في رحاب العلماء(36)
رضوان محمود نموس
إكفار الملحدين في ضروريات الدِّين
{كتب الشيخ هذا الكتاب للرد على عدم تكفير المتأولين وبين فيه أن التأويل إذا أفضى إلى الكفر لا يعذر صاحبه بحجة أنه متأول}
[تفسير الزندقة والإلحاد والباطنية وحكمها ثلاثتها واحد وهو الكفر
قال: التفتازاني في "مقاصد الطالبين في أصول الدين": الكافر إن أظهر الإيمان خص باسم "المنافق"، وإن كفر بعد الإسلام "فبالمرتد"، وإن قال بتعدد الآلهة "فبالمشرك"، وإن تدين ببعض الأديان "فبالكتابي" وإن أسند الحوادث إلى الزمان واعتقد قدمه "فبالدهري"، وإن نفى الصانع فبالمعطل، وإن أبطن عقائد هي كفر بالاتفاق "فبالزنذيق".
وقال في شرحه: قد ظهر أن: "الكافر" اسم لمن لا إيمان له: فإن أظهر الإيمان خص باسم المنافق، وإن طرأ كفره بعد الإسلام خص باسم المرتد، لرجوعه عن الإسلام، وإن قال بإلهين أو أكثر. خص باسم المشرك، لإثباته الشريك في الألوهية، وإن كان متديناً ببعض الأديان والكتب المنسوخة، خص باسم الكتابي، كاليهودي والنصراني، وإن كان يقول بقدم الدهر وإسناد الحوادث إليه، خص باسم الدهري، وإن كان لا يثبت الباري تعالى خص باسم المعطل، وإن كان مع اعترافه بنبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهاره شعائر الإسلام يبطن عقائد هي كفر بالاتفاق، خص باسم الزنديق، وهو في الأصل منسوب إلى: الزند، اسم كتاب أظهر مزدك أيام قباد: وزعم أنه تأويل كتاب المجوس الذي جاء به زرادشت. الذي يزعمون أنه نبيهم. اهـ.
فإن الزنديق يموه كفره، ويروج عقيدته الفاسدة، ويخرجها في الصورة الصحيحة، وهذا معنى إبطان الكفر، فلا ينافي إظهاره الدعوى إلى الضلال، وكونه معروفاً بالإضلال اهـ. ابن كمال.
وقيل: لا يقبل إسلامه إن ارتد إلى كفر خفي، كزنادقة، وباطنية، فالمراد بإبطان بعض عقائد الكفر ليس هو الكتمان من الناس، بل المراد: أن يعتقد بعض ما يخالف عقائد الإسلام مع ادعائه إياه وحكم المجموع من حيث المجموع الكفر لا غير...
فظهر أن التأويل في ضروريات الدين لا يدفع الكفر، وغاية ما يوسع فيه هو الإنذار والاستتابة، فإن تاب وإلا قتل كفراً، وليس ذلك إكراهاً مذموماً بل هو إكراه على الحق الذي وضحت حقيقته، فهو عين العدل وعين الصواب. قال القاضي أبو بكر ابن العربي في "أحكام القرآن" في قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية. المسألة الثانية قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ} عموم في نفي إكراه الباطل، فأما الإكراه بالحق فإنه من الدين، وهل يقتل الكافر إلا على الدين. قال - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله"، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} اهـ. وأعاده في "الممتحنة". وقال في "الصحيح" عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل اهـ". والحق أن الإكراه على الحق الذي كان وضوحه بديهياً ليس بإكراه، واختاره في "روح المعاني" أيضاً.
وهذه أكثر الشكوك التي تغشي الناظرين في هذه المسألة، وقد أحاطها وأماطها الحافظ وحكها وفكها، فأبى المستروحون إلا استرسالهم مع ما يركبه الخيال ويجلبه من حديث نفس وأمنية، والله الهادي ومن يضلله فلا هادي له، يريد الكافرون ليطفؤوه ويأبى الله إلا أن يتمه...
