دراسات حول سوريا (19)
رضوان محمود نموس
تبين هذه الحلقة تفاهة حسين بن علي وعربون بيع البلاد فسقول له مكماهون:[ هذا وعربون على صدق نيتنا ولأجل مساعدتكم في مجهوداتكم في غايتنا المشتركة فإني مرسل مع رسولكم مبلغ عشرين ألف جنيه.]
ويؤكد حق فرنسا في سوريا ولبنان فيقول:[ فإن صداقة فرنسا وإنجلترا ستقوى وتشتد، وهما اللتان بذلتا الدماء الإنجليزية والفرنسية جنبا في سبيل الدفاع عن الحقوق والحريات].
جواب السير مكماهون من 4 ديسمبر 1915
من السير هنري مكماهون إلى الشريف حسين
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى صاحب الأصالة والرفعة وشرف المحتد سلالة بيت النبوة والحسب الطاهر والمنسب الفاخر دولة الشريف المعظم السيد حسين بن علي أمير مكة المكرمة قبلة الإسلام والمسلمين. أدامه الله في رفعة وعلاء.
وبعد، فقد وصلني كتابكم الكريم بتاريخ 14 ذي الحجة 1333 وسرني ما رأيت فيه من قبولكم إخراج ولايتي مرسين وأضنه من حدود البلاد العربية.
وقد تلقيت أيضاً بمزيد السرور والرضا تأكيداتكم أن العرب عازمون على السير بموجب تعاليم الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيره من السادة الخلفاء الأولين ـ التعاليم التي تضمن حقوق كل الأديان وامتيازاتها على السواء.
هذا، وفي قولكم أن العرب مستعدون أن يحترموا ويعترفوا بجميع معاهداتنا مع رؤساء العرب الآخرين يعلم منه طبعاً أن هذا يشمل جميع البلاد الداخلة في حدود المملكة العربية لأن حكومة بريطانيا لا تستطيع أن تنقض اتفاقات قد أبرمت بينها وبين أولئك الرؤساء.
أما بشأن ولايتي حلب وبيروت فحكومة بريطانيا العظمى قد فهمت كل ما ذكرتم بشأنهما ودونت ذلك عندها بعناية تامة ـ ولكن لما كانت مصالح حليفتها فرنسا داخلة فيهما فالمسألة تحتاج إلى نظر دقيق ـ وسنخابركم بهذا الشأن مرة أخرى في الوقت المناسب.
إن حكومة بريطانيا العظمى كما سبقت فأخبرتكم مستعدة لأن تعطي كل الضمانات والمساعدات التي في وسعها إلى المملكة العربية ولكن مصالحها في ولاية بغداد تتطلب إدارة ودية ثابتة كما رسمتم، على أن صيانة هذه المصالح كما يجب تستلزم نظرا أدق وأتم مما تسمح به الحالة الحاضرة والسرعة التي تجري بها هذه المفاوضات.
وأننا نستصوب تماما رغبتكم في اتخاذ الحذر ولسنا نريد أن ندفعكم إلى عمل سريع ربما يعرقل نجاح أغراضكم ولكنا في الوقت نفسه نرى من الضروري جدا أن تبذلوا مجهوداتكم في جمع كلمة الشعوب العربية إلى غايتنا المشتركة وأن تحثوهم على ألا يمدوا يد المساعدة إلى أعدائنا بأي وجه كان. فإنهم على نجاح هذه المجهودات وعلى التدابير الفعلية التي يمكن للعرب أن يتخذوها لإسعاف غرضنا عندما يجئ وقت العمل تتوقف قوة الاتفاق بيننا وثباته.
وفي هذه الأحوال فإن حكومة بريطانيا العظمى قد فوضت لي أن أبلغ دولتكم أن تكونوا على ثقة من أن بريطانيا العظمى لا تنوي إبرام أي صلح كان إلاّ إذا كان من ضمن شروطه الأساسية حرية الشعوب العربية وخلاصها من سلطة الألمان والأتراك.
هذا وعربون على صدق نيتنا ولأجل مساعدتكم في مجهوداتكم في غايتنا المشتركة فإني مرسل مع رسولكم مبلغ عشرين ألف جنيه.
وأقدم في الختام عاطر التحيات القلبية وخالص التسليمات الودية مع مراسم الإجلال والتعظيم المشمولين بروابط الإلفة والمحبة الصرفة لمقام دولتكم السامي ولأفراد أسرتكم المكرمة.
مع فائق الاحترام .
تحريرا في 8 صفر 1333 الموافق: 14/12/1915
المخلص نائب جلالة الملك بمصر
السير أرثر هنري مكماهون
رسالة حسين بن علي 1 يناير 1916
من الشريف حسين إلى السير هنري مكماهون
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الوزير الخطير الشهم الهمام
بأنامل الإبجال والتوقير تلقينا رقيميكم 9 صفر الجاري برفق حاملهم وعلمت مضمونيهما وأدخلا علينا من الانشراح والارتياح مالا مزيد لإزالتهما ما يختلج بصدري ألا وهو وقوف حضرتك بعد وصول أحمد شريف وحظوته بالجناب بأن كلما أتينا به في الحال والشأن ليس بنا شيء عن عواطف شخصية أو ما هو في معناها مما لا يعقل، وأنها قرارات ورغائب أقوام وأنا لسنا إلاّ مبلغين أو منفذين لها بصفتنا التي ألزمونا بها إذ هذا عندي من أهم ما يجب وقوف شهامة الجناب عليه وعلمه به. أما ما جاء بالمحررات الموقرة فيما يتعلق بالعراق من أمر التعويض مدة الأشغال فلزيادة إيضاح وقول بريطانيا العظمى بصفاتنا في القول والعمل في المادة والمعنى وإعلامها بأكيد اطمئنانا باعتماد حكومتها المفخمة نترك أمر تقدير مبلغه لمدارك حكمتها ونصفتها، أما الجهات الشمالية وسواحلها فما كان في الإمكان من تعديل أتينا به في رقيمنا السابق. هذا وما ذاك إلا للحرص على الأمنيات المرغوب حصولها بمشيئة الله تبارك وتعالى وعن هذا الحس والرغبة هما التي ألزمتنا بملاحظة اجتناب ما ربما أنه يمس حلف بريطانيا العظمى لفرنسا واتفاقهما إبان هذه الحروب والنوازل إلا أننا مع هذا نرى من الفرائض التي ينبغي لشهامة الوزير صاحب الرياسة أن يتيقنها بأن عند أول فرصة تضع فيها أوزار هذه الحروب سنطالبكم بما نغض الطرف عنه اليوم لفرنسا في بيروت وسواحلها ولا أرى لزوما بأن نحيطكم بما في هذا أيضاً من تأمين المنافع البريطانية وصيانة حقوقها هو أهم وأكبر مما يعود إلينا، وأن لابد من هذا على أي حالة كانت ليتم للعظمة البريطانية أن ترى أًخِصَاءَها في البهجة والرونق التي تهتم أن تراهم فيه سيما وأن جوارهم لنا سيكون جرثومة للمشاكل والمناقشات التي لا يمكن معها استقرار الحالة عدى أن البيروتيين بصورة قطعية لا يقبلون هذا الانفصال ويلجئونا على حالات جديدة تهم وتشغل بريطانيا بصورة لا تكون بأقل من اشتغالنا الحالي بالنظر لما نعتقده ونتيقنه من اشتراك المنفعة ووحدتها وحدها وهي الداعية الوحيدة لعدم التفاتنا لسواكم في المخابرات وعليه يستحيل إمكان أي تساهل يكسب فرنسا أو سواها شبرا من أراضي تلك الجهات أصبح بهذا مع اعتماد لكل جوارحي اعتمادا يرثه الحي منا بعد الميت بتصريحاتكم التي ختمتم بها رقيمكم الموقر. وعليه فليعتقد جناب الوزير الخطير ولتعتقد بريطانيا الكبرى أنّا على العزم الذي أشير إليه ويعلمه منا جناب الأريب الكامل استورس التي اقترب وقتها مما تسوقه الأقدار إلينا بكل سرعة ووضوح لتكن حجة لنا وعن رأينا على الاعتراضات والمسؤوليات المقدرة وفي تصريحاتكم بقولكم "وأنا لسنا نريد أن ندفعكم إلى عمل سريع ربما يعرقل نجاح أغراضكم" يغني عن زيادة الإيضاح، ما عدا طلب ما نرى لزومه عند الحاجة من الأسلحة وذخائرها الحربية وما هو في معناها.
وأكتفي بهذا القدر عن أشغال شهامتكم بتقديم وافر احتشاماتي وجزيل توقيراتي لمقام المكرم الموقر.
وحرر في اليوم الخامس والعشرين من صفر الخير 1334 .
جواب السير مكماهون من 25 يناير 1916
من السير مكماهون إلى الشريف حسين القاهرة في 24 ربيع الأول سنة 1334، 30 يناير سنة 1916
تلقينا بسرور كتابكم المؤرخ في 25 صفر بواسطة رسولكم الموثوق به وأطلعنا منه على رسالتكم الشفوية.
وأننا لنقدر حق التقدير الدوافع التي تقودكم في هذه القضية الهامة ونعرف جيداً أنكم تعملون في صالح العرب وأنكم لا ترمون إلى شيء ـ في عملكم ـ غير صالحهم وحريتهم.
وقد عنيت عناية خاصة بملاحظاتكم بشأن ولاية بغداد، وسنبحث هذا الموضوع باهتمام وعناية زائدين عندما تتم هزيمة الأعداء ونصل إلى التسويات السلمية.
أما ما يتعلق بالجهات الشمالية فقد كتبت ملاحظة من رغبتكم في تجنب كل ما من شأنه الإساءة إلى تحالف إنجلترا وفرنسا وسررت جدا بإبداء مثل هذه الرغبة.
وأظنكم تعرفون جيدا أننا مقررون قرارا نهائيا بألا نسمح بأي تدخل ـ مهما قل شأنه ـ في اتفاقنا المشترك في إيصال هذه الحرب إلى الفوز ثم متى انتهت الحرب فإن صداقة فرنسا وإنجلترا ستقوى وتشتد، وهما اللتان بذلتا الدماء الإنجليزية والفرنسية جنبا في سبيل الدفاع عن الحقوق والحريات.
والآن وقد قررت البلاد العربية أن تشترك معنا في الدفاع عن الحقوق وتعمل معنا في سبيل القضية الهامة فإننا لنرجو الله أن تكون نتيجة هذه الجهود المشتركة وهذا التعاون الوطيد، صداقة دائمة، تعود على الجميع بالسرور والغبطة.
وقد سررنا جدا للحركة التي تقومون بها لإقناع الشعب بضرورة الانضمام إلى حركتنا والكف عن مساعدة أعدائنا. ونترك لفطنتكم وتقديراتكم تقرير الوقت المناسب، لاتخاذ تدابير أوسع من هذه.
رسالة حسين بن علي من 14 فبراير 1916
من الشريف حسين إلى السير هنري مكماهون 14 فبراير سنة 1916
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرة ذو الأصالة فخامة نائب جلالة الملك دام مرعيا
أما بعد فبأيدي التوقير والاحتشام تلقينا رقيم الفخامة المؤرخ 25 ربيع أول، وأن مضامينه أدخلت علينا مزيد الارتياح والسرور لحصول التفاهم المطلوب والتقارب المرغوب لأسأل الله أن يسهل المقاصد وينجح المساعي. ومن الإيضاحات الآتية نفهم الفخامة الأعمال الجارية والأسباب المقتضية:
أولاً ـ قد أعلمنا فخامتكم بأنا بعثنا بأحد أنجالنا إلى الشام ليرأس ما يقتضي عمله هناك، ولقد ظفرنا منه بتقرير مفصل يفيد به أن اعتسافات الحكومة هناك لم تبق من الأشخاص الذين نعتمد عليهم في الأمر سواء كانوا من الجند على اختلاف مراتبهم أم ممن لم يكونوا من ذلك الصنف إلا القليل مما كان في الدرجة التالية، وأنه ينتظر وصول القوات المعلن بقدومها من مواقع مختلفة أخصها من أهالي البلاد وما جاورها من الأقطار العربية كحلب وجنوب الموصل والمشاع بان عددها ما ينوف عن المائة ألف على ما يزعمون. وأنه لابد يؤمل إن كانت الأكثرية من القوة المذكورة من العرب فهو عازم على إجراء الحركة والقيام بهم، وإن كان العكس يعني الأكثرية من الأتراك وسواهم فسيناظر تقدمهم نحو الترعة وعند اشتباك الحرب حركته بهم عندما يريدون.
ثانيا ـ عزمنا على إرسال نجلنا الكبير إلى المدينة المنورة بقوة كافية ليكون رداءاً لأخيه الذي بالشام ولكل احتمال واستيلائه على الخط الحديد وما هو في معنى ذلك مما تظهره الشؤون. وهذا هو المبدأ للحركة الأساسية المكتفين في مبادئها بما جندناه برسم المحافظة على راحة داخلية البلاد وبأهل الحجاز أهل المركز فقط لأسباب يطول شرحها:
(أولا) تعسر إحضار لوازمهم بصورة تجعل المشروع في حيز الكتمان، مع عدم الضرورة على ذلك وسهولة جلب الإمدادات عند الحاجة، هذا خلاصة ما رغبتم في الجواب عليه والاستفهام عنه. وفي ظني أن فيه الكفاية واتخاذه أساسا وقياسا في أعمالنا أمام كل التبدلات والطوارئ التي تسير حسب الحالة.
بقى علينا بيان ما نحتاجه والحالة هذه هو :
أولا ـ مبلغ خمسين ألف جنيه ذهبا لمشاهرة القوات المجندة ونحوها مما ضرورته تغني عن بيانه. فالرجا إحضارها بوجه السرعة الممكنة.
الثاني ـ إحضار عشرين ألف كيس أرز وخمسة عشر ألف دقيق وثلاثة آلاف شعير ومائة وخمسين كيس بن قهوة ومثلها سكر ومقدار خمسة آلاف بندقية من الطراز الجديد وما تحتاجه النسبة لها من المرميات وأيضا مقدار مائة صندوق من النوع المرسل منه مرميتين طيه. ومن مرميات بواريد مارتن هنري وبارودات غرا أعني بواريد معمل سانت أتين الفرنسية لاستعمال هذين الصنفين في بواريد أي بندقيات قبائلنا ولا بأس من جعل لكل نوعهما خمسمائة صندوق.
الثالث ـ أنا استنسبنا مركز سوقيات هذه المواد المرغوبة يكن بور سودان.
الرابع ـ بالنظر لكون المواد الغذائية واللوازمات الحربية الموضحة أعلاه لا حاجة لنا بها إلاّ عند ابتداء الحركة، وسنبلغكم إياها بصورة رسمية تبقى في الموضع المذكور وعند الحاجة إليها يبلغ أمير الجهة المذكورة وقائدها بالمواقع التي يقتضي سوقها إليها والوسائط التي سيكونون حاملين الوثائق بتسليمها إياهم.
الخامس ـ النقود المطلوبة يقتضي إرسالها في الحال إلى أمير بور سودان، وسيرده من طرفنا معتمد يتسلمها أما دفعة أو دفعتين على حسب استطاعته. وهذه علامة اعتماد الرجل.
السادس ـ مندوبنا في قبض المبالغ المذكورة سيتوجه إلى بور سودان بعد ثلاثة أسابيع، يعني يكون وصوله إليها في 5 من جماد الأول حامل كتاب منا باسم الخواجة إلياس أفندي وأنه يصرف له بموجبه ما لديه من إيجارات أملاكنا والإمضاء صراحة باسمنا، غير أننا معدينه يسأل عن عائد الموقع وأميره، فأنتم تخبروهم عن ذلك الشخص وبمراجعته يجري له ما يقتضي من صرف ما لديهم بشرط ألا يبحثوا معه في أي موضوع كان مؤكدين غاية التأكيد في عدم المظاهرة له وكتمان أمره ومعاملته في الظاهر بأنه لا شيء، لا يظن أن ثقتنا للشخص الأخير من اعتماد الأول حامله هذا لا بل لعدم ضياع الوقت لتعييننا له خدمة في جهة ثانية، مع تكرر رجاءنا بعدم إركابه وإبعاثه في بابور أو في شيء من هذه الرسميات فإن وسائطه كافية.
السابع ـ مندوبنا حامل هذا أكدنا عليه بالاكتفاء بإيصال هذا وأظن أن مأموريته في هذا الدور تمت، حيث أن الحالة علمت أساساتها وفروعها فلا حاجة في بعث شخص آخر، إذ أن اللزوم للمخابرة يكن منا، ولا سيما أن مندوبنا الأخير سيردكم بعد ثلاثة أسابيع يمكن في ظرفها إفادتنا بما يلزم له الحال وألا يعامل في الصورة الظاهرة إلا معاملة بسيطة.
الثامن ـ تعهد الحكومة البريطانية العظمى قبول هذه المصاريف الحربية بموجب الدفاتر التي تقدم إليها ببيان الوجهة التي صرفت فيها. وبالختام أهديكم أشواقي التي لا تعد واحتشامي الذي ليس له حد.
14 ربيع الآخر 1334 .
جواب السير مكماهون من 10 مارس 1916
من السير هنري مكماهون إلى الشريف حسين
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى ساحة ذلك المقام الرفيع ذي الحسب الطاهر والنسب الفاخر قبلة الإسلام والمسلمين معدن الشرف وطيب المحتد سلالة مهبط الوحي المحمدي الشريف ابن الشريف صاحب الدولة السيد الشريف حسين بن علي أمير مكة المعظم زاده الله رفعة وعلاء آمين.
بعد ما يليق بمقام الأمير الخطير من التبجلة والاحتشام وتقديم خالص التحية والسلام وشرح عوامل الألفة وحسن التفاهم والمودة الممزوجة بالمحبة القلبية أرفع إلى دولة الأمير المعظم أننا تلقينا رقيمكم المؤرخ 14 ربيع الآخر 1334 من يد رسولكم الأمين، وقد سررنا لوقوفنا على التدابير الفعلية التي تنوونها وأنها لموافقة في الأحوال الحاضرة.
وان حكومة جلالة ملك بريطانيا العظمى تصادق عليها.
وقد يسرني أن أخبركم بأن حكومة جلالة الملك صادقت على جميع مطالبكم وأن كل شيء رغبتم الإسراع فيه وفي إرساله فهو مرسل مع رسولكم حامل هذا والأشياء الباقية ستحضر بكل سرعة ممكنة وتبقى في بور سودان تحت أمركم لحين ابتداء الحركة وإبلاغنا إياها بصورة رسمية (كما ذكرتم) وبالمواقع التي يقتضي سوقها إليها والوسائط التي يكونون حاملين الوثائق بتسليمها إياهم.
إن كل التعليمات التي وردت في محرركم قد أعلمنا بها محافظ بور سودان وهو سيجريها حسب رغبتكم ـ وقد عملت جميع التسهيلات اللازمة لإرسال رسولكم حامل خطابكم الأخير إلى جزان حتى يؤدي مأموريته التي نسأل الله أن يكللها بالنجاح وحسن النتائج وسيعود إلى بور سودان وبعدها يصلكم بحراسة الله ليقص على مسامع دولتكم نتيجة عمله.
وننتهز الفرصة لنوضح لدولتكم في خطابنا هذا ما ربما لم يكن واضحا لديكم أو ما عساه ينتج سوء تفاهم، ألا وهو أنه يوجد بعض المراكز أو النقط المعسكرة فيها بعض العساكر التركية على سواحل بلاد العرب يقال أنهم يجاهرون بالعداء لنا والذين هم يعملون على ضرر مصالحنا الحربية البحرية في البحر الأحمر. وعليه نرى أنه من الضروري أن نأخذ التدابير الفعالة ضدهم ولكننا قد أصدرنا الأوامر القطعية انه يجب على جميع بوارجنا أن تفرق بين عساكر الأتراك الذين يبدؤون بالعداء وبين العرب الأبرياء الذين يسكنون تلك الجهات، لأننا لا نقدم للعرب أجمع إلا كل عاطفة ودية.
وقد أبلغنا دولتكم ذلك حتى تكونوا على بينة من الأمر إذا بلغكم خبرا مكذوبا عن الأسباب التي تضطرنا إلى أي عمل من هذا القبيل. وقد بلغنا إشاعات مؤداها أن أعداءنا الألداء باذلون جهدهم في أعمال السفن ليبثوا بها الألغام في البحر الأحمر ولإلحاق الأضرار بمصالحنا في ذلك البحر، وأنا نرجوكم سرعة إخبارنا إذا تحقق ذلك لديكم.
وقد بلغنا أن ابن الرشيد قد باع للأتراك عددا عظيما من الجمال، وقد أرسلت إلى دمشق الشام، ونأمل أن تستعملوا كل ما لكم من التأثير عليه حتى يكف عن ذلك، وإذا صمم على ما هو عليه أمكنكم عمل الترتيب مع العربان الساكنين بينه وبين سوريا أن يقبضوا على الجمال حال سيرها، ولا شك أن في ذلك صالح لمصلحتنا المتبادلة.
وقد يسرني أن أبلغ دولتكم أن العربان الذين ضلوا السبيل تحت قيادة السيد أحمد السنوسي وهم الذين أصبحوا ضحية دسائس الألمان والأتراك قد ابتدؤوا يعرفون خطأهم وهم يأتون إلينا وحدانا وجماعات يطلبون العفو عنهم والتودد إليهم. وقد والحمد لله هزمنا القوات التي جمعها هؤلاء الدساسون ضدنا. وقد أخذت العرب تبصر الغش والخديعة التي حاقت بهم.
وأن لسقوط أرضروم من يد الأتراك وكثرة انهزاماتهم في بلاد القوقاز تأثير عظيم، وهو في مصلحتنا المتبادلة وخطوة عظيمة في سبيل الأمر الذي نعمل له وإياكم.
ونسأل الله عز وجل أن يكلل مساعيكم بتاج النجاح والفلاح وان يمهد لكم في كامل أعمالكم أحسن السبل والمناهج.
وفي الختام ، أقدم لدولتكم ولكامل أفراد أسرتكم الشريفة عظيم الاحترامات وكامل ضروب المودة والإخلاص مع المحبة التي لا يزعزعها كر العصور ومرور الأيام.
تحريرا في 6 جماد الأولى 1334 الموافق 10 مارس 1916
كتبه المخلص السير أرثر هنري مكماهون
نائب جلالة الملك بمصر
0 التعليقات:
إرسال تعليق