليه نذكر أمثلة منها:
رأيهم في آدم وأصل الإنسان:
قال الشيخ محمد عبدة في تفسير قوله تعالى:{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء }.
قال:[ ليس المراد بالنفس الواحدة آدم بالنص ولا بالظاهر... فمن الناس لا يعرفون آدم ولا حواء ولم يسمعوا بهما وهذا النسب المشهور عند ذرية نوح مثلا هو مأخوذ عن العبرانيين فإنهم هم الذين جعلوا للبشر تاريخا متصلا بآدم والعلم والبحث في آثار البشر مما يطعن في تاريخ العبرانيين... وقد أبهم الله تعالى هاهنا أمر النفس التي خلق الناس منها وجاء بها نكرة فندعها على إبهامها فإذا ثبت ما يقوله الباحثون في الإفرنج أن لكل صنف من أصناف البشر أبا كان ذلك غير وارد على كتابنا.
ثم نقل كلاما عن ابن بابويه قال فيه: لعلك ترى أن الله لم يخلق بشرا غيركم، بلى والله لقد خلق ألف ألف آدم أنتم في آخر أولئك الآدميين.... قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم.... وذكر الشيخ الأكبر في فتوحاته أن قبل آدم بأربعين ألف سنة آدم غيره، ثم قال محمد عبدة: إن ظاهر هذه الآية يأبى أن يكون المراد بالنفس الواحدة آدم، أي سواء كان هو الأب لجميع البشر أم لا لما ذكره من معارضة المباحث العلمية والتاريخية له، وأنه ليس في القرآن نص أصولي قاطع على أن جميع البشر من ذرية آدم]([1]).
وقال رشيد رضا يدافع عن أستاذه:[ أن ثبوت ما يقوله الباحثون في العلوم وآثار البشر وعاداتهم والحيوانات من أن للبشر عدة أصول ومن كون آدم ليس أبا لهم كلهم في جميع الأرض قديما وحديثا كل هذا لا ينافي القرآن ولا يناقضه.
ثم يقول: هذا وإن المتبادر من لفظ النفس بصرف عن الروايات والتقاليد المسلمات إنها هي الماهية أو الحقيقة التي كان بها الإنسان هو هذا الكائن الممتاز على غيره من     الكائنات أي خلقكم من جنس واحد وحقيقة واحدة ولا فرق في هذا بن أن تكون هذه الحقيقة بآدم كما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين أو بدأت بغيره وانقرضوا كما قال بعض الشيعة والصوفية أو بدأت بعدة أصول انبث منها عدة أصناف كما عليه بعض الباحثين ولا بين أن تكون هذه الأصول أو الأصل مما ارتقى عن بعض الحيوانات أو خلقا مستقلا على ما عليه الخلاف بين الناس في هذا العصر، والله تعالى يقول في سورة المؤمنون:{ ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين } وسنبين في تفسيرها أو تفسير سورة الحجر ما يفيده مجموع الآيات في خلق الإنسان من كيفية تكوينه على كل حال، وكل قول يصح، إن جميع الناس هم من نفس واحدة هي الإنسانية التي كانوا بها ناسا وهي التي يتفق الذين يدعون إلى خير الناس وبرهم ودفع الأذى عنهم على كونها الحقيقة الجامعة لهم فتراهم على اختلافهم في أصل الإنسان يقولون عن جميع الأجناس والأصناف أنهم اخوتنا في الإنسانية فيعدون الإنسانية مناط الوحدة وداعية الألفة والتعاطف بين البشر سواء اعتقدوا أن أباهم آدم عليه السلام أو القرد أو غير ذلك ]([2]).
الوحي في رأي عبدة العقول:

عرف محمد عبدة الوحي فقال ناعيا على السلف تعريفاتهم لأنه كما قال رشيد رضا: " سئم من الاستمرار على ما يألفون واندفع إلى طلب شيء مما لا يعرفون "([3]).
فقال:[ وقد عرفوه شرعا أنه إعلام ن الله تعالى لنبي من أنبيائه بحكم شرعي ونحوه أما نحن فنعرفه على شرطنا بأنه: عرفان يجده الشخص من نفسه مع اليقين بأنه من قبل الله بواسطة أو بغير واسطة ]([4]).
