أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا
الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى
رضوان محمود نموس
كثر هم الذين يشترون الضلالة بالهدى,
والعمى بالإبصار, والغواية بالاستقامة.
كثر هم الذين تمادوا في الضلالة, وولجوا
في الغواية, وأوغلوا في العماية, وركبوا متن الغرور, وتسكعوا في شعاب الباطل,
وهاموا في سراديب الضلال, وتاهوا في بيداء الزيغ والهوى.
قال الله تعالى لهم ولغيرهم: {لَقَدْ
كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ
وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا } [الأحزاب: 21]
ولكنهم أبوا إلا أن تكون أسوتهم ثمود
قال الله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى
الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} [فصلت: 17]
نعم إنهم استحبوا العماية على الهدى,
ومضوا في غلوائهم, وبسطوا عنان الجهل, وقلدوا أمرهم للشيوعيين والنصارى والمرتدين
والزنادقة, فاستبهمت عليهم معالم القصد, وساروا يخبطون في الجهالات, ويتدفقون في
الضلال تدفق السيل المنهمر, وينطلقون في ركب الأعداء كجلمود صخر حطه السيل من علٍ.
أذعنوا لرغائب الكفار, وساروا على خطة
الأشرار, وأتمروا بما أمرتهم به الشمطاء, وأعطوا زمامهم للعوب خرقاء. {ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ
الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ
الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}
[النساء: 115]
نعم إنهم أناس من جلدتنا ويتسمون
بأسمائنا ويزعمون أنهم دعاة! ثم يشاقون الرسول صلى الله عليه وسلم من بعد ما تبين
لهم الهدى ويتبعون غير سبيل المؤمنين.
قال الله تعالى: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ
دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُنَا وَلَا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا
بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ
حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى
اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } [الأنعام:
71]
ولكنهم مصرون على الضلال لا يسمعون ولا
يعقلون {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ
أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ } [الأعراف: 193]
{وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى
لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }
[الأعراف: 198]
وحجتهم حجة الجاهلية الأولى{ إِنْ
نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } [القصص: 57]
بدلوا نعمة الله في الهداية إلى جحود
وتنكب عن الحق.
{وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة: 211]
ظنوا أن القوة والعزة والمنعة والأمر
بيد الغرب الكافر فارتموا هنالك يتوسلون, وعن دينهم يتنازلون, اشتروا الضلالة
بالهدى ولبئس الصفقة صفقتهم فإنه ليس بعد الحق إلا الباطل، ولا بعد البصر إلا
العمى، وليس بعد الهدى إلا الضلال. إن النهاية في الغواية والضلال أن يترك الإنسان
النور إلى الظلام ويَستحب العمى على الهدى، ويستبدل بالرشاد التيه والانحراف.
بل هو منتهى السفه والحمق. وأحط مسالك الجاهلية:
ولقد أخبرنا القرآن العظيم قصة أمة
بأكملها سلكت هذا المسلك لتكون لنا عبرة.
جاءها الدليل وقامت عليها الحجة، فتنكبت عن
الهدى إلى الضلال فحلت بها عقوبة استحباب العمى، قال الله تعالى: [وَأَمَّا
ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا العَمَى عَلَى الهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ
صَاعِقَةُ العَذَابِ الهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] [فصلت: 17] ، والهدى
المذكور في الآية: هو هدى الدلالة والبيان، أي إنه تبين لهم بالحجة القاطعة والبرهان
الساطع أن صالحاً مرسل من ربه ومبلغ عنه، فجحدوا دعوته وكذبوا به، فأصابهم من
العقوبات ( ما ذكره الله تعالى في سياق الحديث عن قوم ثمود) بألفاظ متنوعة، مثل:
الصاعقة، والصيحة، والرجفة، والتدمير، والدمدمة، والطاغية.. مما يؤكد عظم الذنب
وحجم الخطيئة مع أنهم لم يكفروا بعد إيمان، ولم يرتدوا بعد إسلام فكيف بمن يؤثر
العمى على الهدى إذا كان هدى توفيق واصطفاء وإسلام؟ !.
إن من الحركات التي تسمي نفسها إسلامية
تتحالف وتتآلف وتسلم القياد إلى أصحاب (استحباب العمى) لتكون منهم وتحطب بحبلهم, وتذب
عنهم, وتنادي بأخوتهم, حتى صارت وهم شيئاً واحداً تحت راية استحباب العمى وشراء
الضلالة بالهدى.
ليؤسسوا مجلس استحباب العمى وشركة (شراء الضلالة بالهدى) باسم مواكبة العصر
والوسطية – بين الإسلام والكفر- والاعتدال – العدول عن دين الرحمن إلى دين اليونان.
وتقديم الكفر للأجيال تحت مسمى الديمقراطية
والمواطنية والتعددية والدولة المدنية وقبول الآخر والقوانين والشرعية الدولية...
ورفض الجهاد تحت مسمى رفض العنف ورفض الإرهاب ... الخ
تُعدد الأقنعة، والشعارات واللافتات وتقتات
في بيئة الخوف والذل والصغار والانكسار، لكنها واضحة وصريحة في هجومها على دعاة
الهدى والجهاد والصلاح والرشاد والإنقاذ من العمى.
يقول تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا
لِلَّهِ} وهم يقولون: (إن الحكم إلا للشعب)
يقول تعالى: {لَهُ الْحُكْمُ
وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وهم يقولون (للشعب الحكم وإليه يرجعون)
يقول تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا
يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي
أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }
وهم يقولون (لا بد من حكم الشعب
والنزول عند إرادته أي كانت هذه الإرادة)
يقول الله {وَأَنَّ اللَّهَ لَا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ * الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
وهم يقولون ( الاستجابة إلى الصندوق
ونتائجه ) {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا
إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ
أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى
مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ
عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 60، 61]
وأحلوا مرجعية الكفر الدولي ( الشرعة
الدولية) وطبقوا على أنفسهم قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ
مِنْهُمْ} وتنازلوا وتخلوا عن مرجعية
القرآن والسنة.
وأحلوا رابطة المواطنة مكان رابطة
العقيدة. قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } وهم يقولون (إنما المواطنون أخوة).
وأحلوا قاعدة (الشعب يعلو ولا يعلى
عليه) مكان قاعدة (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)
وبدلاً من أن يكون الدين مهيمنا على
الحياة :
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} {وَقَاتِلُوهُمْ
حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ
انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } [الأنفال: 39] جعلوا
الشعب بزنادقته ومرتديه مهيمناً على الدين وللشعب القرار النهائي والفصل في قبول
أو رفض التشريع.
والله يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ
لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ولكنهم جعلوا حق الولاية للكافرين
والمرتدين فاختاروا شيوعيين ونصارى ونصيريين ليكونوا قادة المجلس والائتلاف كما
أعلنوا حق الكافر والمرتد بأن يكون رئيساً وولياً للأمر إذا قرر الصندوق فقرار
الصندوق عندهم مقدم على أمر الله نعوذ بالله من الخذلان.
والقائمة طويلة وطويلة جداً. بل أن أحد
قياداتهم واسمه (عمر حاج قدور) صرح وأعلن أنههم لا يقبلون أن يكون مثل أسامة بن
لادن وأيمن الظواهري قادة في عمل إسلامي. وكنت حاضراً وكانت جبهتهم مع خدام قائمة.
فقلت: ترفضون قيادة أسامة وأيمن في عمل
لا علاقة لكم به وتقبلون قيادة خدام لكم.
فأجاب وبانفعال شديد خدام لديه خبرة 40
سنة في العمل السياسي.
فقلت: نعم لديه 40 سنة خدمة للطاغوت,
40 سنة محاربة لله ورسوله وللمؤمنين, 40 سنة كفر وإلحاد وزندقة, 40سنة سرقة أموال
الشعب ودفن اليورانيوم في سوريا لقبض العمولات, 40 سنة حرباً على الإسلام في كل
مكان وتدمير أهل السنة في لبنان.....الخ
أما أسامة وأيمن فلديهم فقط 20 سنة
جهاد في سبيل الله وهذا الذي لا تحبون.
على هؤلاء أن يعيدوا قراءة القرآن
ويسمعوا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ
مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ
سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)
فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ (27) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ
وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (28) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ
وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ
وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا
الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ
شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ } [محمد: 25 - 32]
فليس في هذه الدنيا إلا طريقين, طريق
الهدى الذي فيه النجاة من النار ورضى العزيز الغفار ومراغمة الكفار الأشرار؛ عرفه
الله لنا, وأرسل رسله يهدوننا؛ وعليه فطرنا. وطريق ينشعب إلى شعب, كلها تفضي إلى
أم لهب, ومجاورة أبي لهب, فطوبى لمن خاف الله تعالى وباع قليلاً بكثير، وفانياً
بباق، وشقاوة بسعادة.
والشقاوة والتعاسة لمن يشترون الضلالة
بالهدى ويسايرون الكفار ويتهجمون على الأبرار
ويكتمون ما أنزل الله من الكتاب، وهم على
طريق الرهبان والأحبار وعلماء الطواغيت الأشرار يكتمون ما عندهم من العلم إرضاءً
لحاكم، أو تحقيقاً لمصلحة متوهمة، أو طلباً لغرض دنيوي،
فهؤلاء الذين
يكتمون الحق المنزل، لقاء ثمن رخيص، إنما يأتون حراماً يعذبهم الله عليه بنار جهنم
يأكلونها في بطونهم الجشعة، فهي نارٌ على الحقيقة يأكلونها يوم القيامة، جزاء ما
اقترفوا من أكل الرشوة على الدين أو أكل الدنيا بالآخرة والذي أعظم عليهم من عذاب
النار، هو غضب الله عليهم، وإعراضه عنهم " لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا
يزكيهم " أي: لا يطهِّرهم من الأخلاق الرَّذيلة، إذ ليس لهم أعمال تصلح للمدح
والرِّضا والجزاء عليها، بل يعذبهم عذاباً أليماً، لأنهم تركوا كتاب الله وأعرضوا
عنه، وعن التحاكم إليه في الدنيا واختاروا الضلالة على الهدى والعذاب على المغفرة,
رغبوا بما عند
الكافرين وأعرضوا عن هدي رب العالمين.
ولا يستقيم للإنسان إسلام -ولو وحد
الله وترك الشرك- إلا بعداوة المشركين، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ
كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [المجادلة: 22]
إن هذه البراءة من المشركين هي القاسم
المشترك بين كل الملل غير دين الإسلام، كل ما سوى الإسلام القاسم المشترك بينها:
أننا نعاديهم في الله، ونتبرأ منهم ومن طريقتهم، مهما كانت أصنافهم من مشركين
وكفار ومنافقين.
{قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ
الْهُدَى} [البقرة:120]، هذا أسلوب حصر وقصر للهدى فيما جاء به الله عز وجل، فما
عداه ليس بهدى.
فحقيقة العداوة هي اختلاف الدينين،
وافتراق المنهجين: إما اتباع دين الله، أو اتباع ملة الكفر والطغيان.
يقول سيد قطب عن أولئك الذين اشتروا الضلالة
بالهدى: [قد كانت هذه صورة واقعة في المدينة ولكننا حين نتجاوز نطاق الزمان
والمكان نجدها نموذجاً مكروراً في أجيال البشرية جميعاً. نجد هذا النوع من
المنافقين من علية الناس الذين لا يجدون في أنفسهم الشجاعة ليواجهوا الحق بالإيمان
الصريح، أو يجدون في نفوسهم الجرأة ليواجهوا الحق بالإنكار الصريح. وهم في الوقت
ذاته يتخذون لأنفسهم مكان المترفع على جماهير الناس، وعلى تصورهم للأمور! ...إنهم
يدّعون الإيمان بالله واليوم الآخر....وهم يظنون في أنفسهم الذكاء والدهاء والقدرة
على خداع هؤلاء البسطاء ولكن القرآن يصف حقيقة فعلتهم، فهم لا يخادعون المؤمنين،
إنما يخادعون الله كذلك أو يحاولون:
«يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ
آمَنُوا» ..وفي هذا النص وأمثاله نقف أمام حقيقة كبيرة، وأمام تفضل من الله كريم..
تلك الحقيقة هي التي يؤكدها القرآن دائماً ويقررها، وهي حقيقة الصلة بين الله
والمؤمنين. إنه يجعل صفهم صفه، وأمرهم أمره. وشأنهم شأنه. يضمهم سبحانه إليه،
ويأخذهم في كنفه، ويجعل عدوهم عدوه، وما يوجه إليهم من مكر موجهاً إليه- سبحانه-
وهذا هو التفضل العلوي الكريم.. التفضل الذي يرفع مقام المؤمنين وحقيقتهم إلى هذا
المستوى السامق والذي يوحي بأن حقيقة الإيمان في هذا الوجود هي أكبر وأكرم
الحقائق، والذي يسكب في قلب المؤمن طمأنينة لا حد لها، وهو يرى الله- جل شأنه-
يجعل قضيته هي قضيته، ومعركته هي معركته، وعدوه هو عدوه، ويأخذه في صفه، ويرفعه
إلى جواره الكريم.. فماذا يكون العبيد وكيدهم وخداعهم وأذاهم الصغير؟! وهو في ذات
الوقت تهديد رعيب للذين يحاولون خداع المؤمنين والمكر بهم، وإيصال الأذى إليهم.
تهديد لهم بأن معركتهم ليست مع
المؤمنين وحدهم إنما هي مع الله القوي الجبار القهار. وأنهم إنما يحاربون الله حين
يحاربون أولياءه، وإنما يتصدون لنقمة الله حين يحاولون هذه المحاولة اللئيمة.
وهذه الحقيقة من جانبيها جديرة بأن
يتدبرها المؤمنون ليطمئنوا ويثبتوا ويمضوا في طريقهم لا يبالون كيد الكائدين، ولا
خداع الخادعين، ولا أذى الشريرين. ويتدبرها أعداء المؤمنين فيفزعوا ويرتاعوا
ويعرفوا من الذي يحاربونه ويتصدون لنقمته حين يتصدون للمؤمنين..
ونعود إلى هؤلاء الذين يخادعون الله
والذين آمنوا بقولهم: ...«وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ، وَما
يَشْعُرُونَ» ..إنهم من الغفلة بحيث لا يخدعون إلا أنفسهم في غير شعور! ...ولكن
لماذا يحاول المنافقون هذه المحاولة؟ ولماذا يخادعون هذا الخداع؟ «فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ» ..
في طبيعتهم آفة. في قلوبهم علة. وهذا
ما يحيد بهم عن الطريق الواضح المستقيم. ويجعلهم يستحقون من الله أن يزيدهم مما هم
فيه: «فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً» ..
فالمرض ينشئ
المرض، والانحراف يبدأ يسيراً، ثم تنفرج الزاوية في كل خطوة وتزداد. سنة لا تتخلف....ومن
ثم يجيء التعقيب الحاسم والتقرير الصادق: «أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ،
وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ» .. ومن صفتهم كذلك التطاول والتعالي على عامة الناس،
ليكسبوا لأنفسهم مقاما زائفا في أعين الناس:... ومن ثم جاءهم الرد الحاسم،
والتقرير الجازم: «أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ، وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ» .....
والكلمة الأخيرة التي تصور حقيقة حالهم، ومدى خسرانهم:
«أُولئِكَ
الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، » .. فلقد كانوا يملكون الهدى لو
أرادوا. كان الهدى مبذولا لهم. كان في أيديهم. ولكنهم «اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ
بِالْهُدى» ، كأغفل ما يكون المتجرون:
«فَما رَبِحَتْ
تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ» ]([1]).
رابط الموضوع
http://www.ardalrebat.info/hassad-syria/hassad-assboay/2643-2012-12-08-12-12-41.html
0 التعليقات:
إرسال تعليق