الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية (20)
رضوان محمود نموس
الأخ زكريا الهجر يسأل:
السلام عليكم الشيخ رضوان ما حكم العمليات الاستشهادية من حيث من ينفذها لقد سمعت منذ زمن تسجيل بصوت الألباني رحمه الله يعدها عمل انتحاري محرم على الأقل هذا ما فهمته من كلامه حينها. ثم ما حكمها إذا كانت العملية قد يذهب ضحيتها أناس مدنيين بسبب أنه صادف وجودهم قريب من موقع التفجير. ثم إذا كانت تؤدي إلى خسارة في الدعم الشعبي والجماهيري كما في الحالة السورية اليوم الناس تتخوف كثيرا من موضوع العمليات وأي جماعة تتبنى أي تفجير تخسر رصيدها لدى الناس أرجو أن تفيدنا بذلك وجزاك الله كل خير.
أقول وبالله التوفيق:
إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره؛ لذا من الواجب تبيين الأجواء المحتفة بالعمليات الاستشهادية.
لما كان الكفار يمتلكون التفوق النوعي في السلاح بمختلف أنواعه, قابلهم المجاهدون بتفوق نوعي في حب الموت في سبيل الله, وبرزت العمليات الاستشهادية, فجن جنون الكفر وأتباعه من العبيد الذين يسميهم علماء الطاغوت أولياء الأمر وكانت محطات مهمة في هذا الشأن.
1- في عام 1996 انعقد في شرم الشيخ مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب بحضور لفيف من زعماء العالم بقيادة الرئيس الأمريكي كلينتون، وكانت كلمة سعود الفيصل تعلن إدانة العمليات الاستشهادية بما في ذلك العمليات ضد يهود.
2- بعد غزوة منهاتن وواشنطن جن جنون أمريكا وبدأت بحملة واسعة لمحاربة الجهاد وعلى رأس ذلك العمليات الاستشهادية.
3- دعوة دولة يهود لسن قانون دولي يجرم العمليات الاستشهادية
[إسرائيل تسعى لتجريم العمليات الاستشهادية دوليا:
انتهت وزارة الخارجية الإسرائيلية من إعداد مشروع اتفاقية دولية "ضد العمليات الاستشهادية" وبدأت في توزيعه على وزارات خارجية دول العالم للتوقيع ليتحول إلى اتفاقية دولية معترف بها. وأفادت صحيفة "هآرتس" اليوم الأربعاء أن المشروع الذي كان أعده القسم القانوني في الوزارة وقت الوزير السابق بنيامين نتنياهو سلم إلى الوزير الحالي سوليفان شالوم. واستنادا إلى الصحيفة فان مشروع الاتفاقية الذي يدعو إلى منع تقديم الدعم أو التحريض للقيام بعمليات انتحارية يحتوي على ثلاث مواد:
أولا: أي تحريض أو دعوة أو مساعدة للقيام بعملية انتحارية مهما كانت طريقة الهجوم، مثل الأحزمة المتفجرة، سيعتبر جريمة دولية.
ثانيا: يقترح مشروع الاتفاقية منع الدول والهيئات أو المنظمات من تقديم معونات مالية لعوائل الانتحاريين.
ثالثا: تشكيل هيئة دولية جديدة بالتعاون مع الأمم المتحدة تعنى بتقديم المساعدة لدول العالم لمحاربة ظاهرة العمل الانتحاري وتقول الصحيفة إن مشروع المعاهدة هو من بنات أفكار الن بيكر المستشار القانوني للخارجية الإسرائيلية الذي يعتقد أن الاتفاقيات الدولية الخاصة بمحاربة الإرهاب والمعمول بها حاليا لا تغطي كما يجب ظاهرة العمليات الانتحارية. وهي على الأغلب، حسب اعتقاد بيكر، تغطي الجانب القانوني ضد الانتحاريين أنفسهم ولكنها، أي المعاهدات، لا تتناول المحرضين على هذه الهجمات. وبحسب الصحيفة فإن الخارجية الإسرائيلية تدرس الآن "أفضل السبل" لجمع التواقيع على مشروع الاتفاقية، وهي لم تقرر ما إذا كان يجب أن تتصدر إسرائيل بنفسها حملة عالمية لهذا الغرض أو ترك المهمة لتتصدى لها الولايات المتحدة الأمريكية. واستنادا للصحيفة فإن بيكر ناقش مشروع الاتفاقية مع نظرائه في واشنطن، روسيا، تركيا والهند الذين أبدوا اهتماما كبيرا بالمشروع]([1]).
4- وبين 1996 و2003 نشطت أمريكا بتشويه مثل هذا النمط الجهادي وأمرت عبيدها بمعالجة الأمر فسارع الطواغيت الحكام لتنفيذ أمر السيد الأمريكي وأصدروا التعليمات لهيئات الإفتاء ومن يدور في فلكها لتجريم وتحريم العمليات الاستشهادية, وقام علماء الطواغيت بدورهم مأزورين؛ عليهم من الله ما يستحقون.
وفي نفس الوقت قام علماء المجاهدين بتوضيح الأمر وشرعيته, وأبين بعون الله الأدلة الشرعية حول هذا الموضوع ومختصراً من أقوال العلماء.
قال الله تعالى: (وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ* فَسَاهَمَ فَكَان مِنَ الْمُدْحَضِينَ* فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) [الصافات139/142]
وقصة يونس كما ذكرها العلماء هي:
قال ابن كثير: [وَقَوْلُهُ: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْمُوَقَّرُ، أَيِ: الْمَمْلُوءُ بِالأَمْتِعَةِ. {فَسَاهَمَ} أَيْ: قَارَعَ {فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} أَيِ: الْمَغْلُوبِينَ. وَذَلِكَ أَنَّ السَّفِينَةَ تَلَعَّبَت بِهَا الأَمْوَاجُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَأَشْرَفُوا عَلَى الْغَرَقِ، فَسَاهَمُوا عَلَى مَنْ تَقَعُ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ يُلْقَى فِي الْبَحْرِ، لِتَخِفَّ بِهِمُ السَّفِينَةُ، فَوَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ يُونُسَ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، وَهُمْ يَضِنُّونَ بِهِ أَنْ يُلْقَى مِنْ بَيْنِهِمْ، فَتَجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ لِيُلْقِيَ نَفْسَهُ وَهُمْ يَأْبَوْنَ عَلَيْهِ ذَلِكَ]([2]).
وقال العثيمين في شرح رياض الصالحين: [يونس عليه السلام أحد الأنبياء ركب مع قوم في سفينة فضاقت به، وقالوا: إن بقينا كلنا على ظهرها هلكنا وغرقت، لابد أن ننزل بعضنا في البحر. فمن ننزل؟ أول راكب، أم أكبر راكب، أم أكبر بدناً؟ فعملوا قرعة، فصارت القرعة على جماعة منهم يونس، أو هو وحده]([3]).
فمن أجل احتمال وأقول احتمال وليس بالقطع بل يكمن أن ينجوا ويمكن أن لا ينجوا ركاب سفينة صغيرة لا يتجاوز ركابها بضعة أفراد ضحى نبي بنفسه عليه السلام.
ولقد استنتج ابن الوزير رحمه الله هذا أيضاً فقال:
[وقد ورد القرآن الكريم بقتل النفس لمصلحةٍ غير كلية في قصة يونس عليه السلام، وأنه لما عرف أن أهل السفينة يغرقون جميعاً إن لم يُلْقِ أحدهم بنفسه إلى التهلكة ويرم بها في البحر، رأى أن رمي أحدهم بنفسه وحده أهون من موتهم الجميع، فرمى - صلى الله عليه وسلم - بنفسه الشريفة، حين وقع السهم عليه، قال الله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}
ولا شك أن قتل النفس في أصل الأمر حرامٌ، لكن جاز للضرورة، وهذا في فعل المحرم في الشرع لمصلحة، ... وقد ذكر علماء الأصول الكلام في المصالح، وطوَّلوا القول فيه، ومما ذكروه: أن الكفار إذا تترَّسوا بمسلم، ولم يمكنا قتالهم حتى نقتله، وخِفنا إن لم نقتله أن يقتلونا ويقتلوه معنا، أنه يجوز لنا قتله]([4])
وقال في الروض الباسم [ومن المعلوم أنّ أخذ الولاية من أئمة الجور في ممالك الإسلام, وإقامة الحدود, واستخراج الحقوق, والقضاء بين الخصوم: من أعظم المصالح العامّة, وآكد الفرائض المهمّة, وقد ورد القرآن الكريم بقتل النّفس لمصلحة غير كلّية, وذلك في قصّة يونس - عليه السلام - قال تعالى: ((فساهم فكان من المدحضين)) [الصافات/141] فألقى بنفسه الكريمة لأجل مصلحة أهل السفينة, وإن كان هذا من شرع من قبلنا؛ فالصّحيح: أنّ ما حكاه الله تعالى في كتابنا من ذلك فهو حجّة لقوله - صلى الله عليه وسلم - في قصّة كسر سنّ الرّبيع بنت معوّذ: ((القصاص كتاب الله)), وهو في ((الصحيح)) ولم يرد السنّ بالسّنّ في كتاب الله إلا حكاية عن شرع من قبلنا في قوله تعالى: ((وكتبنا عليهم فيها)) الآية [المائدة/45]([5]).
وقال عبد الرحمن بن ناصر آل سعدي [وفي عمل أهل السفينة هذا العمل دليل على القاعدة المشهورة أنه يرتكب أخف الضررين لدفع الضرر الذي هو أكبر منه، ولا ريب أن إلقاء بعضهم وإن كان فيه ضرر، فعطب الجميع إذا لم يلق أحد أعظم]([6]).
وقال الزركشي: [دل ذلك على شيئين، مشروعية القرعة مطلقا في الكفالة، وإلقاء واحد من الجماعة في اليم]([7])
فمن أولى نبي كريم يلقي نفسه باليم من أجل بضعة أفراد أم استشهادي يعجل إلى ربه ليرضيه بقتل أعداء الله وحماية دعوة الله وإقامة حكم الله والذود عن حياض الأمة؟؟!!!
والدليل الثاني فعل غلام أهل الأخدود([8]) فهو الذي دل الطاغية كيف يقتله من أجل مصلحة الدعوة كما يراها. ولم تقم دولة الإسلام بعد استشهاده بل تبعه آخرون على طريق الاستشهاد ولم يقل عنهم أحد أنهم انتحروا بل ساق الله تبارك وتعالى قصتهم على سبيل المدح والثناء. وهناك أدلة أخرى ستأتي في سياق كلام العلماء فلا نكررها خشية الإطالة:
أقوال العلماء في إباحة بل استحباب العمليات الاستشهادية:
قال الإمام ابن تيمية: [وَأَمَّا قَوْلُهُ: أُرِيدُ أَنْ أَقْتُلَ نَفْسِي فِي اللَّهِ. فَهَذَا كَلامٌ مُجْمَلٌ فَإِنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ فَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَهَذَا مُحْسِنٌ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي يَحْمِلُ عَلَى الصَّفِّ وَحْدَهُ حَمْلا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يُقْتَلُ فَهَذَا حَسَنٌ. وَفِي مِثْلِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} وَمِثْلُ مَا كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَنْغَمِسُ فِي الْعَدُوِّ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ رَوَى الْخَلالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: "أَنَّ رَجُلا حَمَلَ عَلَى الْعَدُوِّ وَحْدَهُ فَقَالَ النَّاسُ: أَلْقَى بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ. فَقَالَ عُمَرَ: لا وَلَكِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}]([9]).
قال الشيخ محمد بن إبراهيم [جاءنا جزائريون ينتسبون إلى الإسلام يقولون: هل يجوز للإنسان أن ينتحر مخافة أن يضربوه بالشرنقة([10])، ويقول: أموت أنا وأنا شهيد ـ مع أنهم يعذبونهم بأنواع العذاب.
فقلنا لهم: إذا كان كما تذكرون فيجوز، ومن دليله: "آمنا برب الغلام" وقول بعض أهل العلم: إن السفينة إلخ، إلا أن فيه التوقف من جهة قتل الإنسان نفسه، ومفسدة ذلك أعظم من مفسدة هذا، فالقاعدة محكمة، وهو مقتول ولابد]([11]).
