المستأمنين وأحكامهم(2)
رضوان محمود نموس
نواقض أمان المستأمن
قال ابن القيم في أحكام أهل الذمة:[وإنما قتلوه([1]) لأجل هجائه وأذاه لله ورسوله ومن حل قتله بهذا الوجه لم يعصم دمه بأمان ولا بعهد كما لو أمّن المسلم من وجب قتله لأجل قطع الطريق ومحاربة الله ورسوله والسعي في الأرض بالفساد الموجب للقتل أو أمَّن من وجب قتله لأجل زناه أو أمَّن من وجب قتله لأجل الردة أو لأجل ترك أركان الإسلام ونحو ذلك ولا يجوز له أن يعقد له عهدا سواء كان عقد أمان أو عقد هدنة أو عقد ذمة لأن قتله حد من الحدود وليس قتله لمجرد كونه كافرا. ... فثبت أن أذى الله ورسوله بالهجاء ونحوه لا يحقن معه الدم بالأمان فلأن لا يحقن معه بالذمة المؤبدة والهدنة المؤقتة بطريق الأولى]([2]).
وقال البهوتي في كشاف القناع:[ ومن جاءنا منهم بأمان فخاننا كان ناقضا لأمانه لمنافاة الخيانة له]([3]).
وقال ابن عابدين: [ولا شك في بطلانهما) أما الأمان فلأنه لا يصح من الذمي، فمن المرتد أولى]([4]).
قال أبو الحسن المالكي في كفاية الطالب:[ تنبيه: قال في الجواهر: وشرط الأمان أن لا يكون على المسلمين ضرر، فلو أمن جاسوساً أو طليعة أو من فيه مضرة لم ينعقد اهـ.]([5]).
وقال أبو البركات في الشرح الصغير:[ (و لا يُومَّنُ) المحارب أي لا يعطيه الإمام أمانا (إنْ سألَه) الأمان ]([6]).
وقال في الشرح الكبير: [ثم شرط الأمان (إنْ لم يضرَّ) بالمسلمين بأن يكون فيه مصلحة أو استوت المصلحة وعدم الضرر فإن أضر بالمسلمين وجب ردّه......و إن كان المؤمن (ذمياً أو خائفاً منهم) حال عقد الأمان فلا يمضي لأن كفره يحمله على سوء النظر للمسلمين وخوفه يحمله على مصلحة نفسه خاصة دون المسلمين.]([7]).
وقال الأزهري في الثمر الداني:[وشرط الأمان أن لا يكون على المسلمين ضرر فلو أمن جاسوساً أو طليعة أو من فيه مضرة لم ينعقد]([8]).
وقال شيخ زاده في مجمع الأنهر:[ (ومن بدأ منهم بخيانة قوتل فقط وإن) كان (باتفاقهم أو بإذن ملكهم قوتل الجميع بلا نبذ) لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه. ... (ولا يباع) أي يكره كراهة التحريم أن يملك بوجه كالهبة (منهم سلاح) أي مما استعمل القتل، ولو صغيراً (ولا خيل ولا حديد) لئلا يتقوى به الكفار، ولا يبلغ ما في حكمه من الحرير، والديباج فإن تمليكه مكروه فلا بأس بتمليك الثياب والطعام (ولو) كان (البيع بعد الصلح) لأنه قد ينبذ (ولا يجهز إليهم) أي لا يبعث التجار إليهم بالجهاز، والمراد ههنا السلاح وغيره فيكون معنى الكلام، ولا يباع منهم سلاح، ولا خيل، ولا حديد، ولا يحملها التجار أيضاً إليهم .... وكذا لو دخل مسلم في عسكر أهل الحرب في دار الإسلام، وأمنهم لا يصح أمانه لأنه مقهور بمنعتهم]([9]).
وقال ابن مفلح:[ فإذا دخل إلينا بأمان فجار انتقض أمانه ] ([10]).
وقال زكريا الأنصاري في فتح الوهاب: [ ويفسد العقد إطلاقه, لاقتضائه التأبيد وهو ممتنع لمنافاته مقصوده من المصلحة, وشرطٌ فاسد كمنع أي كشرط منع فك أسرانا منهم, أو ترك مالنا عندهم ,من مسلم وغيره لهم, أورد مسلمة أسلمت عندنا, أو أتتنا منهم مسلمة, أو عقد جزية بدون دينار, أو إقامتهم بالحجاز, أو دخلوهم الحرم, أو دفع مال إليهم لاقتران العقد بشرط مفسد, ....ونقضها يكون بتصريح منهم أو منا بطريقه أو نحوه أي التصريح كقتالنا أو مكاتبة أهل حرب بعورة لنا أو نقض بعضهم بلا إنكار باقيهم قولا وفعلا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا أو إيواء عيون الكفار أو سب الله سبحانه تعالى أو نبيه صلى الله عليه وسلم وإنما كان عدم إنكار الباقين في نقض بعضهم نقضا فيهم لضعف الهدنة بخلاف نظيره في عقد الجزية وقولي أو تنقض مع أو نحوه أعم وأولى مما ذكره وإذا انتقضت أي الهدنة جازت إغارة عليهم ولو ليلا]([11]).
وقال النووي في المجموع:[ فصل: الشروط المحظورة في الشرع، والتي لا يجوز للإمام أن يعقد الهدنة عليها.تقدّم: أنه لا يجوز أن يهادنهم على مالٍ يحمله المسلمون إلى المشركين.
ومنها : أن يهادنهم على دخول الحرم، أو استيطان الحجاز، وقد تقدم.
ومنها : أن يهادنهم على ردّ ما غنمه المسلمون من سبي ذراريهم، وقد تقدّم.
ومنها : مهادنتهم على ترك القتال إلى الأبد، وقد تقدّم لما فيه من تعطيل للجهاد.
ومنها : أن يهادنهم إلى أكثر من عشر سنين وقد تقدّم.
ومنها : أن يهادنهم على المجاهرة بشرب الخمور وأكل لحم الخنزير وإظهار شركهم، وقد تقدّم.
ومنها : أن يهادنهم على إسقاط الجزية، وتعشير أموالهم وقد تقدم.
ومنها : أن يهادنهم على خراج يضربونه على بلاد المسلمين، وقد تقدم.
وهي شروط محظورة منع منها الشرع، فلا يجوز أن تشترط في عقد الهدنة، فإذا شرطت، فقد وجب نقضها، ]. ([12])
وقال ابن نجيم في البحر الرائق:[ لو أغار أهل الحرب الذين فيهم مسلمون مستأمنون على طائفة من المسلمين فأسروا ذراريهم فمروا بهم على أولئك المستأمنين وجب عليهم أن ينقضوا عهودهم ويقاتلوهم إذا كانوا يقدرون عليه لأنهم لا يملكون رقابهم فتقريرهم في أيديهم تقرير على الظلم ولم يضمنوا ذلك لهم]([13]).
وقال:[ ونقاتل بلا نبذ لو خان ملكهم لأنهم صاروا ناقضين للعهد فلا حاجة إلى نقضه أطلق في خيانة ملكهم فشمل ما إذا كان باتفاق الكل أو بفعل بعضهم بإذنه حتى لو دخل جماعة منهم ذو منعة دار الإسلام بإذنه وقاتلوا المسلمين كان نقضا بملكهم]([14]).
وقال الإمام ابن حزم:[ فصح باليقين أنه لا يحل أن يعاهد مشرك عهدا ولا يعاقد عقدا إلا على الإسلام فقط أو على غرم بالجزية والصغار إن كان كتابيا وصح يقينا أن كل عهد أو عقد أو شرط عقد معهم أو عوهدوا عليه أو شرط لهم بخلاف ما ذكرنا فهو باطل مردود لا يحل عقده ولا الوفاء به إن عقد بل يفسخ ولا بد ]([15]).
وقال رحمه الله تعالى [قال أبو محمد وأيضا فإن الله عز وجل قد أمر بقتل المشركين جملة ولم يستثن منهم أحدا إلا كتابيا يغرم الجزية مع الصغار أو رسولا حتى يؤدي رسالته ويرجع أو مستجيرا ليسمع كلام الله تعالى ثم يبلغ إلى مأمنه وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل من بدل دينه]([16]).
قال الإمام ابن القيم:[ لأن الشروط إذا كانت حقا لله لا للعاقد انفسخ العقد بفواته من غير فسخ وهذه الشروط على أهل الذمة حق لله لا يجوز للسلطان ولا لغيره أن يأخذ منهم الجزية ويمكنهم من المقام بدار الإسلام إلا إذا التزموها وإلا وجب عليه قتالهم بنص القرآن]([17]).
وقال رحمه الله: [ المسألة الأولى فيما ينقض العهد وما لا ينقضه ونحن نذكر مذاهب الأئمة وما قاله أتباعهم في ذلك:
ذكر قول الإمام أحمد وأصحابه قد ذكرنا نصوصه في انتقاض العهد بالزنى بالمسلمة ذكر قوله في انتقاض العهد بسب النبي قال الخلال باب فيمن شتم النبي
سئل أبو عبد الله عن رجل من أهل الذمة شتم النبي ماذا عليه قال إذا قامت البينة عليه يقتل من شتم النبي مسلما كان أو كافرا أخبرني حرب قال سألت أحمد عن رجل من أهل الذمة شتم النبي فقال يقتل ذكر قوله فيمن يتكلم في الرب تعالى من أهل الذمة قال الخلال باب فيمن تكلم في شيء من ذكر الرب تبارك وتعالى يريد تكذيبا أو غيره أخبرني عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله قال كل من ذكر شيئا يعرض به بذكر الرب تبارك وتعالى فعليه القتل مسلما كان أو كافرا قال وهذا مذهب أهل المدينة أخبرني منصور بن الوليد أن جعفر بن محمد حدثهم قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن يهودي مر بمؤذن وهو يؤذن فقال له كذبت فقال يقتل لأنه شتم النبي .قال شيخنا وأقوال أحمد كلها نص في وجوب قتله وفي أنه قد نقض العهد وليس عنه في هذا اختلاف وكذلك ذكر عامة أصحابه متقدمهم ومتأخرهم لم يختلفوا في ذلك إلا أن القاضي في المجرد ذكر الأشياء التي يجب على أهل الذمة تركها وفيها ضرر على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال وهي الإعانة على قتال المسلمين وقتل المسلم والمسلمة وقطع الطريق عليهم وأن يؤوي على المسلمين جاسوسا وأن يعين عليهم بدلالة مثل أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين وأن يزني بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح وأن يفتن مسلما عن دينه قال فعليه الكف عن هذا شرط أو لم يشرط فإن خالف انتقض عهده وذكر نصوص أحمد في نقضها مثل نصه في الزنى بمسلمة وفي التجسس للمشركين وقتل المسلم وإن كان عبدا.
قال فتخرج المسألة على روايتين ثم قال وفي معنى هذه الأشياء ذكره الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي قال فهذه أربعة أشياء الحكم فيها كالحكم في الثمانية التي قبلها ليس ذكرها شرطا في صحة العقد فإن أتوا واحدة منها نقضوا الأمان سواء كان مشروطا في العهد أو لم يكن وكذلك قال في التعليق بعد أن ذكر أن المنصوص انتقاض العهد بهذه الأفعال والأقوال... وتبع القاضي جماعة من أصحابه ومن بعدهم كالشريف أبي جعفر وأبي الخطاب وابن عقيل والحلواني فذكروا أنه لا خلاف أنهم إذا امتنعوا من أداء الجزية والتزام أحكام الملة انتقض عهدهم وذكروا في جميع هذه الأفعال والأقوال التي فيها الضرر على المسلمين وآحادهم في نفس أو مال أو فيها غضاضة على المسلمين في دينهم] ([18]).
وقال رحمه الله: [فصل طريق ثالث في نقضهم العهد وسلك القاضي أبو الحسين طريقا ثالثة في نواقض العهد فقال أما الثمانية التي فيها ضرر على المسلمين وآحادهم في مال أو نفس فإنها تنقض العهد في أصح الروايتين وأما ما فيه إدخال غضاضة ونقص على الإسلام وهو ذكر الله وكتابه ودينه ورسوله بما لا ينبغي فإنه ينقض العهد نص عليه ولم يخرج في هذا رواية أخرى كما ذكر أولئك.
قلت لفظ القاضي في التعليق مسألة إذا امتنع الذمي من بذل الجزية ومن جريان أحكامنا عليهم صار ناقضا للعهد وكذلك إذا فعل ما يجب عليه تركه والكف عنه مما فيه ضرر على المسلمين وآحادهم في مال أو نفس وهي ثمانية أشياء1 الاجتماع على قتال المسلمين 2 وألا يزني بمسلمة 3 ولا يصيبها باسم نكاح 4 ولا يفتن مسلما عن دينه 5 ولا يقطع عليه الطريق 6 ولا يؤوي للمشركين عينا 7 ولا يعاون على المسلمين بدلالة أعني لا يكاتب المشركين بأخبار المسلمين 8 ولا يقتل مسلما وكذلك إذا فعل ما فيه إدخال غضاضة ونقص على الإسلام وهي أربعة أشياء 1 ذكر الله 2 وكتابه 3 ودينه 4 ورسوله بما لا ينبغي سواء شرط عليهم الإمام أنهم متى فعلوا ذلك كان نقضا لعهدهم أو لم يشرط في أصح الروايتين ]([19]).
وقال رحمه الله تعالى: [ فصل قولهم ولا نكتم غشا للمسلمين هذا أعم من إيواء الجاسوس فمتى علموا أمرا فيه غش للإسلام والمسلمين وكتموه انتقض عهدهم وبذلك أفتينا ولي الأمر بانتقاض عهد النصارى لما سعوا في إحراق الجامع والمنارة وسوق السلاح ففعل بعضهم وعلم بعضهم وكتم ذلك ولم يطلع عليه ولي الأمر وبهذا مضت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناقضي العهد فإن بني قينقاع وبني النضير وقريظة لما حاربوه ونقضوا عهده عم الجميع بحكم الناقضين للعهد وإن كان النقض قد وقع من بعضهم ورضي الباقون وكتموه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يطلعوه عليه وكذلك فعل بأهل مكة لما نقض بعضهم عهده وكتم الباقون وسكتوا ولم يطلعوه على ذلك أجرى الجميع على حكم النقض وغزاهم في عقر دارهم وهذا هو الصواب الذي لا يجوز غيره وبالله التوفيق وقد اتفق المسلمون على أن حكم الردء والمباشر في الجهاد كذا وكذلك اتفق الجمهور على أن حكمهم سواء في قطع الطريق]([20]).
وقال رحمه الله:[ فصل: مذهب الإمام الشافعي فيما ينقض العهد وأما مذهب الشافعي رحمه الله تعالى فقد قال في الأم وإذا أراد الإمام أن يكتب كتاب صلح على الجزية كتب وذكر الشروط إلى أن قال وعلى أن أحدا منكم إن ذكر محمدا أو كتاب الله أو دينه بما لا ينبغي أن يذكر به فقد برئت منه ذمة الله ثم ذمة أمير المؤمنين وجميع المسلمين ونقض ما أعطي من الأمان وحل لأمير المؤمنين ماله ودمه كما تحل أموال أهل الحرب ودماؤهم وعلى أن أحدا من رجالهم إن أصاب مسلمة بزنى أو اسم نكاح أو قطع الطريق على مسلم أو فتن مسلما عن دينه أو أعان المحاربين على المسلمين بقتال أو دلالة على عورات المسلمين أو إيواء لعيونهم فقد نقض عهده وأحل دمه وماله قالوا وإذا ظهر نقض العهد من بعضهم فإن أنكر عليه الباقون وظهر منهم كراهية ذلك اختص النقض به وإن ظهر رضاهم بذلك كان نقضا من جميعهم فعلامة بقائهم على العهد إنكارهم على من نقض عهده]([21]).
وقال رحمه الله:[ فصل قولهم ولا نرغب في ديننا ولا ندعو إليه أحدا هذا من أولى الأشياء أن ينتقض العهد به فإنه حرب الله ورسوله باللسان وقد يكون أعظم من الحرب باليد]([22]).
[1] - أي كعب بن الأشرف عندما هجا المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم {من لي بكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟ فقال محمد بن مسلمة يا رسول الله أتحب أن أقتله؟ قال نعم} رواه البخاري في المغازي باب رهن السلاح, والجهاد باب الكذب في الحرب, وباب الفتك بأهل الحرب, ورواه مسلم في باب الجهاد رقم (1, 18) وغيرهم, والرواية المثبتة لمسلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق