أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (90)
تعريف بالماسونية التي انتسب إليها من
رشحهم محمد عمارة رواداً
رضوان محمود نموس
نتكلم في هذه الحلقة عن الماسونية
التي دخل بها الرواد الذين يعينهم عمارة للصحوة الإسلامية بل والأمة ويقدم هؤلاء
على أنهم هم الرواد في الوقت الذي يحاول إهالة النسيان والجحود على جهود العلماء
والرواد الحقيقيين ويصر على تشويه حقائق الإسلام بالباطل. عمارة هذا الذي وصفه
القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي
من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة
نت) 3/11/2010
الفصل الرابع
الماسونية والبروتستانت
إن أكبر إنجاز حققته الماسونية
هو في قيام حركة مارتن لوثر ([1]) وكالفن
بما سموه الحركة الإصلاحية المسيحية, حيث استطاعوا إنشاء مذهب مسيحي كبير, وهو
مسيحي اسماً, يهودي توراتي حقيقةً، بل يسعى لخدمة اليهود أكثر من اليهود أنفسهم,
إذ ربط نفسه بالتوراة وبنبوءاتها, وأصبح جزءاً من أصول هذا المذهب العمل لإقامة
هيكل سليمان.
جاء في تاريخ الماسونية العام:[
زادت الكهنة كرها للماسونية واضطهادا فكانوا يشكون منها سرا وجهرا لما رأوا من
انتشار تعاليم لوثر بدعوى أن هذا الرجل كان من جماعة البناءين لأنهم رأوا عددا من
الماسون بين دعاته فشدد الكهنة النكير على الماسونية وأشاعوا أنها ساعية في
الكنيسة فسادا وفي الدولة تقويضا وأنها إذا لم توقف عند حدها لا تنفك عن الدين حتى
تلحقه بالأرض ولا عن الملوك حتى تسلب ما في أيديهم ]([2]) .
هذا المذهب الذي عرف باسم البروتستانتية([3])
التي انتشرت بداية تحت اسم الإصلاح بعد أن اخترق الماسون الكنيسة, ووصل عدد
منهم إلى رتبة أساقفة وكرادلة, وكان أول انتشارها في ألمانيا، كما انتشرت
البروتستانتية في بريطانيا على أيدي اليهودي (كالفن)([4])
وأنصاره.
يقول وليام غاي كار:[ وقد قرر
المتآمرون أول الأمر على شق الشعب الإنجليزي وإيقاع الخلاف بين الكنيسة والدولة
وللوصول إلى ذلك أدخلوا الكالفينية وعلى العكس مما يعتقده كثير من الناس فإن مذهب
كالفن من صنع اليهود وقد استعملوه خصيصا لإيقاع الانقسام بين المسيحيين وشق الشعب،
أما الاسم الأصلي لكالفن فهو كوهين وكان قد غير اسمه من كوهين إلى كاوفين إبان
انتقاله من سويسرا إلى فرنسا للتبشير بدعوته ولما انتقل إلى إنكلترا أصبح اسمه
كالفن ويبين لنا التاريخ كيف أن سويسرا كانت المنشأ الأول للعديد من الثورات
والمؤامرات كما يبين لنا كيف أن الزعماء الثوريين من اليهود كانوا يغيرون أسماءهم
لإخفاء أصلهم الحقيقي. وفي عام 1936م وخلال احتفالات بناي برث اليهودية في باريس
أكد المحتفلون بحماس بالغ أن كالفن كان يهودي الأصل ]([5]) .
فاستطاع الماسون بهذه العملية ربط النصارى بالتوراة,
والعمل على تحقيق نبوءات التوراة دون أن يجعلوهم يهوداً بالاسم, إنما أصبحوا يهوداً
عملياً, لذا سنرى فيما يأتي من بحث كيف أن بريطانيا وأمريكا مهد البروتستانتية
التي انفصلت عن الكنيسة الكاثوليكية تدعم اليهود أكثر من اليهود أنفسهم.
