موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (9)


أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (9)
رضوان محمود نموس
نتحدث في هذه الحلقة عن رأي محمد عمارة بالزنادقة وأعداء الإسلام وكيف يراهم من المجتهدين المجددين الأبطال هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر:  (الجزيرة نت) 3/11/2010
كان موقف محمد عمارة -ولا يزال- ثابتاً في هذا المضمار. فلم تبق فرقة ضالة منحرفة إلا وجند نفسه للمنافحة عنها والدفاع عن ضلالها, ولم يبق زنديق على مرّ التاريخ إلا ووقف يناضل دونه, ويذود عنه, ويثني عليه, ويكيل له المديح. وسنعرج بالذكر على أهم الفرق الضالة أولاً ثم نأتي على ذكر زنادقته :
·        غيلان الدمشقي:
عندما يُعَنوِن له في كتابه (مسلمون ثوار) يقول: [استشهد بعد سنة 106.-ويقول عنه-: غيلان الدمشقي إذا شئنا أن نلخص حياته والعطاء الذي قدمته نفسه في هذه الحياة في كلمات شديدة الإيجاز استطعنا أن نقول إنه كان موقفا ثوريا من كل سلبيات الحياة في العصر الذي عاش فيه ]([1]).
 ويقول عن المجتمع الذي عاش فيه غيلان، وهو الدولة الأموية أيام عمر بن عبد العزيزرحمه الله ومَن قبله، يقول إن المجتمع تحول إلى: [ مجتمع إقطاعي أصبح امتداداً للقيصرية البيزنطية في دمشق الشام رغم الثياب الإسلامية التي حرص الأمويون على بقائها زاهية كي تستر ما تحتها من تحولات ومضامين غريبة عن روح الإسلام ]([2]).
ويقول: [ إن غيلان الدمشقي عندما كان يكتب ويخطب ويعظ مطالباً الناس بأن يتطابق قولهم مع فعلهم وسلوكهم مع فكرهم ونظريتهم التي يؤمنون بها مع التطبيق الذي يمارسون تجسيده في الحياة وخاصة بين العلماء الذين يتصدرون للهداية ]([3]).
ثم يلخص رأي غيلان فيقول: [ لأن هذه المعرفة الأولى التي يصل بها العقل الإنساني إلى تصور ذات الحق ليست وليدة الدين والرسالات السماوية، بل هي ثمرة النظر العقلي ]([4]).
 ثم يقول: [ فخالف الذين يريدون حصر منصب الإمامة في قريش... ومن هنا كان انحياز غيلان الدمشقي إلى فكرة العدل ومناداته بأن الإنسان حرّ مختار مريد مستطيع وخالق لأفعاله. كان موقفه هذا موقفاً ثورياً ]([5]).
وغيلان هذا قد أفتى الإمام الأوزاعي بقتله كفراً، وقال الذهبي: غيلان بن أبي غيلان المقتول في القدر([6]). وقال الساجي: كان قدرياً داعية دعا عليه عمر بن عبد العزيز فقُتل وصُلب, وكان غير ثقة ولا مأمون، كان مالك ينهى عن مجالسته([7]). وقال محمد بن عمر الرازي([8]): الفصل الثاني في فرق المعتزلة: اعلم أنهم سبع عشرة فرقة. الفرقة الأولى: الغيلانية أتباع غيلان الدمشقي. وهؤلاء يجمعون بين الاعتزال والإرجاء, وغيلان هذا هو الذي قتله هشام بن عبد الملك سابع خلفاء بني مروان([9]).
وقال عضد الدين الإيجي([10]):

[ أبو مروان غيلان الدمشقي, وأبو شمر, ويونس بن عمران, والفضل الرقاشي, وهؤلاء كلهم اتفقوا على أنه تعالى لو عفا في القيامة عن عاصٍ لعفا عن كل من هو مثله, وكذا لو أخرج واحداً من النار لأخرج كل من هو مثله, ولم يجزموا بخروج المؤمنين من النار, واختص غيلان من بينهم بالقدر إذ قد جمع بين الإرجاء والقول بالقدر أي إسناد الأفعال إلى العباد ]([11]).
وقال طاهر بن محمد الإسفراييني:
[غير أن فريقاً منهم وافقوا القدرية في القول بالقدر مثل: غيلان الدمشقي, وأبي شمر المرجئ, ومحمد بن شبيب البصري... فيستحقون اللعن من وجهين: من جهة القول بالإرجاء, ومن جهة القول بالقدر. ووافق فريق منهم الجهمية في القول بالجبر, فجمعوا بين دعوى الجبر والإرجاء ]([12]).
وأورد ابن عساكر في تاريخ دمشق:
[ عن يحيى بن مسلم قال: أتيت بيت المقدس للصلاة فيه, فلقيت رجلاً, فقال: هل لك في إخوان لك؟ قلت: نعم... قال: انطلق فانطلقت معه حتى أدخلني سرباً فيه غيلان والحارث الكذاب في أصحاب له, ورجل يقول لغيلان: يا أبا مروان ما فعلت الصحيفة التي كنا نقرؤها بالأمس؟ قال: عرج بها إلى السماء فأحكمت ثم أهبطت, فقلت: إنّا لله ما كنت أرى أني أبقى حتى أسمع بهذا في أمة محمد.      
وحدثنا محمد بن شعيب قال: سمعت الأوزاعي يقول: أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له سوسر, كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر, فأخذ عنه معبد الجهني, وأخذ غيلان عن معبد. ورواه غيره فقال سوسن.     
قال غيلان لربيعة: يا أبا عثمان أيرضي الله عز وجل أن يُعصى؟ فقال له ربيعة: أفيعصى قَسراً ]([13]). 
وقال أبو جعفر الخطمي: [شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه في القدر, فقال له: ويحك يا غيلان إنك إن أقررت بالعلم خُصمت, وإن جحدته كَفرت, وإنك إن تقرَّ به فتُخصم خير لك من أن تجحد فتكفر, ثم قال له: أتقرأ ياسين؟ فقال: نعم. قال: اقرأ. قال: فقرأ { يس والقرآن الحكيم }.. إلى قوله{  لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } قال: قف. كيف ترى؟ قال: كأني لم أقرأ هذه الآية يا أمير المؤمنين. قال: زِد, فقرأ { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مـقمـحـون % وجـعلنـا من بين أيديهم  سـداً ومن خلفـهم  سـداً } فقال له عمر: قل { سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون % وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } قال: كيف ترى؟ قال: كأني لم أقرأ هذه الآيات قط, وإني أعاهد الله أن لا أتكلم في شيء مما كنت أتكلم فيه أبداً. قال: اذهب, فلما ولَّى قال: اللهم إن كان كاذباً بما قال فأذقه حرَّ السلاح. قال: فلم يتكلم زمن عمر, فلما كان يزيد بن عبد الملك كان رجل لا يهتم بهذا ولا ينظر فيه, قال: فتكلم غيلان, فلما ولِي هشام أرسل إليه, فقال له: أليس قد كنت عاهدت الله لعمر لا تتكلم في شيء من هذا أبداً, قال: أقلني فوالله لا أعود, قال: لا أقالني الله إن أقلتك, ...وعن رجاء بن حيوة([14]) أنه كتب إلى هشام بن عبد الملك أمير المؤمنين: بلغني أنه دخلك من قِبل غيلان وصالح, فأقرُّ بالله لقتلهما أفضل من قتل ألفين من الترك والديلم]([15]).
هذا هو غيلان الذي يمدحه عمارة ويصفه بالثورية.
q       ابن رشد (الفيلسوف):
يقول عمارة: [ وتتداعى أيضاً ذكريات المحنة التي امتحن بها واحد من أعظم فلاسفة الإسلام ومفكريه هو أبو الوليد ابن رشد 520-595 هـ 1126-1198م عندما حُرِّمت فلسفته وجُرِّمت أراؤه وأُحْرِقَت مؤلفاته ونفي سنة  1195م... كل ذلك لأسباب سياسية وجدت مبررات في السلطة الدينية التي قرر نفر من الفقهاء ذوي الأفق الضيق والفكر غير المستنير ]([16]).
وابن رشد هو : محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ويعرف " بالحفيد " أي حفيد الفقيه المالكي محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، ولد قبل موت جده بشهر سنة 520 هـ .
[كان ابن رشد شديد الإعجاب بأرسطو([17]) يعده المثل الأعلى للإنسان ، بل  النموذج المتكامل للإنسانية جمعاء ، يذكره في كل مناسبة ، ويقول عنه أنه جمع من العلوم مالا يجتمع عند بشر ، بل أنه ملك إلهي ، وأن القدماء كانوا لذلك يسمونه أرسطو الإلهي ، ويرى ابن رشد أن العناية الإلهية هي التي أرسلت أرسطو ليعلمنا ما يمكن علمه ، أما الباقي فلا يدركه سواه ]([18]).
[ولما كان المنصور صاحب المغرب بقرطبة استدعى ابن رشد واحترمه كثيرا ثم نقم عليه لأجل الفلسفة . له شرح أرجوزة ابن سينا في الطب والمقدمات .. وكتاب جوامع كتب أرسطوطاليس و"شرح كتاب النفس" و "كتاب في المنطق" وكتاب "تلخيص الإلهيات" لنيقولاس وكتاب "تلخيص ما بعد الطبيعة " لأرسطو ، وكتاب "تلخيص الاستقصان " لجالينوس .
ولخص كتاب "المزاج" وكتاب "القوى" وكتاب "العلل" وكتاب التعريف وله كتاب تهافت التهافت وكتاب "شرح القياس" لأرسطو ومقالة في العقل ... قال شيخ الشيوخ ابن حموية لما دخلت البلاد سألت عن ابن رشد فقيل إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب لا يدخل إليه أحد لأنه رفعت إليه أقوال رديَّة ونسبت إليه العلوم المهجورة ومات محبوسا بداره بمراكش في أواخر سنة 594 ]([19]).
[ ويذكر الأنصاري نقلاً عن أبي الحسن الرعيني أن من الأمور التي أخذت على ابن رشد أنه حين شاع في المشرق والأندلس أن ريحاً عاتية تهب في يوم كذا وكذا ... تكلم ابن رشد وابن نبدود في شأن هذه الريح من جهة الطبيعة وتأثيرات الكواكب . قال شيخنا أبو محمد عبد الكبير : وكنت حاضراً فقلت في أثناء المفاوضة إن صح أمر هذه الريح فهي ثانية الريح التي أهلك الله تعالى بها قوم عاد ، إذ لم تعلم ريح بعدها يعم إهلاكها .
فانبرى إليَّ ابن رشد ، ولم يتمالك أن قال : والله وجود قوم عاد ما كان حقاً . فكيف سبب إهلاكهم !
فسقط في أيدي الحاضرين وأكبروا هذه الزلة التي لا تصدر إلا عن صريح الكفر والتكذيب لما جاءت به آيات القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه]([20]).
ويقرر ابن رشد أن تعلم الفلسفة واجب شرعي ، يقول عبد الرحمن بدوي بعد عرض آراء ابن رشد وأقواله : [ وينتهي ابن رشد من هذا كله إلى تقرير أن النظر في كتب القدماء واجب بالشرع ]([21]).
[ ويرى ابن رشد كما رأى أرسطو أن العالم قديم ليس له بداية ويتفرع عن ذلك أن العالم كما أنه أزلي لا بداية لوجوده فهو أبدي لا نهاية لآخره ، ولا يتصور فساده وفناؤه، بل لم يزل كذلك ولا يزال أيضا كذلك ]([22]).
رأي ابن رشد في حشر الأجساد :
قال عبد الرحمن بدوي :[ وابن رشد في رده على الغزالي لا يتناول أقوال الغزالي واحدا بعد واحد كما فعل في المسائل التسع عشر الأخرى بل يضع تعليقا عاما هو أنه لم يتناول واحدا من الفلاسفة المتقدمين هذه المسألة بالبحث وليس لهم فيها قول ، إنما وردت هذه الأقوال في الأديان والشرائع والفلاسفة يرون أن الشرائع ضرورية لأنها تنحو نحو تبرير الناس ليصل الإنسان إلى سعادته الخاصة ولبث الفضائل الخلقية في الإنسان .. ويرون مع هذا أنه لا ينبغي أن يتعرض بقول مثبت أو مبطل في مبادئها العامة مثل هل يجب أن يعبد الله أو لا يعبد ؟ وأكثر من ذلك هل هو موجود أم ليس موجود ؟ وكذلك يرون في سائر مبادئه مثل القول في وجود السعادة الأخيرة وكيفيتها ، لأن الشرائع كلها اتفقت على وجود أخروي بعد الموت وإن اختلفت في صفة ذلك الوجود ).
...وينبه ابن رشد إلى أن الاعتقادات التي وردت بها الشرائع في أمور الآخرة  وإن لم يتناولها البرهان العقلي والفلاسفة لم يتعرضوا لها فإنها أحث على الأعمال الفاضلة مما قيل في غيرها ولذلك كان تمثيل المعاد لهم – أي الناس _ بالأمور الجسمانية أفضل من تمثيله بالأمور الروحانية ]([23]).
ويقول الأستاذ خليل شرف الدين :[ لابن رشد رأي غريب في مسألة الحشر فبعد أن أوَّل وتساهل وتهرب من الإجابة الصريحة خرج علينا برأي مستهجن قائلا : ( لأن الحشر الجسماني هو للعامة : أي أنهم يجب أن يؤمنوا به ... ولكن ابن رشد يترك هذا لعامة المسلمين ، أما المشتغلون بالحكمة فلهم أن يؤولوا هذه الآيات ومثيلاتها تأويلا مجازيا، ولهم أن يعتقدوا مثله بحشر الأرواح وحدها وبشكل جماعي لا إفرادي فظاهر الدين إذاً فرض على الجمهور وباطنه فرض على الفلاسفة]([24]).
رأي ابن رشد في صفات الله :
يقول :[ فهو عقل واحد بسيط حي عليم ، فهو عليم لأنه يعقل ذاته ، وهو حي لأنه عمل العقل حياة ، وهو بسيط بمعنى أنه لا ينقسم إلى قوة وإلى فعل ]([25]).
قال محمد لطفي جمعة في كتابه تاريخ فلاسفة الإسلام في الشرق والغرب :[ إن تعاليم ابن رشد تشبه بصفة عامة لا تخرج عن فلسفة أرسطو مضافا إليها نظريات من الأفلاطونية المستحدثة ]([26]).
 رأي ابن رشد في خلق الإنسان:
[النظرية الأولى: تقول بحرية علة العلل وبأن لها مميزات تحددها وتعينها وأن للعناية ما لها من القدرة في تدبير العالم وتشرح سبب خلق الكون وغايته ونهايته وتقول بأن النفس الإنسانية كائن مادي خالد .
والنظرية الثانية: تقول بأن المادة أزلية وأن أصل الحياة جرثومة ، تتطور بفعل قوتها الكامنة وأن علة العلل غير محدودة ، وأن للطبيعة قوانين لا بد من نفوذها ، وأن الضرورة من قوانين الكون , وأن للعقل وجودا غير مستقل.
وقد كان من نصيب فلاسفة الإسلام أن انتحلوا النظرية الثانية . وكان الفضل في إظهارها وتفسيرها ودعمها لابن رشد أكثر من غيره ، وهو كما أسلفنا ثالث العلمين ابن سينا والغزالي , وإذا أمعنا النظر في المذهبين السالفين نرى أن أولهما مذهب الخلق ، وثانيهما مذهب التطور والارتقاء . وكان من حسن الحظ (كذا) أن ابن رشد دحض نظرية الخلق ونقضها، وأيد نظرية التطور وقال بها، ومن مستلزماتها القول بأزلية المادة وضرورتها ، وأنها أصل الكائنات وأنها لا بد ولا غنى عنها . ]([27]).
رأي ابن رشد في العقل والنفس والآخرة وما إلى ذلك:
عندما يتكلم ابن رشد عن العقل العام يقصد به عقل الإنسانية ، أي عقل الإنسان نوع الإنسان ويعبر عن عقل الإنسان الفرد "بالعقل المستفاد" أو "العقل المنفصل" أو "العقل بالملكة" وتكلم في إمكانية اتحاد العقل المنفصل بالعقل العام .
[ فقال إن العقل بالملكة يدرك العقل الفعال العام ، وأن العكس مستحيل لأن العقل الفعال العام لو أدرك العقل بالملكة، أي العقل الإنساني لطرأ عليه حادث وحيث أن العقل الفعال العام مادة أبدية وليست عرضة للطوارئ فالعقل الإنساني هو الذي يدرك العقل العام، أي أنه يرفع ذاته إلى العقل العام، ويتحد به، مع كونه قابلا للفناء ومع بقائه كذلك ، فيتولد منه استعداد جديد يمكّنه من إدراك العقل العام، فمثل العقل العام كالنار، والعقل الإنساني هشيم يشتعل، ويتحول لهباً بقربه من النار، وهذا هو الاتصال المباشر . ]([28]).
[ ومعنى هذا أن ابن رشد كان يقصد بوحدة النفوس القول بأن الإنسانية تعيش عيشة دائمة وأن خلود العقل الفعال هو إحياء دائم للإنسانية واستمرار دائم للمدنية ، وهنا نلفت نظر الباحثين إلى الاتفاق التام بين هذا القول وبين نظرية "أوجست كومت" في خلود الإنسانية وبقائها تلك النظرية التي أدت إلى وضع دين للإنسانية فأقيمت له معابد في بعض ممالك الغرب.
يقول ابن رشد مستمرا في نظرية وحدة النفوس : أن العقل كائن مطلق مستقل عن الأفراد كأنه جزء من الكون وأن الإنسانية وهي أحد أفعال هذا العقل عبارة عن كائن لازم الوجود أزلي... وأعظم نقط الوصول بلوغ العقل الإنساني أعلى درجات السمو الفكري والعلمي، وأن اتصال الإنسان بواجب الوجود ممكن إذا تمكن الإنسان من رفع النقاب عن وجه الحقيقة...ويقول بأن غاية الإنسان انتصار أرقى أجزاء نفسه على حواسه . فمن بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الجنة مهما كانت عقيدته ]([29]).
[ وقال بأن العقل الفعال وحده خالد وأنه هو العقل العام للإنسانية فالإنسانية وحدها خالدة ]([30]).
وقال :[ أن الإنسان لا يثاب ولا يعاتب إلا في الحياة الدنيا ]([31]).
ويقول :[ إن الذي دعا واضعي الأديان إلى القول بالبعث اعتقادهم بقوته في إصلاح البشر وحثهم على الفضيلة حبا في المنفعة الذاتية ]([32]).
أما عن بدء الخليقة وهل هي محدثة أو لا [ فقد أخذ فعلا يبين تقسيم الموجودات من حيث القدم والحدوث إلى ثلاثة أقسام ثم طرق من حيث يدري باب البحث في الزمان على طريقة الأقدمين وأظهر الفرق بين أفلاطون القائل بأن الماضي متناه وهذا الذي انتحله المتكلمون ، أما أرسطو وشيعته فيرون أن الماضي غير متناه كالحال في المستقبل غير المتناهي ، واستنتج من ذلك أنه لا يوجد محدث حقيقي ولا قديم حقيقي ، لأن المحدث الحقيقي فاسد ضرورة ، والقديم الحقيقي ليس له علة ، ثم ضرب الضربة الأخيرة فقال:(فالمذاهب في العالم ليست تتباعد كل التباعد حتى يكفر بعضها ولا يكفر)]([33]).
ونتيجة لأقوال ابن رشد التي تتصادم مع الإسلام والتي في غالبها كفر بواح أو تؤدي إلى الكفر وخاصة قوله أن الزهرة أحد الآلهة ، وإنكاره وجود قوم عاد وهلاكهم بالريح رفع الفقهاء أمره إلى الخليفة [ فأحضر وأصحابه إلى المسجد الجامع الأعظم بقرطبة ونهض القاضي أبو عبد الله بن مروان وألقى خطبة هي أشبه الكلام بمرافعة المدعي العام ]([34]).
[ ثم قام الخطيب أبو علي بن حجاج وعرف الناس من أن ابن رشد وصحبه قد مرقوا من الدين وخالفوا عقائد المؤمنين ]([35]).
وأصدر الخليفة مرسوماً تحذيرياً من ابن رشد وكتبه وفلسفته ومن هو على شاكلته.
ومما جاء بالمرسوم:
 [ قد كان في سالف الدهر قوم خاضوا في بحور الأوهام ، وأقر لهم عوامهم بشفوف علمهم في الأفهام، حيث لا داعي يدعو إلى الحي القيوم ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعلوم ، فخلدوا في العالم صحفا مالها من خلاق ، مسودة المعاني والأوراق، بعدها من الشريعة بعد المشرقين ، وتباينها تباين الثقلين ، يوهمون أن العقل ميزانها، والحق برهانها، وهم يتشعبون في القضية الواحدة فرقا، ويسيرون فيها شواكل وطرقا، ذلك بأن الله خلقهم للنار وبعمل أهل النار يعملون ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون ! ونشأ منهم في هذه الحجة البيضاء شياطين انس يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون , يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون,  فكانوا عليها أضر من أهل الكتاب وابعد عن الرجعة إلى الله والمآب , لأن الكتابي  يجتهد في ضلال ويجد في كلال وهؤلاء جهدهم التعطيل و قصاراهم التمويه و التخييل دبت عقاربهم في الآفاق برهة من الزمان إلى أن أطلعنا الله سبحانه منهم على رجال كان الدهر قدمنا لهم على شدة حروبهم و أعفى عنهم سنين على كثرة ذنوبهم وما أملى لهم إلا ليزدادوا إثماً, وما أمهلوا إلا ليأخذهم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما .
(( وما زلنا ـ وصل الله كرامتكم ـ نذكرهم على مقدار ظننا فيهم وندعوهم على بصيرة إلى ما يقربهم إلى الله سبحانه ويدنيهم فلما أراد الله فضيحة عمايتهم وكشف غوايتهم وُقف لبعضهم على كتب مسطورة في الضلال موجبة أخذ كتاب صاحبها بالشمال ظاهرها موشح بكتاب الله وباطنها مصرح بالإعراض عن الله لبس منها الإيمان بالظلم, وجئ منها بالحرب الزبون في صورة السلم, مزلة للأقدام , وهَم يدب في باطن الإسلام, أسياف أهل الصليب دونها مغلولة وأيديهم عما يناله هؤلاء مفلولة فإنهم يوافقون الأمة في ظاهرهم وزيهم ولسانهم ويخالفونهم بباطنهم وغيهم وبهتانهم فلما وقفنا منهم على ما هو قذى في جفن الدين , ونكتة سوداء في صفحة النور المبين , نبذناهم في الله نبذ النواة وأقصيناهم حيث يقصى السفهاء من الغواة وأنقضناهم في الله كما أنا نحب المؤمنين في الله وقلنا اللهم إن دينك هو الحق اليقين وعبادك هم الموصوفون بالمتقين وهؤلاء قد صرفوا عن آياتك وعميت أبصارهم وبصائرهم عن بيناتك فباعد أسفارهم وألحق بهم أشياعهم حيث كانوا وأنصارهم  ولم يكن بينهم إلا قليل وبين الإلمام بالسيف في مجال ألسنتهم والإيقاظ بحده من غفلتهم وسِنتهم ولكنهم وقفوا بموقف الخزي والهون ثم طردوا عن رحمة الله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون
(( فاحذروا وفقكم الله هذه الشرذمة على الإيمان حذركم من السموم السارية في الأبدان ومن عُثر له على كتاب من كتبهم فجزاؤه النار التي بها يعذب أربابه وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه ومآبه ومتى عثر منهم على مُجِدٍ في غلوائه عمٍ عن سبيل استقامته واهتدائه فليعاجل فيه بالتثقيف والتعريف ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ! وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون . أولئك الذين حبطت أعمالهم أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون والله تعالى يطهر من دنس الملحدين أصقاعكم ويكتب في صحائف الأبرار تضافركم على الحق واجتماعكم أنه منعم كريم !]([36])
هذا هو المفكر الفيلسوف الذي يصفه عمارة بالإسلامي، ولقد اطّلع القارئ الكريم على شيء من كفره وزندقته ولولا خشية الإطالة لأتينا بالمزيد وابن رشد يشكل ثالث الأثافي لقدر الكفر مع ابن سينا والفارابي.



[1] - مسلمون ثوار، ص /  142.
[2] - مسلمون ثوار ، ص / 142.
[3] - مسلمون ثوار ، ص / 143.
[4] - مسلمون ثوار ، ص / 144.
[5] - مسلمون ثوار ، ص/  145.
[6] - ميزان الاعتدال (3 / 238).
[7] - لسان الميزان لابن حجر العسقلاني (4 / 424).
[8]  - هو محمد بن عمر بن الحسين من طبرستان ولد سنة 544هـ بالري، قال الإمام الذهبي عنه في ميزان الاعتدال: الفخر بن الخطيب صاحب التصانيف، رأس في الذكاء والتعليقات، لكنه عري من الآثار، وله تشكيكات على مسائل من دعائم الدين تورث حيرة، نسأل الله أن يثبت الإيمان في قلوبنا. وله كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم، سحر صريح. مات سنة 606هـ.
[9] - اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (1 / 40).
[10]  - عضد الدين الإيجي: (ت: 756هـ) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار أبو الفضل عضد الدين الإيجي، من أهل "إيج" بفارس، من تصانيفه: المواقف في علم الكلام، العقائد العضدية، شرح مختصر ابن الحاجب، أشرف التواريخ. مات مسجونا في كرمان.
[11] - المواقف للإيجي (3 / 708).
[12] - التبصير في الدين للإسفراييني (1 / 97).
[13] - اعتقاد أهل السنة - للالكائي (4 / 668).
[14]  - هو رجاء بن حيوة بن جرول الكندى أبو المقدام شيخ أهل الشام في عصره من الوعاظ الفصحاء العلماء.. ولد رجاء بن حيوة في القرن الأول الهجرى ،عرف بملازمته لعمر بن عبد العزيز طوال خلافته، وتوفى رجاء بن حيوة في سنة (112هـ).
[15] - اعتقاد أهل السنة (4 / 713 – 715).
[16] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية, ص /20.
[17]  - ولد أرسطو في اسطاغيرا، وهي متاخمة لمقدونية على بحر إيجة، سنة 384 ق.م، وارتحل إلى أثينا وتتلمذ على أفلاطون وأعجب أفلاطون به وبذكائه حتى سماه "العقل" و "القراءة"  لاطلاعه الواسع ولزم أرسطو أكاديمية أفلاطون عشرين سنة، أي إلى وفاة أفلاطون ثم بعد ذلك نقد كتب أفلاطون وقال كلمته المشهورة : (أحب أفلاطون وأحب الحق وأوثر الحق على أفلاطون) أنشأ مدرسة في ملعب رياضي بدي لوقيون. هلك عام 322 ق.م. [ مختصرا من تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم، ص 112 ]
[18]- ابن رشد ، تأليف الأستاذ خليل شرف الدين ، ص 113 – 114 .
[19]- سير أعلام النبلاء  21 / 308 – 309 .
[20]- موسوعة الفلسفة للدكتور عبد الرحمن بدوي  1/ 22، ويراجع كتاب ابن رشد لرينان، الملحق رقم 2، ص 334 – 335.
[21]- موسوعة الفلسفة للدكتور عبد الرحمن بدوي  1/ 28 .
[22]- موسوعة الفلسفة للدكتور عبد الرحمن بدوي  1/ 31 .
[23]- موسوعة الفلسفة للدكتور عبد الرحمن بدوي  1/ 34 – 35 . ونقله عبد الرحمن بدوي عن تهافت التهافت  865 – 866 .
[24]- ابن رشد ، تأليف الأستاذ خليل شرف الدين ، ص 58 ، 59 .
[25]- ابن رشد ، تأليف الأستاذ خليل شرف الدين ، ص 123 .
[26]- تاريخ فلاسفة الإسلام في الشرق والغرب لمحمد لطفي جمعة ، ص 157.
[27]- تاريخ فلاسفة الإسلام في الشرق والغرب لمحمد لطفي جمعة ، ص 161 – 162.
[28] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 163 – 164 .
[29] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 166 – 167 .
[30] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 168 .
[31] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 169 .
[32] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 169 .
[33] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 180 .
[34] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 139 .
[35] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 139 .
[36] - تاريخ فلاسفة الإسلام في المشرق والمغرب ، ص 142 ، 145 .

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.