الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية (19)
رضوان محمود نموس
السلام عليكم شيخنا رضوان هذه هي أسئلتي...
قرأت عدة مقالات عن الطائفة الممتنعة ومنها مقالتك ولدي عدة أسئلة عن الطائفة الممتنعة وكفر الدول وهي كالأتي:......
11- ما معنى الاستتابة وهل شروط وموانع التكفير تعتبر من الاستتابة؟
12- هل تكفر الدولة بتشريع قانون وضعي واحد أم هناك نسبة معينة؟
قال في مختار الصحاح: ت و ب التَّوْبةُ الرجوع عن الذنب وبابه قال وتَوْبةً أيضا وقال الأخفش التَّوْبُ جمع توبة ... و استَتَابَهُ سأله أن يتوب
وقال في اللسان: توب: التَّوْبَةُ: الرُّجُوعُ من الذَّنْبِ. وفي الذَّنْبِ وفي الحديث: النَّدَمُ تَوْبَةٌ. و التَّوْبُ مثلُه. وقال الأخفش: التَّوْبُ جمع تَوْبةٍ مثل عَزْمةٍ وعَزْمٍ. و تابَ إلى اللَّهِ يَتُوبُ تَوْباً و تَوْبةً الوطنية مَتاباً:أَنابَ ورَجَعَ عن المَعْصِيةِ إلى الطاعةِ، ... ورَجل تَوَّابٌ: تَائِبٌ إلى اللَّه. واللَّهُ تَوّابٌ: يَتُوبُ عَلَى عَبْدِهِ. وقوله تعالى: غافِرِ الذَّنْبِ وقابلِ التَّوْب،... وقوله تعالى: تُوبُوا إلى اللَّه جَمِيعاً ؛ أَي: عُودُوا إلى طَاعَتِهِ وأَنِيبُوا إليه. ... و اسْتَتَبْتُ فُلاناً: عَرَضْتُ عليه التَّوْبَةَ مما اقْتَرَف أَي الرُّجُوعَ والنَّدَمَ على ما فَرَطَ منه. و اسْتَتابه: سَأَلَه أَن يَتُوبَ.
فالاستتابة إذن هي عرض التوبة ودعوة المذنب إليها سواء كان الذنب صغيرة أو كبيرة أو ردة وكفر.
وعرض التوبة ليست واجباً على من ارتد بل هي من باب الأولى أما إذا كان المرتد زنديقاً كحال النصيريين والعلمانيين والشيوعيين والحكام فالإجماع أن الزنديق يقتل دون أن تعرض عليه التوبة وإذا بادر هو بها بعد القدرة عليه لا تقبل منه أما إذا تاب قبل القدرة عليه فهذه التوبة المقبولة والله أعلم.
وموانع التكفير ليست من الاستتابة مع أنه بينها وبين الاستتابة علاقة.
أما شروط وموانع التكفير ففيها خلاف فمنهم من قال:
هي الإكراه الملجئ, والخطأ فقط.
ومنهم من قال هي أربع: الإكراه والخطأ والجهل والتأويل.
ومنهم من أوصلها إلى ست فأضاف التقليد والعجز.
على أن الذين أدخلوا الجهل والتأويل والتقليد والعجز فصلوا في ذلك وقسموا كل بند إلى قسمين: فقالوا جهل يعذر صاحبه وجهل لا يعذر به وأناطوا ذلك بالزمان والمكان والقضية المجهول بها وسبب الجهل هل سبب قاهر كأن يكون الإنسان حديث عهد بإسلام أو في بلد كفر أصلي ولا يوجد من يسأله أو أسلم وهو بسجن الكافرين ولم يتمكن من التعلم أم أن سبب الجهل تقصيره وعدم طلب العلم.
وكذلك فعلوا بالتأويل وبقية الأقسام.
ووجه الحق كما أراه والله أعلم أن موانع التكفير هي الإكراه والخطأ والجهل فقط في دقائق الأمور التي تتعلق بالصفات وما شابه وبعد تبيين الحجة ينتهي الجهل سواء اقتنع الجاهل أم لم يقتنع والله أعلم.
ولا بأس بإلقاء قليل من الضوء على بند الجهل لتمسك أصحاب الأهواء به ليشملوا الطواغيت المشرعين من دون الله.
فالله تعالى وهو أرحم الراحمين لم يعذر بالجهل العام بل وصف الكفار بأنهم جهلة ومع وصفه لهم بالجهل كانوا كفاراً ولقوا مصير الكفار.