رأي الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ :
السائل: بالنسبة للعمليات العسكرية الحديثة، فيه قوات تسمى بالكوماندوز، فيكون فيه قوات للعدو تضايق المسلمين، فيضعون فرقة انتحارية تضع القنابل ويدخلون على دبابات العدو، ويكون هناك قتل ... فهل يعد هذا انتحارا؟
الجواب: لا يعد هذا انتحاراً، لأن الانتحار هو أن يقتل المسلم نفسه خلاصا من هذه الحياة التعيسة ... أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها، فهذا ليس انتحارا، بل هذا جهادا في سبيل الله .. إلا أن هناك ملاحظة يجب الانتباه لها، وهي أن هذا العمل لا ينبغي أن يكون فرديا أو شخصيا، إنما يكون هذا بأمر قائد الجيش .. فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي، ويرى أن في خسارته ربح كبير من جهة أخرى، وهو إفناء عدد كبير من المشركين والكفار، فالرأي رأيه ويجب طاعته، حتى لو لم يرض هذا الإنسان فعليه طاعته ...
الانتحار من أكبر المحرمات في الإسلام، لأن ما يفعله إلا غضبان على ربه ولم يرض بقضاء الله .. أما هذا فليس انتحارا، كما كان يفعله الصحابة، يهجم على جماعة (كردوس) من الكفار بسيفه، ويعمل فيهم بالسيف حتى يأتيه الموت صابرا، لأنه يعلم أن مآله الجنة ..
فشتان بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية وبين من يتخلص من حياته بالانتحار([12]).
رأي الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي ـ رحمه الله ـ :
فضيلة الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي حفظه الله من كل سوء
يقوم المجاهدون في فلسطين والشيشان وغيرهما من بلاد المسلمين بجهاد أعدائهم والإثخان بهم بطريقة تسمى العمليات الاستشهادية ...
فما حكم مثل هذه العمليات؟ وهل يعد هذا الفعل من الانتحار؟ وما الفرق بين الانتحار والعمليات الاستشهادية؟ جزاكم الله خيرا وغفر لكم.
الجواب ... قال بعد سرد عدد كبير من أفعال الصحابة كالبراء وغيره رضي الله عنهم.. [دل ما سبق على أنه يجوز للمجاهد التغرير بنفسه في العملية الاستشهادية وإذهابها من أجل الجهاد والنكاية بهم ولو قتل بسلاح الكفار وأيديهم كما في الأدلة السابقة في مسألة التغرير والانغماس، أو بسلاح المسلمين وأيديهم كما في مسألة التترس أو بدلالةٍ تسبب فيها إذهاب نفسه كما في قصة الغلام، فكلها سواء في باب الجهاد لأن باب الجهاد لما له من مصالح عظيمة اُغتفر فيه مسائل كثيرة لم تغتفر في غيره مثل الكذب والخداع كما دلت السنة، وجاز فيه قتل من لا يجوز قتله، وهذا هو الأصل في مسائل الجهاد ولذا أُدخلت مسألة العمليات الاستشهادية من هذا الباب.
أما مسألة قياس المستشهد في هذه العمليات الاستشهادية بالمنتحر فهذا قياس مع الفارق، فهناك فروق بينهما تمنع من الجمع بينهما، فهناك فرق بين المنتحر الذي يقتل نفسه جزعا وعدم صبر أو تسخطا على القدر أو اعتراضا على المقدور واستعجالا للموت أو تخلصا من الآلام والجروح والعذاب أو يأسا من الشفاء بنفس خائفة يائسة ساخطة في غير ما يرض الله وبين نفس المجاهد في العملية الاستشهادية بنفس فرحة مستبشرة متطلعة للشهادة والجنة وما عند الله ونصرة الدين والنكاية بالعدو والجهاد في سبيله لا يستوون، قال تعالى (أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون) وقال تعالى (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون) وقال تعالى (أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) .
نسأل الله أن ينصر دينه ويعز جنده ويكبت عدوه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين]([13]).