أقوال الأئمة: كأبي يوسف ومحمد والبخاري رحمه الله عليهم أجمعين
وهو ما ذكره الطحاوي قال: حدثنا سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف في نوادر ذكرها عنه، أدخلها في أماليه عليهم، قال: قال أبو حنيفة: "اقتلوا الزنديق سراً فإن توبته لا تعرف". "أحكام القرآن" لأبي بكر الرازي و"عمدة القاري".
قال أبو مصعب عن مالك في المسلم إذا تولى عمل السحر: قتل ولا يستتاب، لأن المسلم إذا ارتد باطناً لم تعرف توبته بإظهاره الإسلام. "أحكام القرآن" لأبي بكر الرازي. ونحوه في "الموطأ" من القضاء في من ارتد عن الإسلام.
وقولهم في ترك قبول توبة الزنديق: يوجب أن لا يستتاب الإسماعيلية وسائر الملحدين الذين قد علم منهم اعتقاد الكفر، كسائر الزنادقة، وأن يقتلوا مع إظهارهم التوبة. "أحكام القرآن"... وفي "السير الكبير" من لفظ محمد رحمه الله: ومن أنكر شيئاً من شرائع الإسلام فقد أبطل قول: لا إله إلا الله اهـ......
قال: سمعت سفيان الثوري يقول: قال لي حماد بن أبي سليمان: أبلغ أبا فلان المشرك فإني بريء من دينه، وكان يقول: القرآن مخلوق. وقال الثوري: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. وقال على ابن عبد الله (ابن المديني) : القرآن كلام الله، من قال أنه مخلوق فهو كافر، لا يصلى خلفه.
قال أبو عبد الله البخاري: نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس فما رأيت أضل في كفرهم منهم، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم، وقال زهير السختياني: سمعت سلام بن أبي مطيع يقول: الجهمية كفار.
قال أبو عبد الله: ما أبالي صليت خلف الجهمي والرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون ولا يناكحون، ولا يشهدون، ولا تؤكل ذبائحهم. "خلق أفعال العباد" للبخاري
ومعلوم أن البدعة والهوى إنما تكون بشبهة، ففيه أن التأويل لم يدفع الكفر.
وقد قال في "إيثار الحق": فإن السنة ما اشتهر عن السلف، وصح بطريق النصوصية، ولولا هذا لكانت البدع كلها من السنن، لأنه ما من بدعة إلا ولأهلها شبه من العمومات والمحتملات والاستخراجات اهـ.
وقال فيه: وأما التفسير فما كان من المعلومات بالضرورة من أركان للإسلام وأسماء الله تعالى منعنا من تفسيره، لأنه جلي صحيح المعنى، وإنما يفسره من يريد تحريفه كالباطنية الملاحدة اهـ وقال أيضاً: ولذلك تجد هذا الجنس متمسك أكثر أهل الضلالات، ولا تجد صاحب باطل إلا وتجد في العمومات ما يساعده حتى منكري الضروريات، كغلاة الاتحادية اهـ..... فلأن الشرع كما نصب القتل جزاء للارتداد ليكون مزجرة للمرتدين وذباً عن الملة التي ارتضاها فكذلك نصب القتل في هذا الحديث وأمثاله جزاء للزنديق ليكون مزجرة للزنادقة وذباً عن تأويل فاسد في الدين لا يصح القول به.
ثم التأويل تأويلان: تأويل لا يخالف قاطعاً من الكتاب والسنة واتفاق الأمة، وتأويل يصادم ما ثبت بالقاطع، فذلك الزندقة، فكل من أنكر
رؤية الله تعالى يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر، وسؤال المنكر والنكير، أو أنكر الصراط والحساب سواء. قال: لا أثق بهؤلاء الرواة، أو قال: أثق بهم لكن الحديث مأول، ثم ذكر تأويلاً فاسداً لم يسمع من قبله فهو الزنديق.
وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما مثلاً: ليسا من أهل الجنة مع تواتر الحديث في بشارتهما، أو قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبوة ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمي بعده أحد بالنبي، وأما معنى النبوة وهو كون الإنسان مبعوثاً من الله تعالى إلى الخلق، مفترض الطاعة، معصوماً من الذنوب ومن البقاء على الخطأ في ما يرى فهو موجود في الأئمة بعده، فذلك الزنديق، وقد اتفق جماهير المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجري هذا المجرى، والله تعالى أعلم بالصواب "مسوى على المؤطأ" للشيخ الأجل ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي واستفيد منه تفسير الزندقة وحكمها، وأن التأويل في الضروريات لا يدفع الكفر،.... وفي "نور العين" عن "التمهيد": أهل الأهواء إذا ظهرت بدعتهم بحيث توجب الكفر فإنه يباح قتلهم جميعاً إذا لم يرجعوا، أو لم يتوبوا، وإذا تابوا وأسلموا تقبل توبتهم جميعاً إلا الإباحية، والغالية، والشيعة من الروافض، والقرامطة، والزنادقة من الفلاسفة، لا تقبل توبتهم بحال من الأحوال، ويقتل بعد التوبة وقبلها،.... قلت: وكذا يكفر قاذف عائشة، ومنكر صحبة أبيها، لأن ذلك تكذيب صريح للقرآن، كما مر في الباب السابق. "رد المحتار".
قلت: والأكثر على تكفير منكر خلافة الشيخين، وفي "الدر المنتقى" عن "الوهبانية"... والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلاً أو لاعباً كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده، كما صرح به في "الخانية" و"رد المحتار" عن "البحر": رجل كفر بلسانه طائعاً وقلبه على الإيمان يكون كافراً ولا يكون عند الله مؤمناً. كذا في "فتاوى قاضي خان". و"الهندية" و"جامع الفصولين".... إن ما كان دليل الاستخفاف يكفر به، وإن لم يقصد الاستخفاف، ذكره في "رد المحتار"، وقيل زيد على التصديق المجرد أشياء في الإيمان المعتبر شرعاً، وقيل التصديق المعتبر لا تجامع هذه الأفعال. ذكره العلامة قاسم في حاشية "المسايرة"، والحافظ ابن تيمية رحمه الله. وبالجملة يكفر ببعض الأفعال أيضاً اتفاقاً، وإن لم ينسلخ من التصديق اللغوي القلبي.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني كما في "الشفاء" و"المسايرة": فإن عصى بقول أو فعل نص الله تعالى ورسوله، أو أجمع المسلمون أنه لا يوجد إلا من كافر، أو يقوم دليل على ذلك فقد كفر اهـ. وقال أبو البقاء في "كلياته": والكفر قد يحصل بالقول تارة وبالفعل أخرى، والقول الموجب للكفر إنكار مجمع عليه فيه نص، ولا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد، أو عناد، أو استهزاء، والفعل الموجب للكفر هو الذي يصدر عن تعمد، قال القونوى: ولو تلفظ بكلمة الكفر طائعاً غير معتقد له يكفر، لأنه راض بمباشرته وإن لم يرض بحكمه، ولا يعذر بالجهل، وهذا عند عامة العلماء، ولو أنكر أحد خلافة الشيخين يكفر إلخ "شرح فقه أكبر".
وفيه أيضاً: ثم اعلم أنه إذا تكلم بكلمة الكفر، عالماً بمبناها ولا يعتقد معناها، لكن صدرت عنه من غير إكراه بل مع طواعية في تأديته، فإنه يحكم عليه بالكفر بناءً على القول المختار عند بعضهم، من أن الإيمان هو مجموع التصديق والإقرار، فبإجرائها يتبدل الإقرار بالإنكار وهذا في "شرح الشفاء" أيضاً.
أقول: والأظهر الأول، إلا إذا كان من قبيل ما يعلم من الدين بالضرورة، فإنه حينئذ يكفر ولا يعذر بالجهل. "شرح فقه أكبر".... أيضاً: وأفحش ذلك وأشهره مذهب القرامطة الباطنية في تأويل الأسماء الحسنى كلها، ونفيها عن الله على سبيل التنزيه له عنها، وتحقيق التوحيد بذلك، ودعوى أن إطلاقها عليه يقتضي التشبيه، وقد غلوا في ذلك وبالغوا، حتى قالوا: إنه لا يقال أنه موجود ولا معدوم، بل قالوا أنه لا يعبر عنه بالحروف، وقد جعلوا تأويلها أن المراد بها كلها إمام الزمان عندهم، وهو عندهم المسمى الله، والمراد بلا إله إلا الله، وقد تواتر هذا عندهم، وأنا ممن وقف عليه فيما لا يحصى من كتبهم التي في أيديهم وخزائنهم ومعاقلهم التي دخلت عليهم عنوةًَ أو فتحت بعد طول محاصرة، وأخذ بعضها عليهم من بعض الطرقات، وقد هربوا به ووجد بعضها في مواضع خفية قد أخفوه فيها، فكما أن كل مسلم يعلم أن هذا كفر صريح، وإنه ليس من التأويل.
