موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الأحد، 23 ديسمبر 2012

سقوط الأخوان في منظومة الطغيان(3)


سقوط الأخوان في منظومة الطغيان(3)

رضوان محمود نموس

الملاحظات وبعض الردود
1 -  بدأ الكاتب طرحه دون أن يسميَ الله أو يحمده جل جلاله أو يصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء)([1]).
وهذا من عدم توفيق الله جل جلاله للكاتب من البداية.
2- قال الكاتب في ص1 السطر1 (هدف الدراسة: الدعوة إلى إعادة النظر في بعض المسلمات ومن ثم إعادة النظر في إستراتيجية التعامل مع النظام السوري)
أقول: المسلمات هي أمور سُلِمَ بها لشدة وضوحها وبيانها، فسلم بها المؤيد والخصم فكيف تراجع وتستبدل. فإذا كانت المسلمات شرعية، فاستبدالها استبدال للدين، والذي بناء عليه كانت هذه المسلمات. وأضرب على ذلك مثالاً:
إذا كان مُسَّلماً لدينا أن الفرقة الفلانية مرتدة؛ لأنها تؤله البشر, ولا تلتزم بما أمر الله جل جلاله أو نهى عنه, ثم أردنا تغيير هذه المسلمة, وإسباغ صفة الإسلام على هذه الفرقة؛ فيعني هذا تغييراً للشرع وتبديلاً للدين الذي بموجبه حكمنا على هذه الفرقة بالردة. أو التحاقنا بها والعياذ بالله.
وإذا كان مسَلَّمٌ لدينا أن الكفار أعداء عملاً بقوله تعالى: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا } [النساء: 101] فتبديل هذه المسلمة ووضعهم في قائمة الأصدقاء والحلفاء يعني تبديل الدين ونسخ القرآن.!!!
ولقد قال الجرجاني في كتابه التعريفات: (المسلَّمات: قضايا تسلم من الخصم ويبنى عليها الكلام لدفعه سواء كانت مسلمة بين خصمين أو بين أهل العلم كتسليم الفقهاء مسائل أصول الفقه)
وكذا قال المفتي السيد محمد عميم الإحسان في كتابه قواعد الفقه, وكذا قال العلامة محمد علي التهانوي في موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم.
فالمسلَّمات ليست كثياب الغواني وأحذيتهن يستبدلنها كلما عنَّ لهنَّ ذلك أو كلما طلب المستمتعون بهن.
3 -  قال الكاتب في ص1 السطر2: (والدعوة إلى وضع إستراتيجية العودة بأي سبيل ممكن شرعاً وسياسة وبقطع النظر عما سيكون عليه موقف النظام).

أقول إذا كانت هجرتنا في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله. فلا يجوز لنا شرعاً العودة بأي سبيل ممكن، فلقد قال الله تعالى:( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً) النساء: ٧٥
ولم يقل الله: ربنا أعدنا إلى القرية الظالم أهلها بأي سبيل سواءً كان شرعياً أو غير شرعي.
نعم نعود مجاهدين فاتحين لتطبيق الإسلام وليس بأي سبيل للعيش تحت حكم الزنادقة والمرتدين. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه سعد بن أبي وقاص (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ... قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَتَخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً وَلعلكَ تُخَلَّفُ حَتَّى يَنْفَعَ اللَّهُ بِكَ أَقْوَامًا وَيَضُرَّ بِكَ آخَرِينَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ لَكِن الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مَاتَ بِمَكَّةَ.([2])
والدلالة في هذا الحديث رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبائس سعد بن خولة لأنه نكث هجرته ومات بمكة بالرغم من أن مكة قد فتحها المسلمون وأصبحت من دار الإسلام.
وأظن أنه لا يخفى على الكاتب أن النظام في سوريا نظام مرتد، فهل يجوز العودة من بلد يقيم فيه المرء ما يستطيع من دينه إلى بلد يخضع فيه للمرتدين؛ إن هذا يتعارض مع كل توجيهات الإسلام في الولاء والبراء والهجرة من دار الكفر والظلم والفسق، ولا يتسع المقام لشرح كل هذه الأمور  ومن المعلوم: أن من كان دينه الإسلام المبني على صرف جميع العبادات لله وحده ونفي الشرك وبغضه وبغض أهله ومعاداتهم ومقاطعتهم فإنه لا يتركه أهل الكفر على دينه مع القدرة عليه كما أخبر عن ذلك المولى جل جلاله قال تعالى (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة 217  كما أخبر الله عن أصحاب الكهف أنهم قالوا (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً)
وأخبر سبحانه بذلك عن جميع الكفار حيث قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) إبراهيم: ١٣
والهجرة شأنها عظيم، وأمرها كبير إذ هي فرع الولاء والبراء، بل إنها من أبرز تكاليف الولاء والبراء، وما كانت الجماعة المسلمة لتترك أرضها وقومها وتتكبد مشاق الغربة ووعثاء السفر لولا أن ذلك تكليف رباني لمن لا يستطيع أن يقيم دينه، ويظهر إسلامه في أرضه. وقد وعد الله عباده المؤمنين المهاجرين بـ (الحسنات) في الدنيا والآخرة قال تعالى: ( وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) النحل: ٤١ وأظن ذلك لا يخفى على من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
4 -  قال الكاتب ص1 السطر4:  (الدعوة من ثم إلى دراسات شاملة لإحدات تغيير جذري في الجماعة في النظم والتفكير والقيادات والاستراتيجيات).
أقول: إن التغيير الجذري هو تغيير في الأصول. قال في القاموس: جذر كل شيء أصله.
وقال في الموسوعة السياسية 2/50: (فالمعنى الاعتيادي للكلمة يفيد الدعوة إلى التغيير من وجهة نظر أقرب ما تكون إلى الثورية)
فإذا كانت الجماعة قامت على أصول الدين من الكتاب والسنة، حتى لو كان هناك أخطاء في الممارسة؛ فلا يجوز تغيير هذه الأصول، وإذا قامت على غير الكتاب والسنة فلا بارك الله فيها، والأولى أن يقال إحداث تجديد، والتجديد هو العودة إلى الكتاب والسنة. أي العودة إلى الجذور وليس تغييرها وبترها.
5 -  قال الكاتب ص1 سطر9: (مما لا يخفى عليكم أنَّ السياسة كلها متغيرات ولا مواقف مسبقة في السياسة إلا ما كان مرتبطاً بالعقائد والأصول وهو محدود جداً)
أقول إن في هذا الكلام تعميمات خاطئة وإطلاقات تضليلية، وللوصول إلى الحق لا بد أولا من تعريف السياسة.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: [لا سياسة إلا ما وافق الشرع] ([3]).
وقال المفتي السيد محمد عميم الإحسان رحمه الله في كتابه قواعد الفقه: (السياسة هي استصلاح الخلق وإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة).
وقال محمد علي التهانوي رحمه الله في الموسوعة مثل ذلك وأضاف: (والسياسة نوعان، سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهي من الشريعة علمها من علمها، وجهلها من جهلها، والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها).
وقال الماوردي رحمه الله في كتابه الأحكام السلطانية: الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة  الدين وسياسة الدنيا به)([4]).
ويقول الجويني رحمه الله في كتابه الغياثي: (الإمامة رياسة تامة وزعامة عامة في مهمات الدين والدنيا مهمتها حفظ الحوزة ورعاية الرعية وإقامة الدعوة بالحجة والسيف)([5]).
وقال ابن تيمية: رحمه الله: (والتحقيق أن الشريعة التى بعث الله بها محمداً جامعة لمصالح الدنيا والآخرة، وهذه الأشياء ما خالف الشريعة منها فهو باطل، وما وافقها منها فهو حق، لكن قد يغير أيضاً لفظ الشريعة عند أكثر الناس، فالملوك والعامة عندهم أن الشرع والشريعة اسم لحكم الحاكم، ومعلوم أن القضاء فرع من فروع الشريعة وإلا فالشريعة جامعة لكل ولاية وعمل فيه صلاح الدين والدنيا، والشريعة إنما هي كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه سلف الأمة فى العقائد والأحوال والعبادات والأعمال والسياسات والأحكام والولايات والعطيات، ثم هي مستعملة في كلام الناس على ثلاثة أنحاء: شرع منزل وهو ما شرعه الله ورسوله، وشرع متأول وهو ما ساغ فيه الاجتهاد، وشرع مبدل وهو ما كان من الكذب والفجور الذي يفعله المبطلون بظاهر من الشرع أو البدع أو الضلال الذي يضيفه الضالون إلى الشرع. والله سبحانه وتعالى أعلم.
