بسم الله الرحمن الرحيم
أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (1)
رضوان محود نموس
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )
( يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا % يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ).
وإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في النار، أجارنا الله والمسلمين منها، ومن مسبباتها، ودواعيها ودعاتها.
قال الله تعالى: ( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )([1]).
اللهم فهيء لنا أئمة ينالون عهد الرحمن, ولا يسيرون تحت راية الشيطان, يقتدون بإبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام, وينكبون عن طريق الطواغيت أعداء الإسلام, يسيرون على نور الكتاب والسنن لا في ظلمات الأهواء والفتن, يهتدون بالمنقول والأثر, ولا يتبعون مضلات العقول والنظر, ينهجون نهج الرسول, لامنهاج ابن أبيِّ بن سلول.
اللهم إنا نسألك أن تهيء لنا علماءَ باعوا لك أنفسهم وأموالهم, ولم يبيعوا للحكام دينهم بدنياهم, اللهم نوِّر بصائرنا وأبصارنا فلا يخدعنا الخبُّ المخاتل, واعصمنا من مداجاة المراوغ المماحل.
اللهم إنك أرشدتنا لمعرفة المنافقين بلحن القول, فآتنا من لدنك قوة نواجه بها أعداءك فلا يخاف لهم صول, فبيدك القوة والحول.
روى البخاري بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { إِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ قَالَ: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِذَا أُسْنِدَ الأمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ }([2]).
وروى أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :{ إِنَّهَا سَتَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنُونَ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ, وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ, وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ, وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأمِينُ, وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ. قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَال: السَّفِيهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ }([3]).
أما بعد. فإني أقدم للقارئ الكريم بحثاً بعنوان أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟!, والذي سأقوم فيه - إن شاء الله- بتسليط الأضواء على بعض الأفكار والشخصيات، التي كثرت حولها المقالات, فرفعها المغالون إلى عنان السماء أوكادوا، ووصفوها بما يوصف به الأنبياء أو زادوا، وأحلُّوها من الدين مقام الإمامة، ومن الأمة مكان الزعامة.
ومن هذا الشأن ما صرح به القرضاوي عندما وصف (محمد عمارة ) بأنه مجدد لهذا الدين. نعم أفتى أنه مجدد وهذا قوله
[وأشاد رئيس اتحاد علماء المسلمين الشيخ يوسف القرضاوي بمناقب عمارة ونضاله من أجل الدعوة إلى الله والحفاظ على الهوية الثقافية الإسلامية، ووصفه بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الحزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
وسأبين مستعيناً بالله حال عمارة وعمارة نفسه قدم رواداً للأمة مثل الأفغاني وميشيل عفلق وطه حسين وأضرابهم وهذه من القرضاوي وعمارة شهادة وشروط الشهادة العلم وإلا تكون باطلاً قال الله تعالى (إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) فالشهادة يجب أنت تكون مبنية على الحق والعلم
والريادة أمر كبير, ومرتقىً خطير, لا يستطيعه إلا من وفقه الله للهداية, وأبعده عن مضلات الهوى والغواية, والرائد من الارتياد, والجمع روَّاد, وفي حديث عليّ رضي الله عنه في صفة الصحابة رضوان الله عليهم أَجمعين: " يدخلون رُوَّاداً, ويخرجون أَدلة " أَي يدخلون طالبين للعلم ملتمسين للحلم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويخرجون أَدلَّة هُداة للناس. وأَصل الرائد الذي يتقدّم القوم يُبْصِر لهم الكلأَ ومساقط الغيث([4]).
فمن تقدَّم قومه كان رائدهم, فمنجيهم أو موبقهم, لاختياره المسالك, وتجنُّبه أو وروده المهالك, فمن ارتاد المنتجع الأوسع, والمكان الأرفه الأمتع, كان كوفد عبد القيس, فيما ابتغى من الكَيْس, فكان فأل القبيلة وسعدها, وبمثله قيل: ( قتل أرضاً عالمها ), ومن ترك اللائق, وركب المزالق, كان كقُدار, يُحلُّ أهله دار البوار, ويورد شيعته مهلكها, وبمثله قيل: ( قتلت أرضٌ جاهلها ), وفي المثل "الرائد لا يكذب أهله" ولا يمنع فضله.
ثمّ أخذت الريادة معنىً أعمَّ وأجمع, ومركزاً أهمَّ وأمنع, فعَنَوا بها القيادة والزعامة, والأسوة والإمامة. والريادة في الدين طريقان: طريق فذٌّ واحد يهدي إلى الجنان, فأفرده الله عز وجل ووصفه بالنور فقال تعالى: ( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ )([5]).
وقال الله تعالى: ( الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ )([6]).
وآخر ينشعب إلى شُعَب, وكلها يُفضي إلى أم لهب, ووسمه الله تعالى بالظلمات وذكره بصيغة الجمع فقال تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ([7]).
وقال الله تعالى:( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )([8]).
وفرعون الذي اتخذه قومه رائداً فأطاعوه, وهادياً فاتبعوه, أوردهم ما يستعيذ منه المسلمون, ويحفد إليه ويسعى الكافرون, فقال تعالى: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِين % إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيد % يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ % وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ )([9]).
وأرشد الله تعالى عباده رحمة بهم, وشفقة عليهم إلى الأسوة والمثال, والقدوة والكمال, الذي إن اتبعوه وتأسَّوا به نجوا, وإن تنكَّبوا عنه ضلُّوا وهلكوا, فقال جلَّ من قائل: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )([11]).
وقال الله تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )، وقال الله تعالى:( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ )([12]).
وروى الترمذي بسنده عَنْ حُذَيْفَةَ بن اليمان رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ }([13]).
وروى مسلم بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ, ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ, فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ, وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ }([14]).
وروى ابن ماجة بسنده عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّه رضي الله عنهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ, وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ, ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأوْسَطِ فَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ, ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ }([15]).
وروى البخاري بسنده عن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ رضي الله عنه قال: { كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا }([16]).
فقيادة الأمُم على الطريق الأمَم, شأن عظيم جليل, وحريٌّ بمن تصدى له: الانقياد للتنزيل, والاستضاءة بمشكاة النبوة, وأخذ ما أنزل الله بقوة, مع رسوخ قدم في الدين, والنزول منه في عين اليقين, والأخذ بمحمود الشمائل, وذروة الفضائل, من أرباب الاجتهاد, وأعلام الجهاد, مع توسُّط باحة الحق, وشغف بإنقاذ الخلق, ذو رأي بازل, يصيب من الصواب المفاصل, بعيد الغور, عميق الحور, جذل محكَّك, قطب محنَّك, يتبع منهج خير القرون, لا مناهج الاستشراق والماسون !!
ومحمد عمارة. ما عرفناه إلا يسارياً اشتراكياً يافعاً, وماركسياً لينينياً شرقياً عندما استوى رجلاً, وعلمانياً غربياً لما صار كهلاً, وعلمانياً بعباءة المسلمين إذ حلَّ هرماً.
ويريد أن يقدِّم نفسه للأمة مصلحاً, ولنهضتها باعثاً, ولمجدها مجدِّداً, ومن خندق الدعوة الإسلامية, والحركة التجديدية ؛ بل من مكان الرأس فيها, ومقام التوجيه لها, فهو منها وبها, ولها يسخر قلمه ووقته وجهده, غير شاذٍّ ولا مبتدع ؛ بل متأسياُ متبِعاً, مقتفياً آثار دعاة قبله, ادَّعَوْا مثل دعواه, والمدّعون كُثر, والعاملون نُذر, ومن قنع بالدعاوى ضاع زمانه, ومن بحث وتحقق طالت أحزانه, فهو يدعو الأمة إلى طريق خطَّه قبلُ أقوام, ناسبين خطتهم إلى الإسلام.
فقمت - بعون الله - لكشف الغطاء, وفحص الادِّعاء, أحقٌّ هو أم افتراء؟! ففلَّيْت ما نطقت به ألسنتهم, وأمعنتُ النظر فيما رقمه بنانُهم, وأدرت الرأي بما شهد به المعاصرون, وأثبته المخاصمون, وقلَّبت الطرْف في نقل التلاميذ والأتباع, ونقّرت ما تواتر وشاع, باحثاً عن الحقيقة, مبيِّناً معالم الطريقة, ليحقَّ الحق ويَزهق الباطل, والزبد جفاء زائل.
وأنا على يقين أن جيوشاً من الخادعين والمخدوعين, والمعمَّى عليهم والعِمين, والسذَّج والمدلسين, وجحافل الماسون والمنافقين, وكتائب التهويش والتزوير أعلنت الحشد والنفير, مستخدمة دنيء الوسائل وخسيسها, متذرِّعة بمنحط الطرائق وخبيثها, لكَفْر الحق بركام الأباطيل, وحَجب الشمس بغرابيل التضليل, ولكن للحق نور يراه من لم تشوَّه فطرته, وسلِمت من الأهواء سريرته, وعصاً تلقف ما يأفكون, وريح تعصف بما يبهرحون, وصوت يسمعه القريب والبعيد إذا كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وعمارة قد وصف أناساً بالروَّاد, لم يُعرف عنهم إلا السوء والفساد, والبغي والعناد, على الزيغ متواطئون, وفي الضلالة سادرون, وفي الغيّ يعمهون, وفي الأهواء يسبحون, زمرة ألِفت المنكر وألِفها, ونكِرت المعروف ونكِرها, عشقت الآثام, وعاشرت الحرام, وأُشربت أفكارَ الملحدين, واستهوتها الشياطين, وتصدت للأخلاق, وركبت متن الشقاق, وسلَّت على الدين كل صارم, ضرباً بالأركان والدعائم, فأجلبت عليه بخيلها ورجِلها, واستنفرت زخرفها وباطلها, ومن ورائهم إبليس يؤزُّهم أزّاً, والماسونية ترجز لهم رجزاً.
فمن ذَكَرَهم كُلَّهم أجمعين أبضعين أبتعين - إلا أقل القليل لذر الرماد في العيون - هم ما بين يهوديّ مأفون, أو نصرانيّ هالك, أوشيعيّ مظلم حالك, أودرزيّ على مذهب القدَّاح, أومرتدٍّ تلبَّس بالكفر البواح, أوقوميّ يدعو إلى المُنتنة, أو لا دينيٍّ من أصحاب المشأمة, أوعلمانّيٍّ يريد عزل الدين عن حياة المسلمين, اتِّباعاً لطواغيته الكافرين.
ثم يزعم عمارة أنهم هادون مهديُّون, وروَّاد مصلحون, مع إيلاجهم في الغواية, وإيغالهم في العماية, وإمعانهم في التيه والطغيان, وإبحارهم في الفساد والخسران, وانسيابهم في شِعاب الباطل, وتسكُّعهم في بيداء الرذائل, لايقبضون يداً عن منكر, أعماهم التصلف والبطر, نبذوا كتاب الله وراءهم ظهريَّا, وعبدوا أهواء ساداتهم بغياًً وغيّاً, ويسمُّون ذلك عقلاً, وعلماً وفضلاً, فلا يرضون بالقرآن والسنن الهادي لأقوم سنن, فالوحيان يتُّبعهما الرجعيون, بينما هم روّاد تقدميّون. زعموا أن لهم عقولاً أسمى من الآيات, تتحكم في الأرض والسموات, لها الأمر في الدنيا والدين, والأولين والآخرين, منها يؤخذ الجواب والحكم وفصل الخطاب, وإليها وحدها المآل, صاحبة السيادة والجلال, تشرع الشرائع, دون معارض أو مدافع, وتسنّ القوانين والنظام, على جميع الأنام, لاتثبت أمامها النصوص, تأسياً بصاحب الفصوص, فلا يخضعون إلا لأهوائهم, بل لأهواء كبرائهم؛ من مستشرق حاقد, أو باطنّي معاند, أو ماسونيّ خسيس تلقَّى عن إبليس, زاعمين أن اتِّباع الوحي خَطَل لايليق بمن عقل, ولقد أكذبهم الله فقال تعالى: ( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ )([17]).
وقال الله تعالى: ( بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ )([18]).
وقال الله تعالى: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ )([19]).
وقال الله تعالى: ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا )([20]).
وقال الله تعالى: ( وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ % فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأصْحَابِ السَّعِيرِ )([21]).
فأخبرهم الله تعالى أنه لاعقول لهم، إنما ظنوا أهواءهم عقولاً, كمن يحسب السراب ماءً, والورَمَ امتلاءً, والعَجاجة جبلاً, والغائط عسلاً, ولكن ليس كل ما يَلْمع ذهباً, ولا كل ما يُعصَر عنباً.
ودلاّهُم دلاَّلُهُم بحسن حالهم, وعظيم مقالهم, فركبوا وأركبوا غيرهم متن الغرور والمصائب, وهَدوا إلى ريق الحية وحمة العقارب.
ولقد وصف الله تعالىحال أمثالهم وحالهم فقال تعالى: ( إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى )([22]).
وقال تعالى: ( وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ )([23]).
وقال الله تعالى: ( وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ )([24]).
ولوكان لهم عقول لتقيَّدوا بالمنقول, وتمسَّكوا بالأصول, وتركوا العناد والخداع, وآثروا الاتباع.
قال تعالى( يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ )([25]).
وقال تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ) ([26]).
اتبعوا الهوى فأصمَّهم وأعمى أبصارهم, وأذلَّهم وأرداهم, فخبطوا في الجهالات, وركبوا العشوات, وتهافتوا في الغرور, وتتابعوا في الشرور, ثم ألقوا رحلهم في خيمة الماسونية لبناء هيكل اليهودية, متخذين إبليسَ إمامهم, إذ مكَّنوه زمامهم, يأتمون بهديه, ويطرقون طريقته, ويجْرون على منهاجه, ويقتفون أثره, فبئس لهم الإمام والمستقر والمقام.
ولقد نهى الله تعالى عن اتباع الهوى, وبيَّن أن من اتبعه فقد غوى. فقال الله تعالى: ( أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ )([27]).
وقال الله تعالى: ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَالَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ )([28]).
وقال الله تعالى: ( وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ )([30]).
وقال تعالى:( وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )([31]).
والآيات كثيرة لمن أراد أن يتدبر, وأن يتبع ما قال الله وأمر, ورغم هذا يحاول عمارة ترويج باطلهم على الرِّعاع, بترَّهات وخداع, ومكر وروغان, ومداجاة وزيغان. وبأدنى نظر إلى ما صنف عمارة ونشر, يتكشف عن باطن نَغْل, وحقد على الإسلام لاينحَلّ, وكشحٍ طُويَ على السخائم, وصدر فاح حسيكةً وعظائم, ينصب للمسلمين الحبائل, ويبثُّ لهم الغوائل, لم يتخلَّ يوماً عن ضلاله الذي كان عليه, وغيِّه الذي يدعو إليه. علمانية لادينية يُلبسها لباس الدين, وكفر أحمر يسميه هدىً من رب العالمين, يحتمي بما قرره مَن أسماهم بالرواد, ليرمي عن كتفهم من الدين الفؤاد. رفعهم حتى يقول القائل: هم القوم, وحريٌّ بمن تبعهم النجاة من اللوم. في كلامه سمٌّ قاتل, ووحش صائل. يدعو دعوات الأخسرين أعمالاً, و المضللين أقوالاً, ويعلم أنه لا يحسن صنعاً, ولايهدف نفعاً ؛ بل الغواية سبيله, والبهتان خليله, يهدي وروَّاده إلى النار, ويدعون إلى الشنار والخَسار.
ولقد قال الشخ بكر بن عبد الله أبو زيد, كلاماً حريّاً بالقيد, فيه سيماء أهل الدين والفضل, حيث قال - يصف أمثال هؤلاء وسماسرتهم, ومروجي غثائهم ومكائهم -: [ وهم أمشاجٌ مبتلَون بهذا التغريب, وبعضهم أضاف إلى هذا الفجور فجوراً آخر من السخرية بالحجاب والمتحجبات, وكلمات نابية في بعض أحكام الشريعة الغرّاء, وحملتها, إلى غير ذلك من مواقف نرى أن أصحابها على خطر عظيم يتردد بين الكفر والنفاق والفسوق والعصيان.
وكانت هذه الأذايا تثار في وقت مضى, واحدة تلو الأخرى بعد زمن, ويقضي عليها العلماء في مهدها, ويصيحون بأهلها من أقطار الأرض, ويرمون في آثارهم بالّشهب,... وهذه الدعوات الوافدة المستوفدة قد جمعت أنواع التناقضات ذاتاً, وموضوعاً, وشكلاً.
فإذا نظرت إلى كاتبيها وجدتهم يحملون أسماء إسلامية, وإذا نظرت إلى المضمون والإعداد, وجدته معول هدم في الإسلام, لا يحمله إلا مستغرب مُسَيَّر, أُشْرِب قلبه بالهوى والتفرنج. ومعلوم أن القول والفعل دليل على ما في القلب من إيمان ونفاق؟!...هذا مع ما يحيط بهم من غرور واستعلاء, تولّد من نفخ بعضهم في بعض.
أفمثل هذا الفريق الفاشل يجوز أن تُنصب له منابر الصحافة, ويوجّه الفكر في الأمة؟ ألا إن هذا مما يملأ النفس ألماً وحزناً وأسفاً على أمة يكون أمثال هؤلاء كَتبة فيها وهذه كتاباتهم - فضلاً عن أن يكونوا روَّاداً لها - ([32]).
عارٌ - والله - أن يصبح توجيه الأخلاق في هذا العصر بأقلام هذه الفئة المضَلّلة المُسَيَّرة التي خالفت جماعة المسلمين, وفارقت سبيلهم, واشتغلت بتطميس الحق, ونصرة الهوى, عليهم من الله ما يستحقون, وحسابهم عند ربهم, ونحذرهم من سطوة الله وغضبه ومقته, ولن يغلب الله غالب, ونتلو عليهم قول الله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ )([33]).
وقوله تعالى: ( وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ % مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )([34]).
وهؤلاء الصَّخّابون في أعمدة الصحف على مسامع الملأ يبغضهم الله, ويمقتهم سبحانه, كما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { إن الله يبغض كل جعظريّ جوّاظ - أي مختال متعاظم - سخَّابٍ بالأسواق, جِيفة بالليل, حمارٍ بالنهار, عالم بأمر الدنيا, جاهل بأمر الآخرة }([35]).
قال الشيخ العلامة المحدِّث أحمد بن محمد شاكر المتوفى سنة 1377 هـ - رحمه الله تعالى - في تعليقه على "صحيح ابن حبان": ( وهذا الوصف النبوي الرائع, الذي سما بتصويره إلى القمة في البلاغة والإبداع, لهؤلاء الفئام من الناس - أستغفر الله؛ بل من الحيوان -: تجده كل يوم في كثير ممن ترى حولك, ممن ينتسبون إلى الإسلام؛ بل تراه في كثير من عظماء الأمة الإسلامية, عظمة الدنيا لا الدين؛ بل لقد تجده فيمن يلقبون منهم أنفسهم بأنهم " علماء " ينقلون اسم العلم عن معناه الإسلامي الحقيقي, المعروف في الكتاب والسنة إلى علوم من علوم الدنيا والصناعات والأموال, ثم يملؤهم الغرور, فيريدون أن يحكموا على الدين بعلمهم الذي هو الجهل الكامل, ويزعمون أنهم أعرف بالإسلام من أهله, وينكرون المعروف منه ويعرفون المنكر, ويردُّون من يرشدهم أو يرشد الأمة إلى معرفة دينها ردّاً عنيفاً, يناسب كل جعظري جواظ منهم. فتأمل هذا الحديث واعقله ترهم أمامك في كل مكان ) اهـ.
ورحم الله الشيخ أحمد بن محمد شاكر إذ أبدى وأعاد في بيان حال سلف هؤلاء من أشقياء الكنانة فقال - رحمه الله تعالى - في مقدمة جامع الترمذي([36]): ( وليعلم من يريد أن يعلم... مِن رجل استولى المبشرون على عقله وقلبه فلا يرى إلا بأعينهم, ولا يسمع إلا بآذانهم, ولا يهتدي إلا بهديهم, ولا ينظر إلا على ضوء نارهم يحسبها نوراً, ثم هو قد سماه أبواه باسم إسلامي وقد عُدَّ من المسلمين - أو عليهم - في دفاتر المواليد وفي سجلاّتِ الإحصاء, فيأبى إلا أن يدافع عن هذا الإسلام الذي أُلْبِسهُ جنسيةً ولم يعتقده ديناً, فتراه يتأول القرآن ليخضعه لما تعلم من أُستَاذِيْهِ, ولا يرضى من الأحاديث حديثاً يخالف آراءهم وقواعدهم, يخشى أن تكون حجتهم على الإسلام قائمة !! إذ هو لا يفقه منه شيئاً. أومن رجل مثل سابقه إلا أنه أراح نفسه فاعتنق ما نفثوه في رُوعه من دين وعقيدة, ثم هو يأبى أن يعرف الإسلام ديناً أو يعترف به إلا في بعض شأنه في التسمِّي بأسماء المسلمين, وفي شيء من الأنكحة والمواريث ودفن الموتى. أو من رجل مسلم عُلِّمَ في مدارس منسوبة للمسلمين, فعرف من أنواع العلوم كثيراً, ولكنه لم يعرف من دينه إلا نزراً أو قشوراً, ثم خدعته مدنية الإفرنج وعلومهم عن نفسه, فظنهم بلغوا من المدنية الكمال والفضل, وفي نظريات العلوم اليقين والبداهة, ثم استخفَّه الغرور, فزعم لنفسه أنه أعرف بهذا الدِّين وأعلم من علمائه وحفظته وخلصائه, فذهب يضرب يميناً وشمالاً, يرجو أن ينقذه من جمود رجال الدين !! وأن يصفيه من أوهام رجال الدين !! أو من رجل كشف عن دخيلة نفسه, وأعلن إلحاده في هذا الدين وعداوته ممن قال فيهم القائل " كفروا بالله تقليداً " أو من رجل ممن ابتليت بهم الأمة المصرية في هذا العصر, ممن يسمِّيهم أخونا النابغة الأديب الكبير "كامل كيلاني" ( المجدِّدينات )... هكذا – والله – سماهم هذا الاسم العجيب, وحين سأله سائل عن معنى هذه التسمية أجاب بجواب أعجب وأبدع: هذا جمع مخنث سالم ! فأقسم السائل أن اللغة العربية في أشد الحاجة إلى هذا الجمع في هذا الزمن ) ]([37]).
ولئن كان للأستاذ الكيلاني فضل السبق في نحت الاسم, فلقد سبقه الأئمة في البيان و توضيح الرسم, عندما دمغوا أجداد المجدِّدينات, ممن ترك النور إلى الظلمات بوصف ( المخانيث ) كما قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في حديثه عن بعض الفرق:
[ وإذا استدلوا بالقرآن كان ذلك على وجه الاعتضاد والاستشهاد لا على وجه الاعتماد والاعتقاد, وما خالف قولهم في القرآن تأولوه على مقتضى آرائهم واستخفُّوا بالكتاب والسنة وسموهما ظواهر, وإذا استدلوا... ولكن يدفعون بها عن أنفسهم عند المسلمين, وأما الأحاديث النبوية فلا حرمة لها عندهم؛ بل تارة يردونها بكل طريق ممكن, وتارة يتأولونها, ثم يزعمون أن ما وضعوه برأيهم قواطع عقلية, وأن هذه القواطع العقلية ترد لأجلها نصوص الكتاب والسنة إما بالتأويلُ, ُُوإما بالتفويض, وإما بالتكذيب. وأنتم شركاؤهم في هذه الأصول كلها ومنهم أخذتموها, وأنتم فروخهم فيها, كما يقال... والمعتزلة مخانيث الفلاسفة ]([38]).
فإذا كان المعتزلة مخانيث الفلاسفة والصابئة الملحدين, فروَّاد عمارة هم مخانيث اليهود والمبشرين الحاقدين, وفروع من الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن شجرة الكفر والضلال وغرس الشيطان.
وإن ماقاله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ومئات أضعافه عن أولئك أصحاب الألسنة المشقشقة, والقلوب المغلقة, هو في هؤلاء الأوشاب, فهم شرذمة مابين ملاّق وخلاّب, وكفر بعضهم لا تلابسه غمّة وقد أُميط حجابه, وسطعت عليه شمس الحقيقة فهتك إهابه, ومنهم من أدجنت على بعض المغفلين سماؤه, وخفيت على السذج أنباؤه, وبهؤلاء كبرت البلية, وعظمت الرزية, فانساح باطلهم على بعض المسلمين, وانطلت زخارف سماسرتهم على رهط من الصالحين, فقالوا بمدحهم غالطين, إمَّعة مقلدين, وهذا شيء من ظلام التقليد, فكم أفقد أهله الرأي السديد, وأزرى بالرجال, وضلل الأنجال, مَخجَلة لأهل الحياء, تكِأة لأهل الشقاء, فحقُّ الجاهل السكوت والاستماع, وليس التبجُّح والاختراع.
وأسأل الله العزيز أن يكون هذا الكتاب دفاعاً عن كيان الأمة ودينها من أن يُقتحَم عرينُها, أوتُدمّر ثقافتها, أويسلب تراثها, أويُضيَّع حاضرها, ويُسرق مستقبلها, أويعتدى على مقدساتها, أويعبث بذلك العابثون, ويحرفه المحرِّفون, وتصفق لهم الدهماء, وتؤازرهم الغوغاء في أعمالهم التخريبية, وأهدافهم التضليلية, لأن هؤلاء الضالين المضلِّلين يساهم بعضهم عن كيد وإصرار, وآخرون عن غفلة واستهتار في منع ظهور الريادة الحقيقية للأمة الإسلامية, ويؤثرون البقاء في ظلاماتهم لأنها أستر لتخريبهم, وأخفى لانحرافهم, ولكن الله يأبى إلا أن يتم أمره وينفذ قضاءه, ويشرق نور الإسلام على دياجير الظلام.
فإن استطعت أن أكشف في هذا السفر عن بعض الأوكار, ومدرسة الضرار, فبتوفيق من الله وفضل, وإن قصّرت فالتقصير من الإنسان هو الأصل, وأدعو إخواني لإكمال المهمة, والمساهمة في كشف الغُمَّة بتسليط الضوء على عصابة المضلِّلين, ولتستبين سبيل المجرمين.
وهناك أمر لا بد من إيضاحه والتنويه إليه:
وهو أننا ربما استشهدنا أثناء الكتابة بأقوال لبعض الرجال ممن يكونون قد تلبسوا ببدعة, أو سلكوا منهجاً مخالفاً لمنهج أهل السنة والجماعة, أو ما شابه ذلك مما لا نرتضيه. فلا يعني نقلنا عنهم فيما أصابوا فيه أحيانا بأية حال أننا نوافقهم على منهجهم أو انحرافهم, أو ضلالهم, أو بدعتهم, وإنما قبلنا منهم ما أصابوا به ورددنا عليهم ما سواه.
فلقد روى الترمذي وابن ماجة بسندهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال:َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا }([39]).
وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حديثا ًطويلاً عندما تلبس الشيطان بشكل رجل حاول السرقة ثم نصح أبا هريرة بقراءة آية الكرسي فأخبر أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ذَاكَ شَيْطَانٌ }([40]).
0 التعليقات:
إرسال تعليق