وأما التفسير، فما كان من المعلومات بالضرورة من أركان الإسلام وأسماء الله تعالى منعنا من تفسيره، لأنه جلي صحيح المعنى، وإنما يفسره من يريد تحريفه، كالباطنية الملاحدة،.... وثانيهما إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم بالضرورة، والحكم بردته إن كان قد دخل فيه قبل خروجه منه، ولو كان الدين مستنبطاً بالنظر لم يكن جاحده كافراً، فثبت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد جاء بالدين القيم تاماً كاملاً، وإنه ليس لأحد أن يستدرك عليه ويكمل له دينه من بعده.
أيضاً: واعلم أن أصل الكفر هو التكذيب المتعمد لشيء من كتب الله تعالى المعلومة، أو لأحد من رسله عليه السلام، أو لشيء مما جاءوا به، إذا كان ذلك الأمر المكذب به معلوماً بالضرورة من الدين، ولا خلاف أن هذا القدر كفر، ومن صدر عنه فهو كافر إذا كان مكلفاً مختاراً غير مختل العقل ولا مكره، وكذلك لا خلاف في كفر من جحد ذلك المعلوم بالضرورة وتستر بالتأويل.... فعلم أن التأويل كما لا يقبل في ضروريات الدين كذلك لا يقبل في ما يظهر أنه احتيال في كلام الناس، وتمحل غير واقعي،.
وقد أخرج النسائي في خصائص علي - رضي الله عنه -، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقره الذهبي في "تلخيصه" ولفظه عندهم: أن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم، وفيهم أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما -. قال أبو بكر - رضي الله عنه -: أنا هو؟ قال لا، قال عمر - رضي الله عنه -: أنا هو؟ قال لا، ولكن خاصف النعل يعني علياً - رضي الله عنه - الحديث. وهو يدل على المساوات في الحكم في إنكارهما، وأخرجه أحمد في "مسنده".
... ولابد من التنبيه على قاعدة أخرى، وهو أن المخالف قد يخالف نصاً متواتراً ويزعم أنه مأول، ولكن ذكر تأويلاً لا انقداح له أصلاً في اللسان، لا على بعد ولا على قرب، فذلك كفر، وصاحبه مكذب، وإن كان يزعم أنه مأول. "فيصل التفرقة".
وقال أصحابنا: التعريض بسب الله وسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ردة، وهو موجب للقتل كالتصريح. "الصارم".
وقد قرره وحرره، ومثل للتعريض بأمثله، ونقل الاتفاق على الإكفار، وقال أيضاً: وقد تقدم نص الإمام أحمد على أن من ذكر شيئاً يعرض بذكر الرب سبحانه فإنه يقتل، سواء كان مسلماً أو كافراً، وكذلك أصحابنا قالوا: من ذكر الله، أو كتابه، أو دينه، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم - بسوء فجعلوا الحكم فيه واحداً إلخ. وهو في التعريض، وذكر عبارة الإمام أحمد في مواضع. وإذا ثبت أن كل سب تصريحاً أو تعريضاً موجب للقتل إلخ.
وقال في "فتح الباري": فإن عرض فقال الخطابي: لا أعلم خلافاً في وجوب قتله إذا كان مسلماً اهـ.
وقال ابن عتاب: نص الكتاب والسنة موجبان أن من قصد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأذى أو نقص معرضاً أو مصرحاً وإن قل فقتله واجب. "شفاء".