يقول أنور الجندي:[ لكن المؤرخ
توينبي يشير في بحثه عن اليهود والغرب إشارات ذات بال عن مدى ما كان للحركة
البروتستانتية من أثر في تحطيم جبهة الكنيسة الكاثوليكية الموحدة المعادية لليهود
وهذا يعني بصراحة لم يصل إليها توينبي أن البروتستانتية قد أصبحت سواء في إنجلترا
أو هولندا أو في الولايات المتحدة عش الصهيونية ]([6]) .
§
بل لقد [ نشر مارتن لوثر زعيم
حركة الإصلاح ورائد المذهب البروتستانتي كتاباً في العام 1523م باسم (عيسى ولد يهوديا) قال فيه: (إن الروح القدس
أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم وأن اليهود هم أبناء الله ونحن
الضيوف الغرباء ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التي تأكل مما يتساقط من فتات مائدة أسيادها كالمرأة
الكنعانية تماماً ) ]([7]).
وجاء في كتاب (النبوءة والسياسة)
تأليف (غريس هالسل) ترجمة محمد السماك: [والحقيقة أن رياح التغيير في الموقف
المسيحي تجاه اليهود بدأت منذ ظهور الحركة الإصلاحية البروتستانتية في القرن
السادس عشر حيث أطاحت هذه الحركة بحق الكنيسة في احتكار تفسير الكتاب المقدس
وتحديد الرؤية المسيحية الفكرية، ولذلك تم إحياء النص التوراتي وبدأ التفسير
الحرفي للنصوص المتعلقة باليهود يحل محل التأويلات والتفسيرات التي تبنتها الكنسية
الكاثوليكية الأم وبدأت النظرة إلى اليهود تتغير تدريجيا، وبدأ التهويد يشق طريقه
نحو المسيحية الغربية. ومنذ بواكير القرن السابع عشر بدأ النصارى البروتستانت في
الغرب ينظرون إلى اليهود على أنهم شعب مميز وأخذوا يعتقدون أن عودة اليهود إلى
فلسطين شرط لتحقيق المجيء الثاني للمسيح وأن مساعدة اليهود لتحقيق هذه الغاية أمر
يريده الله لأنه يعجل بمجيء المسيح الذي يحمل معه الخلاص والسلام حيث ساد الاعتقاد
أن النصارى المخلصين سوف يعيشون مع المسيح في فلسطين ألف سنة في رغد وسلام قبل يوم
القيامة. طبقا لبعض التفسيرات الحرفية لسفر رؤيا يوحنا اللاهوتي. ولقد أدى تيار
الصهيونية المسيحية هذا إلى قيام حركة الصهيونية بتشجيع اليهود للالتفاف حولها
وعندما تردد هرتزل في اختيار فلسطين كأرض يقام عليها كيان صهيوني أرسل إليه المبشر
(وليم بلاكستون) أحد الصهاينة المسيحيين البارزين نسخة من الكتاب المقدس تظهر فيه
علامات وضعها هو تشير إلى عودة اليهود إلى الأراضي المقدسة وهذه النسخة ما تزال
معروضة إلى جانب ضريح هرتزل في القدس، وفي المؤتمر الأول للحركة الصهيونية الذي
انعقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897م دخل القس البروتستانتي (وليام هيشلر) إلى
قاعة المؤتمر مع هرتزل وهتف بحياة الزعيم الصهيوني قائلا يحيا الملك وخطب في الصهاينة
قائلا: "استفيقوا يا أبناء إسرائيل فالرب يدعوكم للعودة إلى وطنكم القديم
فلسطين " ومن الثابت تاريخيا أن الكنيسة البروتستانتية قد لعبت دورا فعالا
وهاما في قيام الكيان الصهيوني عن طريق حشد الرأي العام الغربي والمؤسسات الحكومية
الرسمية إلى جانب الصهاينة وجمع الأموال لهم وتشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
يقول حاييم وايزمان في مذكراته:" وللقارئ أن يسأل
ما أسباب حماسة الإنجليز لمساعدة اليهود وشدة عطفهم على أماني اليهود في فلسطين؟
والجواب على ذلك أن الإنجليز ولا سيما من كان منهم من المدرسة القديمة هم أشد
الناس تأثرا بالتوراة وتدين الإنجليز هو السبب الذي ساعدنا في تحقيق آمالنا لأن
الإنجليزي المتدين يؤمن بما جاء في التوراة من وجوب عودة اليهود إلى فلسطين وقد
قدمت الكنيسة الإنجليزية في هذه الناحية أكبر المساعدات ]([8])
.
ثم جاء في الكتاب السابق: [ وعلى صعيد الكنيسة البروتستانتية
فإن الاعتراف بالكيان الصهيوني لم يكن مشكلة منذ البداية ولكن من أجل إعطاء هذا
الكيان الشرعية الدينية المسيحية بدأت تشهد ظهور تفسيرات لاهوتية جديدة تدعي أن
الكيان الصهيوني هو استمرار لدولة إسرائيل القديمة وأن الشعب اليهودي اليوم هو
استمرار للشعب الإسرائيلي القديم وأن اختيار الشعب الإسرائيلي ما زال قائما والوعد
بالأرض ما زال مستمرا وأن العلاقة بين الشعب والأرض باقية بل إن هناك تيارا قويا
داخل الكنيسة البروتستانتية يدعو إلى عدم تبشير اليهود لأنهم ما زالوا شعبا مختارا
وعمليا فإننا لا نسمع اليوم عن أي تبشير مسيحي بين اليهود ومنذ السبعينات يشهد
العالم الغربي حركة صهيونية مسيحية جديدة تتركز في الولايات المتحدة وبعض دول
أوربا تدعو هذه الحركة إلى دعم الكيان الصهيوني من أجل تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى
من الفرات إلى النيل وتمكين الصهاينة من السيطرة على القدس وإعادة بناء الهيكل
مكان المسجد الأقصى لأن ذلك شرط لازم في اعتقادها لعودة المسيح، وقد قدم ممثلو هذه
الحركة إلى الرئيس ريغان في11نوفمبر 1982 مذكرة تقول:" إن الله أعطى أرض
إسرائيل للشعب اليهودي وإن الكتاب المقدس يرسم حدود دولة إسرائيل وهي حدود تتجاوز
حدود الدولة الحاضرة وحق إسرائيل في يهوذا والسامرة يستند إلى التاريخ الكتابي
والمعاصر. وتؤكد هذه الحركة أن تأييد إسرائيل ليس اختيارا بل هو قضاء إلهي،
والوقوف ضد إسرائيل وقوف ضد الرب يستدعي غضبه ونقمته " كما يعتقد أتباع هذه الحركة أنه ما لم تقم حرب نووية في
هرمجدون في فلسطين بين قوى الخير متمثلة في الولايات المتحدة وحلفائها وقوى الشر
فلن يعود المسيح ولن يكون هناك سلام على الأرض ]([9])
.
وقال صاحب كتاب الأصولية الإنجيلية:[ إن الأدبيات
الدينية اليهودية احتلت الموقع الممتاز في معركة الإصلاح الديني... الأدبيات
اليهودية التي تسربت إلى صميم العقيدة المسيحية تدور حول أمور ثلاثة:
الأمر الأول: هو أن اليهود هم شعب الله المختار، وأنهم
يكونون بذلك الأمة المفضلة على كل الأمم.
الأمر الثاني:
هو أن ثمة ميثاقا إلهيا يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين، وأن هذا الميثاق
الذي أعطاه الله لإبراهيم عليه السلام هو ميثاق سرمدي حتى قيام الساعة.
الأمر الثالث: هو ربط الإيمان المسيحي بعودة السيد
المسيح بقيام دولة صهيون، أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم.
هذه الأمور الثلاثة ألفت في
الماضي وهي تؤلف اليوم قاعدة الصهيونية المسيحية التي تربط الدين بالقومية، والتي
تسخر الاعتقاد الديني المسيحي لتحقيق مكاسب يهودية.
ثم التهويد من خلال الحركة البروتستانتية أولا، وبعد
ذلك من خلال الحركة التطهيرية، كانت الكنيسة الكاثوليكية تتمسك باعتقادها بأن ما
يسمى بالأمة اليهودية قد انتهى وأن الله طرد اليهود من فلسطين إلى بابل عقابا على
صلب المسيح. وكانت الكنيسة تعتقد أيضا أن النبوءات الدينية التي تتحدث عن العودة
تشير إلى العودة من بابل، وأن هذه العودة قد تمت بالفعل على يد الإمبراطور الفارسي
قورش.
الفيلسوف الديني لهذا الاعتقاد هو القديس أوغسطين الذي
كان يعتبر القدس مدينة العهد الجديد، وأن فلسطين هي إرث المسيح للمسيحيين.
الإصلاح الديني تنكر لهذا الاعتقاد، وطرح الإيمان بأن
اليهود هم الأمة المفضلة، وأن عودتهم إلى أرض فلسطين تحقق وعد الله، وأن هذه
العودة ضرورية لعودة المسيح وقيام مملكته مدة ألف عام (الألفية) .
تكريسا لهذا التحول، أصبح العهد القديم المرجع الأعلى
لفهم العقيدة المسيحية وبلورتها، وفتح باب تفسير نصوصه أمام الجميع لاستخراج
المفاهيم الدينية دون قيود. كذلك اعتبرت
اللغة العبرية -باعتبارها اللغة التي أوحى بها الله واللسان المقدس الذي خاطب به
شعبه المختار- هي اللغة المعتمدة للدراسة الدينية.
من خلال ذلك تغلغل الفكر اليهودي
إلى قلب الحركة الدينية حتى أن الفيلسوف اليهودي الهولندي (هوجوغر ويتوس) نشر
كتابا عنوانه (حقيقة الدين المسيحي) سفه فيه التحقير المسيحي لليهودي، وأبرز
الجوامع المشتركة بين اليهودية والمسيحية الجديدة (البروتستانتية).
بعد انفصال الملك هنري الثامن عن روما، اقتحمت حركة
الإصلاح الديني بريطانيا وتمركزت فيها. وهناك ظهرت أول دعوة لانبعاث اليهود كأمة
الله المفضلة في فلسطين، على يد عالم اللاهوت اليهودي البريطاني توماس برايتمان
1562, 1607م فقد نشر كتاب (Apocalypsis
Apocalypscos) وهو الكتاب الذي قال فيه: إن الله يريد عودة اليهود
إلى فلسطين ليعبدوه من هناك حيث يفضل الله أن تتم عبادته على أي مكان آخر... تحلق
حول هذه الدعوة عدد من الشخصيات البريطانية الأدبية والفكرية والسياسية، أحد هؤلاء
هنري فنش الذي قال في كتاب له صدر في عام 1621م: (ليس اليهود قلة مبعثرة بل إنهم
أمة. ستعود أمة اليهود إلى وطنها، وستعمر كل زوايا الأرض.. وسيعيش اليهود بسلام في
وطنهم إلى الأبد) !
منذ القرن السادس عشر تجاوزت
اليهودية حدود العقيدة الدينية، وأصبحت أمة ورمزا للقومية، حتى الكتاب المقدس-العهد
القديم- تحول منذ ذلك الوقت المبكر من كتاب دين إلى كتاب سياسي يقوم على قاعدة
العهد الإلهي للأرض المقدسة للشعب اليهودي المختار. هذه المعتقدات الدينية
المسيحية أصبحت جزءا من عقيدة الكنيسة البروتستانتية الجديدة ومن جوهر طقوسها، ومن
خلالها تحولت إلى قاعدة عامة للتربية الدينية، خرّجت أتباعا لها ومؤمنين بها من
رجال السياسة والأدب والفكر، وشهدت المرحلة البيوريتانية في القرن السابع عشر
العصر الذهبي لهذه المعتقدات بعد تراجعها الكبير في العهد الإلزابيثي في هذه
المرحلة ظهرت الطبعة الأولى لنسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس، وبموجبها أصبح
العهد القديم المصدر الأساسي إن لم يكن المصدر الوحيد للاجتهاد، ولاستنباط الأحكام
والفلسفة الدينيتين اللتين فتحتا أبوابهما بعد أن أبيح حق التأويل الشخصي على حساب
إسقاط احتكار هذا الحق بالكنيسة عموما وبالبابوية خصوصا.
لعل أبرز مظاهر التطرف في هذا العهد هي:
1.
استعمال العبرية لغة الصلاة في الكنائس وفي أثناء
تلاوة الكتاب المقدس.
2.
تعميد الأطفال في الكنائس بأسماء عبرية بعد أن كان يتم
تعميدهم بأسماء القديسين المسيحيين.
3.
نقل يوم الاحتفال الديني ببعث المسيح إلى يوم السبت
اليهودي.
أما على الصعيد السياسي فإن مجموعة لفلرز، وهي مجموع
بيوريتارنية جمهورية، طالبت الحكومة بأن تعلن التوراة دستورا لبريطانيا.
وفي العام 1649م وجه من هولندا
عالما اللاهوت البيوريتيان (التطهيريان) الإنجليزيان جوانا وألينزر كارترايت مذكرة
إلى الحكومة البريطانية طالبا فيها: (بأن يكون للشعب الإنجليزي ولشعب الأرض المنخفضة
شرف حمل أولاد وبنات إسرائيل على متن سفنهم إلى الأرض التي وعد الله بها أجدادهم
إبراهيم وإسحاق ويعقوب ومنحهم إياها إرثا أبديا) .
تكمن أهمية هذه المذكرة في أمرين:
الأمر الأول: أنها تعبر عن مدى التحول في النظرة إلى
فلسطين (والقدس) من كونها أرض المسيح المقدسة (التي قامت الحروب الصليبية بحجتها)
إلى كونها وطنا لليهود.
الأمر الثاني: أنها كانت أول تعبير عن التحول من
الإيمان بأن عودة المسيح تحتم أن تسبقها عودة اليهود إلى فلسطين، وأن العودتين لن
تتحققا إلا بتدخل إلهي، إلى الإيمان بأن هاتين العودتين (عودة اليهود وعودة
المسيح) يمكن أن تتحققا بعمل البشر.
كان أوليفر كرومويل أو أهم سياسي بريطاني يتبنى مضمون
هذه المذكرة، ذلك أنه كان على مدى عشر سنوات 1649-1658م رئيسا للمحفل البيوريتاني.
وهو الذي دعا إلى عقد مؤتمر 1655م في الهوايت هول للتشريع لعودة اليهود إلى بريطانيا (أي إلغاء قانون النفي
الذي اتخذه الملك إدوارد) .
حضر المؤتمر إلى جانب كرومويل العالم اليهودي مناسح بن
إسرائيل الذي ربط الصهيونية المسيحية بالمصالح الإستراتيجية لبريطانيا، ومن خلال
عملية الربط تلك تحمس كرومويل لمشروع التوطين اليهودي في فلسطين منذ ذلك الوقت
المبكر.
اعتمد هذا الربط فيما بعد، حاييم وايزمان مع لويد جورج
(بعد عشرة أجيال) إن توظيف الدافع الديني لتحقيق مكاسب سياسية ذات بعد استراتيجي
أسس القاعدة الثابتة للصهيونية المسيحية، أولا في بريطانيا وأوربا وبعد ذلك في
الولايات المتحدة.
في تلك الفترة المبكرة راجت أفكار دينية تقول إن
المعاناة التي واجهتها بريطانيا في الحرب الأهلية التي سبقت ظهور الحركة
البيوريتانية مردها إلى غضب الله بسبب سوء معاملة اليهود.
ألف ذلك الركيزة الدينية-السياسية- الفكرية الأولى
للصهيونية المسيحية في بريطانيا، أما في أوربا فقد قامت الركيزة في هولندا التي
تكونت بعد الحرب الدينية بين الكاثوليكية
الأسبانية والبروتستنتية الألمانية في العام 1565م بهزيمة القوات الكاثوليكية
في العام 1609م تكونت جمهورية هولندا على أساس المبادئ البروتستانتية الكالفينية
(نسبة إلى اللاهوتي كالفن) . هذا الانتصار البروتستنتي أدى إلى انتشار تيار
المسيحية الصهيونية في أوربا، حتى إنه صدر في فرنسا كتاب للعالم الفرنسي فيليب
جنتل ديلانجلير 1656, 1717م دعا فيه إلى مقايضة السلطان العثماني مدينة القدس
بمدينة روما تسهيلا لتوطين اليهود في فلسطين، وصدرت كتب مماثلة في ألمانيا والدول
الإسكندنافية وخاصة في السويد والدانمارك.
