أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (45)
جمال الدين الأفغاني
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن محاولة محمد عمارة تحديد الأسوة والقدوة والرواد للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل, والرائد الثالث من الناحية التاريخية وهو الأول والأساس من ناحية التأثير هو جمال الدين الشيعي الإيراني المتأفغن عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
المبحث الثالث مهمات جمال الدين في دول أخرى:
قرر جمال الدين أن يسافر إلى روسيا أو أنه كلف بذلك [ وقبل أن يدخل إلى روسيا دعاه ناصر الدين شاه إيران إلى طهران وطنه الأصلي، ووعده بالعمل على إصلاح إيران فرحل إلى طهران..ولكن سرعان ما اختلف مع الشاه فاستأذن بالرحيل إلى بلاد الروس ]([1]).
وفي روسيا أراد أن يرتب صفقة لتقسيم بلاد الهند الإسلامية، وكانت الهند تعني ما يسمّى حالياً: (باكستان والهند وبنغلادش)، وكان الحكم فيها للمسلمين, وكان المسلمون يمثلون 65 % من رعاياها، وملوكها من المسلمين المغول ومن أشهرهم شاه جهان , وأورنك زيب ألذي يطلق عليه (عالم كير) و(شاه عالم) وله فتاوي على المذهب الحنفي مشهورة باسم ( الفتاوى العالم كيريه ) مطبوعة في أربع مجلدات كبار ونسخ القرآن بيده عشرات النسخ ويطلقون عليه في الهند ( الخليفة الراشد السادس) وإليك ما يقوله عمارة عن مؤتمرة جمال الدين مع روسيا:
[ على أن الدراسة الموضوعية لصفحات نضال الأفغاني ضد الاستعمار لا تستطيع أن تغفل للرجل زلة قدم حدثت منه إزاء الأطماع الاستعمارية التي كانت تراود القيصرية الروسية يومئذ في كثير من المناطق الآسيوية، وبالذات بلاد الهنود، فلقد منح الأفغاني هذه الأطماع شيئاً من رضاه وموافقته، شريطة أن تقتسم القيصرية الروسية ثمارها مع دولة فارس وإمارة الأفغان، وذلك عندما يقول:(إن الروس في حاجة للمواصلة مع أمراء الهند، وفي ضرورة للوقوف على أخلاقهم ومجاري ميلهم ومواقع أهوائهم، ولا سبيل يوصلهم إلى ذلك إلا إشراك الفارسيين والأفغانيين في أعمالهم الحربية والسلمية. ليس من السهل على الروسية أن تستعين بدولة فارس وإمارة الأفغان على فتح أبواب الهند، إلا أن تساهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة، وإلا كانا سداً محكماً دون أهم غاياتها ]([2]).
فالأفغاني يقترح على الروس التحالف مع شيعة إيران لاحتلال الهند السنية آنذاك وتقسيم الغنيمة بين الروس والشيعة.
ولما لم يستجب القيصر لأسباب لا نستطيع تحديدها؛ هل لضعفه آنذاك ؟ أم لعدم ثقته بجمال الدين ؟ أم لشعوره بالخطر البلشفي القادم, أو لغير ذلك. بدأت اتصالات الأفغاني في روسيا مع الشيوعيين البلاشفة وخلال أربع سنوات؛ للتحريض على القيصر عندما لم يستجب لرغبته؛ بل إنه ألمح للقيصر أنه إذا لم يتعاون معه فالثورة قادمة, مما أوغر صدر القيصر عليه، وبدأ يخطط لترحيله عن روسيا.
ولا بد هنا من ملاحظة خطر الأفغاني أينما حل, ففي إيران هدد موقع الشاه ثم عمل على اغتياله كما سيأتي, وفي اسطنبول هدد موقع الخليفة, وفي مصر هدد الخديوي توفيق صراحة, فهل هذا للقوة الذاتية للجنرال جمال الدين أم لأنه سفير فوق العادة للماسونية العالمية؟!! أم لأنه مصلح حسب مقاييس عمارة والعملاء والمغفلين!!
