موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الجمعة، 23 ديسمبر 2011

إضاءة1


إضاءة1
رضوان محمود نموس
 قال الله تعالى  ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا ))[الإسراء:72-75]
قال ابن عباس في رواية عن عطاء أن سبب نزول هذه الآيات أن وفداً من ثقيف، أتوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألوه وقالوا: متعنا بآلهتنا سنة حتى نأخذ ما يهدى لها، فإذا أخذناه كسرنا أصنامنا وأسلمنا فهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعطيهم ذلك فنزلت تلك الآيات وقد أخبر الله عز وجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لو وافقهم لا تخذوه خليلا، من الخلة وهي المحبة التي تؤدي إلى الموالاة والمصافاة والمصادقة للكفار، ثم أخبر أن مثل هذا الركون والميل نحو الكفار ولو كان قليلا موجب لضعف الحياة والممات، ولو كان هذا الميل يقصد به مصلحة الدعوة والإسلام.
وما عرضه وفد ثقيف على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرضه أعداء الإسلام على مدعيي الإسلام اليوم إلا أن مادة الطلب تختلف، فثقيف طلبت من الرسول - صلى الله عليه وسلم - مطالب مقابل وعدها بالإسلام، أما أعداء الإسلام اليوم، فيطلبون من الموظفين بدرجة عالم أو ممن يسمون أنفسهم دعاة ويدعون أنهم أهل الوسطية والاعتدال يطلبون منهم مطالب أخرى دون وعد بأن يسلموا بل وعد بالرضى وقبول أصحاب الدعوات إن عدّلوا وبدّلوا. ويسارع هؤلاء الأدعياء بالقبول: مثل قبول الكفار والمرتدين بدعوى (قبول الآخر) وبدعوى (عدم الإقصاء) ويطلبون منهم ترك الجهاد تحت مسمى (نبذ العنف) ويطلبون منهم الهجوم على المجاهدين تحت عنوان (محاربة الإرهاب) ويطلبون منهم السير على المنهج الكفري تحت مسمى (تبني الديمقراطية) ويطلبون منهم التخلي عن الإسلام تحت مسمى (قبول التعددية) ويطلبون منهم قبول ولاية الكفار تحت مسمى (المساواة في المواطنة) ويطلبون منهم التخلي عن أحكام الله تحت مسمى: (القبول بنتائج الصندوق) ويطلبون منهم تحكيم الطاغوت تحت مسمى (الشعب هو صاحب السلطة التشريعية)

 وهكذا (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وينطبق عليهم قوله تعالى: (ُيرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ)
ويسارع أصحاب الانحراف الوسطي بقبول كل هذا وزيادة حتى لا يقول الغرب عنهم أنهم متطرفون بل ويعلنون إدانة أي عمل جهادي ويتبرؤون منه ويهاجمون المجاهدين ويتعهدون لحلف الشيطان المتمثل بالتحالف الأمريكي البروتستانتي الصهيوني بأنهم هم الأجدر والأقدر من الأنظمة الحاكمة بحرب ومقاتلة المجاهدين ويظنون أنفسهم بعد هذا كله بأنهم على الإسلام الوسطي القاسط.
ولئن نصحتهم وبينت لهم يقولون إننا نعمل لمصلحة الدعوة ونخدع الكفر الغربي لنتمكن ولم يدروا بأنهم إنما يخدعون أنفسهم وأتباعهم [وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ]
والبعض الآخر يغريه الكسب المادي ولو كان هذا الكسب على حساب التنازل عن جانب أو جوانب متعددة من أركان الإسلام وواجباته، وهم بذلك يظنون أنهم يخدعون غيرهم، وما أدرك هؤلاء أن غيرهم يمكر بهم ويصطادهم من حيث لا يشعرون ذلك أن أصحاب السلطان يستدرجون أصحاب الدعوات، ويغرونهم بالأسعار المرتفعة لكلماتهم، حتى يتنازلوا عن جوانب من هذا الدين، ويصدروا لهم الفتاوى التي تحل ما حرم الله، أو تحرم ما أحل الله، عند ذلك يفقد أدعياء العلم هيبتهم، وحصانتهم عند صاحب السلطان وعند الناس عامة، ويكون صاحب السلطان قد حقق مقصده فيهم بتلويث سمعتهم وسمعة الدعوة التي يمثلونها، ثم يرميهم كما ترمى المناديل الورقية بعد استخدامها فليعلم المسلمون إن الواجب على كل مسلم هو عدم التنازل عن شيء من دينه وعقيدته تحت وطأة الإغراءات المتعددة التي يلوح بها الكفار.
إن الركون اليسير من شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو تم لكان نتيجته عذاب الدنيا والآخرة، فما ظنك إذا كان ذلك الركون ركونا تاما وتوليا عاما ومن شخص أبعد ما يكون عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ألا يكون ذلك كفرا وخلودًا في النار.
يا لها من موعظة موقظة لمن كَانَ لَهُ قلب أَو ألْقى السّمع وَهُوَ شَهِيد  فلا يَنْبَغِي أَن يستوحش الظافر بِالْحَقِّ من كَثْرَة الْمُخَالفين لَهُ كَمَا لا يستوحش الزَّاهِد من كَثْرَة الراغبين ولا المتقي من كَثْرَة العاصين وَلا الذاكر من كثر الغافلين بل يَنْبَغِي مِنْهُ أَن يستعظم الْمِنَّة باختصاصه بذلك مَعَ كَثْرَة الْجَاهِلين الغافلين عَن الحق, وليوطن نَفسه على ذَلِك فقد صَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ (إِن هَذَا الدّين بدأ غَرِيبا وَسَيَعُودُ غَرِيبا كَمَا بَدَأَ فطوبى للغرباء) رَوَاهُ مُسلم فِي الصَّحِيح من حَدِيث أبي هريرة.
ويقول سيد رحمه الله في تفسير هذه الآيات: [هذه المحاولات التي عصم الله منها رسوله، هي محاولات أصحاب السلطان مع أصحاب الدعوات دائما.
محاولة إغرائهم لينحرفوا- ولو قليلا- عن استقامة الدعوة وصلابتها. ويرضوا بالحلول الوسط التي يغرونهم بها في مقابل مغانم كثيرة. ومن حملة الدعوات من يفتن بهذا عن دعوته لأنه يرى الأمر هينا، فأصحاب السلطان لا يطلبون إليه أن يترك دعوته كلية، إنما هم يطلبون تعديلات طفيفة ليلتقي الطرفان في منتصف الطريق. وقد يدخل الشيطان على حامل الدعوة من هذه الثغرة، فيتصور أن خير الدعوة في كسب أصحاب السلطان إليها ولو بالتنازل عن جانب منها! ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق. وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ولو يسير، وفي إغفال طرف منها ولو ضئيل، لا يملك أن يقف عند ما سلم به أول مرة. لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء! والمسألة مسألة إيمان بالدعوة كلها. فالذي ينزل عن جزء منها مهما صغر، والذي يسكت عن طرف منها مهما ضؤل، لا يمكن أن يكون مؤمنا بدعوته حق الإيمان. .. فإذا سلموا في الجزء فقدوا هيبتهم وحصانتهم، وعرف المتسلطون أن استمرار المساومة، وارتفاع السعر ينتهيان إلى تسليم الصفقة كلها! والتسليم في جانب ولو ضئيل من جوانب الدعوة لكسب أصحاب السلطان إلى صفها هو هزيمة روحية بالاعتماد على أصحاب السلطان في نصرة الدعوة. والله وحده هو الذي يعتمد عيه المؤمنون بدعوتهم. ومتى دبت الهزيمة في أعماق السريرة، فلن تنقلب الهزيمة نصرا!]([1]).



[1] - في ظلال القرآن (4/ 2245)

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.