الجماعة 13
رضوان محمود نموس
أسباب الخلاف:
يمكن أن ترد جميع الخلافات إلى سبب جوهري واحد وهو أصل الموضوع وعنه تتفرع الأسباب الأخرى. ذلك السبب هو ترك شيء مما أمر الله به والانحراف عن سبيله ولو شيئا قليلاً.
قال تعالى:{ فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } [ المائدة 14 ].
وقال تعالى:{ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون } [ الأنعام 44 ].
وقال تعالى:{ فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئس بما كانوا يفسقون } [ الأعراف 165 ].
وقال تعالى:{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [ النور 63 ].
فالسبب الرئيسي والمركزي للخلاف والشقاق والنزاع وانتشار العداوة والبغضاء وإنزال العذاب والعقاب وذهاب الريح والشتات والضياع هو نسيان حظ مما أمرنا به، إما بتأويله وفق الأهواء والبدع وإما بترك العمل به، بل إن أي مصيبة تأتي على الناس هي من ترك شيء مما أمروا به، فما هزم المسلمون يوم أحد إلا لأنهم لم ينفذوا أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبقاء على الجبل، فقال تعالى:{ أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّا هذا قل هو من عند أنفسكم } [ آل عمران 165 ].
وفي الطريق المقابل قال الله لنا:{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض } [ الأعراف 96 ].
فأسباب الخلاف والشتات هي ترك شيء مما أمر الله به، أو إتيان شيء نهى الله عنه، والآخر نفسه ينضوي تحت الأول.
فمرد الأمر كله إلى نسيان حظ مما أمرنا به، وهذه القاعدة هي سنة إلهية لا تتخلف، فاليهود والنصارى والأمم السابقة نسوا حظا مما ذكروا به فتفرقوا واختلفوا واقتتلوا، وسنن الله لا تحابي أحداً، والمسلمون عندما يفعلون أفعال الأمم السابقة ينالون نفس العقاب الذي ناله الأولون.
قال الإمام ابن تيمية: قاعدة في الجماعة والفرقة وسبب ذلك.
قال تعالى:{ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه }([1]).
أخبر سبحانه أنه شرع لنا ما وصى به نوحا والذي أوحاه إلى محمد وما وصى به الثلاثة المذكورين وهؤلاء هم أولو العزم المأخوذ عليهم الميثاق في قوله تعالى:{ وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم }([2]).... ثم قال أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه وهذا تفسير الوصية.... فأقيموا الدين مفسر للمشروع لنا والموصى به.
فإنه أمر المرسلين بإقامة الدين ونهاهم عن التفرق فيه. ثم قال تعالى:{ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم }([3]).
فأخبر أن تفرقهم إنما كان بعد مجيء العلم الذي بين لهم ما يتقون { وما كان الله ليضل قوم بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون }([4]).
وأخبر أنهم ما تفرقوا إلا بغيا بينهم، والبغي إما تضييع للحق وإما تعد للحد فهو إما ترك واجب وإما فعل محرم، فَعُلِمَ أن موجب التفرق هو ذلك وهذا كما قال تعالى:{ فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة }.
فأخبر أن نسيانهم حظاً مما ذكروا به - وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به كان سبباً لإغراء العداوة والبغضاء بينهم وهكذا هو الواقع في أهل ملتنا مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة في أصول دينها وكثير من فروعه من أهل الأصول والفروع ومثلما نجده بين العلماء وبين العباد ممن يغلب عليه الموسوية والعيسوية حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين التين قالت كل واحدة ليست الأخرى على شيء.... وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به والبغي الذي هو مجاوزة الحد، إما تفريطا وتضييعا للحق وإما عدواناً وفعلاً للظلم، والبغي تارة يكون من بعضهم على بعض وتارة يكون في حقوق الله.... فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله وهو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به باطناً وظاهراً.
وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر العبد به والبغي بينهم.
ونتيجة الجماعة: رحمة الله ورضوانه وصلاته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه، ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم ]([5]).
وهناك ثمة سبب هام آخر منضو تحت السبب الرئيسي السالف الذكر ولكن أردت التنويه عليه لكشف التلبيس المحتفّ بسالكيه وهو ترك العمل بالذكر [ أي نسيان حظ مما ذكروا به ] ولكن بشكل سري مموه خفي مبرقع وهو رد الآيات والسنن بأسباب يخترعونها ويعتبرونها مبرر لترك الذكر وأهمها التالي:
0 التعليقات:
إرسال تعليق