الدعوة والأفكار الواردة
رضوان محمود نموس
يتحدث هذا المقال عن الأثر السيئ للأفكار الدخيلة على الإسلام والحض على رفضها وعدم الالتقاء مع أصحابها في منتصف الطريق وعدم التنازل عن أي قيمة إسلامية من أجل المصالح المتوهمة.
بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى الله بمنهج واضح كالشمس لا لبس فيه ولا مهادنة ولا إدهان ولا التقاء مع الكفر في أرباع وأنصاف الطريق فقال تعالى { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ}([1]). وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثْتُ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ * ([2]).
و [روى ابن إسحاق بسنده: أن عتبة بن ربيعة ، وكان سيداً ، قال يوماً وهو جالس في نادي قريش: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء، ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة، ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال يا ابن أخي، إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل يا أبا الوليد، أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لانقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوي منه أو كما قال له. حتى إذا فرغ عتبة، ويستمع منه ، قال: قد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال: فاسمع مني، قال: أفعل، فقال: { حم % تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَانِ الرَّحِيم % كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ % بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ % وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ % قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ % الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ % إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون % قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ % وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِين % ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين % فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ % فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُود % } ([3]). ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه. فلما سمعها عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك".
وفي رواية أخرى: اجتمع عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث بن كلدة، أخو بني عبد الدا، وأبو البختري بن هشام، والأسود بن المطلب بن أسد، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبو جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية، والعاص بن وائل، ونبيه ومنبه ابنا الحجاج السهميان، وأمية بن خلف، أو من اجتمع منهم. قال: اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة ، ثم قال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه ، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلموك، فأتهم، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعاً، وهو يظن أن قد بدا لهم فيما كلمهم فيه بدأً، وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم، ويعز عليه عنتهم، حتى جلس إليهم، فقالوا له: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنكلمك، وإنا والله ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه مثل ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وشتمت الآلهة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فما بقي أمر قبيح إلا جئته فيما بيننا وبينك - أو كما قالوا له - فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنما تطلب به الشرف فينا، فنحن نسودك علينا، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي تراه رئياً قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن رئياً - فربما كان ذلك، بذلنا لك أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئت بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولاً، وأنزل علي كتاباً، وأمرني أن أكون لكم بشيراً ونذيراً، فبلغتكم رسالات ربي، ونصحت لكم ، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ]([4])
فلم يخترع رسول الله صلى الله عليه وسلم مصلحة ويقول أصلح من موقعي كملك للدولة, وسيد للعرب, ولم يركض إلى عرض قريش كما يتهافت أصحاب المصالح ممن يزعمون أنفسهم دعاة لمنصب رفيع في الدولة ولم يساوم على الدعوة والدين, ومرة ينادي بالدولة المدنية ومروة بالديمقراطية يتحسس رغبة الكفرة ليرضيهم كما يفعل من يسمون أنفسهم دعاة وأهل توسط حتى صاروا وسطاً بين الكفر والإيمان؛ ولكنه عرض دين الله نقياً لم يخلطه بالأهواء والرغبات والمصالح الدنيوية التي يلبسونها لباس الدين زوراً وبهتاناً. إنه الوضوح والمنهج الرسالي السماوي الذي تنكب عنه غالب من يسمون أنفسهم اليوم دعاة وأهل توسط واعتدال.
وحكم الله بين رسوله صلى الله عليه وسلم وبين الكفار وانتصرت دعوة الحق لما حافظت على نهجها وطريقها السليم ولم تلتفت إلى الأعراض والزخارف ولم تخترع أصولاً وقواعد للتعامل السياسي مثل " الغاية تبرر الوسيلة" وكانت تحافظ على الحق غاية ووسيلة فلا تعلوا "لا إله إلا الله" بوسائل الكفر بالله وطريق التوحيد لا يعوج على سراديب الشرك ومنحنيات الضلالة ولا يقام الحق بالباطل والهدى بالضلال.
والله سبحانه وتعالى يوجه نبيه وأمة الإسلام من وراء ذلك فيقول: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا % إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا }%([5]).
ويقول سبحانه وتعالى: { ولا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ % } ([6]).
وجاءت دولة الخلافة الراشدة واستثمرت هذه الفتوة والقوة والاندفاع العقائدي والمهمة الرسالية لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, فملأت الأرض قسطاً وعدلاً ودمرت الظلم والكفر بدداً وأنهت أمبراطوريات الوثنية والشرك في فارس والروم.
وسارت الدولة بعدها بقوة الدفعة الأولى في عهد النبوة والخلافة الراشدة أكثر من مائة عام. وبدأ الانحدار في أواخر العهد الأموي وجاءت الدولة العباسية لتثلم ثلماً في الإسلام فوق ما قد ثلم. ونقلت ثقافة فارس والهند والروم واليونان وافتتن الغثاء بالوارد الجديد واستغله أصحاب غايات السوء. وعبث بأهل الهوى فظهرت البدع من منطق وتفلسف وتصوف وتشيع واعتزال وإرجاء وتجهم وتعطيل وتأويل, وتقديس للهوى, بل وتقديم الهوى على القرآن, والرأي على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذا البلاء يتكئ على ثقافة وثنية اليونان وغيرها من الوثنيات مما ترجم ووفد واغتر به المبتدعون والضالون والسماعون. وعُبِثَ بالأسماء والمسميات فأصبح الهوى عقلاً, والضلال توحيداً, والجهل علماً, والابتداع ديناً, وأطلق على أرسطو "المعلم الأول"كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا", ودخل على الدين بسبب ذلك ما هو أصعب وأقسى من الردة الأولى.
وتفتت الدولة إلى دويلات غالبها ليس له من الإسلام إلا الاسم ومن الدين إلا الرسم فالعبيدية القداحية في المغرب ومصر والشام والحجاز واليمن والقرامطة الإباحيين الذين قتلوا الحجيج ودنسوا الكعبة وسرقوا الحجر الأسود في جنوب جزيرة العرب وجنوب العراق والبويهيون الذين أعلنوا الرفض وغلوا فيه في سائر العراق والمشرق والشيعة الحمدانيون في شمال الشام والموصل. واستمر الأمر بين مد وجزر حتى جاء الصليبيون فجاسوا خلال الديار وسبحت خيولهم في دماء المسلمين حول بيت المقدس وكان النصارى من أهل البلاد وسائر الفرق المرتدة ظهيراً وعوناً لهم
ثم قيض الله لهذه الأمة من يجمع بعض شملها ويحارب الصليبيين ويخرجهم من ديار الإسلام ويزيل الدولة العبيدية الكافرة.
ثم جاء التتار بتآمر وتنسيق بينهم وبين الشيعة الملاعيين والصليبيين الحاقدين, وتعاونت معهم كل الفرق الحاقدة من شيعة ونصيرية وإسماعيلية ودروز وصوفية بالإضافة إلى يهود وعباد الصليب,
وقيض الله من يهزم التتار ويخرجهم من ديار الإسلام بل أن بعضهم أسلم وأصبح من جند الإسلام.
وآل الأمر إلى الدولة العثمانية التي سارت بقومية إسلامية وليس بدعوة إسلامية مع كثير من الشوائب. ولكن بدأ الداء الخطير يتسلل إليها وهو الثقافة الغربية فأدخلت بعض القوانين والنظام القنصلي ثم جاءت المطالبة بالدستور فوضعوا دستوراً كدساتير أوربا وانتهت الدولة بعد ذلك .
واحتلت قبيل انهيار الدولة مصر من قبل الفرنسيين والهند من قبل الإنجليز فماذا كان هدف المحتل الأول؟!!
بعد فرار نابليون من مصر وتسليم الأمور إلى كليبر، أرسل نابليون رسالة من فرنسا إلى كليبر في مصر ننقل فقرة منها لعلاقاتها الماسّة بموضوعنا ولتبيين خفيات الأمور.
يقول نابليون في رسالته:
[ ستظهر السفن الحربية الفرنسية بلا ريب في هذا الشتاء أمام الإسكندرية أو البرلس أو دمياط. يجب أن تبني برجاً في البرلس. اجتهد في جمع 500 أو 600 شخصاً من المماليك، حتى متى لاحت السفن الفرنسية تقبض عليهم في القاهرة أو الأرياف وتسفرهم إلى فرنسا، وإذا لم تجد عدداً كافياً من المماليك فاستعض عنهم برهائن من العرب ومشايخ البلدان، فإذا ما وصل هؤلاء إلى فرنسا يحجزون مدة سنة أو سنتين يشاهدون في أثنائها عظمة الأمة الفرنسية ويعتادون على تقاليدنا ولغتنا، ولمّا يعودون إلى مصر يكون لنا منهم حزب يضمّ إليه غيرهم.
كنتَ قد طلبتَ مراراً جوقة تمثيلية، وسأهتم اهتماماً خاصاً بإرسالها لك، لأنها ضرورية للجيش وللبدء في تغيير تقاليد البلاد ]([7]).
ويتضح لنا من هذه الرسالة أن أخذ المصريين إلى فرنسا لنقل التقاليد والعادات الفرنسية هدف فرنسي، فلما فشل نابليون والحملة الفرنسية بتنفيذه قام به محمد علي باشا وحسن العطار ورفاعة الطهطاوي وطه حسين وأضرابهم. لقد كان نابليون وكليبر بعده يعدمون في كل صباح من خمسة إلى سبعة طلاب اختاروهم من بين الطلاب النابهين والذين تأثروا بالصحوة الإسلامية التي قادها محمد بن عبد الوهاب والجبرتي والبغدادي والزبيدي ليقضوا على العلماء، ثم يرسلون الإمّعات إلى فرنسا لينقلوا تقاليدها إلى بلادنا.
وسار محمد علي سرششمة بتنفيذ المخطط الفرنسي.
يقول الشيخ محمود شاكر:[ والحقيقة أن فكرة البعثات العلمية لم تكن نابعة من عقل هذا الجندي الجاهل محمد على، بل كانت نابعة من عقول تخطط وتدبر لأهداف بعيدة المدى، استغلت ما في نفسه من المطامع وحبه للسيطرة، أحاطت به القناصل وهي تراقب أهواءه ومطامعه, فجعلت تغذيها وتزيدها توهجاً لتجعله قوة في قلب دار الإسلام، تنازع دار الخلافة في تركيا سلطانها, وتنشق عنها انشقاقاً يزيد في تفكك دار الإسلام، ويسرع في انهيار دار الخلافة, وفي تمزيقها وضعفها وارتخاء قبضتها على أطراف دار الإسلام, ويمهد للمسيحية الشمالية السبيل إلى تخطف أقاليم دار الإسلام بعد أن تصير أشلاء ممزقة عاجزة عن الدفاع عن نفسها، على أن تكون هذه القوة -قوة محمد علي- في قبضة المسيحية الشمالية تصرفها كيف تشاء، وتقضي عليها قضاءً مدمراً يوم تحتاج إلى هذا التدمير، ولذلك كانت هذه البعثات الصغيرة كلها تتعلق بالصنائع الحربية التي تتعلق ببناء الجيش المصري.. ]([8]).
[ ولما فرغ محمد علي من تحطيم اليقظة التي كانت في جزيرة العرب سنة 1236هـ وعلا بذلك شأنه، وأرسى قواعد ملكه في الديار المصرية، كان في فرنسا رجل كبير ممن شاركوا في الحملة الفرنسية، كان مهندساً بارعاً وكانت له منزلة كبيرة عند نابليون والمستشرق فانتور خليل نابليون ونجيه، وانتخب بعد عودته من مصر إلى فرنسا عضواً بالمجمع العلمي الفرنسي، وكان شديد الاهتمام بكل ما يخصّ مصر، هو المسيو (آدم فنسوا جومار) فلما رأى نجاح القناصل في إغراء محمد على بإرسال البعثات إلى أوروبا أسرع جومار يحثّ الاستشراق الفرنسي وقناصله في مصر على إغراء محمد على بإرسال بعثات كبيرة إلى فرنسا ليجعلها تحت إشرافه، ولينفذ مشروع نابليون الذي بينه لخليفته كليبر في رسالته إليه ]([9]).
وكانت أول بعثة 1241هـ والتي كان فيها رفاعة الطهطاوي, وكان عمره آنذاك 25 سنة، وتلقف جومار البعثة, ورفاعة الطهطاوي. وكلهم شباب ناشئ لا خبرة له ولا تجربة, ووقعوا تحت التأثير الانبهاري لفرنسا، وبقي رفاعة ست سنوات في فرنسا تعلم فيها الفرنسية, ولم يتفرنس لسانه حتى تفرنس فكره, لأنهم قدموا له كتب فولتير وجان جاك روسو ومنتسكيو. وكلهم فلاسفة لادينيون وجوديون، ثم أعيد ليدير مدرسة دار الألسن ومن ورائه الفرنسيون الذين أوصوه بهذا, وقدموا له الأساتذة لتكون دار الألسن مدرسة للتغريب الفكري, ولإنشاء حزب فرنسا الذي أوصى به نابليون.
فماذا فعل رفاعة الطهطاوي؟؟([10]).هذا ما سنجيب عنه في الحلقة القادمة إن شاء الله.
[7] - من نص ترجمة الرسالة في كتاب أحمد حافظ عوض, فتح مصر الحديث، ص / 409 - 410.
[8] - المصدر السابق، ص / 139.
[9] - المصدر السابق، ص / 140.
[10] - رفاعة الطهطاوي (1216-1290هـ 1801-1873م ) هو رفاعة رافع الطهطاوي ولد بطهطا سنة 1216هـ. سافر إلى القاهرة والتحق بالأزهر سنة 1232هـ, وتخرج 1238هـ, واهتمّ به حسن العطار، وكان يدرسه دروساً خاصة في كتب لا تتداولها أيدي علماء الأزهر, والتي حصل عليها العطار من الفرنسيين نتيجة اختلاطه بهم. ولمّا أراد محمد علي إرسال بعثة إلى فرنسا قام حسن العطار بترشيح رفاعة الطهطاوي لمحمد علي ليكون إماماً للبعثة، وكان عمره آنذاك 25 سنة حيث أرسلت البعثة سنة1241. وفي فرنسا تولى المستشرق الفرنسي جومار الإشراف على البعثة وخاصة الطهطاوي، وعيَّن له مدرساً خاصاً يوجهه في اللغة والآداب وغيرها.
وبقي هناك سبع سنوات، ثم رجع أوائل عام 1249هـ. وكان أبرز أعماله كتابه: (تخليص الإبريز في تلخيص باريز).
0 التعليقات:
إرسال تعليق