الجماعة 12
رضوان محمود نموس
حتى لا تكون الكتابة من أجل تسويد الصفحات فلا بد من إنزالها على الواقع لعل النائم يصحو، والسادر ينتبه، والمخطئ يفيء، واللجوج يقلع، وأما من أشرب البدع أو من اتخذ إلهه هواه، فهيهات هيهات.
في أواسط الستينات كنت في المرحلة الثانوية، وكنت أتميز غيظاً من حكام بلاد الإسلام، وبالخصوص حكام الدول العربية، وكم كنت أخاطب نفسي إذا كنا كلنا مسلمين ومن أصل عربي ونتكلم العربية ولنا نفس الآمال والآلام والتاريخ المشترك والأرض الواحدة التي قسمها الغرب الكافر، فلماذا لا يتحد هؤلاء الحكام، أكل هذا الخلاف من أجل المناصب والكراسي ؟! لا شك أن هؤلاء الحكام مجموعة من الانتهازيين الخونة يجب أن يؤخذ على أيديهم.
لم أكن أعلم آنذاك أن هؤلاء جميعاً أشبه بمسرح العرائس وكل واحد منهم ربط بخيط، ويحركهم أستاذ واحد من وراء الستار.
وجاءت هزيمة 1967 لتكشف بعض الحقائق ، وأصبحت انظر إلى هؤلاء الحكام على أنهم سفراء مفوضين لدول الكفر المتمثلة بأمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، وبدأت أنظر إلى الحركات الإسلامية كأمل لخلاص هذه الأمة.
وفي أوائل السبعينات كانت المعارك بين الاتجاه السلفي وبين المتعصبين من أهل المذاهب. والتنافس للسيطرة على المساجد على أشده بين الإخوان والصوفية، حتى كان بعض أتباع الصوفية يستعينون بأجهزة الأمن لطرد الإخوان من المساجد وكنت كلما أسمع بحادثة أو أرى شيئاً من هذا، أشعر وكأن خنجراً غاص في أعماقي، وبدأت تظهر خارطة العمل الإسلامية أمامي بوضوح، بعد أن رفعت عن الخارطة الصوفية وأتباع الطرق، وألحقتهم بالأنظمة الحاكمة الطاغوتية كنت أرى الإخوان والسلفيين والتحرير، أرى الإخوان وقد انقسموا إلى قسمين بدوافع أقل ما يقال عنها أنها جاهلية، دوافع إقليمية، فإخوان حلب لا يقبلون بقيادة إخوان دمشق، ثم انقسمت الجماعة إلى قسمين (الحلبيون ومعهم الحمويون) و (الدمشقيون ومعهم باقي المحافظات) و خرج ثمة قسم ثالث يريد القتال وسمى نفسه الطليعة ولما أعلن الجهاد تضاءل دور الدمشقيين حتى أصبح حكراً على دمشق وبعض المراكز المنتشرة هنا وهناك، ثم انقسم الحلبيون إلى حلبيين وحمويين، هكذا، معايير جاهلية وراء كل انقسام، وفي كل يوم يزداد الجرح عمقاً.
وعندما ذهب وفد من تنظيم دمشق ليناقش قيادة التنظيم حول بعض الأمور، قيل (إن مجموعة من الفلاحين والحوارنة يريدون انتقاد القيادة).
وكان في كافة المحافظات ينظر إلى أبناء الأرياف وكأنهم نوع ثان من البشر ومرت السنون وها أنا ذا في العقد السابع من العمر وأنظر إلى خارطة العمل الإسلامي ليتحول الأمل إلى ألم، ولينقلب جيل الصحوة إلى ركام وحطام خرج من بين أقذاره العلمانيون الجدد وأصبح الذي كان مؤملاً بأن يأتي بالدواء هو البلاء والشقاء والداء .
انظر إلى الإخوان المسلمين وقد مزقتهم الانقسامات وفتنتهم الجاهليات، انظر إلى الاتجاه السلفي لأراه كتلا متناثرة لا ضابط لها ولا هدف، تتقاذفها أمواج علماء السلاطين إلا من رحم الله.
