أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (5)
رضوان محمود نموس
نتحدث في هذه الحلقة عن رأي محمد عمارة وموقفه من الصحابة رضوان الله عليهم حيث يتهمهم بأنهم جاهدوا لجمع المال ولم يكن يردعهم شيء عن هذا وتهم أخرى متناثرة في البحث. هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
· محمد عمارة والصحابة:
يرى عمارة أن احتجاج الصديق يوم السقيفة بحديث { الأئمة من قريش } فكرٌ قرشي فيقول: [ أنه نسب إلى السنة ليكون فكراً سياسياً قرشياً كان شائعاً في ذلك العصر، ويعكس ثقل قريش في المجتمع العربي في ذلك الحين ]([1]).
ويفتري على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيصفه: [ أنه كان رائد التمييز بين السياسة والدين ]([2]).
كما يفتري على الصحابة رضوان الله عليهم بقوله: [ وجاهد كثير من الصحابة, لاقتناء الثروة، وبناء الدور المريحة ]([3]).
ثم يقول: [ بلغت ثروة الزبير خمسين ألف دينار، وطلحة بنى دوراً فخمة، وعبد الرحمن بن عوف له مئة فرس وألفا بعير وعشرة آلاف شاة... - ثم يقول عن الصحابة -... إن سعيهم هذا الذي حدث في سبيل الدنيا دون ما مانع من قانون أو رادع من نظام، ومن ثم استباح الكثيرون لأنفسهم، واستحلوا هذا النمط من أنماط الحياة، ولقد كانت للقوم شبهة حل تجعل لهم هذا الأمر مباحا. بل لقد حدث أن استباح البعض ما حرّمه الرسول على سبيل القطع في هذا الميدان ]([4]).
ويقول عن عهد عثمان رضي الله عنه: [ إنه في زمن قصير من خلافة عثمان تغيرت الحالة، صار يمكن معها الحس بوجود طبقة تدعى أمراء وطبقة أشراف وأخرى أهل ثروة وبذخ، وانفصل عن تلك الطبقات طبقة العمال ]([5]).
ويصف تولية أبي بكر بأنه كان مخططاً قرشياً فيقول: [ كان علي يطمع إلى ذلك وتؤهله لهذا الطموح مؤهلات كثيرة، ليس مكان الحديث عنها هذه الصفحات ولكن قريشاً نعم قريش كانت بالمرصاد فاجتمع رؤساؤها على اختيار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان قبل الإسلام وزيراً في حكومتها أي قريش، ويتولى فيها منصبا هامّاً. ومن بعده كان العهد إلى عمر بن الخطاب وقد كان هو الآخر وزيراً في حكومتها قبل الإسلام، ومن بعده عهد رؤوس قريش بالأمر إلى عثمان بن عفان ]([6]).
ثم يصف الفتنة بقوله: [ بل لا نغالي إذا قلنا إن صوت معارضته -أي علي بن أبي طالب- ونقده كان أعلى هذه الأصوات، ومن ثم فإن حركة المعارضة والنقد، ثم الثورة ضد الأوضاع الجديدة قد اتخذت من علي رمزاً لها وقيادة تلتف من حولها ]([7]).
ثم يقول: [ ويبدو أن عثمان قد ظنّ أن وراء ثورة علي ومعارضته أسباباً يتصل بعضها بحرمانه من الثروة التي يرتع فيها الأمويون والملأ من أغنياء قريش فاستدعاه يوماً وعرض عليه صرتين من ورق (فضة) وذهب وقال له: "دونك خذ هذا حتى تملأ بطنك فقد أحرقتني"، ولكن علياً رفض ]([8]).
ويقول عن الزبير: [ فقال الزبير في ملأ من الناس هذا جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان حتى قتل فلما بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنا فوقه ]([9]).
ويقول عمارة عن عثمان رضي الله عنه:[فنحن قد أشرنا من قبل إلى تلك الفلسفة التي وجدت طريقها إلى فكر عثمان رضي الله عنه والتي تبيح للإمام أن يتصرف لحسابه الخاص من فضول الأموال ]([10]).
ويقول عن أبي بكر رضي الله عنه نقلاً عن الطوسي([11]) الشيعي أن أبا بكر قال: [ إن لي شيطاناً يعتريني ]([12]).
ويقول عن أبي ذر رضي الله عنه: [ ولكن الأمر الأهم الذي نود التنبيه إليه هو أن وصول أبي ذر إلى الإيمان بعقيدة التوحيد قبل البعثة المحمدية وقبل سماعه بالقرآن والرسول إنما يضعه بين أصحاب النظر العقلي والتحليل النظري والفكري والفلسفي. ثم يقول: ويبدو أن الرجل قد كانت له آراء فلسفية ونظرات عميقة حول عدد من القضايا الفكرية لم تكن البيئة الفكرية التي عاش فيها من سعة الصدر ولا من الحاجة بحيث تسمح له أن يلقي بكل ما عنده إلى الناس ]([13]).
ويقول عن عمر رضي الله عنه: [ فالرجل الذي يطوف بالكعبة ثم يقف أمام الحجر الأسود ليقول والله إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله قبَّلك ما قبَّلتك الرجل الذي يتساءل هذا التساؤل فينفك عقال العقل كي يتحرك ويتمرد ]([14]).
وفيما مرّ من القبح والشناعة في اتهام صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا يخفى على أحد وخاصة المبشرين بالجنة والذين رضي الله عنهم حيث قال تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا }([15]).
وقال الله تعالى: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }([16]).
وننقل لمحمد عمارة قول الإمام مالك حول الآية السابقة لعله يتذكر أو يخشى:
فقد أورد القرطبي في تفسيره ما رواه أبو عروة الزبيري من ولد الزبير قال:
[ كنا عند مالك بن أنس , فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقرأ مالك هذه الآية { محمد رسول الله والذين معه } ... حتى بلغ { يعجب الزُّرّاع ليغيظ بهم الكفار } فقال مالك: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية ] . ذكره الخطيب أبو بكر .
ثم قال القرطبي: [ قلت: لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله . فمن نقص واحداً منهم , أو طعن عليه في روايته فقد ردَّ على الله رب العالمين , وأبطل شرائع المسلمين . قال الله تعالى { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار } الآية . وقال: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } إلى غير ذلك من الآي التي تضمنت الثناء عليهم , والشهادة لهم بالصدق والفلاح. قال الله تعالى: { رجـال صدقـوا ما عاهدوا الله عليه } , وقال: { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضواناً } إلى قوله { أولئك هم الصادقـون }, ثم قال عزَّ من قائل:{ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم } إلى قوله. { فأولئك هم المفلحون } . وهذا كله مع علمه تبارك وتعالى بحالهم ومآل أمرهم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خير الناس قرني , ثم الذين يلونهم } , وقال: { لا تسبُّوا أصحابي , فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهباً لم يدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه } خرَّجهما البخاري . وفي حديث آخر { فلو أن أحدكم أنفق ما في الأرض لم يدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه } قال أبو عبيد: معناه لم يدرك مدَّ أحدهم إذا تصدَّق به, ولا نصف المد. فالنصيف هو النصف, وفي البزار عن جابر مرفوعاً صحيحاً: { إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين }... فالصحابة كلهم عدول, أولياء الله تعالى وأصفياؤه , وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله . هذا مذهب أهل السنَّة والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة ]([17]) .
وقال ابن كثير: [ قال مالك رضي الله عنه: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا, وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة, وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة, ولهذا قال سبحانه وتعالى ههنا: { ذلك مثلهم في التوراة } ثم قال: { ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه } أي فراخه { فآزره } أي شده { فاستغلظ } أي شب وطال { فاستوى على سوقه يعجب الزراع } أي فكذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع { ليغيظ بهم الكفار }. ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه في رواية عنه بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم. قال: لأنهم يغيظونهم, ومن غاظ الصحابة رضي الله عنهم فهو كافر لهذه الآية, ووافقه طائفة من العلماء ]([18]).
ثم يريد أن يقرّر أن جيلنا خير من جيل الصحابة فيقول: [ هذه الحقيقة التي تحدث عنها الحديث([19]). تحتاج إلى عرض وإلى تفسير قد يفضيان بنا إلى فهم آخر غير الذي فهمته منه هذه الحركات المؤمنة بتراجع الخيرية والتقدم بمرور التاريخ. وفي اعتقادي أن هذا الحديث النبوي لا يستأثر بالخيرية المطلقة لجيل الرسول عليه الصلاة والسلام، وإنما هو يتحدث عن خيرية التأسيس لقواعد النموذج الإسلامي، فنظرة الإسلام إلى خط سير التطور الإنساني منذ آدم إلى محمد وعبر رسالات الرسل ونبوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام تؤكد النظرة المتقدمة والمتصاعدة لخط سير الخيرية والتقدم عبر التاريخ، فالإنسانية قد بلغت برسالة محمد صلى الله عليه وسلم سن الرشد بعد أن كانت خرافاً ضالة في فترات سبقت ذلك التاريخ، وموقف الإسلام المتميز من أدلة العقل والكون شاهد على ذلك الارتقاء الإنساني بمرور التاريخ. -ثم يقول-: ثم إن الأبنية الحضارية التي تزهو بها أمة الإسلام، وإن قامت على الأسس التي شهدها عصر البعثة إلا أنها جاءت تالية لجيل الرسول عليه الصلاة والسلام ]([20]).
وكأن الخيرية أبنية وقصور, وترع وجسور, وبوق وطنبور. ولكن ماذا نفعل؟! هذه نظرة المفكر الإسلامي محمد عمارة، ونحن نذكِّره أن الخيرية إنما هي خيرية اعتقاد ومنهج وتوحيد, وتمسك بهذا الدين, وعمل له, وسعي لنشره. ولا سيما أن هناك حقيقة وهي أن الحياة بدأت بالنبوة وتنتهي بالكفر المطلق, ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس كما ثبت في السنة([21]).
أما إذا تجاوزنا هذه الطبقة المباركة من الصحابة فيقول عمارة: [ إن الدولة الأموية وبالذات مؤسسها معاوية بن أبي سفيان ليسوا بأكثر من جماعة قاموا بانقلاب ضد الفكرية السياسية الإسلامية تحت شعار الإسلام. وإن القوم دخلوا الإسلام مرغمين عندما اكتسحهم سيله الجارف فأظهروا الانقياد وتحينوا الفرصة لاقتناص السلطة كي تعود السيادة كما كانت لفرعهم الأموي في الجاهلية ]([22]).
ويقول: [ أول من قال بالإرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص، كانا يزعمان أنه لا يضرّ مع الإيمان معصية... وأما معاوية وعمرو بن العاص ومن وقف موقفهما في الإرجاء فإنهم كانوا يبررون للسلطة والجور ويدفعون إدانة الخوارج لهم بالكفر لارتكابهم الكبائر وإدانة المعتزلة لهم بالفسق وإدانة الحسن البصري لهم بالنفاق ]([23]).
[1] - المعتزلة وأصول الحكم، ص / 242.
[2] - المعتزلة وأصول الحكم ، ص / 348.
[3] - مسلمون ثوار، ص / 78.
[5] - مسلمون ثوار ، ص/ 82 - 83.
[6] - مسلمون ثوار ، ص/ 106.
[7] - مسلمون ثوار ، ص / 107.
[8] - مسلمون ثوار ، ص / 108.
[9] - مسلمون ثوار ، ص / 116.
[10] - مسلمون ثوار، ص / 126.
[11] - هو محمد بن محمد بن الحسن أبو جعفر، نصير الشرك الطوسي، فيلسوف دهري كان رأساً في العلوم العقلية والفلسفية، علامة بالأرصاد، علت منزلته عند هولاكو، وكان هو وابن العلقمي قد راسلا هولاكو وحرضاه على دخول بغداد، لينتقموا من المسلمين اتخذ خزانة للكتب من الكتب التي نهبت من بغداد وغيرها فجمعها وحرق كتب السنة والتفسير والفقه وأبقى على علم الفلسفة والكلام والنجوم وكان هولاكو يمده بالأموال، وأوقف أوقافا على المنجمين، وكان يشي بالفقهاء وعلماء الدين للتتار حتى يقتلوهم. هلك عام 672هـ وهو شيعي غال، يسميه الشيعة شيخ الطائفة كما تعتبره الإسماعيلية والنصيرية والقرامطة شيخهم ومقدمهم .
[12] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص / 12 - 13.
[13] - مسلمون ثوار، ص / 72.
[14] - مسلمون ثوار ، ص / 25.
[15] - سورة الفتح: 18.
[16] - سورة الفتح: 38.
[19] - إشارة إلى الحديث الذي رواه عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:{ خيركم قرني، ثم الذين يلونهم،ثم الذين يلونهم، إن بعدكم قوماً يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن } متفق عليه. رواه البخاري (2651)، ومسلم (2533)، وغيرهما.
[20] - مجلة المستقبل الإسلامي, العدد الأول، ص / 71 - 72.
[21] - ثبت في صحيح مسلم برقم (1924) من حديث عبد الله بن عمرو وغيره رضي الله عنهم مرفوعاً: { لا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ, هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ, لا يَدْعُونَ اللَّهَ بِشَيْءٍ إِلا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ } وفي رواية { ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ }.
[22] - مسلمون ثوار، ص / 143.
[23] - الخلافة ونشأة الأحزاب السياسية، ص / 174 - 175.
0 التعليقات:
إرسال تعليق