موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 4 ديسمبر 2011


في رحاب العلماء (4)
حكم الإسلام في التجنس بالجنسية الأجنبية
رضوان محمود نموس
فتوى شرعية
قدم أحد التونسيين إلى حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء في مصر([1]). السؤال التالي:
(س) ما قول سادتنا العلماء أمتع الله بهم الأمة في رجل مسلم تجنس بجنسية أمة غير مسلمة اختياراً منه والتزم أن تجري عليه قوانينها بدل أحكام الشريعة الغراء حتى في الأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق والمواريث ويدخل في هذا الالتزام أن يقف في صفوفها عند محاربتها ولو لأمة إسلامية، فهل يكون نبذه لأحكام الشريعة الإسلامية والتزامه لقوانين أمة غير مسلمة طوعاً منه ارتداداً عن الدين، وتجري عليه أحكام المرتدين، فلا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، أو كيف الحال؟!
وإذا كان خلع أحكام الشريعة من عنقه والتزامه لقوانين أمة غير مسلمة ردة فهل ينفعه أن يقول بعد هذا الالتزام إني مسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟!
أفتونا أعلى الله بكم كلمة الدين وجعلكم من العلماء الراشدين المرشدين
أحد التونسيين النازلين بمصر

فأجاب فضيلة الأستاذ حفظه الله تعالى بما يأتي:
(ج) الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه، وبعد..
فقد قرأت شيئاً من هذا الموضوع، موضوع التجنس بالجنسية الفرنسية الذي يشير إليه حضرة السائل في سؤاله، وفي تونس الآن حركة تدمي القلوب وتفتت الأكباد، وما يراد بتلك الحركة وأمثالها كالظهير البربري المعروف إلا محو الإسلام من تلك البلاد ذات التاريخ المجيد في خدمة الدين والعلم بما أنجبت من أكابر الفضلاء، وفحول العلماء، وإنه ليجب على المسلمين أن يتيقظوا لما يدبر لهم في الخفاء وما يراد بهم من الأعداء، الذين لا يألون جهداً في الكيد لهم والتفنن في وسائل الإيقاع بهم والعمل على إخراجهم من دينهم واستعبادهم في أوطانهم والسير بهم في طريق يؤدي إلى الكفر لا محالة، وقد استعملوا لذلك ضروب الحيل وشتى الوسائل ولقد مر بنا من الحوادث ما فيه مزدجر، وقام على سوء نيتهم وكذب دعاويهم ما فيه عبرة لأولي الألباب.

إن التجنس بالجنسية الفرنسية والتزام ما عليه الفرنسيون في كل شيء حتى الأنكحة والمواريث والطلاق ومحاربة المسلمين والانضمام إلى صفوف أعدائهم معناه الانسلاخ من جميع شرائع الإسلام ومبايعة أعدائه على ألا يعودوا إليه ولا يقبلوا حكماً من أحكامه بطريق العهد الوثيق والعقد المبرم (وهل بقي بعد هذا من الإسلام شيء) وإن هناك فرقاً كبيراً بين من تسوقه الشهوات بسلطانها الشديد إلى الزنا وشرب الخمر مثلاً وبين من يلتزم هذه الأشياء مختاراً لها على شرائع الإسلام التي نبذها وراء ظهره وأعطى على نفسه العهود والمواثيق ألا يعود إليها، فإن صاحب الشهوة يفعل ما يفعل بمقتضى سلطانها الطبيعي القاهر وهو يتمنى أن يتوب الله عليه، فهو معتقد قبح ما يفعل وسوء مغبته، وربما كان قلبه ممتلئاً بمحبة الله ورسوله كما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه عندما لعنوا ذلك الذي حد في الخمر مراراً لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله، فمثل هذا يوشك أن يندم على ما فعل ويتوب مما اقترف، وأما حليف الفرنسيين الخارج من صفوف المسلمين طوعاً واختياراً مستبدلاً لشريعة بشريعة وأمة بأمة، مقدماً ذلك على اتِّباع الرسول بلا قاهر ولا ضرورة فلا بد أن يكون في اعتقاده خلل وفي إيمانه دخل وإذا تجاوزنا عن أحواله القلبية ونزعاته النفسية وجدناه منحل العقيدة، فاسد الإيمان، فهو من وادي من قال الله فيهم {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً *وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً}([2])
هذه الظواهر التي تدل على فساد البواطن ينبغي أن لا نتغافل عنها ولا عن ما صاحبها من تلك القرائن التي تنطق بالبعد عن حقائق الإيمان وتدل على سوء المقصد وقبح الغاية (ولله در المالكية في نظرهم البعيد حيث لم يقبلوا التوبة من الزنديق الذي قامت القرائن على كذبه في دعوى الإسلام، وإن لذلك مدى كبيراً في نفسي فقد كان لهم من بعد النظر وحسن السياسة للشريعة المطهرة ما يعرفنا أنهم بالمحل الأول من الحكمة واليقظة ولو لا ذلك لكان الإسلام لعبة في يد هؤلاء الزنادقة ولكان المسلمون لديهم مثال الغفلة والبلاهة والجهالة، فما أسرع ما كانوا يهزأون بهم ويسخرون من عقولهم وقد رأينا ذلك في ملاحدة مصر حيث يأتي الرجل بالكفر الصريح والإلحاد المكشوف والإقذاع الفاحش ثم يكتب على صفحات الجرائد أنه يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر ويقول بعد ذوي القلوب السياسية من العلماء أنه إن كان كفر بالأمس فقد أسلم اليوم ولم يدر بأننا صيرنا الإسلام بذلك هزأة الهازئين وسخرية الساخرين وأضحوكة الزنادقة والملحدين، فجزى الله المالكية عن الإسلام خيراً فما أوسع نظرهم وأعرفهم بتلك النفوس الخبيثة ومقدار تفننها في الخبث والدهاء (وما أعظم استعدادها لأن تظهر بكل لون وتتشكل بكل شكل) على أننا لو تنزلنا غاية التنزل فلسنا نشك في أن هؤلاء المتجنسين بالجنسية الفرنسية على أبواب الكفر وقد سلكوا أقرب طريق إليه وليس يخفى ضعف النفوس وتأثرها لما تعتاده وتألفه فهي طريق موصلة لغايتها توصيلاً طبيعياً لا محالة، وقد رأينا المدنية الأوربية وما فعلت بنا والتقاليد الغربية وما أفسدت من أبنائنا الذين سارت بهم مسيراً تدريجياً في طريق الفساد الذي قضى على الدين والآداب والأخلاق قضاء مبرماً، ومما لا شك فيه أن أبناء أولئك المتجنسين لا بد أن يكونوا خلوا من الإسلام براء من ذويه لا يعرفون غير الكفر ومحبذيه ولا شك أن الرضا بالكفر كفر، والوسيلة تعطى حكم المقصد وما لا يتم الكفر إلا به فهو كفر ومن عزم على الكفر بعد خمسين عاماً فهو كافر من الآن ولا يمكننا أن نفهم إلا أن هذا استحلال لما حرم الله ورد لما أوجبه سبحانه وتعالى، وبعد فإن كان هؤلاء يعتبرون أنفسهم مؤمنين فليعلموا أن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان، والحب في الشيطان والبغض في الشيطان من الكفر، وليس هناك ميزان صحيح لوزن الإيمان الصحيح غير الحب في الله والبغض في الله، وقد ورد في الصحيح أن المرء مع من أحب فإنه لا يحب إلا إذا كان بينه وبينه تشاكل في النفوس، وتوافق في النزعات، وتقارب في الاستعداد، وإلا وقع التباين فكانت البغضاء والمقاطعة، وقد قال صلى الله عليه وسلم {ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إله مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار} ويقول صلى الله عليه وسلم أيضاً {لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به}  ويقول الله عز وجل {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً }([3]) ويقول: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }([4]) ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}([5]) ويقول عز من قائل: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُون بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }([6])
والآية على ظاهرها متى كانت المودة قلبية بالغة ذلك الحد الذي ينم عن ما امتلأت به النفس فإن ذلك منبئ عن فساد الإيمان ولا بد، وأي حد أبعد من أن يحارب المسلمين ولا يكون في صفوفهم ولا يحرم المحارم ولا يعتبر طلاقاً شرعياً ولا زواجاً شرعياً ولا ميراثاً شرعياً وعلى الجملة فهو رجل اختار غيرنا فلا نقول انه منا وكيف نجعله منا وهو ينادي بأنه ليس منا بل نقول أنه  فتح بفعله هذا باب الكفر ومهد السبيل لأمة بأسرها لخطر الخروج عن حظيرة الإسلام إن عاجلاً أو آجلاً، لا قدر الله.
وإنا نرى شبها كبيراً بين من يختار أن يسير على شريعة الفرنسيين دون شريعة المسلمين وبين جبلة بن الأيهم الغساني حين لطم الفزاري فأراد عمر رضي الله عنه أن يقتص منه فلم يرض بحكم الدين وفر إلى الشام مستبدلاً الإسلام بالمسيحية {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }([7]) وأما تلفظه بالشهادتين فلا يفيده مطلقاً وقد قلنا أن شأنهم مخادعة المسلمين والهزء بهم إذا خلوا إلى شياطينهم وأنت تعلم أن مكفرات كثيرة ذكرها العلماء في باب الردة وليس كل من ينطق بالشهادتين يعتبر مسلماً كما بينه الفقهاء وقد أكثروا من موجبات الردة خصوصاً الحنفية، أو نقول إن هذه الأفعال تكذبه في دعواه الإسلام وتنطق بأن شهادته هذه ليست من قلب ولا عن عقيدة وإلا لم يأت بما يناقضها {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}([8]) ومع ذلك كله فإنا نقبله ونرحب بها متى  جاءنا رافضاً ما التزمه من العمل بشريعتهم راجعاً إلى حظيرة الإسلام، تائباً نادماً على ما كان منه والتوبة تجب ما قبلها وقد قال تعالى: {إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ*وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ}([9]) فيا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ولا تغتروا بأساليب الاستعمار وحيل المستعمرين بعد ما اتضح أمرهم وافتضح سرهم ولا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، وليعلم المسلمون أن الروح التبشيرية والنزعة الصليبية لا تفارقهم على الرغم من تلك الدعاوى الكاذبة، فهم مبشرون متعصبون في بلادنا ولو كانوا لا دينيين في بلادهم، ولو فرضنا أنهم قهروكم على ذلك وجبت عليكم الهجرة وجوباً لا هوادة فيه، وإلا كنتم ممن يقال لهم: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا}([10]) والأمر أوضح من أن نطيل فيه أو نستدل عليه وهو على ما يقول الله تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ }([11]) {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }([12]) هذا وإذا بحثت عن نكبات المسلمين في جميع عصورهم وأدوار تاريخهم وجدتها من علماء السوء وأمراء الهوى.
أسأل الله أن يرشد المسلمين إلى صلاح أمرهم، واتفاق كلمتهم، وأن يقيهم شر زلل العلماء، وجهل الأمراء، بمنه وكرمه.
يوسف الدجوى
من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف


[1] - ولد الشيخ يوسف بن أحمد نصر الدجوي في قرية دجوي بمحافظة القليوبية سنة 1870 وقد كف بصره صغير ودخل الأزهر ونال شهادة العالمية ثم عمل بالتدريس بالأزهر وكان لعلمه العميق وفهمه الناضج وأسلوبه البليغ أثر عميق في اجتذاب الطلاب إلى الدراسة والالتفاف حوله وقد اختير عضواً في هيئة كبار علماء الأزهر الشريف. وله كتابات غزيرة وواضحة في شتى الأمور الإسلامية وأهم كتاباته رسائل السلام وقد ترجم إلى اللغة الإنجليزية وطبعت المشيخة الأزهرية منه عشرة آلاف نسخة. وقد نشر عنه كتاب مقالات وفتاوى بعد مماته. توفى الشيخ العلامة يوسف الدجوي عام 1948م عن عمر يناهز 78 عاماً. 
[2] - النساء 60/61.
[3] - النساء: 65.
[4] - التوبة:24.
[5] - المائدة: 51.
[6] - المجادلة:22.
[7] - آل عمران:85.
[8] - المنافقون: 1.
[9] - الأنفال 38 - 40
[10] - النساء: 97.
[11] - البقرة: 118.
[12] - البقرة: 120.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.