 وبما ذكرته في مسمى الشريعة والحكم الشرعي والعلم الشرعي يتبين أنه ليس للإنسان أن يخرج عن الشريعة في شيء من أموره بل كل ما يصلح له فهو في الشرع من أصوله وفروعه وأحواله وأعماله وسياسته ومعاملته وغير ذلك والحمد لله رب العالمين).([6])
وقال ابن خلدون رحمه الله في المقدمة: (هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة في الحقيقة وهي خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به)([7]).
وقال باقر شريف القرشي: (فإن المقياس في صحة السياسة هي موافقتها لكتاب الله العزيز وجريها على سنة نبيه العظيم ]([8])
وقالت الموسوعة السياسية: (السياسة هي النشاط الاجتماعي الفريد من نوعه الذي ينظم الحياة العامة ويقيم التوازن والوفاق من خلال القوة الشرعية).
فالسياسة إذن ليست متغيرات في غالبها بل هي ثابتة ثبوت الشريعة لأنها فرع عنها، فقول القائل: السياسة كلها متغيرات يفضي إلى القول بأن الشريعة كلها متغيرات، ولكن السياسة فرع وثيق للشرع، والشرع يعطي لكل قضية حكمها، على وفقِ أصولِهِ. لأن السياسة من الدين، ولكن الذي سياسته تبعاً لهواه ستكون كلها متغيرات حسب تغير الهوى. (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء: ٨٢.
إلا إذا كان الكاتب استغرب وتبنى المعنى الغربي للسياسة وهو (أن السياسة تقوم على المصالح، والمصالح متغيرة، فالسياسة متغيرة تبعاً لذلك) وذلك حسب مقولة تشرشل رئيس وزراء بريطانيا السابق: (ليس لبريطانيا أعداء دائمون ولا أصدقاء دائمون ولا سياسة دائمة وإنما لها مصالح دائمة) وهنا الخلل، فالسياسة الذي يتحدث عنها هي سياسة الكفار التي لا نقرها أصلاً، ومن ثمَّ فلا شأن لنا بتغييرها، لأنها سياسة الكفر وليست سياسة الإسلام.
6 - قال الكاتب ص1 سطر13 وما بعده: (ولقد درجنا في بعض أوساطنا الإسلامية على مسلمات تكاد تكون غير قابلة للنقاش، من مثل تفسير كل الحركات السياسية لجهات كثيرة مثل إيران وحزب الله تفسيرا دينيا، وبمعنى آخر الخلط بين ما هو سياسي وما هو ديني لتعميق الفتن والفرقة والإثارة).
وأقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا لم تفسر الحركات السياسة على أساس ديني وعقدي فعلى أي أساس نفسرها؟!، إننا إذا تركنا الديني والعقدي؛ لم يبق أمامنا إلا الهوى، أعاذنا الله والكاتب وجميع المسلمين من ذلك، إن الفصل بين الديني والسياسي هو العلمانية المرتدة ذاتها, وحقيقتها, وعينها، وهل الردة العلمانية غير الفصل بين الدين والسياسة؟! وهل الصراع مع كل القوى الآن إلا حول هذا المحور؟! وهل يطمع الكفار إلى غير فصل الدين عن السياسة؟!
فالسياسة كما مر معنا هي منهج وإستراتيجية قيادة الأمة؛ فإذا كان علينا حسب توجيهات الكاتب عدم خلط السياسي بالديني؛ فماذا أبقى لنا الكاتب؛ غير بدع المبتدعين, وضلالات المضلِّين, وأهواء المنحرفين تتقاذفنا ذات الشمال وذات اليمين, ثم ترمي بنا عند مناهج الكافرين؟!!!!.