قال الله تعالى {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام : 111]
{وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [هود : 29]
{أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [النمل : 55]
{قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ} [الأحقاف : 23]
{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [البقرة : 171]
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة : 58]
{أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا} [الفرقان : 44]
(( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ))[الكهف103/105]
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت : 63]
{وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك : 10]
ومن السنة:
عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَقُولُ الْكَلِمَةَ لا يَقُولُهَا إِلا لِيُضْحِكَ بِهَا النَّاسَ، يَهْوِي بِهَا أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَإِنَّهُ لَيَزِلُّ عَنْ لِسَانِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَزِلُّ مِنْ قَدَمِهِ» فهو لم يقصد الكفر ولكنه قال ذلك ليضحك الناس جهلاً منه ومع هذا عوقب كما قال صلى الله عليه وسلم([1]).
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ قَالَ لا يَنْفَعُهُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ([2]).
وعَنِ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ قَالَ لَقِيطٌ فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لانْسِلاخِ رَجَبٍ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلاةِ الْغَدَاةِ فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَلا إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَلا لأُسْمِعَنَّكُمْ أَلا فَهَلْ مِنْ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ فَقَالُوا اعْلَمْ لَنَا مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ أَوْ يُلْهِيَهُ الضُّلالُ أَلا إِنِّي مَسْئُولٌ هَلْ بَلَّغْتُ أَلا اسْمَعُوا تَعِيشُوا أَلا اجْلِسُوا أَلا اجْلِسُوا قَالَ فَجَلَسَ النَّاسُ وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَهَزَّ رَأْسَهُ وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقَطِهِ... قَالَ فَانْصَرَفْنَا وَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لأَحَدٍ مِمَّنْ مَضَى مِنْ خَيْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ قَالَ فَلَكَأَنَّهُ وَقَعَ حَرٌّ بَيْنَ جِلْدِي وَوَجْهِي وَلَحْمِي مِمَّا قَالَ لأَبِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ فَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ وَأَبُوكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا الأُخْرَى أَجْهَلُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَهْلُكَ قَالَ وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللَّهِ مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ فَقُلْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النَّارِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لا يُحْسِنُونَ إِلا إِيَّاهُ وَكَانُوا يَحْسِبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ يَعْنِي نَبِيًّا فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنْ الْمُهْتَدِين([3]). َ
قال القرطبي: وإلى هذا ذهب البخاري رحمه الله حيث بوب في كتابه باب العلم قبل القول والعمل لقول الله عز وجل فاعلم أنه لا إله إلا الله قال القاضي من لم يكن عالما بالله فهو جاهل والجاهل به كافر([4]).
وقال الجصاص: [والكفر هو التغطية ويرجع معنى ما ذكر عنهم إلى التغطية من وجهين أحدهما كفران النعمة يجحدها أن يكون المنعم بها هو الله تعالى وإضافتها إلى غيره ممن ادعوا له الإلهية والآخر كفر من جهة الجهل بالله تعالى وكل جاهل بالله كافر لتضييعه حق نعم الله تعالى فكان بمنزلة مضيفها إلى غيره([5]).
وسئلت هيئة كبار العلماء فقالت:
السؤال الأول من الفتوى رقم 9257[14/2[16]
س: هل كل من أتى بعمل من أعمال الكفر أو الشرك يكفر ـ علماً بأنه أتى بهذا الشيء جاهلاً يعذر بجهله أم لا يعذر؟ وما هي الأدلة بالعذر أو عدم العذر؟
الجواب:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه.. وبعد:
لا يعذر المكلف بعبادته غير الله أو تقربه بالذبائح لغير الله أو نذره لغير الله ونحو ذلك من العبادات التي هي من اختصاص الله إلا إذا كان في بلاد غير إسلامية ولم تبلغه الدعوة فيعذر لعدم البلاغ لا لمجرد الجهل؛ لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار».
فلم يعذر النبي صلى الله عليه وسلّم من سمع به ومن يعيش في بلاد إسلامية قد سمع بالرسول صلى الله عليه فلا يعذر في أصول الإيمان بجهله.
أما الذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم ذات أنواط يعلقون بها أسلحتهم فهؤلاء كانوا حديثي عهد بكفر وقد طلبوا فقط ولم يفعلوا فكان ما حصل منهم مخالفاً للشرع وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلّم بما يدل على أنهم لو فعلوا ما طلبوا كفروا.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو عبد الله بن قعود
عضو عبد الله بن غديان
نائب رئيس اللجنة عبد الرزاق عفيفي
الرئيس عبد العزيز بن عبد الله بن باز([6])
ثم لو كان الجهل عذراً بإطلاق لكان الجهل خيراً من العلم إذ أن صاحبه معذور ناج يوم القيامة وهذه غاية ونهاية المنى ولا أظن أن أحداً من الناس على اختلاف أديانهم يقول أن الجهل خير من العلم. فإذا بطل اللازم بطل الملزوم.
وهناك أمر خطير جداً وهو النطق بالمكفرات وإعلان تبني أمور مكفرة ثم يزعم أصحابها أنهم يفعلون ذلك سياسة أو لأجل الوصول إلى القيادة والزعامة من الأمور الدنيوية كما يقول كثير من قادة الحركات المتمسلمة أنه يقبل بولاية الكافر وأنه يرضى بذلك إذا كانت نتيجة الصندوق هكذا وأنه يقبل بأي شيء يفرزه الصندوق ومنهم من يقول بحرية تبديل الدين وإلغاء حد الردة ومنهم من يقول بحلول مفهوم المواطنة مكان الجزية وهكذا من الأشياء المكفرة زعماً منهم أن السياسة وإرادة الزعامة تبرر ذلك.
وهذا خطأ عظيم وهو ظنهم أن الشهوة أو إرادة الدنيا، أو السياسة مانع من موانع التكفير، وأن الإنسان لا يكفر إلا إذا قصد الكفر واعتقده وانشرح صدره به.
ومقصودهم أن الإنسان لو قال الكفر أو عمله، عامداً عالماً أنه كفر، ثم زعم أنه لم يُرد الكفر، وإنما أراد تحصيل شهوة أوسياسة أو عرض من الدنيا، أنه لا يكفر.
وهذا ضلال بيِّن، مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة في مواضع، فإن الله تعالى بيَّن أن من أسباب الكفر والردة إرادةَ الحياة الدنيا واستحبابَها، فكيف يأتي من يجعل ذلك مانعا من موانع التكفير.
قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [النحل:106 - 107]
وقال سبحانه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65 - 66]
قال شيخ الإسلام: (والكافر قد يعلم وجود ذلك الضرر لكنه يحمله حب العاجلة على الكفر. يبين ذلك قوله: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآَخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ [النحل:106 - 107]، فقد ذكر تعالى من كفر بالله من بعد إيمانه وذكر وعيده في الآخرة ثم قال: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآَخِرَةِ [النحل:107] وبين تعالى أن الوعيد استحقوه بهذا. والله سبحانه وتعالى جعل استحباب الدنيا على الآخرة هو الأصل الموجب للخسران. واستحباب الدنيا على الآخرة قد يكون مع العلم والتصديق بأن الكفر يضر في الآخرة، وبأنه ما له في الآخرة من خلاق)([7]).
وكل من تكلم بالكفر طوعا فقد شرح صدره به.
وقد بين شيخ الإسلام هذه المسألة بيانا شافيا في مواضع من كتبه، قال: (فمن قال بلسانه كلمة الكفر من غير حاجة عامداً لها عالماً بأنها كلمة كفر، فإنه يكفر بذلك ظاهرا وباطنا، ولا يجوز أن يُقال إنه في الباطن يجوز أن يكون مؤمنا، ومن قال ذلك فقد مرق من الإسلام. قال الله سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 106] , ومعلوم أنه لم يُرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط؛ لأن ذلك لا يُكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أُكره. ولم يُرد من قال واعتقد؛ لأنه استثنى المكره، وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعُلم أنه أراد: من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، وأنه كافر بذلك إلا من أُكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضا، فصار كل من تكلم بالكفر كافرا إلا من أكره، فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان. وقال تعالى في حق المستهزئين: لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66] , فبيّن أنهم كفار بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته، وهذا باب واسع، والفقه فيه ما تقدم من أن التصديق بالقلب يمنع إرادة التكلم وإرادة فعلٍ فيه استهانةٌ واستخفاف، كما أنه يوجب المحبة والتعظيم) ([8]).
وقال: وإذا تكلم بكلمة الكفر طوعا فقد شرح بها صدرا، وهي كفر، وقد دل على ذلك قوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:64 - 66] فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم، مع قولهم: إنا تكلمنا بالكفر من غير اعتقاد له بل كنا نخوض ونلعب، وبيّن أن الاستهزاء بآيات الله كفر، ولا يكون هذا إلا ممن شرح صدره بهذا الكلام، ولو كان الإيمان في قلبه منعه أن يتكلم بهذا الكلام) ([9]).
وقال: (وأيضا: فإنه سبحانه استثنى المكره من الكفار، ولو كان الكفر لا يكون إلا بتكذيب القلب وجهله لم يستثن منه المكره؛ لأن الإكراه على ذلك ممتنع. فعُلم أن التكلم بالكفر كفر إلا في حال الإكراه. وقوله تعالى: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا [النحل:106] أي لاستحبابه الدنيا على الآخرة. ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا)) ([10]).
والآية نزلت في عمار بن ياسر وبلال بن رباح وأمثالهما من المؤمنين المستضعفين لما أكرههم المشركون على سب النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من كلمات الكفر، فمنهم من أجاب بلسانه كعمار، ومنهم من صبر على المحنة كبلال، ولم يكره أحد منهم على خلاف ما في قلبه، بل أكرهوا على التكلم، فمن تكلم بدون الإكراه لم يتكلم إلا وصدره منشرح به)
فتبين بهذا أن انشراح الصدر بالكفر، في حق من تكلم به طائعا: وصف لازم، لا شرط أو قيد في التكفير. ([11]).
أما التأويل فلو أعذر كل كافر بالتأويل لم يبق كافر غير معذور فغلاة الصوفية كلهم تأولوا وابن عربي يقول كل ما عبد في الأرض هو الله وتأول قوله تعالى: (( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ))[الإسراء:23] أنه قضاء من الله لا يرد ولا يكون سواه فكل معبود عبد من شجر وحجر وغيره هو الله حقيقة لذا قال تعالى رفيع الدرجات ولم يقل رفيع الدرجة.
ولننظر مثلاً إلى كتاب"فصوص الحكم":
نجده يقول:
[ إنما سُمّي الخليل خليلاً لتخلُّله وحصره جميع ما اتصف به الذات الإلهية، وبه سمّي الخليل خليلاً كما يتخلَّل اللون الملَّون، فيكون العَرَض بحيث جوهره، أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم عليه السلام وكل حكم... ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدَثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص، وبصفات الذم. ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولِها إلى آخرها، وكلها حقٌّ له ].
وقال: (فصّ حكمة إماميّة في كلمة هارونية):
[ ثم قال: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، ولا تُشمت بيَ الأعداء، فهذا كله نَفَس من أنفاس الرحمة، وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه. فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها الهدى والرحمة... وكان موسى أعلم بالأمر من هارون، لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن الله قضى أن لا يُعبد إلا إيّاه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عَتَب موسى أخاه هارون لمَّا وقع الأمر في إنكاره، وعدم اتساعه, فإن العارف من يرى الحق في كل شيء؛ بل يراه عين كل شيء... وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد، والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك يسمَّى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل: رفيع الدرجة، فكثَّر الدرجات في عين واحدة، فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلَّى إلهياً عُبد فيها، وأعظم مجلًّى عُبد فيه وأعلاه الهوى، كما قال: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه, فهو أعظم معبود، فإنه لا يُعبد شيء إلا به.
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى*ولولا الهوى في القلب ما عُبد الهوى
... والعارف المكمّل من رأى كل معبود مجلّى للحق يعبد فيه ].
والشيعة تأولو الشجرة الملعونة في القرآن بني أمية والجبت والطاغوت أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ولعن الله الشيعة .
وهكذا لذا قيدوا التأويل بأن يكون موافق لمقتضى اللغة ولا يتعارض مع قواعد الشرع وإذا كان كذلك لا يمكن أن يؤدي إلى الكفر وما أدى إلى الكفر لم يتقيد بقواعد التأويل وهو مرفوض لا يعذر أصحابه.ولا تتحمل الإجابة الإطالة في هذا الموضوع .
أما السؤال الثاني عشر وهو: هل تكفر الدولة بتشريع قانون وضعي واحد أم هناك نسبة معينة؟
إن تشريع الدولة لنصف قانون من دون الله ويتعارض مع شرعية الله هو كاف لكفر الدولة .
ولا يدخل في مسمى التشريع العمل واللوائح الإدارية التي تنظم مسير إدارة البلاد كنظام المرور مثلاً وما شابهه فشرط التشريع المكفر أن يكون مخالفاً لشريعة الله عز وجل.
1 التعليقات:
جزاك الله خيرا وبارك فيك
ولكن مالفرق بين المنافق والزنديق وكيف يمكن تمييزه
إرسال تعليق