سقوط الأخوان في منظومة الطغيان(1)
رضوان محمود نموس
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره ونستهديه, ونعوذ
بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أنَّ محمداً عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ
تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا
رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ
وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
وإنَّ خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله
عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة, وكل ضلالة في
النار، أجارنا الله والمسلمين منها، ومن مسبباتها، ودواعيها ودعاتها. أما بعد.
فلقد كثرت تخاريف الأخوان وانحرافاتهم وتماديهم
في شعب الضلال حتى صار ذلك منهجاً لهم ودستوراً لا يحيدون عنه.
عليه يربون أتباعهم ويوالون ويعادون ومن كان
منهم فيه أطلال من خير يأخذونه بمبدأ السمع والطاعة حتى لا ينكر منكراً ولا يعارض
ضلالاً.
وهناك طرح جديد للإخوان صدر باسم المدعو (محمد
سعيد حوى ) وهو عضو في مجلس شورى الأخوان وعضوا في قيادة الجماعة وصدروه باسمه
كأنبوب اختبار إن تلقى القبول عمموه وإن رفض اعتبروه مبادرة شخصية!!!!!!
ولا يخفى على المهتمين بالعمل الإسلامي أن جماعة الإخوان
ومنذ أربعة عقود وهي في خط بياني نازل وبزاوية حادة كانوا عند الانحراف يقولون
ضرورة ثم يتم التلأصيل لما سموه ضرورة ثم يصبح منهجاً معتمداً.
وهناك أزمة عقدية
وفكرية تلف هذه الجماعة وتأخذ بخناقها وتطوقها من كل صوب, ولب هذه الأزمة الانحراف
العقدي والفكري والديني حتى غدت فرع من فروع العلمانية والانتهازية والبراغماتية
وإن عدم الصفاء العقائدي والنقاء الفكري لديهم, واختراقهم طولاً وعرضاً وعمقاً يزيد
أسباب الأزمة ويعقدها وتصبح شبه مستعصية ولا تستجيب للدواء.
فبينما تدعو الحاجة إلى فهم الدين فهماً شاملاً لجميع نواحي
الحياة وأن الإسلام دين ودولة, دنيا وآخرة, منهج عقائدي, ونظام سياسي واجتماعي
واقتصادي وتعليمي وعسكري, يستغرق كل
الحياة منذ بدايتها إلى قيام الساعة, إلى دار الخلد. نرى بعضهم ينادي بفصل الديني
عن السياسي حسب القسمة النصرانية الكافرة, (دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله)
أو حسب المقولة (لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين) أي
دع السياسة وإدارة البلاد والعباد والاقتصاد والقوانين, والحرب والسلام, لمجموعة
من وكلاء الغرب أو الشرق؛ دينهم العلمانية, ومذهبهم السياسي الانتهازية؛ وليكتف
أهل الدين بأن يكونوا أئمة للمساجد يلقون على الناس التعليمات الواردة إليهم من
وزارة الأوقاف أو وزارة الداخلية؛ فهذه بدعة نصرانية ما أنزل الله بها من سلطان,
بل كانت البدعة النصرانية أخف وطأً إذ فصلت القضية إلى قسمين, أما قسمة من يسير
بركب أهل الردة (العلمانيون) فالسياسة لهم والدين يعمل بتوجيه السياسة.
وما حصل هذا إلا عندما تخلى العلماء عن مهمتهم الريادية
وأصبحوا تبعاً للطواغيت فأضاعوا دينهم ودنياهم, وضللوا جماهير الأمة عندما زوروا
توقيع الله جل جلاله؛ فالفتوى وكما هو معلوم هي حكم الدين وهي توقيع عن رب
العالمين، فعندما تصاغ الفتاوى حسب رغبة الطاغوت؛ ويقال هذا حكم الشرع فهو تزوير
وخيانة لله ورسوله وجماعة المسلمين. وكأن لم يعلم هؤلاء أن من يتبع وينفذ أوامر
الطواغيت هو جزء من النظام الطاغوتي، ومن يقاتل تحت راية الطاغوت أو يدافع عنها
بالكلام أو السنان أو التحسين أو التبرير هو جزء منها.
فإن لم تعد السياسة إلى الدين وتتقيد بتوجيهاته، ويتسلم أهل
الدين دفة التوجيه، فستبقى الأمة في خلل فظيع إذ لا حق للمرتدين بالقيادة؛ بل لا
حق لهم بالحياة.
