موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 11 ديسمبر 2011

نافذة على واقع المسلمين

نافذة على واقع المسلمين
رضوان محمود نموس
يبين هذا المقال أن واقع المسلمين المرير ما هو إلا نتيجة لسنن الهلاك التي تمسكنا بها وحرصنا عليها وابتعدنا بل تخلينا عن سنن النصر وأسباب القيادة والريادة من التمسك بالدين والأخذ بسنن المرسلين وتعلقنا بأوهام وطلبنا النصر من الطغام  
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ربما يكون من المناسب أن نسأل أنفسنا عند كل تحرك الأسئلة التالية: من أين؟ إلى أين؟ كيف؟ متى؟
وصلب القضية يكمن في السؤال الأول من أين؟ فإن استقام الجواب عليه ساهم مساهمة فعالة في استقامة الأجوبة الباقية, وإن فسد فسدت الأجوبة الباقية.
وللإجابة على هذا السؤال ينبغي تحديد الإحداثيات لنقطة الوقوف والتي يتحدد بموجبها مكاننا بالنسبة لخط الطول والعرض والارتفاع والزمن.
أما إلى أين فهي التي تحدد السمت, أي الاتجاه المطلوب مع المسافة المراد قطعها ودراسة الهيئات المجاورة.
ويبدو لي أن هذه الطريقة تصلح لأي نوع من أنواع التحرك سواء كان هذا التحرك مادي أو سياسي أو اجتماعي.
وإذا ما أرادت أمة أو جماعة أن تسير باتجاه هدفها كان من الضروري لها تحديد مكانها بدقة والتعرف على الهيئات المجاورة, من أمم وشعوب وأحزاب وجماعات وكافة القوى الفاعلة, والتي يمكن أن تكون فاعلة يوماً ما, من هم الأعداء؟، من هم الأصدقاء؟، من هم المحايدون ولو حاليا؟. وتحدد السمت المطلوب وتحمِّل هذه المعلومات على خارطة عملها, وتقوم بدراسة كل ما يحيط بهذا الخط وما سيمر به من مراحل مع نقاط التوقف المحتملة ومناطق الصدام المرتقبة, مجهزة لكل أمر عدته مهيئة كافة الوسائل لهذا التوقف وذاك, وبهذا تتقدم نحو الهدف بخطى علمية مدروسة آخذة بالأسباب متوكلة على الله.
فأين يقف المسلمون اليوم؟!!

إن المسلمين يقطنون رقعة من الأرض تمتد من حدود الصين شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً, ومن تنزانيا جنوباً إلى أوربا شمالاً, عدا المسلمين المتفرقين في كل أنحاء العالم.
نعم يقطن هذه الأرض أفرادٌ مسلمون ولكن لا وزن لهم ولا حق, بل شعوب تحيا واقعاً مشبعاً بالقهر مفعماً بالهوان, يعيشه كل مسلم حي بجوارحه وبحسه  مع الخبز والماء والهواء, ويراه في العمل والشارع  والمطار, وفي العيون الواجمة وفي كل زاوية من كيان هذه الأمة التي تعيش "دياسبورا" تكاد لا تنتهي, فلا حرية يتنفسونها ولا عزة يتذوقنها ولا عقيدة يحيونها بل خسف وضيم, وتعذيب وتشريد واضطهاد([1])
رغم المساحات الشاسعة لا يوجد سم2 واحد يحكم بما أنزل الله وتسوده شريعة لا إله إلا الله, إنما هي شرائع الأرض والطواغيت المتبرجة أحياناً والمتقنعة خلف أسماء وبراقع ومساحيق  يضللون بها الشعوب أحياناً أخرى.
مئات الملايين من المسلمين ليس لهم من دنياهم إذا أكرموا إلا ما يملأ البطون, وشريعة الله مبعدة, وعباده مضطهدون, والباطل يختال غروراً, والكفر سافر يعربد.
أفعجزت مئات الملايين هذه عن أن تقيم شريعة الله في أرضه, في جزء من هذه الأرض؟!
جيش عرمرم من العملاء والصحفيين والكتاب والشعراء  وعلماء السلاطين يساعدهم في التضليل.
نعم إنه الواقع المر المفجع الذي يجب مجابهته ولا فائدة من دفن الرؤوس في الرمال فإن ذلك سيسهل للباطل مهمته, ويتمادى في الاستعباد ويبقينا في دنيانا بذل وضنك واضطهاد وسننقلب إلى حساب عسير يوم يقوم الأشهاد.
 ولا فائدة من التطمينات السرابية وتصوير الواقع بما يتناسب مع أحلامنا المخملية, وعلينا أن نواجه هذا الواقع المرير بصراحة وقوة وأن نشخص الداء بدقة حتى نعلم الدواء الناجح ولا يفيد المريض شيئاً أن تقول له أنت بخير وصحتك جيدة, إنما المفيد هو العمل لإيجاد الدواء.
روى ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: {يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها, فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل, ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفن الله في قلوبكم الوهن, قال قائل يا رسول الله وما الوهن؟
قال حب الدنيا وكراهية  الموت}
صدق رسول الله صلى الله عليه سلم, فها هي الأمم تتداعى علينا, والباطل يحتشد بكل أنواعه صليبية وشيوعية ويهودية وطواغيت ممن انحدروا من ذراري المسلمين وتسموا بأسمائهم ليشنوها حرباً على المسلمين, والمسلمون في غفلة ساهون, إلا من رحم ربي.
لقد صور رسول الله صلى الله عليه وسلم واقعنا وواقع من حولنا بدقة النبي الذي يوحى إليه غثاء كغثاء السيل نحن، ووحوش ضارية تتسابق لتخطفنا والتهامنا.
أصبحنا سلعة تباع وتشترى ونقتسم وما سايكس بيكو عنا ببعيد وكلما التقى أئمة الكفر والضلال رأيت أبناء هذه الأمة ومن تسلم سدة الحكم فيها عيونهم شاخصة يرجون منهم حل مشاكلهم واسترداد حقوقهم, واستعادة كرامتهم, يا للهول.. ومن سلب كرامتنا غير هؤلاء؟! ومن سرق ثرواتنا وعمل على إذلالنا غير هؤلاء؟!
وهكذا نحيا حياة الظلم والهوان, حياة الرخص والنسيان.
وإن أكبر خدعة تاريخية خدع بها المسلمون بعد الحرب العالمية الثانية ظنهم بأنهم مستقلون وكأن الاستقلال هو وثن يسمى العلم والنشيد الوطني ويوم يستعرض فيه الطواغيت جندهم وأسلحتهم التي جهزت لضرب شعوبهم.
إننا في حقيقة الأمر محتلون احتلالً كلياً، فخيرات بلادنا نهب للاستخراب، وعقائدنا مصادرة، وديننا مبعد عن الحياة، وتسودنا قوانين الكفر، وعلاقاته وأخلاقه ومعاملاته بل حتى لباسنا هو لباس الكفار، وكثير من بلداننا تلغي العيد الإسلامي الذي هو يوم الجمعة، وتعيد مع اليهود والنصارى يوم سبتهم وأحدهم.
إنه بلاء يحل على العباد الخاملين, لا يرفع عنهم حتى يتوبوا توبة الأنفة, نعم الاستبداد أعظم بلاء لأنه وباء دائم بالفتن وجدب مستمر بتعطيل الأعمال وحريق متواصل وسيل جارف للعمران وخوف يقطع القلوب وظلام يعمي الأبصار وألم لا يفتر وصائل لا يرحم وقصة سوء لا تنتهي.
ولماذا نحن هكذا؟!
لأننا أتينا بالمقدمات التي لا تؤدي إلا إلى هذه النتائج فلا جرم أن أسباب هذا الواقع هو نحن قبل كل شيء, نحن المسلمون أنفسنا سبباً أساسياً إن لم يكن وحيداً, والذي أودى بنا إلى الضياع والهوان, واللا فاعلية, إن النكران لأنعم الله وعدم الامتثال لأوامر الله والتخلي عن دين الله والسير وراء الأهواء, والخضوع للطواغيت والوقوف ببابهم, بل والدفاع عنهم, وغير ذلك مما اقترفته أيدينا يؤدي إلى نتائج في مقدماتها هذه الحالة مع عدم الشعور بالوجود.
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال53
فيخبر تعالى جلت قدرته وتعالت عظمته بأنه لا يتعسف ولا يظلم ولا يجور تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا, بل يأخذ الناس بذنوبهم وبأفعالهم فهو العدل المطلق, الذي لا يزيل نعمه عن عباده إلا نتيجة لتغيرهم ولتبدلهم, فلتنظر الأمم والشعوب عند زوال النعم وحلول النقم وذهاب العز وتحوله إلى غيرها إلى ما قدمت.
ويقول محمد رشيد رضا في تفسير هذه الآية السابقة [إن نعم الله تعالى على الأقوام والأمم منوطة ابتداءً ودواماً بأخلاق وصفات وعقائد وعوائد تقتضيها, فما دامت هذه الشؤون لاصقة بأنفسهم متمكنة منها كانت تلك النعم ثابتة بثباتها ولم يكن الرب الكريم لينتزعها منهم انتزاعاً بغير ظلم ولا ذنب فإذا هم غيروا ما بأنفسهم من تلك العقائد والأخلاق وما يترتب عليها من محاسن الأعمال غيّر الله عندئذ وسلب منهم نعمه فصار الغني فقيراً والعزيز ذليلاً والقوي ضعيفاً وهذا هو الأصل المطرد في الأقوام والأمم]
والمستقرئ للتاريخ يجد أن هزيمة أية أمة وهلاك أي شعب هو من عند نفسه ونتيجة لأمور أتى بها وبسنن هلاك آخذ بناصيتها وبتخليه عن عوامل البقاء والريادة وإن الله جل شأنه أعلمنا رأفة بنا وتنبيهاً لنا بأن هلاك الأمم السابقة ما كان إلا لسبب تنكبها عن جادة الحق والصواب والتخلي عن أسباب القوة والمنعة وعن الدور والمهمة المنوطة بهذه الأمم وهي الخلافة في الأرض وعبادة الله وحده.
بل أكثر من ذلك إن العصبة المؤمنة نفسها إذا تخلفت عن الإتيان بالأسباب وارتكبت الخطأ في مسيرتها فستتحمل نتيجة هذا الخطأ, وما الابتلاء الذي أصاب المسلمين يوم أحد إلا نتيجة لما قام به الصف المسلم آنذاك, فقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}آل عمران165
ويقول سيد رحمه الله في شرح هذه الآية: [لقد كتب الله على نفسه النصر لأوليائه حملة رايته وأصحاب عقيدته ولكن علق هذا النصر بكمال حقيقة الإيمان في قلوبهم وباستيفاء مقتضيات الإيمان في تنظيمهم وسلوكهم وباستكمال العدة التي في طاقتهم وببذل الجهد الذي في وسعهم, فهذه سنة الله وسنة الله لا تحابي أحداً فأما حين يحل التقصير في أحد هذه الأمور فإن على المقصرين أن يتقبلوا نتائج ذلك, فأما كوننا مسلمين لا يقتضي خرق السنن لنا وإبطال الناموس فإنما نحن مسلمون لأننا نطبق حياتنا كلها على السنن فالأنفس هي التي تخلخلت وفشلت وتنازعت في الأمر وهي التي أخلت بشروط الله وشروط رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي التي خالجتها الأطماع والهواجس].
في سوريا مثلاً: عندما مر حافظ المقبور في مدينة حماة حملوه مع سيارته ونحروا له الجمال وأنزلوه ليسير من فوقها –أي أن الذبح كان له وليس لله وهم يعلمون أنه نصيري مرتد فأذاق الله حماة على يده ما لم تذقه أيام التتار والصليبيين وكانت حلب تهتف له إلى الأبد إلى الأبد يا حافظ الأسد فأذاقها الله نتيجة هتافها.
واليوم يتحالف بعض المتمسلمين الذين مزقوا صفهم وكانوا شيعاً يتحالفون مع العلمانيين والمرتد غليون وينادون بدولة مدنية ديمقراطية لا دين فيها ولم يعتبروا لا من التاريخ البعيد ولا القريب ولا الواقع والبعض يرفع الصلبان في المظاهرات والبعض يعلن بأنه لايريد تحكيم الإسلام وهو يدعي الإسلام.
فكيف ينصرنا الله ونحن على هذا الحال والضلال والاختلاف والانحراف.     
فعند مراجعة أنفسنا وواقعنا والذي هو نتيجة لما في نفوسنا وسلوكنا نرى بأننا نحن سبب الداء ومصدر البلاء فالأمراض قد انتشرت وتشعبت وتر عرت وعششت فينا فأودت بنا إلى هذه النتائج ولقد قال الشاعر:
نعيب زماننا والعيب فينا              وما لزماننا عيب سوانا
وحتى نحدد الواقع بإنصاف لا بد بنا من أن نقلّب الأمر على كافة وجوهه وعند ذلك نشاهد في الوجه المقابل شباباً متحمساً لدينه مستعداً للتضحية والعطاء ولبذل الغالي والرخيص ولدفع الأرواح في مهاوي الردى دفاعاً عن هذا الدين ولإعلاء كلمة الله.
هذا البذل والعطاء الذي لا نجد له مثيلاً في التاريخ المعاصر.
ولكن اللافت للانتباه أنه في أكثر الأحيان يأتي من يخطف ثمرة هذه التضحيات من أيدي المسلمين ويجير النتائج لصالحه أو يحبط هذا العمل  قبل قطف النتائج كما أنه هناك جهات إسلامية متفجرة تقف بعز وشموخ وإباء في وجه أعتى أعداء الإنسانية تمرغ جبين هذا المعتدي في التراب وتذيقه الذل والصغار.
ولكن إذا لم تسارع هذه الجبهات إلى التخلص من أمراض الشارع الإسلامي وإذا لم يسارع المسلمون في كل مكان لرفد هذه الجبهات والوقوف معها ليكونوا كالجسد الواحد سيجير نتائج عملها للانتهازيين ويمنحونهم الفرصة لقطف ثمرة الجهاد الإسلامي ومسخ أهدافه إلى ديمقراطيات زائفة وعناوين مائعة وبالتالي نطبق المقولة التي مفادها بأن الثورات يفجرها الأفذاذ ويستشهد فيها الرجال ويجني ثمارها الجبناء.
وهنا لا بد من التساؤل.. لماذا تخطف النتائج في كل مرة؟! ولماذا تجير أعمالنا أو تحبط في كل مرة؟! هل ذلك لعدم الوضوح العقائدي؟! أم لعدم الأخذ بالسنن؟! أم أنه الفساد في المنهج والتصور؟! أم أنه التآمر العالمي؟! أم لهذه الأسباب مجتمعة؟! بالإضافة لغيرها؟!
كل ذلك يدفعنا لدراسة نقطة الوقوف بدقة وتحديد السمت بشكل صحيح وضبطه على السمت الأول وترتيب الأولويات والسير بجد وصبر وصدق وإخلاص, وأخذ الدين بقوة, والاعتبار بقصص الأولين وضرورة تميزنا عن الباطل, ولن يخلفنا الله وعده, إذا كنا صادقين.


[1] - أما غير الأحياء فقد أنهى موضوعهم المتنبي حين قال:
 من يهن يسهل الهوان عليه             ما لجرح بميت إيلام.

2 التعليقات:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,,,لا فض فوك ,,,و جزاك الله عنا و عن المسلمين كل خير ,,,يجب على كل مسلم أن يبدأ بنفسه فيغيرها أو في هذه الايام نستطيع القول يجب أن يقلبها رأسا على عقب لان أفعالنا لا ترضي الله و نحتاج الى تغيير كبير .و يجب على كل مسلم أن يكثف القراءة و المطالعة طبعا للكتب الاسلامية الموثوقة ليعلم اين هو الان ,و يدعم طريقه بالدلائل القرآنية و الاحاديث الصحيحة ليصبح لديه ذخيرة يستطيع المقاومة بها و الدفاع عن كلمة التوحيد و يبدأ بتغيير غيره من المسلمين و سيتعرض الى المشقة و العناء و تثبيط الهمة من المنافقين و لكن يجب ان يكون بصره حادا يثقب لباس الشبهة و يرى باطنها و يكشفها لغيره ,و عندما تصبح الامة الاسلامية كلها تسلك الطريق الصحيح نستطيع تغيير حالنا هذه التي يرثى لها

صدقت وبررت وجزاك الله كل خير اللهم هيءلنا من أمرنا رشداً

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.