وهنا لا أستشهد له بأقوال السلفيين الذين لا يحبهم الكاتب -أصلحه الله- بل سأنقل قول أكبر شيوخ الدولة العثمانية الحنفية الصوفية على مذهبه ومذهب أبيه، قال مصطفى صبري، شيخ الإسلام للدولة العثمانية -رحمه الله- في كتابه «موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين» في المجلد الرابع تحت عنوان (الباب الرابع في عدم جواز فصل الدين عن السياسة):
[لكن حقيقة الأمر أن هذا الفصل مؤامرة بالدين للقضاء عليه، وقد كان في كل بدعة أحدثها العصريون المتفرنجون في البلاد الإسلامية كيد للدين, ومحاولة الخروج عليه, لكن كيدهم في فصله عن السياسة أدهى وأشد من كل كيد في غيره، فهو ثورة حكومية على دين الشعب وشق عصا الطاعة منها أي الحكومة لأحكام الإسلام؛ بل ارتداد عنه من الحكومة أولاً, ومن الأمة ثانياً إن لم يكن بارتداد الداخلين في حوزة تلك الحكومة باعتبارهم أفراداً فباعتبارهم جماعة، وهو أقصر طريق إلى الكفر من ارتداد الأفراد؛ بل إنه يتضمن ارتداد الأفراد أيضاً لقبولهم الطاعة لتلك الحكومة المرتدة التي ادعت الاستقلال لنفسها بعد أن كانت خاضعة لحكم الإسلام عليها. وما الفرق بين أن تتولى الأمر في البلاد الإسلامية حكومة مرتدة عن الإسلام وبين أن تحتلها حكومة أجنبية عن الإسلام؛ بل المرتد أبعد عن الإسلام من غيره وأشد, وتأثيره الضار في دين الأمة أكثر, من حيث إن الحكومة الأجنبية لا تتدخل في شؤون الشعب الدينية, وتترك لهم جماعة فيما بينهم تتولى الفصل في تلك الشؤون, ومن حيث إن الأمة لا تزال تعتبر الحكومة المرتدة عن دينها من نفسها فترتد هي أيضاً معها تدريجياً, إن لم نقل بارتدادها معها دفعة باعتبارها مضطرة في طاعة الحكومة, ومن حيث أن موقفها الاضطراري تجاه حكومة تأخذ سلطتها وقوتها من نفس الأمة ليس كموقفها الاضطراري تجاه حكومة لها قوة أجنبية مثلها... لكن البلاد الإسلامية عامة ومصر خاصة مباءة اليوم لفئة تملكوا أزِمَّة النشر والتأليف ينفثون من أقلامهم سموم الإلحاد... لأن القول في فصل الدين عن السياسة معناه ادعاء عدم لزوم الدين للحكومة... فليس معنى تجويز فصل الدين عن السياسة إلا تجويز تجريد الحكومة عن الدين, وهل يجوز في حق الحكومة هذا التجرد الذي لا يجوز في حق الأمة؟ إلا أن الراغبين في تجريد الحكومة من الدين يسمونه فصل الدين عن السياسة تخفيفاً لخطره وسوء تأثيره في سمع الأمة المتدينة, فهم يتوسلون إلى القضاء على دين الحكومة بأن يعبروا عن هذا القضاء بالفصل بين الدين والسياسة, ثم يتوسلون بالقضاء على دين الحكومة إلى القضاء على دين الأمة... أما مجاهرة الخروج عن رقابة الإسلام, ومحاولة عزله عن السياسة.. لأنه إعلان حرب من الحكومة على الإسلام... ثم يعتبر ذلك إعلاناً من الأمة أيضاً...  لتمردها على متبوعها, وخروجها عن طاعته] ([9]).
