أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (35)
رضوان محمود نموس
يعرض محمد عمارة في هذه الحلقة إلى تقسيم تيارات الصحوة بنظره والغالبية العظمى من الصحويين الذين يقدمهم عمارة أعداء للإسلام. عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
محمد عمارة والتيارات التي تمثل صحوة الأمة:
ثم يحدِّد لنا محمد عمارة التيارات التي تتقاسم التعبير عن ثقافتنا فيقول:
[ وإذا كانت هذه التيارات الفكرية والثقافية قد تمثلت إجمالاً في:
- تيار التقليد للموروث.
- تيار التقليد للوافد الغربيّ.
- تيار الإحياء والتجديد.
فإن المقام يقتضي حديثاً يوجز ويكشف معالم كل تيار من هذه التيارات]([1]).
ثم يقول: [1 – تيار التقليد والمحاكاة للموروث:
وإذا كان هذا التيار قد ضم فصائل ثلاث:
- مؤسسات العلم والتعليم الموروثة مثل الأزهر وما ماثله وشابهه من المدارس والجامعات.
- الطرق الصوفية وتنظيماتها ومشيخاتها.
- والنصوصيون الذين وقفوا عند ظواهر النصوص ودلالاتها عازلي إياها عن ملابساتها وعن مقاصد الشريعة والتشريع المبتغاة من هذه النصوص إذا كانت تلك هي أبرز فصائل هذا التيار، فإننا نعرف له فضل الحفاظ على تراثنا وفضيلة الدفاع عنه أمام الوافد الغربي... لكن هذا التيار الذي جفل من الوافد الغربي فانكفأ على الذات قد ظل عاجزاً عن صياغة الخيار الحضاري والنموذج التجديدي القادر على منافسة النموذج الغربي لا لقصور طبيعي في عقول أعلام هذا التيار وإنما لعيب في بضاعتهم الفكرية]([2]).
ثم يقول: [ وهذه المؤسسات التعليمية الموروثة عندما سلكت طريق التطوير أخذت بشكل الجديد لا بجوهره فاقتربت في أحيان كثيرة من التغريب، أما المؤسسات الصوفية فإنها - باستثناء القلة القليلة التي قد رحم ربي- قد استبدلت الشعوذة والخرافة بروح التصوف كسبيل لتهذيب النفس ورافد يزامل العقل في إقامة التوازن بثقافة الإنسان. وإذا كان التيار النصوصي الحديث قد نفض عن عقائد الدين كثيراً من البدع وعن تصورات العامة كثيراً من الخرافات فإن جموده عند حرفية ظواهر النصوص قد أورثته العجز عن إبداع المشروع الحضاري الذي يصوغ الإنسان المقاوم للزحف الغربي... وللإمام محمد عبده عبارة تصف هذا الفصيل النصوصي من فصائل تيار التقليد للموروث يقول فيها عن أهله: (إنهم أضيق عطناً وأحرج صدراً من المقلدين فهم وإن أنكروا كثيراً من البدع ونحُّوا عن الدين كثيراً مما أضيف إليه وليس منه إلا أنهم يرون وجوب الأخذ بما يفهم من اللفظ الوارد والتقيد به دون التفات إلى ما تقتضيه الأصول التي قام عليها الدين وإليها كانت الدعوة ولأجلها منحت النبوة فلم يكونوا للعلم أولياء ولا للمدنية أحباء) ]([3]).
والمقصود بهذا التيار النصوصي: الحركة الوهابية, وهذا ليس ظناً منَّا؛ بل هو تصريح من محمد عمارة نفسه، حيث يقول في كتابه”الصحوة الإسلامية والتحدي الحضاري": [ وبادئ ذي بدء نلفت النظر إلى أن السلفية ليست فصيلة فكرية واحدة بل هي تيار عريض تتمايز فيه فصائل ومدارس متعددة فجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وكل تيار الجامعة الإسلامية سلفيون لكن مقام العقل عندهم كما سبق وأوضحنا يميز سلفيتهم عن سلفية ابن حنبل ويباعد بينها وبين الوهابيين بل إننا نجد للإمام محمد عبده نقداً للوهابية قوياً يقول فيه: (إن هذه الفئة أضيق عطناً وأحرج صدراً من المقلدين...]([4]) إلى آخر النص.
هذا ما يقوله عمارة عن التيار الأول, ويغمز به من السلفيين والوهابية بتسميتهم: (النصوصيون... الأضيق عطناً... الخ) وسيأتي الرد عليه في حينه إن شاء الله.