ويقول:[ أما تمثيل الصوت وأشباح لتلك الأرواح في حين من اختصه الله بتلك المنزلة فقد عهد عند أعداء الأنبياء ما لا يبعد عنه في بعض المصابين بأمراض خاصة على زعمهم فقد سلّموا بأن بعض معقولاتهم يتمثل في خيالهم ويصل إلى درجة المحسوس فيصدق المريض في قوله بأنه يسمع ويرى بل يجالد ويصارع ولا شيء من ذلك في الحقيقة بواقع فإن جاز التمثيل في الصور المعقولة ولا منشأ لها إلا في النفس وإن ذلك يكون عند عروض عارض على المخ، فلم لا يجوز تمثل الحقائق المعقولة في النفوس العالية ]([5]).
وأما تلميذ محمد عبدة المدعو فريد وجدي فيقول عن ما يعتبره دليلا وأصلا في قضية الوحي:[ إن أرواحا حضرت وقالت نحن مرسلون من عند الله كما أرسل المرسلون من قبلنا غير أن تعاليمنا أرقى من تعاليمهم فإلهنا هو إلههم إلا أن إلهنا أظهر من إلههم وأقل صفات بشرية وأكثر خصائص إلهية وتعاليمنا لا تخضع لأية عقيدة مذهبية ولا تقبل بلا صر ولا روية تعاليم لا تستند على العقل ولا تأخذ بلا تحفظ وحياً جاء في أحوال خاصة في عصر من العصور وستعلم بعد أن الوحي لا ينقطع أبدا وهو آخذ في الترقي ولا وقت له ولا حد وليس هو بامتياز لأمة دون أمة ولا شخص دون شخص والله يكشف نفسه للإنسان شيئا فشيئا ]([6]).
ثم أوغل فقال: قد ثبت أخيرا وصار في عداد المعارف الأولية لدى الباحثين أن في باطن كل منا عقلا مستقلا غير عقلنا العادي أرقع وأوسع مجالا منه هو الذي يوحي إلى الإنسان بالميول الطيبة وينهاه عن المنكر والبغي وهذا العقل الباطن هو الذي يدير جثمانه ويدير أجهزته وأعضاؤه ويصلحها إن اعتراها عطب، هذا العقل الباطن الذي لا يمس الإنسان بوجوده متمثلا بالحياة الروحانية العامة اتصالا مباشرا فهو يتلقى عنها ما يناسب درجته من المعارف ويحاول أن يعكسه على صاحبه من طريق الإبهام فهو يعقل إلا أن يكون هذا العقل الباطن قد وصل في بعض الناس إلى درجة رفيعة بحيث يستخدمه الروح العام لإيصال شريعة جديدة إلى شعب هو في حاجة إليها....
ثم يقول مقرّرا إمكانية الوحي المستمر وعدم انقطاع النبوة:[ كيف يعقل خلاف هذا وهو الذي حدث فعلا في كل أمة وفي جميع أدوار التاريخ فلم تخلو الأرض قط من ذاع إلى الحق والفضائل معلنا أنه أرسل لأداء هذه المهمة إرسالا فتراه يعرض نفسه للموت في سبيل تعميم دعوته ويصبر على البأساء والضراء متبعا سمت الصالحين في الزهد في الدنيا والتواضع وإيثار الفقر حتى ينجح فيما تصدى له أو يقتل في سبيله ]([7]).
إنكار المعجزات
يقول رشيد رضا عن المعجزات أنها:[ أصبحت في هذا العصر حجة على دينهم لا له وصارت للعلماء والعقلاء عنه لا مقنعة به ولو لا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام لكان إقبال أحرار الإفرنج عليه أكثر واهتداؤهم به أعم وأكثر لأن أساسه قد بين على العقل والعلم... وأما تلك العجائب الكونية فهي مثار شبهات وتأويلات كثيرة في روايتها وفي صحتها وفي دلالتها وأمثال هذه الأمور تقع من أناس كثيرين في كل زمان والمنقول منها من صوفية الهنود أكثر.... وهي منفرات العلماء عن الدين في هذا العصر ]([8]).
