لا
تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته(51)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة حكم الشرع فيمن
يشرع من دون الله ويبدل أحكام الله بعدما ثبت بالأدلة قيام المملكة السعودية
بالتشريع من دون الله وإلزام الرعية بهذه القوانين الوضعية كما تفعل سائر الدول التي
يحكمه حكام مرتدون. ويتابع في هذه الحلقة في نفس السياق.
69- قال الشيخ عبد العزيز مصطفى كامل: [ إن الغرض إذن
من إفراد الله تعالى بالطاعة والاحتكام أن يرد البشر إلى الله وحده بخضوعهم إليه
في شئون حياتهم كلها حتى يتحقق معنى شهادة (أن لا إله إلا الله) بإفراد الله
بالربوبية والإلهية والتشريع التي هي من
خصائص الألوهية... وإذا كان التوحيد والحكم والتحاكم فيه بهذه المثابة في الدين
فلا عجب أن نرى القرآن وهو كتاب التوحيد قد أرسى قواعده وأقام بنيانه وفصل أتم
تفصيل وحسم مادة الشرك حتى لا تطال جنابه.
وقد قسم علماء الدين الشرك إلى ثلاثة أنواع:
الأول: شرك في العبادة.
الثاني: شرك في الإيمان والقبول.
الثالث: شرك في الطاعة والانقياد ] ([1]).
- وبعد سرد مراحل تبديل الشريعة الإسلامية وإحلال
القوانين الوضعية مكانها قال:-
[ وهكذا بدلت الشريعة في الديار الإسلامية إلا النادر
اليسير وبدل بذلك الدين فما شريعة الإسلام إلا الدين الحق وما القانون الوضعي إلا
نوع من الدين الباطل الجديد.
الدين الوضعي: إنه دين بكل ما تحمله الكلمة من معنى،
هكذا يريد معتنقوه له فالدين الذي تمثل القوانين الوضعية شريعته له مصادره
التشريعية وله سدنته وفقهاؤه وله محاريبه ودوره، فأصحابه يجدون ويجتهدون في إسباغ
كل صفات القداسة والتقدير والاحترام عليه، في الوقت الذي يغضون فيه من شأن الشريعة
الإلهية بالقول والعمل ففي الوقت الذي يطلقون فيه على سدنة تلك الديانة من
الوضاعين أوصاف (الفقهاء) (المتشرعين) ويسمون العلم به (الفقه الدستوري) ويطلقون
على المحاكم التي تقضي بأحكام تلك الديانة (محراب القضاء).. و (حرم المحكمة) فإنهم
يسمون البرلمانات التي تفتريها (المجالس التشريعية) ويجعلون للدستور قداسة لا
تدانيها قداسة لأي كتاب آخر ويحرمون ويجرمون المساس بهذا الدستور ويجعلون له الفوقية
على بقية التشريعات فيما يسمونه بـ (سيادة الدستور) ويقصدون به سمو الدستور على
القوانين العادية وعلى كل السلطات في الدولة فلا يصدر قانون على خلاف حكم الدستور
ذلك لأن الدستور يعتبر القانون الأساسي في الدولة ويقوم بتحديد نظام الحكم وطريقه،
وهو الذي يحدد لرجال الحكم السند (الشرعي) لتصرفاتهم التي تستوجب إلزام الأفراد
باحترام ما يصدر عنه من أوامر ونواه. فكل قانون يصدر عن السلطة التشريعية ويجيء
مخالفا لنص الدستور أو روحه لا يستند إلى أساس شرعي لأن النص الدستوري هو القمة
الهرمية للقواعد القانونية ] ([2]).
ثم قال: [ التبديل ينقض قواعد الإيمان والتبديل ينقض
قواعد الإسلام، التبديل ردة صريحة ودخول في ملة الكفر الأكبر ] ([3]).
70- قال الشيخ سفر الحوالي: [ فالذي يقول يجوز لنا أن
نحكم بغير ما أنزل الله في حالات مستثناة, ويتعلل بأي علة, مع اعتقاده أن حكم الله
هو الأفضل, وأنه لا يساويه ولا يدانيه أي حكم, وهو العدل, وهو القسط, لكن يجوز أن
يتحاكم إلى غيره!! فهذا أيضاً نوع من أنواع الكفر الأكبر الناقل عن الملة ] ([4]).
وقال: [ ومن العجب أن كل من يكتب في تنحية شرع الله
يسمون في اصطلاح المفكرين الغربيين والمستشرقين وأذنابهم: "المصلحين"
"زعماء الإصلاح" فيقولون: المصلح عبد الرحمن الكواكبي ! والمصلح جمال
الدين الأفغاني ! ] ([5]).
71- ويقول الشيخ عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف:[
ويمكن أن نحدد أهمية إفراد الله تعالى بالحكم، وبيان منزلة الحكم بما أنزل الله من
خلال العناصر التالية:
1- منزلته من توحيد العبادة:
إن الحكم
بما أنزل الله تعالى وحده هو إفراد الله تعالى بالطاعة، والطاعة نوع من أنواع
العبادة، فلا تصرف إلا لله وحده لا شريك له، قال تعالى: {إنِ الحُكْمُ إلاَّ
لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ } وقال
سبحانه: {وهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ
هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ}،
فعبادة الله تعالى تقتضي إفراده عز وجل بالتحليل والتحريم، حيث قال سبحانه: {
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ
والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا
إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا
يُشْرِكُونَ } وتحقيق هذه الطاعة، وإفراد الله تعالى بالحكم والانقياد لشرعه هو
حقيقة الإسلام، وكما قال ابن تيمية: » فالإسلام يتضمن الاستسلام لله
وحده، فمن استسلم له ولغيره كان مشركاً، ومن لم يستسلم له كان مستكبراً عن عبادته،
والمشرك به والمستكبر عن عبادته كافر، والاستسلام له وحده يتضمن عبادته وحده،
وطاعته دونه « ([6]).
.... وفي المقابل فإن من أشرك مع الله في حكمه، فهو
كالمشرك في عبادته، لا فرق بينهما، كما قال الشنقيطي: » الإشراك بالله في حكمه، والإشراك في عبادته كلها بمعنى واحد، لا
فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله،
كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد،
وكلاهما مشرك بالله « ([7]). ويقول أيضاً: ويفهم من هذه الآية {ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ
أَحَداً… }أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا
المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة
بدعوى أنها ذبيحة الله {ولا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ
عَلَيْهِ وإنَّهُ لَفِسْقٌ وإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ
لِيُجَادِلُوكُمْ وإنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم،
وهذا الإشراك في الطاعة، واتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى، هو المراد بعبارة الشيطان في قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا
بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ % وأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ }،...، والطاغوت
عام، فكل ما عبد من دون الله ورضي بالعبادة من معبود، أو متبوع، أو مطاع في غير
طاعة الله ورسوله، فهو طاغوت ([8]).
2- منزلته من التوحيد العلمي الخبري:
الحكم بما أنزل الله تعالى من توحيد الربوبية ؛ لأنه
تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته وكمال ملكه وتصرفه، ولهذا سمى الله تعالى
المتبوعين في غير ما أنزل الله تعالى أرباباً لمتبعيهم، فقال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ
ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا
أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ }
وكما يقول محمد رشيد رضا - في بيان معنى الشرك في
الربوبية -: » هو إسناد الخلق والتدبير إلى غير الله تعالى معه، أو أن تؤخذ
أحكام الدين في عبادة الله تعالى والتحليل والتحريم عن غيره، أي غير كتابه ووحيه
الذي بلغه عن رسله ([9]).
...كما أن حقيقة الرضا بالله رباً توجب إفراد الله
تعالى بالحكم، واختصاصه تعالى بالخلق لأمر، حيث قال سبحانه: {أَلا لَهُ الخَلْقُ
والأَمْرُ }، وقال سبحانه: {قُلْ إنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ } فالأمر كله لله
تعالى وحده، سواءً كان. هذا الأمر أمراً كونياً قدرياً، أو شرعياً دينياً...
3 - منزلته من توحيد الاتِّباع:
والمقصود بتوحيد الاتباع تحقيق المتابعة لرسول الله صلى
الله عليه وسلم فتوحيد الاتِّباع هو توحيد الرسول بالتحكيم والتسليم والانقياد
والإذعان ([10])،
وإذا كان الأمر كذلك فلا شك أن الحكم بما أنزل الله هو توحيد الاتِّباع. قال الله
تعالى: {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ
ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }.
...كما أن الحكم بما أنزل الله هو تحقيق للرضى بمحمد صلى
الله عليه وسلم رسولاً ونبياً، ولذا يقول ابن القيم: وأما الرضى بنبيه رسولاً:
فيتضمن كمال الانقياد له، والتسليم المطلق إليه، بحيث يكون أولى به من نفسه، فلا
يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته ولا يحاكم إلا إليه، ولا يحكم عليه غيره، ولا
يرضى بحكم غيره البتة، لا في شيء من أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من
أذواق حقائق الإيمان ومقاماته، ولا في شيء من أحكام ظاهره وباطنه، ولا يرضى في ذلك
بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه ([11]).
بل إن الحكم بما أنزل الله تعالى هو معنى شهادة أن
محمداً رسول الله، وكما
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ومعنى شهادة أن محمداً
رسول الله طاعته فيما
أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى وزجر، وأن لا
يعبد إلا بما شرع ([12])
.
4- منزلته من الإيمان:
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين امنوا يَا أَيُّهَا
الَذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإن
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إن كُنتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً }
من خلال هذه الآيات الكريمات ندرك منزلة تحكيم شرع
الله تعالى من الإيمان، فلقد عدّ الشارع هذا التحكيم إيماناً كما قال تعالى: {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ
حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ
ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً }
يقول ابن حزم: فسمى الله تعالى تحكيم النبي صلى الله
عليه وسلم إيماناً، وأخبر الله تعالى أنه لا إيمان إلا ذلك، مع أنه لا يوجد في
الصدر حرج مما قضى، فصح يقيناً أن الإيمان عمل وعقد وقول ؛ لأن التحكيم عمل، ولا
يكون إلا مع القول، ومع عدم الحرج في الصدر وهو عقد ([13]).
ولا شك أن تحكيم الشريعة انقياد وخضوع لدين الله
تعالى، وإذا كان كذلك فإن عدم تحكيم هذه الشريعة كفر إباء وردة امتناع، وإن كان
مصدقاً بها، فالكفر لا
يختص بالتكذيب فحسب كما زعمت المرجئة]([14]).
[8] - انظر أعلام الموقعين 1/49 - 50، وانظر رسالة معنى الطاغوت لمحمد بن عبد
الوهاب (مجموعة التوحيد) ص 260.
0 التعليقات:
إرسال تعليق