المبحث الرابع شيعيَّة وإيرانية جمال الدين:
يقول محمد عمارة: [ كان والده يشتغل في التدريس في مدرسة قزوين، فالتحق بها جمال الدين ومكث فيها مدة سنتين، وعندما ظهر وانتشر مرض الطاعون خاف عليه والده فانتقل به إلى طهران، ثم درس على أكبر علماء طهران (آقا سيد صادق) وهو الذي عمّمه، ومن طهران سافر إلى النجف عن طريق برجود، وفي برجود استضافهما ميرزا محمد المجتهد، الذي استضافهما ثلاثة أشهر، وعندما وصلا إلى النجف استضافهما الشيخ مرتضى في منزل خصصه لهما، وفي النجف مكث جمال الدين أربع سنوات ]([3]).
فالملاحظ أن دراسته كلها كانت في مدارس إيرانية شيعية, وأن شيوخه كانوا من الشيعة من آقا صادق إلى الشيخ مرتضى إلى القاشي بشر إلى الحافظ دراز وحبيب الله، ويؤيد هذا الرأي الدكتور عبد المنعم حسنين فيقول: [ وكان شيعياً جعفري المذهب ]([4]). كما يؤيده ابن أخت جمال الدين ميرزا لطف الله خان في كتابه حقيقة جمال الدين.
ثم هل يظن أحد من الناس أن شاه إيران الشيعي يعين رئيساً للوزراء سنياً؟!
فهذا شاه إيران يتبعه من مكان لآخر يرجوه أن يأتي إلى إيران ويتسلم أرفع المناصب اتقاءً لشره.
[ ثم إن جمال الدين بعد أن أمضى هذه المدة الطويلة في روسيا، وأثناء إقامته في بطرس برج زارها الشاه ناصر الدين، ورغب في لقاء جمال الدين، ولكن جمال الدين رفض المقابلة وسافر إلى ميونخ في ألمانيا على عزم مواصلة السفر إلى باريس لمشاهدة معرضها، لكن الشاه أدركه في ميونخ وسعى إلى لقائه، فقام بعض رجالات السياسة في ألمانيا لترتيب أمرِ اجتماعه بالشاه، فعرض عليه الشاه العودة ثانية إلى طهران فرفض، فألح الشاه عليه واعداً إياه بتوليه منصب رئيس وزرائه فوافق على ذلك... ووصل إلى طهران سنة 1307هـ واستلم مهامه وأخذ بنشر آرائه، ولكن سرعان ما عاد الخلاف بينه وبين الشاه مرة أخرى وبشكل حاد، ومن أول لقاء بالشاه في طهران ومن خلال نقاش دار بينهما يتبين للباحث المدقق أن الخلاف لا بد أن يقع بينهما فقد قال الشاه لجمال الدين: (يا سيدنا إنك قد أتيت إلينا أهلاً ونزلت سهلاً، فقل لي الآن ما تريده؟. وما تطلب مني أن أفعله؟ فقال جمال الدين: أريد شيئين، أذناً صاغية تسمع ما أقوله، وإرادة قوية تأمر بإجراء ما سَمِعَتْهُ )]([5]).
ثم وبعد خلاف، أُخرج جمال الدين من إيران وذهب ثانية إلى استنبول في تركيا، وكان قد التقى بأعضاء (جمعية تركيا الفتاة) في باريس، وهي حزب أتاتورك الذي دمّر الخلافة وهناك [ اجتمع بهم في باريس وأطلعوه على خطتهم في إصلاح الدولة العثمانية فوافقه مذهبهم وشجعهم على عملهم ]([6]).
وفي تركيا استقبله السلطان عبد الحميد([7]) وأكرمه وفتح له مجلسه، ولكنه بدأ يخطط ويتآمر لخلع السلطان؛ بل تجرأ وقال عن السلطان عبد الحميد وشاه إيران ناصر الدين [ إن خلعهما أهون من خلع النعلين ]([8]).