ولا نريد أن نستطرد كثيرا فهؤلاء مثل محمد عبدة ورشيد رضا والشيخ المراغي والشيخ شلتوت وفريد وجدي وعبد العزيز جاويش ومن لف لفهم أنكروا الجن والملائكة والشياطين والمعجزات ونزول عيسى عليه السلام ومنهم من أمكر البعث بعد الموت والدجال وطلوع الشمس من مغربها واحلّوا الربا بل بلغ بهم المقام أكثر من هذا، فهذا محمد عبدة يقول:[ وجود شيء في القرآن لا يقتضي صحته ]([9]).
وقال رشيد رضا:[ إن أحاديث الدجال مشكلة من وجوه، أحدها منافاتها لحكمة إنذار القرآن للناس بقرب قيام الساعة وإثباتها بغتة ]([10]).
وقال الشيخ المراغي شيخ الأزهر:[ إن العقول تنظر إلى الأديان نظرها إلى شيء تاريخي خال عن الحياة ]([11]).
وقال:[ إن من نظر في كتب الشريعة الأصلية بعين البصر والحذق يجد أنه من غير المعقول أن تضع قانونا أو كتابا أو مبدأ في القرن الثاني من الهجرة ثم يجيء بعد ذلك فيطبق هذا القانون في 1354 هـ ]([12]).
ثم أوجز فريد وجدي رئيس تحرير مجلة نور الإسلام الصادرة عن الأزهر أوجز الأمر فقال:[ ولد العلم الحديث وما زال يجاهد القوى التي كانت تساوره فتغلب عليها ودالت الدولة غليه في الأرض فنظر نظرة في الأديان وسرى عليها أسلوبه فقذف بها جملة إلى عالم الميتولوجيا - " الأساطير" -ثم أخذ يبحث في اشتقاق بعضها عمن بعض واتصال أساطيرها بغضها ببعض فجعل من ذلك مجموعة تقرأ لا لتقدس تقديسا، ولكن ليعرف الباحثون منها الصورة الذهنية التي كان يستعبد لها الإنسان نفسه ويقف على صيانتها جهوده غير مدخر في سبيلها روحه وماله، وقد اتصل الشرق الإسلامي بالغرب منذ أكثر من مائة سنة فاخذ يرتشف من مناهله العلمية ويقتبس من مدنيته المادية فوقف فيما وقف على هذه الميتولوجيا، ووجد دينه ماثلا بها فلم ينبس بكلمة لأنه يرى الأمر أكبر من أن يحاوله ولكنه استبطن الإلحاد متيقنا أنه مصير إخوانه كافة متى وصلوا إلى درجته العلمية. وقد نبغ في البلاد الإسلامية كتاب وشعراء وقفوا على هذه البحوث العلمية فسحرتهم فأخذوا يهيئون الأذهان لقبولها دسّاً في مقالاتهم وقصائدهم غير مصارحين بها غير أمثالهم تفادياً من أن يقاطعوا أو ينفوا من الأرض ]([13]).
هذه هي النتيجة باختصار التي وصل إليها واضعوا ومتّبعوا قانون إبليس الذي أدّى إلى أن يعبد كل رجل منهم عقله. بل هواه.. ولقد قال تعالى:{ ولا يصدّنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى }([14]) وقال:{ ومن أضل ممن اتبع هواه وأضله الله على علم}([15]) وقال { ومن أضلّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله }([16]) وقال:{ أرأيت من اتخذ إلهه هواه }([17]).







[1] - تفسير المنار  4 / 323 - 362.
[2] - تفسير المنار 4 / 326 - 327.
[3] - تاريخ الأستاذ الإمام لرشيد رضا  1 / 11.
[4] - رسالة التوحيد لمحمد عبدة  108.
[5] - المصدر السابق  81.
[6] - مجلة المقتطف عدد فبراير 1920. نقلا عن كتاب منهج المدرسة العقلية الحديثة للدكتور فهد الرومي ص 637.
[7] - الإسلام دين الهداية والإصلاح لفريد وجدي  ص  15.
[8] - تفسير المنار  11 / 155.
[9] - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين لشيخ الإسلام مصطفى صبري   1 / 143.
[10] - تفسير المنار  9 / 450.
[11] - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين  ص 31.
[12] - الأهرام   28 / 2 / 1936. عن موقف العقل والعلم ص  32.
[13] - عن موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين لشيخ الإسلام مصطفى صبري  1 / 24.
[14] - سورة طه  16.
[15] - سورة الجاثية  23.
[16] - سورة القصص  50.
[17] - سورة الفرقان  43.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.