موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 13 مايو 2012

الجماعة 11


الجماعة 11
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة أقوال العلماء في تفرق الأمة وبقاء الجماعة على الحق.
الشيخ محمد صديق حسن خان القنوجي:
قال (ولا تفرقوا بعد الإسلام كما تفرق اليهود والنصارى... ولا تحدثوا ما يكون عنه التفرق ويزول معه الاجتماع والنهي أصل في التحريم وقد خالف أكثر الناس هذا النهي وتفرقوا فرقا وأحزابا وتحنفوا وتشفعوا وتملكوا وتحنبلوا وأحدثوا بدعا وأقيسة زال معها الاجتماع والائتلاف وجلس موضعها التباين والاختلاف وقد كانوا مسمين بأهل السنة والجماعة فصاروا مسمين بأهل البدعة والفرقة.
وكل آفة جاءت في الإسلام وكل بلاء شمل المسلمين فإنما هو من هذه الفرقة وترك الاعتصام بالقرآن والحديث وصار أهل الملة الإسلامية اليوم يضلل بعضهم بعضا ويبدع أحدهم الآخر ويكفر بعضهم بعضا ويرد بعضهم على بعض في التأليف من غير قرآن ولا برهان.
وفي الحديث (إشارة إلى أن التمذهب بالمذاهب المفرقة خلاف مفهوم الجماعة وأنه يخرج أهلها من الاجتماع الذي هو النور إلى الظلمات التي هي الشعاب والمذاهب.. وهذه هي حال الأمة الإسلامية اليوم فإنها علمت ما ورد عن الله تعالى ورسوله في ذم - الفرقة - والنهي عنها ثم خالفت أوامر نبيها ونواهيه وتمسكت بتقليدات الرجال وأراء الأحبار والرهبان فكان اختلافها أشد كراهة لان العصيان بعد العلم أقبح منه على الجهل([1]). والمعنى أن هذه الأمة توافق الأمم المذكورة - اليهود والنصارى - في كل شيء حقير فضلا عن جليل تتساوى بهم كتساوي أحد النعلين بالأخرى.
هذه الأحاديث أفادت أن الجماعة عبارة عن جماعة الصحابة رضي الله عنهم والفرقة الناجية هي التي على نهج النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة أصحابه ودل قيد (اليوم) أن المعتبر من شرائع الدين ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن بعده عليه السلام اختلف الصحابة أيضا في مواضع ومسائل فالتي تستحق التمسك والأخذ بها هي السنة الصريحة الصحيحة الصرفة المحضة التي لا يشوبها اجتهاد ولا رأي ولا قياس ولا شيء.
وأما من سلك السبل ودخل في فج عميق وابتدع بدعا لا يرضاها الله ولا رسوله وقلد الكبار من الأئمة وتمسك بأقوال الأحبار والرهبان وخاض في التفريع الحادث وبنى عليه مذاهبه واتخذه قدوة وترك السنن الثابتة في دواوين الإسلام وأولها وحرفها وأنزلها على قواعد المذاهب صونا لمذهبه وحماية لأهله وانتصارا لمن قلده وقدم القياس والاجتهاد على نصوص الكتاب والسنة وتشبث بأذيال أهل العلم تقديما لهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في فقه الأحكام وفهم معاني الكتاب والسنة فقد حرم من حلاوة الإيمان وخرج من إطار الفرقة الناجية بلا شك وارتياب.

وقد أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم عن حال هذا القوم في هذا الحديث الشريف بقوله وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء , أي تدخل وتسري والمراد بالأهواء البدع ومحدثات الأمور ودخول الآراء في الدين والدنيا تقليدا للرجال بلا برهان ولا سلطان.
(كما يتجارى الكلب بصاحبه "كَلَب" بفتح اللام داء يعرض للآدمي من عض الكلب فيصير مجنونا ويستولي عليه ويسري منه ولا يستطيع أن ينظر إلى الماء وإن نظر فربما يصيح وربما يموت من العطش ولا يتمكن من شرب الماء وهو شبيه "الماينخوليا" لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله.
قال بعض أهل العلم تشبيه أهل الهوى بصاحب هذه العلة لاستيلائها عليه وتولد الأعراض الردية منها وتعدي ضررها إلى غيره كما تتعدى البدعة في أهل الأهواء.
وكما أن صاحب الكلب يفر من الماء ولا يتمكن من شربه ويموت عطشانا فكذلك أهل الأهواء يفرون من علم الدين الذي هو اتباع الكتاب والسنة ولا يتمكنون من الاستفادة منهما ويموتون محرومين عنه في بادية الجهل وهاوية البدعة نسأل الله العافية.
وإذا عرفت هذا عرفت أن كل مخالف للسنة الصحيحة مقلدًا كان أو مجتهدًا , عاميًّا كان أو خاصيًّا ذو داء الكلب إذا أراد خلافها.
وأما من لم تبلغه السنة ولم يعلم بها ونيته الاتباع والفرار من الابتداع فأرجو أن لا يكون من هذا القبيل([2])
والتأمل بالحديث وطرقه وأقوال العلماء فيه يلاحظ شيئين واضحين بارزين:
الأول: وهو أ ن القسمة ثنائية لا ثالث لها ولا وسط فيها. فرق ضالة عن الطريق متبعة للسبل المنتهية إلى النار كما وصفها الصادق المصدوق "كلها في النار".
وفرقة واحدة لا تعدد فيها وليست فرقتان ولا ثلاثة ولا غير ذلك بل فرقة واحدة متبعة سبيل الله عز وجل ونهايتها الجنة وحكم لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة.
الثاني: أن الحق لا يتعدد. ولا تكون فرقتان والحق في المسألة مع كل واحدة منهما. بل الحق لا تعدد فيه , وفي هذا قال الإمام الشاطبي:
إن قوله صلى الله عليه وسلم إلا واحدة , قد أعطى بنصه أن الحق واحد لا يختلف إذ لو كان للحق فرق أيضا لم يقل إلا واحدة ولأن الاختلاف منفي عن الشريعة بإطلاق لأنها الحاكمة بين المختلفين لقوله تعالى {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} إذ رد التنازع إلى الشريعة فلو كانت الشريعة تقتضي الخلاف لم يكن في الرد إليها فائدة وقوله في شيء نكرة في سياق الشرط فهي صيغة من صيغ العموم فتنتظم كل تنازع على العموم فالرد فيها لا يكون إلا لأمر واحد فلا يسع أن يكون أهل الحق فرقا. وقال تعالى { وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل} نص فيما نحن فيه فإن السبيل الواحد لا يقتضي الافتراق بخلاف السبل المختلفة([3]).
وقال غيره من العلماء (وقد أفرد الصراط المستقيم وهو سبيل الله، وجميع السبل مخالفة له، لأن الحق واحد والباطل ما خالفه وهو كثير، فيشمل الأديان الباطل من مخترعة وسماوية محرفة ومنسوخة والبدع والشبهات... وقد نهي عن التفرق في صراط الحق وسبيله، فإن التفرق في الدين الواحد هو جعله مذاهب يتشيع لكل منها شيعة وحزب ينصرونه ويتعصبون له ويخطئون ما خالفه ويرمون أتباعه بالجهل والضلال أو الكفر أو الابتداع وذلك سبب لإضاعة الدين، بترك الحق لذاته والاستعانة على استبيانه وفهم نصوصه ببحث أي عالم من العلماء بغير تعصب ولا تشيع، والحق لا يمكن أن يكون وقفاً محبوساً من عند الله تعالى على عالم معين وعلى أتباعه، فكل باحث يخطئ ويصيب وهذا أمر قطعي ثابت بالعقل والنقل والإجماع، ولكن جميع المتعصبين للمذاهب الملتزمين لها مخالفون له ون كان كذلك لم يكن متبعاً لصراط الله الذي هو الحق الواحد وهذا ظاهر فيهم، فإنهم إذا دعوا إلى كتاب الله وإلى ما صح من سنة رسوله أعرضوا عنها وآثروا عليهما قول أي مؤلف لكتاب منتم إلى مذاهبهم.
ولما كان اتباع الصراط المستقيم وعدم التفرقة فيه هو الحق الموحد لأهل الحق الجامع لكلمتهم وتوحيدهم هو الحافظ للحق المؤيد له والمعز لأهله كان التفرق سبباً لضعف المتفرقين وذلهم وضياع حقهم فبهذا التفرق حل بأتباع الأنبياء السابقين ما حل من التخاذل والتقاتل والضعف وضياع الحق، وقد اتبع المسلمون سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى حل بهم من الضعف والهوان ما يتألمون منه ويتململون، ولم يروعهم عن ذلك ما ورد في التحذير منه في كتب الله تعالى وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة والتابعين ولا ما حل بهم من البلاء المبين).
ولقد مرت معنا الآيات والأحاديث الحاضَّة على الجماعة الداعية إليها الناهية عن الفرقة، المحذرة منها، ونزيد فنورد قوله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال صلى الله عليه وسلم { لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا }([4])،
وعن عائشة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصِمُ}([5])،
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا، انظروا هذين حتى يصطلحا }([6]).
وبين لنا صلى الله عليه وسلم أن الساعين إلى الخلاف هم الساعون إلى حب الزعامة والمناصب. فعن عمر يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {أتاني جبريل فقال: إن أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت من أين؟ قال من قبل أمرائهم وقرائهم }([7]).



[1]- الدين الخالص. صديق حين خان  3 / 5 - 8
[2] - الدين الخالص لصديق حسن خان القنوجي   42 - 45
[3] - الاعتصام  2 /  249
[4]  - البخاري 2410
[5]  - متفق عليه البخاري 2457 مسلم 2668
[6]  - مسلم 2565.
[7]  - فتح الباري 13/7 كتاب الفتن باب 2

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.