[رأي الشيخ سليمان بن منيع ـ حفظه الله ـ :
هل تعد العمليات "الانتحارية" ضد أعداء الإسلام في الجهاد استشهاداً؟
الحمد لله, لا شك أن العمليات الانتحارية في سبيل الله ضد أعداء الله ورسوله وأعداء المسلمين قربة كريمة يتقرب بها المسلم إلى ربه, ولا شك أنها من أفضل أبواب الجهاد في سبيل الله, ومن استشهد في مثل هذه العمليات فهو شهيد إن شاء الله.
ولنا من التاريخ الإسلامي في عهد النبوة وفي عهد الخلفاء الراشدين ومن بعدهم مجموعة من صور الجهاد في سبيل الله, ومن أبرز صور جهاد البطولة والشجاعة النابعة من الإيمان بالله وبما أعده سبحانه للشهداء ما في قتال المرتدين وفي طليعتهم مسيلمة الكذاب وقومه, فقد كان لبعض جيوش الإسلام في هذه المعركة عمليات انتحارية في سبيل افتتاح حديقة مسيلمة (حصنه المتين).
ولكن ينبغي للمسلم المجاهد أن يحسن نيته في جهاده وأن يكون جهاده في سبيل الله فقط, وألا يلقي بنفسه إلى التهلكة في عملية يغلب على ظنه عدم انتفاعه منها...]([14]).
رأي الشيخ سليمان العلوان ـ حفظه الله ـ :
فضيلة الشيخ سليمان بن ناصر العلوان - حفظه الله تعالى -
ذكر بعض أهل العلم أن العمليات الفدائية القائمة في فلسطين والشيشان محرمة وسماها بالعمليات الانتحارية فما هو قولكم في ذلك ؟
الجواب: وخلاصة الأمر أن من ألقى بنفسه في أرض العدو أو اقتحم في جيوش الكفرة المعتدين أو لغم نفسه بمتفجرات بقصد التنكيل بالعدو وزرع الرعب في قلوبهم ومحو الكفر ومحق أهله وطردهم من أراضي ومقدسات المسلمين فقد نال أجر الشهداء الصابرين والمجاهدين الصادقين. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (منْ خير مَعَاش الناس لهم رجل ممسكُُ عِنَان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه يبتغي القتل والموت مظانّه .. ) . [رواه مسلم 1889]
فيا أهل الجهاد ويا أهل الاستشهاد ويا أهل الغيرة على حرمات المسلمين ومقدساتهم صبراً فهي موتة واحدة فلتكن في سبيل الله قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وروى الإمام مسلم في صحيحه [1915] من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ...).
والمقصود أن العمليات الاستشهادية القائمة في فلسطين والشيشان وبلاد كثيرة من بلاد المسلمين هي نوع من الجهاد المشروع وضرب من أساليب القتال والنكاية بالعدو. وقد أثبتت هذه العمليات فوائدها وآتت ثمارها وعمتّ مصلحتها وأصبحت ويلاً وثبوراً على اليهود المغتصبين وإخوانهم النصارى المفسدين، وهي أكثر نكاية بالكفار من البنادق والرشاشات وقد زرعت الرعب في قلوب الذين كفروا حتى أصبح اليهود وأعداء الله يخافون من كل شيء وينتظرون الموت من كل مكان، زيادة على هذا هي أقل الأساليب الشرعية خسائر وأكثر فعّالية.
وقد ذكرت بعض الدراسات أن هذه العمليات كانت سبباً في رحيل بعض اليهود من أراضي المسلمين في فلسطين وأدت هذه العمليات إلى تقليل نسبة الهجرة إلى أرض فلسطين والإقامة فيها.
وهذا دليل على تحقق المصالح الكثيرة في هذه العمليات الشريفة.
وقد بحثت هذه المسألة في غير موضع وذكرت عشرات الأدلة على جواز مثل هذه العمليات ومشروعيتها فلا حرج في الإقدام عليها في سبيل قهر اليهود والنصارى ولا سيما الإسرائيليون المعتدون الذين يعتقدون أنهم لا يقهرون وأن دولتهم خلقت لتبقى.
قاله سليمان بن ناصر العلوان 7 / 2 / 1422 هـ .
رأي الشيخ علي الخضير ـ حفظه الله ـ :
فضيلة الشيخ علي بن خضير الخضير... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
كثر الكلام في بلدنا عن العمليات الاستشهادية، وبما أننا من طلابكم، ودرسنا عليكم سابقا، فنحب أن نعرف رأيكم في هذه المسألة، وفقكم الله وأعانكم وجزاكم الله خيرا0
الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
العمليات الاستشهادية من الجهاد، بل هي اليوم من أفضل الجهاد في سبيل الله، ويدل على ذلك أدلة منها:
1 ـ قوله تعالى: (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)
2 ـ ما رواه مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الغلام وأصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين ، قال ابن تيمية في الفتاوى (28 /540) قال: إن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين.
3 ـ ثم قال ابن تيمية: ( ولهذا جوّز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين ) اهـ
4ـ وللحديث المتفق عليه ( إنما الأعمال بالنيات ....الحديث ).
5 ـ قصة البراء بن مالك في معركة اليمامة، فإنه اُحتمل في تُرس على الرماح والقوه على العدو فقاتل حتى فتح الباب، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، وقصته مذكورة في سنن البيهقي في كتاب السير باب التبرع بالتعرض للقتل ( 9 / 44 ) وفي تفسير القرطبي (2 / 364 ) أسد الغابة (1 / 206 ) تاريخ الطبري . هذا على وجه الاختصار نظرا لطلبكم ([15])
كما قرر شرعية العمليات الاستشهادية الشيخ حامد العلي والدكتور عجيل سالم النشمي ومجمع الفقه الإسلامي في السودان ورابطة علماء فلسطين. وذكرت أقوالهم في الفتاوى الندية.
وأما قول السائل: ثم ما حكمها إذا كانت العملية قد يذهب ضحيتها أناس مدنيين بسبب أنه صادف وجودهم قريب من موقع التفجير أقول وبالله التوفيق:
الأصل ابتعاد الناس عن مواقع العدو كأجهزة أمنه وقواته ومواقعه لأننا في حالة حرب معه كما يجب على المجاهدين توخي الحيطة وهذا الأمر في النهاية تقدره قيادة المجاهدين على قاعدة فاتقوا الله ما استطعتم.
ويقول السائل: ثم إذا كانت تؤدي إلى خسارة في الدعم الشعبي والجماهيري كما في الحالة السورية اليوم الناس تتخوف كثيرا من موضوع العمليات وأي جماعة تتبنى أي تفجير تخسر رصيدها لدى الناس.
أقول وبالله التوفيق: إن رأي الجماهير ليس هو الذي يحكم الجهاد ولا الذي يحدد مساره وعملياته, فالناس تحب الدعة, والغالبية من الناس ليست من الجهاد في شيء, فلا نجعل الجهاد تبعاً لرغباتهم وما يحبون بل يجب رفع سويتهم وتأهيلهم لمقارعة الأعداء وليس النزول إلى ما يحبون.
أما خسران الرصيد فالمجاهدون بالعمليات الاستشهادية سيكسبون الجادين والمخلصين ويخسرون المثبطين والغثاء وخسران مثل هؤلاء هو عين الربح.
وخلاصة القول: العمليات الاستشهادية أمر جهادي مشروع وهو سير إلى الله وبيع النفس من أجل مرضاة الله ومن يقيسه بالانتحار لا يفهم القياس ولا العلة ولا مناط الأحكام. كما أنه تحكمه قاعدة النية
عن عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى المِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»([16])
وأما مرضاة الرأي العام والقوى العالمية فلقد قال تعالى: ((وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)) [البقرة:120] والحمد لله رب العالمين
وكتبه رضوان محمود نموس في 11/جمادى الثانية 1433هـ
[4] - العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (8/ 176) ابن الوزير، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى (المتوفى: 840هـ)
[5] - الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (2/ 410)
[8] - سنن الترمذي ت شاكر (5/ 437)
[9] - مجموع الفتاوى (25/ 279)
[10] - هي إبرة كان الفرنسيون يعطوها للأسير فيصاب بحالة من اللاوعي يعترف فيها عن كل ما يسألوه، عن إخوانه المجاهدين أو أماكنهم أو ما شابه.
[11] - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (6/ 207)
[13] - الفتاوى الندية.
[14] - الفتاوى الندية في العمليات الاستشهادية 13
[16] - صحيح البخاري (1/ 6) 1
0 التعليقات:
إرسال تعليق