ثم عندما زار العراق كان يلتقي [ بالحاج علي أوفى التبريزي والحاج علي المطلب والحاج علي أكبر الأهرابي، فكانوا يجتمعون سراً في سرداب تحت الأرض، والشائع أن الشاعر عبد المحسن الكاظمي كان من الذين اتصلوا بالأفغاني ]([9]).
ويقول الدكتور محمد عمارة: [ كتب أبو الهدى الصيادي –وهو شيخ الإسلام في الدولة العثمانية آنذاك– كتب إلى الشيخ رشيد رضا مهاجماً ترديد المنار لأفكار الأفغاني وقال:" إني أرى جريدتك طافحة بشقائق المتأفغن جمال الدين الملفقة... وقد ثبت في دوائر الدولة رسمياً أنه مازنداني من أجلاف الشيعة، وهو مارق من الدين كما مرق السهم من الرمية " ]([10]).
والمقصود من المازنداني أي نسبة إلى مؤسس الحركة البابية الميرزا حسين على المازنداني [ ومما يؤكد هذا الاتجاه أن قاتل الشاه عندما قتله ثبت أنه بابي، وعند الطعن قال للشاه: خذها من يد جمال الدين ]([11]).
ونشرت مجلة المنار كتابين سياسيين لمن أسمته بحكيم الإسلام السيد جمال الدين الأفغاني: الأول أرسله من البصرة إلى رئيس المجتهدين في السامرة ( سر من رأى )
وهذا نصه : بسم الله الرحمن الرحيم [حقًّا أقول : إن هذا الكتاب خطاب إلى روح الشريعة المحمدية أينما وجدت، وحيثما حلت، وضراعة تعرضها الأمة على نفوس زاكية تحققت بها، وقامت بواجب شؤونها كيفما نشأت، وفي أي قطر نبغت، ألا وهم العلماء فأحببت عرضه على الكل وإن كان عنوانه خاصًّا. حبر الأمة، وبارقة أنوار الأئمة، دعامة عرش الدين، واللسان الناطق عن الشرع المبين، جناب الحاج (الميرزا محمد حسن الشيرازي) صان الله به حوزة الإسلام ورد كيد الزنادقة اللئام.
لقد خصك الله بالنيابة العظمى عن الحجة الكبرى واختارك من العصابة الحقة وجعل بيدك أزمة سياسة الأمة بالشريعة الغراء وحراسة حقوقها بها وصيانة قلوبها عن الزيع والارتياب فيها، وأحال إليك من بين الأنام (وأنت وارث الأنبياء) مهام أمور تسعد بها الملة في دارها الدنيا وتحظى بالعقبى، ووضع لك أريكة الرئاسة العامة على الأفئدة والنُّهى إقامة لدعامة العدل وإثارة لمحجة الهدى، وكتب عليك بما أولاك من السيادة على خلقه حفظ الحوزة والذود عنها والشهادة دونها على سنن من مضى. وإن الأمة قاصيها ودانيها وحضرها وباديها ووضيعها وعاليها قد أذعنت لك بهذه الرئاسة السامية الربانية جاثية على الركب خارة على الأذقان، تطمح نفوسها إليك في كل حادثة تعروها، تطل بصائرها عليك في كل مصيبة تمسها، وهي ترى أن خيرها وسعدها منك وأن فوزها ونجاتها بك وأن أمنها وأمانيها فيك. فإذا لمح منك غض طرف، أو نيت بجانبك لحظة، وأمهلتها وشأنها لمحة ارتجفت أفئدتها، واختلت مشاعرها، وانتكثت عقائدها، وانهدمت دعائم إيمانها،
وبعد هذا وذاك وذلك أقول: إن الأمة الإيرانية بما دهمها من عراقيل الحوادث التي آذنت باستيلاء الضلال على بيت الدين، وتطاول الأجانب على حقوق المسلمين، ووجوم الحجة الحق (إياك أعني) عن القيام بنصرها وهو حامل الأمانة، والمسؤول عنها يوم القيامة - قد طارت نفوسها شعاعا وطاشت عقولها، وتاهت أفكارها ووقفت موقف الحيرة (وهي بين إنكار وإذعان وجحود وإيقان ) لا تهتدي سبيلا . وهامت في بيداء الهواجس في عتمة الوساوس، ضالة عن رشدها لا تجد إليه دليلا، وأخذ القنوط بمجامع قلوبها، وسد دونها أبواب رجائها، وكادت أن تختار - إياسا منها - الضلالة على الهدى، وتعرض عن محجة الحق وتتبع الهوى، وإن آحاد الأمة لا يزالون يتساءلون – شاخصة أبصارهم - عن أسباب قضت على حجة الإسلام (إياك أعني) بالسبات والسكوت، وحتم عليه أن يطوي الكشح عن إقامة الدين على أساطينه، واضطره إلى ترك الشريعة وأهلها، إلى أيدي زنادقة يلعبون بها كيفما يريدون، ويحكمون فيها بما يشاؤون، حتى إن جماعة من الضعفاء زعموا أن قد كذبوا وظنوا في الحجة ظن السوء، وحسبوا الأمر أحبولة الحاذق وأسطورة الملق ؛ وذلك لأنها ترى (وهو الواقع) أن لك الكلمة الجامعة، والحجة الساطعة، وأن أمرك في الكل نافذ، وليس لحكمك في الأمة منابذ، وأنك لو أردت تجمع آحاد الأمة بكلمة منك (وهي كلمة تنبثق من كيان الحق إلى صدور أهله) فترهب بها عدو الله وعدوهم، وتكف عنهم شر الزنادقة، وتزيح ما حاق بهم من العنت والشقاء، وتنشلهم من ضنك العيش إلى ما هو أرغد وأهنى، فيصير الدين بأهله منيعًا حريزًا، والإسلام بحجته رفيع المقام عزيزًا. هذا هو الحق ، أنك رأس العصابة الحقة ، وأنك الروح الساري في آحاد الأمة فلا يقوم لهم قائمة إلا بك، ولا تجتمع كلمتهم إلا عليك، لو قمت بالحق نهضوا جميعًا ولهم الكلمة العليا، ومن يكون أليق بهذه وأحرى بها ممن اصطفاه الله في القرن الرابع عشر، وجعله برهانًا لدينه وحجة على البشر.. ولما قدم العالم المجتهد القدوة الحاج السيد علي أكبر إلى البصرة طلب مني أن أكتب إلى الحبر الأعظم كتابا أبث فيه هذه الغوائل والحوادث والكوارث، فبادرت إليه امتثالا، وعلمت أن الله تعالى سيحدث بيدك أمرًا ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
السيد الحسيني
وقال في رسالة ثانية: بعنوان بلاد فارس بسم الله الرحمن الرحيم
[حملة القرآن ، وحفظة الإيمان، ظهراء الدين المتين، ونصراء الشرع المبين جنود الله الغالبة في العالم، وحججه الدامغة لضلال الأمم، جناب الحاج الميرزا محمد حسن الشيرازي, وجناب الحاج الميرزا حبيب الله الرشتي، وجناب الحاج الميرزا أبي القاسم الكربلائي، وجناب الحاج الميرزا جواد الأقا التبريزي، وجناب الحاج السيد علي أكبر الشيرازي، وجناب الحاج الشيخ هادي النجم آبادي، وجناب الميرزا حسن الأشتياني, وجناب السيد الطاهر الزكي صدر العلماء، وجناب الحاج آقا محسن العراقي، وجناب الحاج الشيخ محمد تقي الأصفهاني، وجناب الحاج الملا محمد تقي البجنوردي, وسائر هداة الأمة, ونواب الأئمة, من الأحبار العظام والعلماء الكرام، أعز الله بهم الإسلام والمسلمين، وأرغم أنوف الزنادقة المتجبرين . آمين
طالما تاقت الأمم الإفرنجية إلى الاستيلاء على البلاد الإيرانية حرصًا منها وشرهاً, ولكم سولت لها أمانيها خدعاً تمكنها من الولوج في أرجائها وتمهد فيها سلطانها على غرة من أهلها تحاشياً من المقارعة التي تورث الضغائن فتبعث النفوس على الثورة كلما سنحت لها الفرص وقضت بها الفترات, ولكنها علمت أن بلوغ الأرب والعلماء في عز سلطانهم ضرب من المحال؛ لأن القلوب تهوي إليهم طراً، والناس جميعا طوع يدهم يأتمرون كيفما أمروا، ويقومون حيثما قاموا، لا مرد لقضائهم، ولا دافع لحكمهم، وأنهم لا يزالون يدأبون في حفظ حوزة الإسلام لا تأخذهم فيه غفلة، ولا تعروهم غرة، ولا تميد بهم شهوة، فخنست وهي تتربص بهم الدوائر، وتترقب الحوادث، أيم الله إنها قد أصابت فيما رأت، لأن العامة لولا العلماء وعظيم مكانتهم في النفوس لالتجأت بطيب النفس إلى الكفر واستظلت بلوائه خلاصا من هذه الدول الذليلة الجائرة الخرقى التي قد عدمت القوة وفقدت النصفة، وأنفت المجاملة فلا حازت منها شرفًا ولا صانت بها لنفسها حقا، ولا انشرح منها صدرها فرحاً.
أنتم نصراء الله في الأرض، ولقد تمحصت بالشريعة الإلهية نفوسكم عن أهواء دنية تبعث على الشقاق وتدعو إلى النفاق ويئس الشيطان بقذفات الحق عن تفريق كلمتكم. فأنتم جميعًا يد واحدة يذود بها الله عن صياصي دينه الحصينة ويذب بقوتها القاهرة جنود الشرك وأعوان الزندقة. وإن الناس كافة (إلا من قضى الله عليه بالخيبة والخسران) طوع أمركم . فلو أعلنتم خلع هذا (الطاغية) لأطاعكم الأمير والحقير وأذعن لحكمكم الغني والفقير. وإذا وقع الخلع (وتكفيه كلمة واحدة ينبس بها لسان الحق غيرة على دينه ) فلا ريب أن الذي يخلف هذا (الطاغية) لا يمكنه الحيدان عن أوامركم الإلهية ولا يسعه إلا الخضوع بعتبتكم عتبة الشريعة المحمدية . كيف لا وهو يرى عيانا ما لكم من القوة الربانية التي تقلبون بها الطغاة عن كرسي غيها.
وحاشاكم أيها الراسخون في العلم أن ترتابوا في خلع رجل سلطانه غصب، وأفعاله فسق، وأوامره جور، وإنه بعد أن مص دماء المسلمين ونهش عظام المساكين وترك الناس عراة حفاة لا يملكون شيئًا - حكم عليه جنونه أن يملك الأجانب بلادًا كانت للإسلام عزًّا، وللدين المتين حرزًا، وساقته سَورة السفه إلى إعلاء كلمة الكفر والاستظلال بلواء الشرك .
ثم أقول : إن الوزراء والأمراء وعامة الأهالي وكافة العساكر وأبناء هذا ( الطاغية ) ينتظرون منكم جميعا ( وقد فرغ صبرهم ونفد جَلَدهم ) كلمة واحدة حتى يخلعوا هذا الفرعون الذليل ، ويريحوا العباد من ضره ، ويصونوا حوزة الدين من شره قبل أن يحل بهم العار والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته السيد الحسيني]([12]).
ويقول ميرزا لطف الله خان ابن أخت جمال الدين الأفغاني: فقد كان -السلطان العثماني- يعلم بتشيع جمال الدين.
وكان كشف حقيقة جمال الدين أمام السلطان عبد الحميد ضربة قاضية وجَّهها مظفر الدين شاه إلى جمال الدين بوثيقة سلمها علاء الملك سفير إيران في تركيا إلى الحكومة التركية تثبت بالأدلة القاطعة أن جمال الدين إيراني شيعي يختفي في ثياب الأفغاني ، ويتّخذ المذهب السني ستاراً يحتمي به )([13]).
-وحصلت المخابرات العثمانية، على خطة أعدت في وزارة الخارجية الانكليزية، واشترك فيها جمال الدين الأفغاني وبلنت الانكليزي وتقضي هذه الخطة بإقصاء الخلافة عن السلطان عبد الحميد وعن العثمانيين عموماً، في الوقت الذي كان فيه جمال الدين يندِّد بالاستعمار الإنكليزي. فقد ذكر السلطان عبد الحميد في مذكراته ما نصُّه :
[وقعت في يدي خطة أعدها في وزارة الخارجية الإنكليزية مهرج اسمه جمال الدين الأفغاني وإنكليزي يُدعى بلنت قالا فيها بإقصاء الخلافة عن الأتراك. واقترحا على الانكليز إعلان الشريف حسين أمير مكة خليفة على المسلمين. كنت أعرف جمال الدين الأفغاني عن قرب. كان في مصر، وكان رجلاً خطيراً. اقترح عليّ ذات مرة -وهو يدّعي المهدية- أن يثير جميع مسلمي آسيا الوسطى. وكنت أعرف أنه غير قادر على هذا. وكان رجل الانكليز، ومن المحتمل جداً أن يكون الانكليز قد أعدوا هذا الرجل لاختباري فرفضت فوراً ، فاتحد مع بلنت.
استدعيت إلى استانبول عن طريق أبي الهدى الصيادي الحلبي، الذي كان يلقي الاحترام في كل البلاد العربية قام بالتوسط في هذا كل من منيف باشا، حامي الأفغان القديم ، والأديب الشاعر عبدالحق حامد. جاء جمال الدين الأفغاني إلى استانبول، ولم أسمح له مرة أخرى بالخروج منها.].([14])
- ذكر الشيخ محمد عبده في فاتحة تعريبه لرسالة الرد على الدهريين: إن السيد جمال الدين و إن كان في الحقيقة فارسياً، فقد انتسب إلى الأفغان لأمرين:
أ - أن يكون من السهل عليه الظهور بمظهر السني لا الشيعي .
ب - أن يستطيع الخلاص من رقابة الحكومة الإيرانية لرعاياها في الخارج.
-كما صدر في برلين عام 1926م كتاب بالفارسية في سيرة الأفغاني بقلم الميرزا لطف الله خان ، ويدعي المؤلف أنه ابن أخت الأفغاني ، وأنه اجتمع به في طهران عند ذهاب الأفغاني إليها عام 1886م ، و يحتوي الكتاب على صور فوتوغرافية واضحة تجمع الأفغاني و الميرزا لطف الله خان مع زمرة من رجال الدين الإيرانيين، و قد ترجم الكتاب إلى العربية في مصر عام 1957م ، و لم يظهر أحد من أقارب جمال الدين حتى الآن ليكذب المؤلف أو يتحداه على وجه من الوجوه ـ لا سيما مع اشتهار الكتاب؟
- يقول عبد المهدي فلاح الأصفهاني معلقاً على رسالة وجهها إليه جمال الدين ، وأمره بنشرها بعد موته ، فيقول : إن مشاهير الأحرار الإيرانيين اضطروا في عهد الشاه ناصر الدين و عماله إلى هجر وطنهم و الالتجاء إلى البلاد الشرقية الإسلامية هرباً من الظلم ، فلقب بعضهم – كالسيد جمال الدين – بالأفغاني ، و هو في الحقيقة إيراني صميم ..
- ترجم له الشيعة في كتبهم ، مثل آغابزرك الطهراني في كتابه "أعلام طبقات الشيعة"
فهل بعد كل هذا ينطلي على بعض الناس دعوى أفغانية جمال الدين؟!
[1] - دعوة جمال الدين لمصطفى فوزي غزال, ص / 32.
[3] - من كتاب الأعمال الكاملة للأفغاني لمحمد عمارة, ص / 49 - باختصار.
[4] - جمال الدين الأسد آبادي، ص / 9.
[5] - دعوة جمال الدين، ص / 32.
[6] - زعماء الإصلاح في العصر الحديث - أحمد أمين، ص / 99.
[7] - السلطان الغازي عبد الحميد خان الثاني: وهو السلطان الرابع والثلاثون للدولة العثمانية 1293-1326هـ / 1876-1909م ولد عبد الحميد سنة 1842م، استلم الحكم بعد وفاة أخيه السلطان مراد سنة 1293هـ الموافق 1876م وكان عمره حينئذ 34 سنة، وكان السلطان عبد الحميد قد عين مدحت باشا صدراً أعظم وهو ماسوني من يهود الدونمة، وكان مدحت باشا متهمًا بقتل السلطان عبد العزيز؛ فشكل السلطان عبد الحميد لجنة للتحقيق في ذلك ثم قدم المتهمون إلى المحكمة التي أدانتهم وحكم على مدحت باشا بالإعدام وتدخل السلطان عبد الحميد وخفض الحكم إلى السجن ثم نفي إلى الحجاز حيث مقر السجن العسكري هناك، أتهم السلطان عبد الحميد بالاستبداد وابتدئ حكمه الفردي بافتتاح مجلس المبعوثات بعد أن دفع به الجيش لمجلس المبعوثات فرفض مؤتمر الأستانة، مما أدى إلى الحرب مع روسيا ولكنها كانت حربًا غير متكافئة ولكن العثمانيين بقيادة عثمان باشا صمدوا صمود الأبطال، ومن ثم معاهدة سطفانوس وأثناءها تم الحل، قام سكان الجبل الأسود والصرب بتحريض بلاد الهرسك للخروج عن الدولة العثمانية وكان ذلك في عام 1293هـ الموافق 1876م واستطاع العثمانيون إخمادها، أعلن السلطان عبد الحميد في 1293هـ الموافق 1876م الدستور الذي يضمن الحريات المدنية وينص على مبدأ الحكومة البرلمانية، اضطر السلطان عبد الحميد إلى إعلان الحكم النيابي بعد 30 سنة من إلغاؤه، كان السلطان عبد الحميد شديد الحذر من جمعية الاتحاد والترقي المدعومة باليهود والمحافل الماسونية، والدول الغربية, ولقد حاول زعيم الحركة اليهودية الصهيونية العالمية تيودر هرتزل حينما قابل السلطان عبد الحميد أن يغريه بالسماح لليهود باستيطان فلسطين مقابل مغريات ماليه للدوله وله خاصة؛ لأن الدولة العثمانية كانت تعاني من مشاكل مالية متعددة، وقد عرض عليه المساعدات المالية الكبيرة بحيث تسد احتياجات الدولة العثمانية ولكن السلطان عبد الحميد رفض ذلك رفضًا قاطعًا،
إن السلطان عبد الحميد مر عصره بظروف عصيبة، وأزمات شديدة، وتآمر عالمي على الدولة العثمانية من الداخل والخارج فشرع في إصلاح الدولة وقاوم كافة الاتجاهات الغربية المخالفة للحضارة الإسلامية المجيدة في ولايات الدولة واستطاع أن يشكل جهاز استخباراتي قوي لحماية الدولة من الداخل وجمع معلومات عن أعدائه في الخارج.تم خلع السلطان عبد الحميد الثاني من الخلافة وعزل بعد معركة دامية سنة 1909م، وتوفي رحمه الله سنة 1917م وكان عمره 75 سنة، وكانت مدة حكمه 33 سنة، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
[8] - الأعمال الكاملة للأفغاني, جمع محمد عمارة، ص / 45.
[9] - لمحات اجتماعية في تاريخ العراق الحديث للدكتور على الوردي (3 / 297 - 298).
[10] - الأعمال الكاملة للأفغاني لعمارة، ص / 23. نقلاً عن تاريخ الأستاذ الإمام (1 / 90).
[11] - دراسات عن البابية والبهائية، ص / 133 كلام محمد كرد علي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق