موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الخميس، 22 ديسمبر 2011

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (6)


أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (6)
رضوان محمود نموس
نتحدث في هذه الحلقة عن رأي محمد عمارة بحروب الردة وكيف يرى أن المرتدين الذين أجمعت الأمة على ردتهم لم يرتدوا وهم فقط ادعوا النبوة وهذا أمر سهل عند عمارة وهو ردة عن الوحدة الوطنية وليس ردة عن الدين هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] فهو مجدد على الطرقة القرضاوية حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
·      محمد عمارة وحروب الردة:
للمفكر الإسلامي محمد عمارة رأي خاص بحروب الردة، وقبل الحكم على هذا الرأي نذكر أقواله حول هذه الموضوع.
يقول عمارة: [ وبعد أشهر من هذه البيعة الأولى حدثت حروب الردة للخلاف حول سلطة الخليفة الجديد عندما استمرت بعض القبائل تدين بالإسلام لكنها رفضت الانصياع لما حدث في المدينة من نقل سلطة الرسول الزمنية إلى أبي بكر ]([1]).
ويقول: [ كما تشهد حرب خالد بن الوليد لمالك بن نويرة([2]) وقتله له للطابع السياسي وليس الديني لهذه الحرب وتؤكد على أنها كانت ردة عن الوحدة السياسية للدولة، ولم تكن بحال من الأحوال ردة عن دين الإسلام، فمالك بن نويرة قد فضّ حلفه مع سجاح بنت الحارث([3]) التي انصرفت إلى أرض الجزيرة، وهو حلف استهدف من ورائه أغراض قبلية ولم يكن حلفاً ينتقص طبيعته من إيمانه بدين الإسلام، وهو قد جمع الزكاة وقيدها ولكنه رفض تسليمها لبيت مال دولة الخلافة بالمدينة وله في ذلك شعر منه:
فإن قام بالأمر المجدد قائم** أطعنا وقلنا الدين دين محمد] ([4]).
فالحلف مع سجاح المتنبئة ليس ردة عنده، و هذا الشعر في الحقيقة هو شعر الشيعة بالعهد العباسي الذين كانوا لا يقرون بخلافة أبي بكر رضي الله عنه، وهكذا يستشهد المفكر الإسلامي بأقوال الشيعة وينقل الشعر من كتاب نهج البلاغة لابن أبي الحديد.
ويقول كذلك: [ ارتدت عدة قبائل عربية عن الإسلام فأعلنت رفض سلطة الدولة العربية الإسلامية التي توحدت تحت حكم الرسول بعد فتوحات المسلمين وغزواتهم في شبه الجزيرة وأعلنت تلك القبائل الاستقلال عن دولة المدينة، وكان هذا جانباً سياسياً وليس دينياً واضحاً في حركة الردة هذه ولكنها كانت ردة ضد دولة يحكمها نبي فزعم قادة هذه الردة أنهم هم الآخرون أنبياء ]([5]).

وهكذا يبرر المفكر لسلفه الطالح ردتهم ولا يرى في ادعاء النبوة بأس!! أوليس ادعاء النبوة ردة عن الإسلام؟! ألا يكفي هذا للحكم عليهم بالردة وعلى الذين لا يكفرونهم أيضاً؟! فلتقرأ يا دكتور, أو فلتقرأ يا مفكر أو يا مجدد على الطريقة القرضاوية. ولو كتاباً واحداً في العقائد. اقرأ أي كتاب لأهل السنة بل وحتى للشيعة بل للذين أدخلتهم في إسلامك من اليهود والنصارى. وانظر حكم من يدَّعي النبوة.
إن الجهل لهذا المستوى ليس عيباً فقط؛ بل هو عار وشنار وفضيحة وتسخيم, ولا أملك إلا أن أذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ, يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ, وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ, وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ, وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: الرَّجُلُ التَّافِهُ  يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ }([6]).
وفي رواية عند أحمد { قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ }([7]).
ثم يقول عمارة: [ وفي الحديث عن طبيعة هذه الردة وحروبها وقتالها أدينية كانت ضد دين الإسلام؟ أم سياسية كانت ضد دولة الإسلام؟ في الحديث عن هذه الطبيعة التي صبغت ذلك القتال لا بد من أن نلحظ ونعي عدداً من الحقائق أهمها:
1.                 إن عقيدة التوحيد في صورتها التي بلغت الذروة نقاءً, كما بشّر بها الإسلام, لم يذكر التاريخ أن أحداً من هؤلاء المتنبئين قد نالها بالنقص والإنكار أو التحريف.
2.                 إن نبوة محمد عليه الصلاة والسلام لم يجحدها أحد من هؤلاء المتنبئين.
3.                 إن قضية الوحي والاعتقاد بوجود رباط يصل الإله الواحد بالنبي لم تكن موضوع إنكار من هؤلاء المتنبئين. فلقد زعم كل منهم أنه يوحى إليه وألقى إلى أتباعه بشيء من السجع الذي زعموا أنه ثمرة الوحي, وهو سجع بقي القليل منه, وتناثر في مصادر التاريخ, فهم لم ينكروا الوحي، وإنما أنكروا تفرد محمد عليه الصلاة والسلام باستقباله. إذن فنحن أمام تمردات قبلية تشق الوحدة التي أقامتها الدولة العربية الإسلامية الوليدة التي يحكمها نبي قرشي، فهي انشقاقات ضد الوحدة. ولأن دولة الوحدة هذه يقودها نبي فلقد زعم قادة هذه الانشقاقات أنهم هم الآخرون أنبياء أي أننا نلمح الطابع السياسي غير خفي ]([8]).
ونحن نسأل عمارة والذي هو من أبرز المفكرينات هل قرأ شيئاً عن عقيدة ختم النبوة؟ وهل سمع بتكفير جميع علماء الإسلام للفرقة القاديانية ولماذا كفروها؟ وهل يعرف حكم من يدعي النبوة ويكذب على الله بادعائه أن الله يوحي إليه؟ وحكم من يصدقه بذلك ومن يتبعه ناهيك عمَّن يدافع عنه, اقرأ يا دكتور إن ما تقوله يا دكتور يتنزه عن قوله أولاد الشوارع و"العربجية". وإذا أردت أن تكفر فلا نملك لك من الله شيئا ولا نحب لك أو لسواك ذلك ولكن أضافة رذيلة الجهل إلى رذيلة البهتان إلى رذيلة الافتراء إلى رذيلة التضليل إلى رذائل كثيرة غير ذلك إلى موبقة الكفر وجمع كل ذلك ثم الادعاء بعد كل هذا بأنك مفكر. ومفكر أسلامي فلعمري إنها لإحدى الكبر. اقرأ يا دكتور لعلك تتخلص من بعض رذائلك ولعل الله يشفي.    
ثم يقول: [ إذن لِمَ كان انتشار الردة هكذا سريعاً وشبه شامل؟! في اعتقادنا أنه يصعب تصورها ردةً عن الدين لأن عظمة الدين وعطاءه يتضاءل دونهما كل بديل، ولكن الأثرة السياسية والعصبية والقبلية قد دعت القبائل الكبرى إلى أن تتصدى لدولة الإسلام التي حسبوها دولة قريش فأرادوا اقتسام الميزة السياسية ]([9]).
ويقول: [ فحروب الردة لم تكن حروباً دينية لأنها كانت حرباً في سبيل الأمر أي الخلافة والرئاسة والإمامة، وهذه سلطة ذات طبيعة سياسية ومدنية، ومن ثم كانت الحرب التي نشبت لأجلها سياسية ومدنية هي الأخرى ]([10]).
ويقول: [ لقد كان وراء منع هذه القبائل تسليم الزكاة لحكومة أبي بكر الصديق تخريج استخرجوه لأنفسهم وتأويل تأولوا به قول الله سبحانه وتعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}  فقالوا: إنهم كانوا يدفعون الزكاة والصدقات إلى من كانت صلاته سكناً لهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وليس كذلك حال أبي بكر الصديق ولا حال غيره، فليس عليهم وفق هذا التأويل أن يدفعوا صدقاتهم إلى من لا يستطيع أن تكون صلاته سكناً، ذلك كان تأويلهم وهو شاهد آخر على إيمانهم بالدين ومن ثم الطبيعة السياسية للحرب التي اشتهرت في تاريخنا باسم حروب الردة والتي وصف هذا الطرف من أطرافها بوصف المرتدين، لكن من الحق ومن الواجب أن نسأل، إذا كان الأمر كذلك فلم اشتُهِر وصف هذه القبائل المسلمة بصفة الردة وسمّوا بالمرتدين هكذا بإطلاق ودون تمييز بين الردة عن الدين والكفر وبين الردة عن الوحدة السياسية للدولة بالانفصال السياسي والانشقاق الإداري، من الحق أن نسأل هذا السؤال، ومن حسن الحظ أنه طرح في تراثنا القديم وأجاب عليه عدد من أئمة الفكر والمؤرخين إجابة نزكيها ونتفق مع مضمونها كل الاتفاق، لقد طرح ابن أبي الحديد([11]). في شرح نهج البلاغة هذا السؤال وأجاب عليه، قال: (لم قلت إن الذين قاتلهم أبو بكر وأصحابه كانوا مرتدين؟ فإن المرتد من ينكر دين الإسلام بعد أن يدين به والذين منعوا الزكاة لم ينكروا أصل دين الإسلام وإنما تأوّلوا وأخطؤوا لأنهم تأولوا قوله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ } فقالوا: إنما ندفع زكاة أموالنا إلى من صلاته سكن لنا، ولم يبق بعد وفاة النبي من هو بهذه الصفة فيسقط عنا وجوب الزكاة وليس هذا من الردة في شيء وإنما سماهم الصحابة أهل الردة على سبيل المجاز إعظاماً لما قالوه وتأوّلوه).
فهل بقي بعد ذلك شك للطابع السياسي لقتال تلك الحرب، وفي الطبيعة السياسية لذلك الصراع العنيف؟ وهل يستطيع لفظ الردة أن يحجب هذه الطبيعة السياسية عن أعين الباحث وعقل المتأمل ولبّ المفكر في ذلك الصراع؟ لا نعتقد بل ولا نظن ]([12]).
إن استشهاد عمارة بالشيعي ابن أبي الحديد يضيف إلى ظُلُماته ظلمة أخرى لتصبح ظلمات بعضها فوق بعض. ولا أدري هل قرأ المفكر الإسلامي محمد عمارة عن حروب الردة في كتب المسلمين أم لا؟، وهل اكتفى بكتب الشيعة والمستشرقين على عادة رواده؟ ولكن لا بأس أن نوضح بعض النقاط على عجالة:
أولاً: إن الردة لم تبدأ على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ بل بدأت زمن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بدأت أكبر ردة في اليمن، ونجد.
ففي اليمن قام الأسود العنسي([13]) حتى سيطر على جميع اليمن, فتمالأ جمع ممن بقي على الإسلام بقيادة فيروز الديلمي([14]) مع زوجة العنسي (آزاد)([15]), ودخلوا على العنسي ليلاً وقتلوه وأرسلوا برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ([16]).
كما أن مسيلمة الكذاب وطلحة بن خويلد ارتدا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسل للمرتدين الرسل يدعونهم إلى الإسلام, وأمر المسلمين القريبين منهم أن ينابذوهم ويجمعوا الجموع ضدهم، وفي هذه الأثناء انتقل الرسول صلى الله عليه وسلم من الحياة الدنيا فزادت الردة، وكانت على أنواع، ردة من تنبأ وكفر واتبعه أناس من قومه على هذا الكفر, وردة من منع الزكاة وهو بذلك يكفر لأنه هدم ركناً من أركان الإسلام، ولقد ناقش أبو بكر عمر رضي الله عنهما عندما قدم له الأدلة وهي قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر { أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام }([17]). وفي سنن النسائي:  عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: [ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ. قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ الْعَرَبَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ, وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ, وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ } وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: فَلَمَّا رَأَيْتُ رَأْيَ أَبِي بَكْرٍ قَدْ شُرِحَ عَلِمْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ ]([18]).
ثانياً: إن جميع المرتدين: إمّا أنهم تنبؤوا كالأسود العنسي, وطليحة بن خويلد الأسدي, ومسيلمة الكذاب, وسجاح، أو أنهم تحالفوا مع المتنبئين كطيء والرباب وأهالي البحرين وعيينة بن حصن الفزاري([19]) ومالك بن نويرة ومن شاكلهم. فاجتمع فيهم ادعاء النبوة أو الموافقة عليها, ومنع الزكاة, ومفارقة جماعة المسلمين, والإعداد لحربهم. وكل واحد من هذه الأعمال تكفي وحدها للحكم على مقترفها بالردة عن الدين، فهل كان كل هذا ردة سياسية وليس له علاقة بالدين؟!
ثالثاً: إن أبا بكر رضي الله عنه بعد أن احتج بالأدلة الشرعية ووافقه من كان خالفه بالبداية أصبح إجماعاً على قتال أهل الردة، وكتبه رضي الله عنه إلى الأمصار توضح أن الردة كانت دينية وليست سياسية، وهذه نماذج منها:
[بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة, أقام على إسلامه أو رجع عنه، سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، نقرُّ بما جاء به ونكفِّر من أبى ونجاهده، أما بعد: فإن الله تعالى أرسل محمداً بالحق من عنده إلى خلقه بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فهدى الله بالحق من أجاب إليه, وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعاً وكرهاً، ثم تَوفَّى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وقد نفذ لأمر الله, ونصح لأمته, وقضى الذي عليه، وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل فقال: { إنك ميت وإنهم ميتون }([20]). وقال: { وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ }([21]). وقال للمؤمنين: { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ }([22]). فمن كان إنما يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان إنما يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد, حي قيوم لا يموت, ولا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه يجزيه. وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله, وما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضالٌّ، وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يُعِنه الله مخذول، فمن هداه الله كان مهتدياً، ومن أضله كان ضالاً، قال الله تعالى: {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا }([23]).
ولم يُقَبَل منه في الدنيا عمل حتى يقرّ به، ولم يقبل منه في الآخرة صرف ولا عدل, وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان، قال الله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا }([24]). وقال: { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }([25]). وإني بعثت إليكم فلاناً في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفّ وعمل صالحاً قبل منه وأعانه عليه، ومن أبى أمرت أن يقاتله على ذلك، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار، ويقتلهم كلّ قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله. وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فسلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا قبل منهم، وحملهم على ما ينبغي لهم] ([26]).
ثالثاً: لمّا جاءت وفود المرتدين المهزومة اعترفوا بكفرهم وهذا نص الاعتراف:
حدث يزين بن أبي شريك الفزاري عن أبيه قال: قدمت أسد وغطفان إلى أبي بكر وفداً حين فرغ خالد منهم، فقال أبو بكر: اختاروا بين خصلتين حرب مجلية أو سلم مخزية. فقال خارجة بن حصن: هذه الحرب المجلية قد عرفناها فما السلم المخزية؟ فقال: تشهدون أن قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار, وأن تردّوا علينا ما أخذتم منا, ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم, وأن تدوا قتلانا كل قتيل مائة بعير منها أربعون في بطونها أولادها, ولا ندي قتلاكم, ونأخذ منكم الحلقة والكراع, وتلحقون بأذناب الإبل حتى يُري الله خليفة نبيه والمؤمنين ما شاء فيكم، أو يرى منكم إقبالاً لما خرجتم منه، فقال خارجة: نعم يا خليفة رسول الله، فقال أبو بكر: عليكم عهد الله وميثاقه أن تقوموا بالقرآن آناء الليل وآناء النهار, وتعلمون أولادكم ونساءكم، ولا تمنعوا فرائض الله في أموالكم، قالوا: نعم، قال عمر: يا خليفة رسول الله كل ما قلت كما قلت إلا أن يدوا من قتل منا فإنهم قوم قتلوا في سبيل الله، فتتابع الناس على قول عمر، فقبض أبو بكر كل ما قدر عليه من الحلقة والكراع([27]).
فهذا إقرار من المرتدين أن ردتهم كانت دينية, وأنهم كفروا، فهل يكفي هذا لأن يفيق المفكر الإسلامي محمد عمارة ومن وصفه بأنه مجدد؟!


[1] -الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، ص / 17.
[2] - مالك بن نويرة بن جمرة بن شداد التميمي، أسلم ثم ارتد، أرسل أبو بكر إليه خالد فقبض عليه في البطاح، وقتله سنة (12)هـ.
[3]  - سجاح بنت الحارث بن سويد التميمية من بني يربوع، متنبئة مشهورة، كانت شاعرة أديبة عارفة بالأخبار، تزوجت بمسيلمة وأقامت معه قليلاً ثم انصرفت إلى أخوالها بالجزيرة، أسلمت بعد قتل مسيلمة، ماتت بالبصرة وصلى عليها سمرة بن جندب.
[5]- الدولة الإسلامية بين العلمانية و السلطة الدينية ، ص/ 107.
[6]- رواه ابن ماجة برقم (4036).
[7]- مسند أحمد برقم (7852).
[8] -الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص / 108.
[9] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ، ص / 109.
[10] -المعتزلة وأصول الحكم، ص / 348.
[11] -ابن أبي الحديد معتزلي شيعي، لا يؤمن أصلاً بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان شأن الشيعة كلهم، ولذلك يرى كلَّ من خرج على أبي بكر رضي الله عنه محقاً ! لأنه خرج على سلطة غير شرعية ويطالب بسلطة شرعية. هذه هي مصادر محمد عمارة، وعندما كتب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت مصادره كلها شيعية.
[12] -الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص/ 116 -117.
[13] - قيل اسمه عبهلة وهو الذي يدعى بكذاب اليمن، قال ابن إسحاق: وقد تكلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابان : مسيلمة بن حبيب (الكذاب) باليمامة في بني حنيفة، والأسود بن كعب العنسي بصنعاء. قتله فيروز الديلمي.
[14]فيروز الديلمي: يكنى أبا عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن. وقال ابن منده وأبو نعيم: هو ابن أخت النجاشي.  من أبناء فارس في اليمن، أسلم وحسن إسلامه، قتل الأسود العنسي، وحارب بقايا أتباعه وانتصر عليهم وأَسَر بعضهم حتى وصل جيش المهاجر بن أَبي أُمية، الَّذي طهَّر مناطق اليمن الدَّاخلية والمرتفعات, توفي سنة 53 للهجرة.
[15]  - آزاد الفارسية: زوجة شهر بن باذان، الذي قتله الأسود العنسي، تزوج بها العنسي، وضعت خطة لقتل زوجها المرتد بالاتفاق مع ابن عمها فيروز الديلمي.
[16] - يراجع تاريخ الطبري, والبداية والنهاية لابن كثير, والكامل في التاريخ لابن الأثير, والمنتظم لابن الجوزي سنة 11هـ، كما يراجع الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة لماهر حمادة ص / 330 ومابعدها.
[17]- متفق عليه -رواه البخاري برقم (25)، ومسلم برقم (22).
[18]-رواه النسائي برقم (3094).
[19]  - عيينة بن حصن بن حذيفة الفزاري أبو مالك، أسلم بعد الفتح، وشهد حنيناً، كان من المؤلفة قلوبهم، ثم ارتد وتبع طليحة الأسدي ثم أسلم، وذلك في عهد أبي بكر رضي الله عنه.
[20] -سورة الزمر: 30.
[21] -سورة الأنبياء: 34.
[22] -سورة آل عمران: 144.
[23] -سورة الكهف: 17.
[24] -سورة الكهف: 50.
[25] -سورة فاطر: 6.
[26] -البداية والنهاية (6 / 315 -316).
[27] -يراجع كتب تاريخ الإسلام, أحداث حروب الردة سنة 11 هـ.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.