و قال الشيخ محمد زاهد الكوثري (وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية) رحمه الله في رد على استفتاء حول فصل الدين عن الدولة فقال: [فالمسلم إذا طالب بمثل ذلك في سلامة عقله يجري عليه حكم الردة... وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أن دين الإسلام جامع لمصلحتي الدنيا والآخرة ولأحكامهما دلالة واضحة لا ارتياب فيها، فتكون محاولة فصل الدين عن الدولة كفراً صارخاً منابذاً لإعلاء كلمة الله وعداءاً موجهاً إلى الدين الإسلامي في صميمه، ويكون هذا الطلب من المطالب إقراراً منه بالانبتار والانفصال فَيُلزم بإقراره؛ فنعده عضواً مبتوراً من جسم جماعة المسلمين وشخصاً منفصلاً عن عقيدة أهل الإسلام؛ فلا تصح مناكحته, ولا تحل ذبيحته؛ لأنه ليس من المسلمين, ولا من أهل الكتاب... فيكون من لا يرضى بقضاء الإسلام خارجاً عن عقيدة الإسلام منفصلاً عن جماعة المسلمين، وقال جل جلاله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) البقرة: ٨٥ فيكون الكفر ببعض الكتاب كفراً بالجميع ناقلاً عن الملة. نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وأما الساكت من أهل الشأن عن تأييد الحق في مثل تلك الكارثة فإنما هو شيطان أخرس وردء لأهل الردة] ([10]).
وقال محمد كاظم حبيب: في كتابه الردة. وعدد أنواعها فذكر منها
[أو قال بفصل الدين عن الدولة، أو ظاهر من قال به وسعى في سبيله] ([11]).
7- قال الكاتب في ص1 السطر16: (ومن هذه المسلمات إطلاق الاتهامات بالتخوين والتكفير لكل مخالف وخاصة نظام أسد وحزب الله وإيران)
أقول: أما قول الكاتب إطلاق الاتهامات لكل مخالف، فهذه تهمة للجماعة بالباطل، وهي افتراء واضح؛ فلقد خالف أبوه الشيخ سعيد حوى الجماعة هو وآخرون وانشقوا عنها ولم نعلم أنهم كفروهم، ولقد خالفها غيره كثير ولم نعلم أنهم كفروهم، ولقد خالف الكاتب نفسه عندما كان هواه سابقاً يخالف هواه الحالي بـ180 درجة وأصدر الكتاب المفتوح والذي اتهم فيه الجماعة بالخيانة لأنها تفاوض النظام، والآن غيَّرَ ونكص على عقبيه، (كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً )النحل: ٩٢ ويريد الاستسلام للنظام وليس المفاوضة فقط، ومع هذا لم تكفره الجماعة.
وأقول إن هذا دليل سافر على أن أتباع الهوى لا يثبتون على رأي، فهم مع الهوى، والهوى هو الهوى، تارة يمين وأخرى يسار وأخرى إعصار. والهوى إنما يحمل ما خف وزنه أو طاش لبه، أما الذين يستندون إلى ما أنزل الله فهم أثبت من الشم الرواسي.
ولا يفوتني التنويه بأن الجماعة أو غيرها لا تعدل أثناء الخصومة، ولكن قول الكاتب أنها تكفر كل من خالفها  هو من التعميمات الضالة والبهتان الكبير.
يتبع


[1] - أخرجه أبو داود (4841) و ابن حبان (1994) و البيهقي (3 / 209) و أحمد (2 / 302، 343) و الحربي في (غريب الحديث)  (5 / 82 / 1) من طرق وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة) 1 / 275.
 [2] - (سنن أبي داود)  2864وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود - (6 / 364).
[3]- بدائع الفوائد (3/ 673).
[4] - الأحكام السلطانية، الصفحة الخامسة.
[5] - الغياثي للجويني صفحة 22.
[6] - مجموع الفتاوى - (19 / 308)
[7] - مقدمة ابن خلدون ص 19.
[8] - نظام الإسلام السياسي لباقر شريف القرشي ص58
 [9]  - موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين, (4 / 281) وما بعدها.
[10]  - مقالات الكوثري ص / 368, وكتبه الكوثري بتاريخ 8 رجب 1369 هـ.
[11] - كتاب الردة بين الأمس واليوم - محمد كاظم حبيب، ص / 30 - 35.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.