ولكننا نبين هنا نقطة واحدة وهي: ادعاؤه بأن العيب في بضاعتهم الفكرية. فنودُّ أن نُعلِم الدكتور المفكِّر محمد عمارة أن بضاعة هذا التيار الفكرية هي النصوص التي سمّاهم تبعاً لها”النصوصيون”. والنصوص: جمع نص، والنصُّ في المصطلحات الشرعية له ثلاثة معانٍ:
1. النصُّ: بمعنى مطلق الكلام من الكتاب والسنة, سواء كان من حيث الدلالة: مفسِّراً أو ظاهراً أو نصاً أو محكماً أو غير ذلك. ويطلق في مقابل الاجتهاد والرأي, سواء كان هذا الرأي استحساناً أو غيره.
2. النصُّ: ما لا يحتمل التأويل, وقال بعضهم: ما لا يحتمل إلا معنىً واحداً.
3. النصُّ: (عند الحنفية) ما زاد وضوحاً عن الظاهر بمعنى في المتكلم, وهو سَوْق الكلام لأجل ذلك المعنى.
والمعنى المتبادر العام هو المعنى الأول أي نصوص الكتاب والسنة. وكذلك المعنيان: الثاني والثالث لا يَخرجان عن كون النص من الكتاب أو السنة أو الإجماع.
ومن يقول: إن عيب النصوصيين في بضاعتهم الفكرية، والتي هي نصوص الكتاب والسنة -وبعضهم يضيف الإجماع- مَن قال: إن العيب في هذه البضاعة فهو مرتد لا يشك في ردته إلا مرتد مثله, ويخرج بهذا القول من دائرة الإسلام إلى أي دائرة أخرى شاء.
لذلك قال تعالى: ] الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات [([5]).
ففي كلا الحالين أفرد النور وجمع الظلمات, لأن الدين الحق واحد والظلمات كثيرة.
ثم يقول عمارة:
[ 2- تيار المحاكاة والتقليد للوافد الغربي:
لقد بدأت بذرة هذا التيار أول ما بدأت بمصر إبان الحملة الفرنسية عليها (1213هـ 1798م)... وقد صاغ هذا المشروع لاستقلال مصر عن منابعها وعن محيطها المعلِّم يعقوب (1745-1801م) وكان رجلاً من أراذل القبط التحق بجيش بونابرت وأصبح جنرالاً فيه واستخدمه الفرنسيون جلاداً للمصريين...
ولقد كان روَّاد مشروع الإلحاق الحضاري هذا في هذا الطور مجموعة من المثقفين الموارنة الشوام الذين هاجروا إلى مصر. وفي ضوء الحقيقة يجب أن نعيد قراءة تاريخ وتأثير مدرسة صحيفة المقطم ومجلة المقتطف وفي دلالات وتأثيرات الفكر الغربي الذي بشر به وأشاعه أقطاب وأعلام هذه المدرسة... وإذا كانت مدرسة المقطم ومدرسة المقتطف وهما جناحان لتيار واحد قد عبرا عن التغريب الليبرالي فإن السنوات التي أعقبت قيام الثورة البلشفية في روسيا قد شهدت بدايات تيار التغريب الشمولي على يد طلائع اليهود الصهاينة الماركسيين]([6]).
ثم يقول: [ 3 – تيار الإحياء والتجديد:
في تيار الإحياء والتجديد لثقافتنا العربية وفكرنا الإسلامي وهو تيار عريض وبه هو الآخر فصائل متمايزة إن في ميادين اهتماماتها أو في حظها من التجديد أو في مقاييس التجديد لديها، في هذا التيار نستطيع أن نرصد أسماء عشرات من العلماء الأعلام لكننا نشير إلى بعض من أبرز قادة هذا التيار من مثل:
1- رفاعة الطهطاوي (1216- 1290هـ 1801- 1873م).
2- خير الدين التونسي (1225- 1308هـ 1810- 1890م).
3- جمال الدين الأفغان (1254- 1314هـ 1838- 1897م).
4- الإمام محمد عبده (1266- 1323هـ 1849- 1905م).
5- عبد الله النديم (1261- 1314هـ 1845- 1896م).
6- عبد الرحمن الكواكبي (1270- 1320هـ 1854- 1902م).
7- محمد رشيد رضا (1282- 1354هـ 1865- 1935م).
8- حسن البنا (1324- 1368هـ 1906- 1949م).
9- محمد الخضر حسين (1293- 1377هـ 1876- 1958م).
10- مصطفى كامل باشا (1291- 1326هـ 1874- 1908م).
11- طلعت حرب (1293- 1360هـ 1876- 1941م).
12- سعد زغلول (1273- 1346هـ 1857- 1927م).
13- مصطفى عبد الرازق (1302- 1366هـ 1885- 1946م).
14- محمد مصطفى المراغي (1298-1364هـ (1881-1945م).
15- عبد العزيز جاويش (1293-1347هـ 1876-1929م).
16- أحمد حسن الزيات (1302-1388هـ 1891-1978م).
17- عبد الوهاب خلاف (1305-1375هـ 1888-1956م).
18- محمد حسين هيكل (1305-1375هـ 1888-1956م).
19- عباس محمود العقاد (1306-1383هـ 1889-1964م).
20- عبد الحميد بن باديس (1305-1359هـ 1887-1940م).
21- محمد الطاهر بن عاشور (1327-1390هـ1909-1970م).
22- علال الفاسي (1326-1394هـ 1908-1974م).
23- علي مبارك (1239-1311هـ 1823 -1892م).
24- قاسم أمين (1280-1326هـ 1863-1908م).
25- زكي مبارك (1308-1371هـ 1891-1952م).
26- شكيب أرسلان (1286-1366هـ 1869-1946م)]([7]).
ثم يقول: [ وإذا كان تراث حقبة الجمود والتراجع في حضارتنا العربية الإسلامية قد كان بضاعة تيار التقليد للموروث وإذا كان النموذج الحضاري الغربي قد مثل منابع تيار التغريب، فإن المنابع التي انطلق منها تيار الإحياء والتجديد هي:
- مبادئ الإسلام كما تمثلت في منابعه الجوهرية والنقية: البلاغ القرآني والبيان النبوي للقرآن الكريم كما تمثل في السنة النبوية الثابتة.
- ثوابت التراث العربي الإسلامي التي مثلت قسمات الهوية الحضارية للأمة.
- كل ما أبدعه العقل الإنساني ]([8]).
ثم يقول:[ ففي منهج تيار الإحياء والتجديد نجد العقل هو جوهر إنسانية الإنسان وأفضل القوى الإنسانية على الحقيقة وهو نقطة الافتراق التي ميزت الإنسان عن غيره من الحيوانات والتي جعلها الله محور صلاحه وفلاحه. وإذا كانت الحكمة ثمرة من ثمرات العقل لأنها هي الإصابة في غير النبوة فإنها أي الحكمة في منهج هذا التيار هي مقننة القوانين وموضحة السبل وواضعة جميع النظامات ومعينة جميع الحدود وشارحة حدود الفضائل والرذائل وبالجملة فهي قوام الكمالات العقلية والخلقية في أشرف الصناعات.
وليس مقام العقل هذا في منهج هذا التيار خاصاً بالعمران الدنيوي وحده بل إن هذا هو مقامه وتلك هي مكانته في تحصيل الإيمان الديني أيضاً فإذا كان العقل هو أداة النظر والتدبر والتفكر وإذا كان الإيمان هو التصديق القلبي الذي يبلغ مرتبة اليقين بإطلاق النظر في الأكوان طولها وعرضها وحتى يصل إلى الغاية التي يطلبها بدون تقييد، فالله يخاطب في كتابه الفكر والعقل والعلم بدون قيد ولا حد. والوقوف عند حد فهم العبارة مضر بنا ومناف لما كتبه أسلافنا من جواهر المعقولات.
والقرآن وحده المعجزة الخارقة. قد دعا الناس إلى النظر فيه بعقولهم فهو معجزة عرضت على العقل وعرفته القاضي فيها وأطلقت له حق النظر في أنحائها ونشر ما انطوى في أثنائها، فالإسلام لا يعتمد على شيء سوى الدليل العقلي والفكر الإنساني الذي يجري على نظامه الفطري فلا يدهشك بخارق العادة ولا يغشى بصرك بأطوار غير معتادة ولا يخرس لسانك بقارعة سماوية ولا يقطع فكرك بصيحة إلهية... والمرء لا يكون مؤمناً إلا إذا عقل دينه وعرفه بنفسه حتى اقتنع به فمن ربي على التسليم بغير عقل ولو عمل صالحاً بغير فقه فهو غير مؤمن. لا ليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير ]([9]).
ثم قال متابعاً الحديث عن منهج تيار التجديد: [ وفي ميدان علاقة الدين بالدولة فليس في الإسلام سلطة دينية سوى سلطة الموعظة الحسنة ]([10]).
ثم يقول: [ وإذا كان العقد المنظم لهذا التيار قد انفرط بعد الحزب الوطني- القديم - وجمعية العروة الوثقى وهما التنظيمان اللذان قادهما جمال الدين الأفغاني وانفرط عقدهما بوفاته فإن أعلام هذا التيار قد أقاموا العديد من التنظيمات والمؤسسات والمنابر الفكرية ]([11]).
ثم يضيف إلى قائمة تيار الإحياء والتجديد ثلاثة من الذين كانوا قد اجتهدوا فأخطأوا فلهم أجر !! يقول: [ تراجع عدد كبير من الأعلام عن التبشير بالنموذج الغربي بعد أن سلكوا في هذا السبيل كاجتهاد خاطئ وانخراطهم في مرحلة نضجهم الفكري بتيار الإحياء والتجديد]([12]).
ويقول: [ لكن عدداَ من هؤلاء الأعلام الذين قادهم الاجتهاد الخاطئ إلى هذا الموقع الفكري قد أدركوا بالتجربة أن بذور التغريب غير صالحة... فكانت عودتهم عن التغريب إلى تيار الإحياء والتجديد]([13]).
ولا تعجب إذا وصف أحمد بن بلا بأنه رائد من رواد الصحوة فيقول في معرض دفاعه عن الأفغاني :[ فالأفغاني في نظر قادة الصحوة الإسلامية المعاصرة هو الرائد الذي ارتاد هذا الطريق في عصرنا وواحد من أبرز رموز الصحوة الإسلامية المعاصرة وهو المناضل " أحمد بن بلا يقول : إن جمال الدين الأفغاني هو فكر تجسد فعلا ]([16]).
وأحمد بن بلا هذا ولد عام 1919 وكان عسكريا في صفوف الجيش الفرنسي ، قاتل في جيش الفرنسيين في معارك الجبهة الفرنسية الإيطالية , وبعد الحرب ذهب إلى مصر وأصبح إشتراكيا ناصريا ، ثم ذهب إلى فرنسا من عام 1956 إلى عام 1962 عندما رجع إلى الجزائر كأول رئيس للجزائر . مفروضا من فرنسا واتجه بالجزائر نحو النظام الناصري ممزوجا بالاشتراكية الفرنسية ، ثم أطاح به هواري بومدين فرجع إلى فرنسا وهو الآن يعيش هناك]([17]).
وآمل أن لا يستغرب أحد من إضافته "ميشيل عفلق" لتيار الإحياء والتجديد حيث يقول: [ إن اكتشاف عفلق للإسلام -زعم- هو الذي ميز مشروعه الفكري فجعله بعثاً وإحياءً وتجديداً لهوية الأمة وتراثها ورسالتها ]([18]).
كما أنه عندما يقدم شكيب أرسلان لا يجهل بأنه من الطائفة الدرزية فيقول:عند عرض شهادة شكيب أرسلان في جمال الدين الأفغاني [ وهو بنظر المفكر المسلم الدرزي الأمير شكيب أرسلان 1286 – 1366 هـ 1869 – 1946 فيلسوف الإسلام وعلم الأعلام وكوكب الإصلاح ]([19]).
ولنا على أقواله الأنفة الذكر ملاحظات ووقفات نجملها فيما يلي:
1. تخليطه بقضية تيار التقليد, وجمعه الجمع غير المتناسق، مع تضليله للحقائق.
2. موقفه من الحركة الوهابية خاصة, وتهجمه على الفقه والعقيدة بتهجمه على بضاعة الوهابية.
3. اختزاله لتيار التغريب في الموارنة والمعلم يعقوب فقط.
4. موقفه من تيار الإحياء والتجديد وفيه ملاحظات:
- الخلط غير المتجانس.
- أن غالب رموز هذا التيار هم في الحقيقة علمانيون من تيار التغريب.
- تحديده لمعالم منهج هذا التيار في: تأليه العقل, والازدراء بالنصوص، واعتماده على ما أبدعه الفكر الإنساني.
- زعمه أن تيار التجديد يعتمد على مبادئ الإسلام, وبفرض صحة هذا الزعم فإن مبادئ الإسلام عندهم لا تعني الإسلام.
5- إنكاره للمعجزات.
6- وضعه لقواعد جديدة للإيمان.
7- تقديمه لطلائع العلمانية -اللادينية- في صورة مجدِّدين للفكر الإسلامي.
8- دعواه برجوع كل من علي عبد الرازق وطه حسين عن تيار التغريب إلى مجموعة الإحياء والتجديد، وهي دعوى ليس لها نصيب من الصحة.
ولنتعرض لبعض هذه النقاط بإيجاز:
0 التعليقات:
إرسال تعليق