وإن اتهم هذا الحاكي فيما حكاه بأنه اختلقه، ونسبه إلى غيره، أو كانت تلك عادة له، بأن يكثر من ذكره ويزعم أنه حاك له، أو ظهر حال نقله استحسانه لذلك، وإنه لا محذور فيه، أو كان مولعاً بمثله والاستخفاف له، أي عده هنياً عنده لا محذور فيه، أو التحفظ، أي حفظه كثيراً. لمثله أو طلبه، ورواية أشعار هجوه - صلى الله عليه وسلم - وسبه فحكم هذا الحاكي حكم الساب نفسه، يؤاخذ بقوله، ولا تنفعه نسبته، فيبادر بقتله،
وفي "شفاء العليل": للحافظ ابن القيم رحمه الله: والتأويل الباطل يتضمن تعطيل ما جاء به الرسل، والكذب على المتكلم، أنه أراد ذلك المعنى، فتضمن إبطال الحق، وتحقيق الباطل، ونسبة المتكلم إلى ما لا يليق به من التلبيس والألغاز، مع القول عليه بلا علم أنه أراد هذا المعنى، فالمتأول عليه أن يبين صلاحية اللفظ للمعنى الذي ذكره أولاً، واستعمال المتكلم له في ذلك المعنى في أكثر المواضع حتى إذا استعمله فيما يحتمل غيره حمل على ما عهد منه استعماله فيه، وعليه أن يقيم دليلاً سالماً عن المعارض على الموجب لصرف اللفظ عن ظاهره، وحقيقته إلى مجازه واستعارته، وإلا كان ذلك مجرد دعوى منه فلا يقبل.
وفي "فتاوى الحافظ ابن تيمية": ثم لو قدر أنهم متأولون لم يكن تأويلهم سائغاً، بل تأويل الخوارج ومانعي الزكاة أوجه من تأويلهم، أما الخوارج فإنهم ادعوا اتباع القرآن، وإن ما خالفه من السنة لا يجوز العمل به، وأما مانعوا الزكاة فقد ذكروا أنهم قالوا: أن الله قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} . وهذا خطاب لنبيه - صلى الله عليه وسلم - فقط، فليس علينا أن ندفعها لغيره، فلم يكونوا يدفعونها لأبي بكر، ولا يخرجونها له.
وقال أيضاً: وقد اتفق الصحابة والأئمة بعدهم على قتال مانعي الزكاة، وإن كانوا يصلون الخمس، ويصومون شهر رمضان، وهؤلاء لم يكن لهم شبهة سائغة، فلهذا كانوا مرتدين، وهم يقاتلون على منعها، وإن أقروا بالوجوب لما أمر الله.
وقال في "بغية المرتاد": إنما القصد ههنا التنبيه على أن عامة هذه التأويلات مقطوع ببطلانها، وإن الذي يتأوله أو يسوغ تأويله فقد يقع في الخطأ في نظيره أو فيه، بل قد يكفر من يتأوله].
ولادته ونشأته : هو الفقيه المجتهد محمد أنور بن معظم شاه ، ولد بكشمير سنة 1292هـ وقد تربى على والديه تربية إسلامية ، ولذلك كان معروفًا بالتقوى وغض البصر واحترام الأساتذة ، كان يقول الشيخ مولانا القاري محمد طيب رحمه الله : كنا نتعلم السنن النبوية من سيرة الشيخ أنور وكأن الأخلاق النبوية تجسدت في صورته ودرس على والده الشيخ غلام رسول الهزاروي كتبًا في الفقه وأصوله ولما بلغ السابعة عشرة من عمره سافر إلى ديوبند ، والتحق بدار العلوم هناك وتخرج منها سنة 1313هـ ، وقد حصل على إجازة درس الحديث من شيخ السنة مولانا رشيد أحمد الكنكوهي وشيخ الهند مولانا محمود الحسن رحمه الله ، ويصل سنده إلى الإمام الترمذي والشيخ ابن عابدين الحنفي .
كان الشيخ رحمه الله شديد الاستحضار قوي الحافظة ، شغوفًا بالمطالعة ، وقد
انتهى من مطالعة (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) للحافظ العيني في شهر
رمضان المبارك وأراد بذلك أن يستعد لدراسة صحيح البخاري في العام الدراسي
المقبل الذي كان يبدأ في شهر شوال ، وقد استوعب (فتح الباري شرح صحيح
البخاري) للحافظ ابن حجر مطالعة أثناء قراءته صحيح البخاري على شيخه مولانا
محمود الحسن رحمه الله
مكانته العلمية :كان الشيخ رحمه الله إمامًا في علوم القرآن والحديث ، وحافظًا واعيًا لمذاهب
الأئمة مع إدراك الاختلاف بينهما ، ولم يقتصر في مطالعته على كتب علماء مدرسة بعينها - مع أنه كان حنفيًا - وإنما قرأ لعلماء مدارس مختلفة لهم انتقادات شديدة فيما بينهم ، مثل الحافظ ابن تيمية والحافظ ابن القيم وابن دقيق العيد والحافظ ابن حجر رحمهم الله ، وقد أحاط بكتب أهل الكتاب
من أسفار العهد الجديد والقديم ، وطالع بالعبرية وجمع مئة بشارة من التوراة تتعلق
برسالة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-
رحل إلى ( داهبيل) في مقاطعة ( كجرات )، وأسس بها معهدًا كبيرًا يسمى( بالجامعة الإسلامية ) وإدارة تأليف تسمى ( بالمجلس العلمي ).
جهوده في الرد على القاديانية :
قد ظهرت في العالم فتن كثيرة ، وقد عمل العلماء ضدها بجهد كبير ، ومن
الفتن الكبرى التي وقعت في هذه البلاد (الهند) بوحي من أعداء الإسلام وتأييد منهم
(نشأة الفتنة القاديانية ) وقد تصدى العلماء لهذه الفتنة الملعونة ، وواجهوها وجدوا
في القضاء عليها في جميع البلاد .
وكانت جهود الشيخ أنور رحمه الله في مواجهتهم أكثر من جهود العلماء
المعاصرين لأنه لم يكن يدخر جهدًا ولا يهدأ له بال ولا يرتاح له فكر في ليل أو
نهار ، وكان يفكر دائماً في إيجاد الطرق الكفيلة للقضاء على هذه الطائفة فأيقظ
العلماء من النوم العميق في أنحاء العالم ، وحثهم على القيام بواجبهم في القضاء
عليها بالتبليغ والتصنيف ، وقد تيسر لأصحابه وتلامذته تأليف كتب ورسائل ضد
هذه الطائفة الكاذبة باللغات المختلفة .
وقد ألف الشيخ أنور بنفسه ، مؤلفات صغيرة وكبيرة حولها منها :
1- إكفار الملحدين .
2- التصريح بما تواتر في نزول المسيح .
3- تحية الإسلام في حياة عيسى عليه السلام .
4- عقيدة الإسلام في حياة عيسى .
5- خاتم النبيين .
وهذه كلها باللغة العربية إلا كتاب خاتم النبيين فإنه باللغة الفارسية .
أما كتبه المؤلفة غير التي ذكرتها فهي كما يلي :
(فيض الباري شرح صحيح البخاري) في أربعة مجلدات ، (العرف الشذي
على جامع الترمذي) ، (مشكلات القرآن) ، (نيل الفرقدين في مسألة رفع اليدين) ،
(فصل الخطاب في مسألة أم الكتاب) ، (ضرب الخاتم على حدوث العالم) ، (خزائن
الأسرار) ، وكلها كتب باللغة العربية .
توفي رحمه الله (1352 هـ)
2 التعليقات:
السلام عليكم ياشيخ رضوان
لدي سؤال مستعجل جدا وهو:
لدينا عدة ساحات للجهاد في سوريا ولدينا إحدى الساحات بحاجة للرجال أكثر من غيرها فهل يسقط الفرض العيني إذا نفرنا لساحة تحتاج لرجال أقل
أم أن هذا الامر من السياسة الشرعية
جزاك الله خيرا
اريد أن اوضح اكثر ياشيخنا:
مثال حمص وادلب فحمص بحاجة اكثر وادلب ايضا بحاجة ولكن حمص احوج من غير مناطق فهل يسقط الوجوب في حال الالتحاق بحلب او ادلب
وثانيا هل من الافضل الجهاد في ادلب اذا كان أهلي فيها وأريد الدفاع عنهم
ثالثا هل الافضل أو الجائز ان اجاهد في مدينة غير مدينتي خوفا على عائلتي
ورابعا هل الثواب في حمص أكبر من الجهاد في ادلب
إرسال تعليق