وكما أن الحاجة تدعو إلى توضيح المهمة الرئيسة للرسالة:
فأصل رسالة الأنبياء الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، قال
تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) البقرة: ٢٥٦
وقال تعالى:
(وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ
وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ
عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ
الْمُكَذِّبِينَ ) النحل:
٣٦
والذي يبدو واضحاً أن كثيراً من الدعوات تريد صرف الأنظار
عن الطواغيت والكفار وأهل الضلال وتمييع الولاء والبراء والمزج بين الحق والباطل
والالتقاء مع الماسونية على ما يسمونه المشترك الإنساني... الخ. وتتناسى هذه
الدعوات أن أصل الدين هو إخلاص العبودية لله، ولا يكون ذلك إلا بالكفر بالطاغوت,
فقد بدأت كلمة التوحيد بالنفي (لا إله) وتعني الكفر بالطاغوت, ثم (إلا الله) وتعني
الإيمان بالله.
ومن هذا الدين الذي أصله إخلاص العبودية والكفر
بالطاغوت؛ الأخلاق الحميدة والرأفة بالمسلمين والتسامح مع المؤمنين ولين الجانب
لهم, والغلظة على الكافرين ومجاهدتهم, والالتقاء على أساس العقيدة وليس على
الأهواء وليس من الدين منع إنكار المنكر على الكافرين والمبتدعة ابتغاء مرضاتهم
قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ
دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُون
كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ)
المائدة: ٧٨ - ٧٩ قال تعالى: (بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ
لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ
دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ
لِلَّهِ جَمِيعاً) النساء: ١٣٨ - ١٣٩ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه
عبد الله بن عمرو، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا رأيت أمتي تهاب فلا تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم » ([1]).
إننا بحاجة ماسة إلى الحكمة، وهي وضع الأمور في نصابها،
فإطلاق الحرية للمرتدين ليست تسامحاً ولكنه كفر, وإكرام الكفار ومشاركتهم سياساتهم
وبدعهم وشركياتهم هو انحراف خطير, والدعوة
إلى عدم إنكار المنكر هو هزيمة ما بعدها هزيمة، فعلينا أن نضع كل شيء في مكانه،
ولا نخلط الأمور خلطاً تضيع به ومعه أصول الدين ومعالمه.
وبينما الحاجة تدعو إلى وجود القاعدة الصلبة التي تفهم
الدين فهماً شاملاً, وتعمل على تحقيق هذا الفهم
فالواقع يشير إلى أن غالب الجماعات الإسلامية لم ترتق بعد إلى البدايات في
هذا الطريق.
ويندر أن نجد قاعدة صلبة تفهم الدين الفهم الشامل الكامل
عقيدة وحياة, ونظاماً ومعاملات, ودعوة وجهاداً, واتباعاً للكتاب والسنة وعدم ترك
شيء منهما, نعم هناك أفراد وربما يكونون كثراً يفهمون الدين فهماً شاملاً ولكن لم
يشكلوا القاعدة المطلوبة حتى الآن؛ القاعدة المستعصية على القوة، المستعصية على
المؤامرة, المتبعة غير المبتدعة, المؤتلفة غير المختلفة, المجتمعة غير المتفرقة,
التي لا تهدم أصلاً لتبني فرعاً, الخالصة الولاء لله لا تشوبه شائبة, ثم إن وجد من
يفهم الفهم الشامل للدين؛ فلا نجد من يعمل جاداً لتطبيق هذا الفهم, وتحويله من
نظرية إلى واقع, ومن مخطط إلى بناء قائم, ويخرج من دائرة التنظير وتأليف الكتب
وكتابة المقالات ليحول هذا إلى واقع عملي يواجه الشرك, ويقود الأمة نحو الهدف
المنشود.
كما أن هناك محاولات حثيثة ومستميتة من بعضهم لخلط الفكر
الإسلامي بالأفكار الباطلة كالقومية والوطنية والاشتراكية والديمقراطية والجمهورية
بل والشيعية، هذا الخلط الذي يشوه صورة الإسلام الناصعة, ربما يلجأ إليه بعضهم
نتيجة لهزيمة نفسية, أو للإحباط والعجز عن المواصلة ومحاولة مسايرة القوى الكافرة,
والاستجابة لضغوطها والظهور أمامها بمظهر الانفتاح والتحرر والتقدمية حتى وصل
الأمر ببعضهم ( عضو مجلس شورى ) بالإخوان إلى أنه اكتفى أن ينظر إلى الإسلام كتراث
يعتز به, بل لقد قال قائلهم (رئيس مجلس
شورى الإخوان) إنه يتمسك بما يتمسك به النصيريون المرتدون من ثوابت وطنية
وإسلامية!!!!
إن الحاجة لتدعو إلى التميز الكامل وعرض الإسلام وتطبيقه
بنقائه وصفائه ووضوحه وشموله، فإنَّ أي مزج أو خلط بين الأفكار الأرضية والدين
السماوي الخاتم، هو جعل أهل الأرض نداً
لله تعالى. تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. وهو خلط بين غاية الطيب ومنتهى
النقاء والكمال مع النهاية في الخبث والدنس, وأي خلط من هذا هو لصالح الخبيث النجس
وعلى حساب الدين النقي الطاهر وقيمه وسموه:
ولا تسلم الجربا بقرب سليمة ولكنما هذي السليمة تجرب
فالصراع الفكري يتطلب تعزيز الفكر الإسلامي والعمل على
استقلاله وتفرده، فأي خلط سيؤدي إلى التضليل وتشويه صورة الإسلام من جهة, وشهادة
حسن سلوك من المسلمين لتلك الحركات والأفكار الهدامة المرتدة من جهة أخرى.
وهناك طروحات انهزامية يحاول البعض أن يلبسها زوراً ما يسمى
ثياب الاعتدال والوسطية والتعقل, وربما من هنا برزت ظاهرة ما يسمونه أصحابه
(بالإسلام المعتدل).
والحق أن الإسلام هو الإسلام. وتقسيم الإسلام إلى إسلام
معتدل وإسلام أصولي وإسلام بدوي وإسلام حضري ووو...الخ هو من قبيل الإساءة لهذا
الدين الحنيف الكامل، وإذا أمعنا النظر بهذه الدعوة ومن وراءها لوجدناها دعوة تحمل
اتجاهين خطيرين مرفوضين:
الاتجاه الأول: الغمز واللمز من الشباب المجاهد المكابد
المصابر والحركات التي ترفض التدجين وتريده إسلاماً كما جاء به محمد صلى الله عليه
وسلم لا كما تريده مراكز الدراسات (الإنجلوصهيوأمريكية)، ووصف هؤلاء الشباب
بالتشدد والتطرف والإرهاب، وهذا بحد ذاته سَيرٌ بركب الطواغيت وترديد لمقولاتهم في
الهجوم على الإسلام, والذين يرددون هذا الكلام مثلهم كمثل الثور الأسود الذي وافق
الأسد على أكل الثور الأبيض, ونرجو لهم أن يصحوا قبل خراب البصرة وأن يصل إليهم
الدواء قبل موت سهراب.
والاتجاه الثاني: دعوة لقبول هيمنة الفكر الغربي اللاديني
العلماني وماشابه من ضلالات شيعية أو غيرها، وتطويع الإسلام لينسجم مع النظم
الجاهلية، وليس لدعوة هذه الجاهليات وعلى رأسها اللادينية العلمانية والشيعة
للتخلي عن جاهليتهم وضلالاتهم والالتحاق بركب الإسلام، وهي دعوة ظاهرها اعتدال
وباطنها تخريب، والواقع يشهد عليها بذلك, فأبرز رموز هذه الدعوة يدعون لإلغاء
الجهاد واستبدال المقاومة السلمية به، عبر القنوات الفضائية والإذاعات, لعرض
الإسلام إعلامياً فقط, ولإباحة الربا والتخلي عن حجاب المرأة، وبيع المحرمات
كالخمر والخنزير، بل أكل بعض الخنزير إذا كان بنسبة مئوية ضئيلة, بل والتحالف مع
الطواغيت والأحزاب اللادينية والالتقاء على المشترك الإنساني والسير بركب الطواغيت
والخضوع لمناهجهم وبرامجهم واحترام قوانينهم، وهل بعد هذا الضلال من ضلال.!؟ وأي
إسلام يبقى بعد هذا؟!!
وعوداً على الدراسة التي قدمها المدعو (محمد سعيد حوى) ابن
الشيخ سعيد حوى رحمه الله والتي يدعو فيها إلى أباطيل وضلالات من هذا النوع ومن
غيره , فلقد احتوت هذه التي سماها صاحبها دراسة على قلة وريقاتها وأسطرها من
الطامات ما تعجز عن مثله المجلدات من كتب الزيغ والضلال القديمة والعصرانية؛ قدمها
بذريعة مراجعة المواقف، يدعو فيها جماعته، وهي جماعة الإخوان المسلمين في سوريا،
إلى المراجعة وتغيير المسلمات والثوابت والأفكار والاستراتيجبات على وفق أطروحته.
وهذه الدراسة مع أنها صدرت باسم محمد سعيد حوى
إلا أنها هي فكر الجماعة لأنها سارت عليها وعندما صدرت لم تنكرها القيادة ولا مجلس
الشورى بل كان الجميع مدافعاً عنها مؤيداً لها وبعض الأفراد الذين لم تعجبهم مثل
هذه الطروحات سرعان ما لاذوا بالصمت قائلين القيادة أعلم.
والمراجعة أمر طيب
ومطلوب، وتنقية من الشوائب والعيوب؛ إذا كانت خاضعة للأصول بالعودة إلى الكتاب
والسنة والأمر بهما والعمل بمقتضاهما. وإبعاد ما طرأ من تشويهات على السلوك
والأفكار والعقائد؛ وذلك بنفي انتحال المبطلين وتأويلات الجاهلين وتحريفات الضالين
المضلين وما إلى ذلك.
أما أن تكون المراجعة؛ للتمادي في الباطل, ولتطوير
الانحرافات, وتعميق الخروقات, وتأصيل الضلال, وتزيين الانحلال, وقلب الموازين,
والتنكب عن أسس الدين, وسنة سيد المرسلين؛ بالتخلي عن الثوابت والأصول, والقفز إلى
المجهول, والسير وراء الأهواء إرضاءً للأعداء؛ فهذه ليست مراجعة، إنما هي تراجع
وإفساد, وبغي وعناد.
وإذا أردنا للمراجعة أن تكون سليمة؛ من كُلِّ عيبٍ، بعيدة
عن مواطن الريب, فعلينا أن نوطن أنفسنا لأن تكون المراجعة رجوعاً إلى الكتاب
والسنة وإجماع الأمة، واضعين نصب أعينينا قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحْدَثَ
فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ).([2])
كما أننا مؤمنون
بأن الدين شامل كامل، فلقد قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) المائدة: ٣ فإتمام النعمة وكمال الدين، يعني أن هذا الدين
الكامل ارتضاه الله لنا وهو شامل كامل لحياتنا كلها. وهو سبحانه وتعالى القائل:
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْماً
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) المائدة: ٥٠ فالحكم الحسن هو غير ناقص. قال تعالى: (مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) الأنعام: ٣٨
بل من تفقه في الدين وفهم النصوص حق فهمها لم يحتج إلى
القياس لشمول الذكر – والذي هو القرآن والسنة - لكل الأحكام.
قال الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:
[وللصحابة فهمٌ فى القرآن يخفى على أكثر المتأخرين كما أن
لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين، فإنهم شهدوا
الرسول والتنزيل، وعاينوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفوا من أقواله وأفعاله
وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا
ذلك فطلبوا الحكم مما اعتقدوه من إجماع أو قياس.
ومن قال من
المتأخرين إن الإجماع مستند معظم الشريعة فقد أخبر عن حاله فإنه لنقص معرفته
بالكتاب والسنة احتاج إلى ذلك وهذا كقولهم: إن أكثر الحوادث يحتاج فيها إلى القياس
لعدم دلالة النصوص عليها فإنما هذا قول من لا معرفة له بالكتاب والسنة ودلالتهما
على الأحكام]([3]).
وقبل أن أبدأ بسرد الملاحظات على الدراسة المقدمة. أضعها
بين يدي القارئ الكريم، ثم أرد عليها بإيجاز بمشيئة الله العلي القدير. وأسأل الله
أن يلهمني والقارئ الصبر. فإن الله مع الصابرين.
يتبع
[1] - المستدرك على الصحيحين للحاكم - (16 / 358) حديث رقم 7136 –وقال: « هذا حديث صحيح الإسناد ولم
يخرجاه » وعلق عليه الذهبي بالتلخيص وقال: صحيح.
[3] - مجموع الفتاوى - (19 / 200)
0 التعليقات:
إرسال تعليق