ثم ألتفت إلى الحركات التي تبنتت الجهاد، لأرى عجباً، هذه الحركات التي كانت وضعت نصب أعينها تجاوز الخلافات وعدم العمل بالترهات لتشتغل بجهاد الطواغيت، أراها وقد فرقت أنفسها شر ممزق، فالمجاهدون من الوجه البحري لا يقبلون قيادة أهل الصعيد، وأهل الصعيد لا يقبلون قيادة أبناء القاهرة، والذين نشأوا في أمريكا تحت رعاية النظام العالمي الجديد ينظرون إلى المسلمين في البلاد العربية أنهم من رعايا العالم الثالث، والمسلمين من شرق ليبيا مختلفون مع القسم الغربي، وفي الجزائر أربع أو خمس جماعات مجاهدة. والمجاهدون من شبرا ينفصلون عن المعادي، والمغاربة ثلاث جماعات والتوانسة جماعتين، والعراق أكراد وعرب، فالأكراد ثلاثة جماعات والعرب مثلهم، والأردن على نفس الخط، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولو أردت لفعلت، وإذا تركنا هؤلاء حالياً لننظر في آخرين رأينا أنه عندما قام الجهاد في أفغانستان كانوا أكثر من عشرين تنظيماً، نذكر منهم:
1 - جمعية رباني 2 - شوراي نظار أحمد شاه
3 - حزب إسلامي حكمتيار 4 - حزب إسلامي يونس خالص
5 - اتحاد سياف 6 - علماء أفغانستان محمد نبي
7 - نجاة ملة مجددي 8 - قومي ملة بير جيلاني
9 - نصر الله منصور 10 – مولوي أرسلان
11 - الدعوة إلى القرآن والسنة جميل الرحمن 12- دولة إنقلابي نورستان محمد أفضل
ولأنهم كانوا مختلفين كنسوا جميعاً واستبدل الله بهم قوماً آخرين.
ولو نظرنا إلى الحركات الإسلامية في باكستان مثلاً، وأخذنا عينة منها (أهل الحديث) لرأينا أنهم مقسمون على الشكل التالي:
1 -الجمعية المركزية لأهل الحديث. 2 - جمعية أهل حديث.
3 -غرباء أهل حديث. 4- المجاهدون.
5 -جمعية علماء أهل حديث. 6- متحدة أهل حديث.
7 -جماعة أهل حديث. 8 -حزب الله.
9 -جمعية إصلاح المجتمع. 10-جماعة الدعوة (انبثق عنها لشكر طيبة).
11- جمعية أهل الحديث السند 12-مركز الإصلاح.
13 -تحريك مجاهدين إسلام. 14- تحريك دعوة وإرشاد.
15- تحريك محمدية. 16 -اتحاد طلبة أهل الحديث.
17- شبان أهل الحديث. 18 -تنظيم طلباء أهل الحديث.
وإذا تركنا أهل الحديث وأتينا إلى الديوبنديين، لرأينا مثل ذلك بل يزيد.
وحدثني عدد من الثقات أن عدد التنظيمات الجهادية في تركيا يربو على ثلاثمائة، وعدد التنظيمات الإسلامية بشكل عام في مصر قريب من ذلك.
وعدد الأحزاب المجاهدة في كشمير أكثر من عشرين تنظيماً، فإذا تجاوزنا التنظيمات التي يقول عنها أصحاب الجهاد أنها مثبطة ومتخلفة عن الجهاد وعندها انحراف، وسألنا التنظيمات الجهادية وبالأخص العربية منها التي تدعي جميعاً بأن مصدر التلقي عندها القرآن والسنة، وسبيلها الجهاد وغايتها إقامة حكم الله في الأرض.
إذا سألناهم السؤال الذي يطرح نفسه شئنا أم أبينا، لماذا أنتم متفرقون ؟
لا يخرج الجواب عن إحدى ثلاث حالات:
الأولى: أنهم مختلفون على الأصول والقواعد الكلية.
الثانية: أن الخلافات فرعية وبسيطة ولكن حب الزعامات واتباع الهوى كبَّرها.
الثالثة: لأسباب جاهلية إقليمية بلدية وطنية قومية عشائرية ...الخ لا علاقة لها بالإسلام.
وأي من الحالات الثلاثة يُصنف أهل التفرق في الفرق والجماعات التي اتبعت السبل وشرعت في طريق الضلال.
ولا يتصور إلا أن واحدة على الحق وهي الجماعة المنصورة والفرقة الناجية والباقي على الضلال.
وأي كان، ليس بالضرورة انطباق الحكم على كافة أفراد هذه الجماعات، بل نحن موقنون بأن بين هذه الجماعات أفراد يريدون الحق واتباع سبيل الله الواحدة، ولكن لضعف عندهم سايروا الركب، وما لم يقم هؤلاء المخلصون وغيرهم من المخلصين بعملية إنقاذ للسفينة التي مزقتها الخروق، والأخذ على أيدي المخربين والالتحام بالمصلحين الجادين والالتحاق بالأقرب إلى الحق الذي عركته التجارب وأثبت جدارته في مواطن الجهاد ونصر الدين في كل المواقع متبرئاً من الإقليميات والجاهليات وعملوا جميعاً على ترميم ما هدم وإصلاح ما ثقب ورأب الصدع، ستغرق السفينة بمن فيها ونكون وإياهم من الغارقين، ويستبدل الله قوماً غيرنا ثم لا يكونوا أمثالنا...
قال الله تعالى: (( إِلا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ))[التوبة:39]
وقال الله تعالى: (( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ))[محمد:38]
وللبحث صلة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق