موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الاثنين، 26 ديسمبر 2011

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (8)


أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (8)
رضوان محمود نموس
نتحدث في هذه الحلقة عن رأي محمد عمارة بالفرق الضالة وكيف أنه معجب بها كلها على تناقضها وكيف يزور الحقائق ويتناقض حتى مع نفسه هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر:  (الجزيرة نت) 3/11/2010
q       القرامطة:
يصف عمارة القرامطة بقوله: [ حركة ثورية ضد الإقطاع ]([1]). ثم يقول عن حركتهم : [ كانت نزوعاً عربياً نحو إقامة كيان عربي يكتسب ملامح القومية بمرور الأيام ]([2]).
[ والقرامطة حركة باطنية هدَّامة, تنسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث, ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه, وهو من خوزستان في الأهواز. اعتمدت حركته التنظيم السري العسكري, وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق, وحقيقتها الإلحاد, والإباحية, وهدم الأخلاق, والقضاء على الدولة الإسلامية.
أسسوا دولة شيوعية تقوم على شيوع الثروات وعدم احترام الملكية الشخصية، ويجعلون الناس شركاء في المال والنساء بحجة استئصال أسباب المباغضة, فلا يجوز لأحد أن يحجب امرأته عن إخوانه, وأشاعوا أن ذلك يعمل على زيادة الألفة والمحبة, وهذا ما كان عليه المزدكيون الفارسيون من قبل، كما عملوا على إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم والصلاة وسائر الفرائض الأخرى, واستخدموا العنف لتحقيق هذه الأهداف, ويعتقدون بإبطال القول بالمعاد والعقاب, وأن الجنة هي النعيم في الدنيا, والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد، ويقولون بالعصمة, وأنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم يؤوِّل الظاهر ويساوي النبي في العصمة. ومن تأويلاتهم: أن الصيام هو الإمساك عن كشف السر، والبعث هو الاهتداء إلى مذهبهم، والنبي شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية, والقرآن هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه. يقولون بوجود إلهين قديمين أحدهما علة لوجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه. الأول تام والثاني ناقص, والأول لا يوصف بوجود ولا عدم, فلا هو موصوف ولا غير موصوف. وفي سنة 319هـ: دخلوا مكة واستباحوها, وسرقوا الحجر الأسود سبعة عشر عاما, وقطعوا الطرق على الحجيج وقتلوهم ]([3]).

هذه هي الحركة الثورية القومية الممدوحة من محمد عمارة فهل من متَّعظ؟!
q       إخوان الصفا وخلان الوفا:
يقول عمارة: [ كانت حركة إخوان الصفا حلقة في سلسلة طويلة من الحركات الثورية التي أنبتتها التربة العربية كرد فعل للنظام الاجتماعي والسياسي.. وللإرهاب الذي شنته السلطات الإقطاعية ضد كل ما هو متقدم في الحياة ]([4]).
ثم يقول: [ إن إخوان الصفا كانوا أصحاب الجذور الجدلية المادية التي صاغها فيما بعد كارل ماركس ]([5]).
أما إخوان الصفا فهم في الحقيقة المحفل الماسون الرئيس في الإسلام واعتبروا أنفسهم فرعاً من فروع الإسماعيلية، وقد لخص إخوان الصفا نظريتهم في المجلد الثالث من رسائلهم بقولهم: [ إن الله تعالى لما كان تام الوجود كامل الفضائل عالما بالكائنات قبل كونها قادر على إيجادها متى شاء لم يكن من الحكمة أن يحبس تلك الفضائل في ذاته فلا يجود بها ولا يفيضها فإذا بواجب الحكمة أفاض الجود والفضائل منه كما يفيض من عين الشمس النور والضياء ودام ذلك الفيض منه متصلا متواترا غير منقطع فيسمى أول ذلك الفيض العقل الفعال، وهو جوهر بسيط روحاني نور محض في غاية التمام والكمال والفضائل وفيه صور جميع الأشياء كما تكون في فكر العالم صورة المعلومات وفاض من العقل الفعال فيض آخر دونه في الرتبة يسمى العقل المنفعل، وهو النفس الكلية وهي جوهرة روحانية بسيطة قابلة للصور والفضائل من العقل الفعال على الترتيب والنظام كما يقبل التلميذ من الأستاذ التعليم وفاض من النفس أيضا فيض آخر دونها في الرتبة يسمى الهيولي الأولى وهي جوهرة بسيطة روحانية قابلة من النفس من الصور والأشكال بالزمان شيئا بعد شيء ]([6]).
ويمزج إخوان الصفا بين نظرية الفيض الأفلاطونية ونظرية العدد الفيثاغورثية في أن الواحد أصل الوجود، حيث يقولون: إن الباري أول ما أبدع من نور وحدانيته جوهراً بسيطاً يقال له العقل الفعال، كما أنشأ الاثنين من الواحد بالتكرار, وأنشأ النفس الكلية الفلكية من نور العقل والهيولي الأولى من حركة النفس, وأنشأ أخيراً سائر المخلوقات في العالم من الهيولي بتوسط العقل والنفس، كما أنشأ سائر الأعداد من الأربعة بإضافة ما قبلها إليها.
ويرى إخوان الصفا أن للكتب الإلهية تنزيلات ظاهرة, وهي الألفاظ المقروءة المسموعة, ولها تأويلات خفية باطنة, وهي المعاني المعقولة.
ونادوا بوحدة الأديان, وقالوا بأن الفلاسفة والحكماء برتبة الأنبياء, وعندهم أن التوراة والإنجيل والقرآن وغيرها من الكتب الدينية سواء، وقالوا بصحة التوراة والأناجيل الموجودة حالياً, ولا يعترفون بختم النبوة. كما أنهم لا يؤمنون بالثواب والعقاب الحسي الموجود في الجنة والنار. وهم كسائر الفلاسفة يمزجون الشريعة بالفلسفة، ويُعتبرون الأصل الفكري والتشريعي والفلسفي للقرامطة والحشاشين والنصيرية والإسماعيلية والدروز وغيرهم من الطوائف الباطنية التخريبية الهدامة([7]).

q       الخوارج:
يقول عمارة أن الخوارج: [ أنكروا التعصب القبلي ومثلوا روح الإسلام الداعية إلى المؤاخاة والمساواة بين الشعوب والقبائل ]([8]).
ثم يقول عن الخوارج: [ فهم جميعاً ما بين عربي غير قرشي وما بين مولى من الموالي اشترك في البيعة له -لأمير الخوارج- بإمارة المؤمنين العرب والموالي على حد سواء، وهذه سابقة في فلسفة الحكم لم يسبق لها مثيل في المجتمع العربي الإسلامي ولعلها التطبيق الأول لروح فلسفة الإسلام في هذا المقام، أما فلسفتهم في الحكم بمعنى العدل الذي خرجوا لإقامته بدلاً من الجور الذي ثاروا عليه فإن لهم في الحديث عنه الخطب والأشعار المتناثرة الكثيرة في كتب التاريخ ]([9]).
هذا رأي المفكر الإسلامي محمد عمارة بالخوارج، يصفهم بأنهم خرجوا على الجور، وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وهو الخليفة الراشد، ويصف بأن تجربتهم لتطبيق فلسفة الإسلام لم يسبقوا إليها، أي أن خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي, وهي الخلافة الراشدة كانت أبعد عن فلسفة الإسلام من الخوارج، والخوارج هم أقرب إلى فلسفة الإسلام.
ويقول عنهم أيضاً: [حزب العدالة والجمهورية ], وأن حركتهم [ كانت التجسيد الحي لحرارة القيم الثورية التي جاء بها الإسلام ]([10]).
ويقول: [ بل إنهم هم الذين نشروا على الملأ العربي تلك الأفكار النقية الجذابة التي سبق أن بشّر بها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تمثل روح الثورة العربية الأولى وروح القرآن ]([11]).
 وفي الحديث: عَن أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه قَالَ: [ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. فَقَالَ: { وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ, قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ } فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: { دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِمْ, وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ, يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ, يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ, يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ, ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ, ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ وَهُوَ قِدْحُهُ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ, ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ, قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ. آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ, أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ, وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ }. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ, فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي نَعَتَهُ ]([12]).
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {... إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ, يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ-وَأَظُنُّهُ قَالَ-لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ }([13]).
وعن عَلِيٍّ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: { سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ, سُفَهَاءُ الأَحْلامِ, يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ, لا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ, يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ, فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ؛ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ }([14]).
وعن يُسَيْر بْنِ عَمْرٍو: قَالَ قُلْتُ لِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه: هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الْخَوَارِجِ شَيْئًا؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ-وَأَهْوَى بِيَدِهِ قِبَلَ الْعِرَاقِ-: { يَخْرُجُ مِنْهُ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ, يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلامِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ }([15]).
وعَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{ الْخَوَارِجُ كِلابُ النَّارِ }([16]).
ولكنّ المفكر الإسلامي محمد عمارة الذي يمدح الخوارج بما سبق من كلامه هو نفسه عندما أراد أن يتهجم على الدعاة الذين يريدون تطبيق شريعة الله في العصر الحاضر لم يجد لذمّهم وصفاً أشد من وصفهم بالخارجية, فقال: [ وعلى هذا الدرب الخارجي يسير اليوم دعاة بعثوا شعار الحاكمية هذا بمعناه الذي يجرّد الأمة من أية سلطات وأي سلطان في دنيا الحكومة والسياسة ]([17]).
فأي رأي للمفكر الإسلامي محمد عمارة نصدق؟! ولكنه كاذب في كلا الرأيين
q       المرجئة:
يقول عمارة عن المرجئة: [ لقد نشأ الإرجاء أول ما نشأ في عهد بني أمية وأول من قال به هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ]([18]).
ثم قال: [ وهنا يصبح الإرجاء بمعنى تأخير العمل عن الإيمان والفصل بينهما موقفاً وفكراً سياسياً يعارض موقف الدولة الأموية، بل يصبح فكراً ثورياً يتحدى تلك المفاهيم التي ابتدعتها الدولة الأموية ]([19]).
ويقول: [ إن المظالم التي دفعت عظيم الأزد الحارث بن سريح إلى الثورة والخروج على هشام بن عبد الملك، وهي الثورة التي كان وزيره الأول فيها وكبير دعاته الذي يقص ويخطب ويقرأ سيرة الثورة والثوار: الجهم بن صفوان، كانت إذن ثورة المرجئة، خرجت تدعو إلى الفصل بين الإيمان والعمل ]([20]).
ويقول: [ ولكن الإرجاء, كان لدى التيارين, موقفاً سياسياً يناصب ظلم بني أمية العداء ]([21]).
ثم يناقض نفسه تماماً ويدور بزاوية 180 درجة فيقول عن الإرجاء: [ إن أصحابه هم بنو أمية وأنصارهم، ولقد قيل عنه إنه إرجاء محض، وابن أبي الحديد([22]) ينقل عن شيخ المعتزلة أبي عبد الله قوله إن:(أول من قال بالإرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص كانا يزعمان أنه لا يضر مع الإيمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال له: حاربت من تعلم وارتكبت ما تعلم؟! فقال: وثقت بقول الله تعالى { إن الله يغفر الذنوب جميعا } ]([23]).
كما يتحدث في مواطن أخرى متهماُ معاوية, وما تظاهر به من الجبر والإرجاء. فيقول: [ فالإرجاء هنا بمعنى الفصل بين الإيمان والعمل، وتأخير العمل عن الإيمان كما هو معناه عند الجهم بن صفوان، ولكن الجهم كان يضع هذا المبدأ وهذه العقيدة وذلك الموقف في صف المستضعفين الذين يئنون من ظلم الحكام، وأما معاوية وعمرو بن العاص ومن وقف موقفهما في الإرجاء فإنهم كانوا يبررون للسلطة والجور ]([24]).
ونحن نتساءل كيف يصحّ عقلاً أن يكون الإرجاء هو الثورة ضد بني أمية وظلم بني أمية كما يصف، وكيف يكون من جهة أخرى هو اعتقاد وسياسة بني أمية وأنصارهم.
 ألهذا الحد يصل الاستخفاف بعقول القراء؟!
وكيف يكون أول داعي للإرجاء هو الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب وهو من التابعين, وقد كانت وفاته عام 100هـ؟ وكيف يكون معاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وهم من الصحابة قد أخذوا عنه؟ ولقد مات معاوية وعمرو بن العاص قبل أن يبلغ الحسن بن محمد الحلم، ثم إن الإرجاء الذي قاله الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ليس تأخير العمل عن الإيمان, إنما هو كما هو معلوم لكل طالب علم أنه إرجاء القول في علي وعثمان وطلحة والزبير رضي الله عنهم، حيث قال أما علي وعثمان وطلحة والزبير فنرجئ أمرهم إلى الله.
وأما المرجئة الذين يؤخِّرون العمل عن الإيمان فأول قائل بذلك هو الجهم بن صفوان، وهو حسب رأي المفكر عمارة-أي الجهم- الثائر ضد ظلم بني أمية, وهو الذي كان يقول -كما نقل ابن حزم-: [ إن الإيمان هو معرفة الله بالقلب فقط, وإن أظهر اليهودية أو النصرانية أو سائر أنواع الكفر بلسانه ]([25]).
وقال عنه الإمام الذهبي([26]): [ جهم بن صفوان, أبو محرز السمرقندي.. الضال المبتدع... رأس الجهمية, هلك في زمان صغار التابعين... زرع شراً عظيماً ]([27]).
وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني: [ جهم بن صفوان السمرقندي...الضال المبتدع... كان قتْلُه سنة 128هـ, قتله نصر بن سيار([28]) والي خراسان، قال الجهم لنصر بن سيار: استبْقِني، فقال له نصر: والله لو كنت في بطني لشققته عليك لأقتلك ]([29]).
وأول من قال مقولة (لا يضر مع الإيمان معصية) هو مقاتل بن سليمان([30]), وكان مع جهم بن صفوان في سمرقند.
ووصل الأمر بالمرجئة على أصلهم "أن الإيمان هو التصديق والعمل ليس من الإيمان" حتى حكموا أن (إبليس لم يكفر بمعصية الله تعالى في ترك السجود لآدم)([31]).
وقالوا: (إن اليهود والنصارى الذين عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي وكتموه وتمادوا على إعلان الكفر ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر ومن بني قريظة وغيرهم كانوا مؤمنين عند الله عز وجل أولياء لله من أهل الجنة)([32]).
بل وصل التمادي بهم إلى إثبات إيمان فرعون وغيره عندما قَصَروا الإيمان على التصديق بوجود الله، وهذه آراء غلاة المرجئة.
وغير الغالين منهم يقولون: إنه لا تضر مع الإيمان معصية, ولا يكفر إلا بالجحود. ولقد قال العلماء عنهم: إنهم من أضل ما خلق الله.
 ومن أحب الاستزادة فليرجع إلى مظان الكلام عن المرجئة في كتب الفرق والاعتقاد، سيما كتاب الشيخ سفر الحوالي (ظاهرة الإرجاء).
q       المعتزلة:
لا يكاد يخلو كتاب من كتب محمد عمارة من المدح والثناء على المعتزلة ووصفهم بأنهم التيار العقلاني المستنير فيقول:
[ لقد بلغت الحضارة العربية الإسلامية سن رشدها ووصل عطاؤها إلى كثير من أركان المعمورة وكان عصرها الذهبي على عهد الخلفاء العباسيين (المأمون, المعتصم, الواثق) ولقد كان هؤلاء الخلفاء الثلاثة من أنصار التيار العقلاني في الفكر الإسلامي إذ كانوا على مذهب المعتزلة ]([33]).
ويقول: [ سعى فريق من المعتزلة إلى صبغ كل المجتمع بمذهبهم العقلاني المتقدم والمستنير ]([34]).
ثم يصفهم فيقول: [ ولكن المعتزلة ومعهم تيار قومي عربي مؤثر قد مضوا في  سبيلهم... في الشورى والفكر القومي المستنير ]([35]).  ويقول: [ ولكن التيار الشعوبي نجح في إجهاض مسعى المعتزلة وحلفائهم عندما تخلص من القيادة القومية ]([36]).
وهذه من المضحكات المبكيات:
فالمعتزلة من واصل بن عطاء([37]) إلى عمرو بن عبيد([38]) إلى الجبائي([39]) إلى المريسي([40]) إلى ابن أبي دؤاد لم يكونوا عرباً، ولكن المفكر الإسلامي يجعلهم قيادة قومية وبقي عليه أن يحدد لنا القيادة القطرية!!، وتحديد الأمين العام للقيادة القومية والأمين العام المساعد..الخ!! وكان مخالفو المعتزلة وهم أحمد بن حنبل وأحمد بن نصر الخزاعي ونصر بن محمد وغيرهم من الذين جعلهم عمارة شعوبيين وهم من أقحاح السنة العرب !!
ويضيف عن دور المعتزلة قائلاً: [ هذه الفرقة التي لعب الموالي فيها دوراً بارزاً ورئيسياً والتي كان فكرها طليعة الفكر القومي ]([41]).
فيا أيها المفكر القومي إذا كانت القيادة من الموالي فكيف تكون قيادة للفكر القومي العربي ! قليل قليل من التفكير أيها المفكر!!.
ويقول عن المعتزلة: [ كما أثبتوا للإنسان القدرة على الخلق أثبتوا له القدرة على الإفناء، بل قالوا إنه يستطيع أن يفني حياته بالانتحار فيكون قد أفنى فعل الله ]([42]).
ويقول عنهم: [ لقد اعتمد المعتزلة على العقل ووثقوا بحكمه في التحسين والتقبيح دونما حاجة إلى النصوص والمأثورات بل وأوجبوا عرض هذه النصوص والمأثورات على العقل، فهو الحكم الذي يميز صحيحها من منحولها، ولا عبرة بالرواة ورجالات السند مهما كانت هالات القداسة التي أحاطها بهم المحدثون، إنما العبرة بحكم العقل في هذا المقام ]([43]).
ثم يقول: [ إنه أثر لسيادة العقل وتقدمه عندهم على جميع الأدلة فمقامه أولاً، ثم يأتي الكتاب والسنة والإجماع ]([44]).
ثم يقول عنهم: [ المعتزلة هو اسم الفرقة الناجية بين فرق الإسلام الثلاث والسبعين وإن أصل الحديث (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة أبرها وأنقاها الفئة المعتزلة) وأن استبدال كلمة الناجية في الحديث بدلا من المعتزلة إنما حدث من غيرهم بعد أن عرفوا هم باسم المعتزلة ]([45]).
ولا ينقضي العجب من المفكر الإسلامي المتخبِّط ! فهو قد حكم على هذا الحديث سابقاً بالوضع, ووضع الأدلة من عقله وتفكيره على وضع الحديث وكثير من أمثاله من أحاديث الآحاد, ولكن عندما أراد أن يستخدمه مُحرَّفاً بصيغة موضوعة لصالح المعتزلة متبعاً سنة يهود في تحريف الكلم عن مواضعه فلا بأس بذلك عنده، أهكذا يكون المفكرون وأصحاب المنهج العقلاني أم أنه الهوى؟!.
ويقول عنهم: [ وعندما يعرض المعتزلة للأدلة وترتيبها يختلفون اختلافاً أصيلاً مع أصحاب الحديث وأهل السنة في تعداد هذه الأدلة وترتيبها، فهي عند أهل السنة: الكتاب والسنة والإجماع، بينما هي أربعة عند المعتزلة يضيفون إلى هذه الثلاثة العقل ويقدمونه عليها جميعاً بل ويرون أنه الأصل في جميع هذه الأدلة ]([46]).
والمعتزلة هم الذين قالوا بخلق القرآن, ونفوا الصفات عن الله عز وجل, وقالوا بأن مرتكب الكبيرة غير مؤمن, وهو خالد مخلد في النار. ولقد قام العلماء بالرد على بدعهم، وكان من أبرز من قام بذلك الإمام أحمد بن حنبل، وأحمد بن نصر الخزاعي([47])، ونصر بن نوح، وعبد العزيز الكناني، والخلال، وأبو الحسن الأشعري، ثم الإمام ابن تيمية، وابن القيم، ومازالت الردود تترى إلى هذا اليوم، لأنهم ما زالوا يشعلون نار الفسوق والعصيان والنفاق. 
والفكر الاعتزالي ما زال حيّا، وله صور جديدة تدعو إلى تحكيم العقل، وإلغاء الحدود، وأبرزها حدُّ الردة، وإلغاء الجهاد وأنه دفاعي فقط، وإلغاء تعدد الزوجات، وإلغاء أحكام الطلاق والميراث، وإباحة المحرمات مثل: بيع الخمر والخنزير، واستحلال الربا البسيط، والموسيقى، والتمثيل.... الخ.
ولقد وقف العلماء قديماً كما ذكرنا, وحكموا على المعتزلة حسب أقوالهم. والمعتزلة بين كافر وفاسق: فالقائل بخلق القرآن ونفي الصفات وإحلال المحرمات من الربا وغيره فلا شكّ في كفره، وما دون ذلك فهو الفسوق، ويراجع من شاء: كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، وكتاب ردِّ الإمام الدارمي([48])، وكتاب التوحيد لإمام الأئمة ابن خزيمة، وأصول الاعتقاد للالكائي، والإيمان لابن مندة، والسنة للخلال، والشفا للقاضي عياض، وغيرها كثير.



[1] - فجر اليقظة القومية، ص / 154.
[2] - فجر اليقظة القومية ، ص / 176.
[3] - الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة , (1 / 381). ويراجع من أراد الاستزادة: الفرق بين الفرق, والفصل, والملل والنحل, وغيرها من كتب الفرق.
[4] - فجر اليقظة العربية، ص /  174.
[5] - فجر اليقظة العربية ، ص / 170.
[6] - رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا (3 / 196 - 197).
[7] - رسائل إخوان الصفا وخلان الوفا - انظر المجلد الرابع.
[8] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، ص / 17.
[9] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، ، ص / 142.
[10] - فجر اليقظة القومية, ص / 144.
[11] - فجر اليقظة القومية, ص / 132.
[12] - متفق عليه : رواه البخاري واللفظ له برقم (3610), ومسلم برقم (1064).
[13] - متفق عليه: رواه البخاري برقم (4351), ومسلم برقم (1064).
[14] - متفق عليه: رواه البخاري برقم (6930), ومسلم برقم (1066).
[15] - متفق عليه : رواه البخاري برقم (6934), ومسلم برقم (1068).
[16] - رواه ابن ماجة برقم (173).
[17] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص/ 20.
[18] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، ص / 166.
[19] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 171.
[20] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 172.
[21] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 173.
[22]  - ابن أبي الحديد معتزلي شيعي، لا يؤمن أصلاً بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان شأن الشيعة كلهم، ولذلك يرى كلَّ من خرج على أبي بكر رضي الله عنه محقاً ! لأنه خرج على سلطة غير شرعية ويطالب بسلطة شرعية. هذه هي مصادر محمد عمارة، وعندما كتب عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت مصادره كلها شيعية.
[23] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية, ص / 174
[24] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 174 - 175.
[25] - الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم (3 / 225).
[26]  - محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي, شمس الدين, أبو عبد الله: حافظ, مؤرخ, علامة محقق. تركماني الأصل, من أهل ميافارقين. مولده ووفاته في دمشق. رحل القاهرة وطاف كثيراً من البلدان, وكفّ بصره سنة 741 هـ. تصانيفه كبيرة كثيرة تقارب المائة. منها: " دول الإسلام ـ ط" جزآن, و " المشتبه في الأسماء والأنساب, والكنىَ والألقاب ـ ط" و " والعباب ـ خ" في التاريخ, و " تاريخ الإسلام الكبير ـ , و " سير أعلام النبلاء ـ ط" و " تذكرة الحفاظ.
[27] - ميزان الاعتدال  (1 / 426).
[28]  - نصر بن سيار بن رافع بن حري الكناني، شيخ مضر بخراسان، ووالي بلخ ثم خراسان، غزا ما وراء النهر وأقام بمرو، هرب إلى نيسابور لمّا تغلب عليه أبو مسلم الخراساني، ثم مات في بساوة، كان شاعراً وخطيباً، توفي سنة (131)هـ.
[29] - لسان الميزان  (2 / 175).
[30] - مقاتل بن سليمان الخراساني مولى الاَزد ، أصله من بلخ وانتقل إلى البصرة وبها مات بعد خروج الهاشمية ، كنيته أبو الحسن ، كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم ، وكان شَبَهياً يشبه الرب بالمخلوقين ، وكان يكذب مع ذلك في الحديث . مات سنة 150هـ
[31] - الفصل لابن حزم (5 / 75).
[32] - الفصل لابن حزم (5 / 75).
[33] - مسلمون ثوار، ص / 201.
[34] - مسلمون ثوار ، ص / 201.
[35] - مسلمون ثوار ، ص / 169.
[36] - مسلمون ثوار ، ص / 169.
[37] - أبو حذيفة واصل بن عطاء (700 - 748)، الملقب بالغزال الألثغ، كان تلميذاً للحسن البصري، ومؤسس فرقة المعتزلة الإسلامية. حصل الخلاف بينه وبين الحسن في حكم مرتكب الكبيرة، فاعتزل حلقة الحسن، فقال الحسن "اعتزلنا واصل" فتسمت فرقته بالمعتزلة وانضم إليه عمرو بن عبيد . كانت زوجته هي أخت عمرو بن عبيد. توفي في عام 131 هـ الموافق لـ 748 م في المدينة المنورة.
[38] -   عمرو بن عبيد عمرو بن عبيد كبير المعتزلة، مات بطريق مكة سنة ثلاث وقيل: سنة أربع وأربعين ومائة .  قال أحمد بن أبي خيثمة في "تاريخه": سمعت ابن معين يقول: كان عمرو ابن عبيد من الدهرية . وقال سلام بن أبي مطيع: أنا للحجاج أرجى مني لعمرو بن عبيد.
[39] - أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي محمد الجبائي بن عبد الوهاب بن سلام بن خالد بن حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه،  كان هو وأبوه من كبار المعتزلة، ولهما مقالات على مذهب الاعتزال، وكتب الكلام مشحونة بمذاهبهما واعتقادهما، ولد سنة سبع وأربعين ومائتين. وتوفي يوم الأربعاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شعبان سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة ببغداد.
[40] - المريسي المتكلم المناظر أبو عبد الرحمن، بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، من موالي آل زيد بن الخطاب -رضي الله عنه.  أخذ عن القاضي أبي يوسف ، وروى عن حماد بن سلمة، وسفيان بن عيينة . نظر في الكلام ، فغلب عليه، وانسلخ من الورع التقوى ، وجرد القول بخلق القرآن، ودعا إليه، حتى كان عين الجهمية في عصره وعالمهم، فمقته أهل العلم، وكفره عدة ، ولم يدرك جهم بن صفوان، بل تلقف مقالاته من أتباعه .
[41] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، ص / 220.
[42] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 250.
[43] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 209.
[44] - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 215.
[45] - ال الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 189.
4 - الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية ، ص / 207.
[47]  -  الإمام الشهيد، أبو عبد الله، أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي المروزي ثم البغدادي. كان جده أحد نقباء الدولة العباسية، وكان أحمد أمَّارا بالمعروف ، قوالا بالحق  سمع من: مالك ، وحماد بن زيد، وهشيم، وابن عيين. وروى قليلا حدث عنه: عبد الله بن الدورقي ، ومحمد بن يوسف بن الطباع ، ومعاوية بن صالح الأشعري ، وآخرون .  قتله الواثق بفتنة خلق القرآن.  قال الحسن بن محمد الحربي: سمعت جعفر بن محمد الصائغ، يقول: رأيت أحمد بن نصر حين قتل قال رأسه: لا إله إلا الله  قال السراج . بقي الرأس منصوبا ببغداد، والبدن مصلوبا بسامراء ست سنين إلى أن أُنزل، وجمع في سنة سبع وثلاثين ، فدُفن رحمة الله عليه .
[48]  -  عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام التميمي الدارمي السمرقندي,أبو محمد: من حفاظ الحديث. سمع بالحجاز والشام ومصر والعراق وخراسان من خلق كثير. و استُقضي على سمرقند, فقضى قضية واحدة, واستعفى فأعفي. وكان عاقلاً فاضلاً مفسراً فقيهاً أظهر علم الحديث والاَثار بسمرقند. له "المسند ـ خ" في الحديث, و "الجامع الصحيح ـ ط" ويسمى "سنن الدارمي" وله "الثلاثيات 

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.