لم تقف أدبيات الصهيونية المسيحية عند حدود الكنيسة
فمن أجل تأصيل هذه الأدبيات وتعميمها في جميع شرائح المجتمع، كان لا بد من بناء
هيكل أدبي فوق قواعدها الفكرية، عكس ذلك ميلتون في قصيدته الفردوس المفقود حيث
يقول: (إن الله سيشق لليهود طريق البحر ليعودوا فرحين مسرورين إلى وطنهم، كما شق
لهم طريق البحر الأحمر ونهر الأردن عندما عاد آباؤهم إلى أرض الميعاد، إنني أتركهم
لعناية الله، وللوقت الذي يختاره من أجل عودتهم) .
وبالإضافة إلى ميلتون، ترددت أفكار مشابهة في قصائد
وأعمال أدبية للورد بايرون وكولر يدج والكسندر بوب ووليم بليك، كما ترددت في
كتابات جان راسين وجاك بوسيه. وتعتبر روايات جورج آليوت دانيال ديروندا من
الأدبيات التوراتية التي تنبأت بقيام إسرائيل جمهورية تسود فيها العدالة والحرية
والرخاء.
هذه التوجهات فلسفها فلاسفة ألمانيا وبريطانيا وفرنسا
الكبار في القرن السابع عشر حتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من القناعات التي تفرض نفسها
في عملية اتخاذ القرار السياسي في الدوائر الحكومية في كل الدول الأوربية.
من هذه التربية الفكرية نبتت (جمعية لندن لتعزيز
المسيحية بين اليهود) وفي العام 1807م، وكان اللورد أنطوني إشلي كوبر (إيرلشا
فتسبري) أحد أبرز أركانها.
ففي العام 1839م نشر مقالا يقع في ثلاثين صفحة أكد فيه
أن اليهود سيبقون غرباء حتى يعودوا إلى فلسطين، وأن الإنسان قادر على تحقيق إرادة
الله بتسهيل هذه العودة، وأن اليهود هم الأمل في تجدد المسيحية وعودة المسيح، وفي
هذا المقال أيضا يرفع أنطوني كوبر، ولأول مرة شعار (وطن بلا شعب لشعب بلا وطن) ]([10])
.
[1]
- مارتن لوثر: راهب ألماني عاش ما بين 1483م إلى 1546م، زعيم حركة الإصلاح
البروتستانتي في ألمانيا, هاجم الكنيسة الكاثوليكية, وقدم اعتراضا علقه على باب
كنيسة ويتنبرغ من خمسة وتسعين فقرة عام 1517م، أصدر البابا ليو العاشر قرارا
بحرمانه ترجمة التوراة إلى الألمانية عام 1534م, وانتشر مذهبه في الدانمارك
والنرويج والسويد وإيسلندا ودول البلطيق, كما انتشر بشكل كبير في الولايات المتحدة
الأمريكية، ولا تعترف اللوثرية بسلطة البابا, وجمعوا الإنجيل والتوراة تحت اسم
الكتاب المقدس, وأصبح هو مرجعهم الوحيد دون شروح الباباوات والقساوسة.
[2]
- تاريخ الماسونية العام, جرجي زيدان, (ص / 68).
[3]
- البروتستانتية: حركة دينية ذات جذور ماسونية توراتية يهودية تضم وتنظم مختلف
الكنائس المسيحية ما عدا الكنيسة الكاثوليكية الرومانية والكنيسة الشرقية
الأرثوذكسية، وقد نشأت معظم الكنائس البروتستانتية في القرن السادس عشر, وهي لا
تعترف بسلطة البابا, وتطرح كثيرا من الطقوس الدينية التقليدية, وتؤكد على مرجعية
الكتاب المقدس بشقيه التوراة والإنجيل, وتعتقد بأن اليهود شعب الله المختار اختاره
الله وأعطاه فلسطين, وأن اليهود هم حملة
الحق في الدنيا، ومركز الكنيسة البروتستانتية في بريطانيا، وتسمى الكنيسة
الإنكليكانية برئاسة كبير أساقفة كانتر بريCanterbury) ). انفصلت عن الكنيسة
الكاثوليكية عندما سحب ملك بريطانيا هنري الثامن اعترافه بسلطة البابا وأعلن نفسه
رئيسا أعلى لكنيسة إنكلترا عام 1534م.
والبروتستانتية
مأخوذة منProtestation)
)
أي الاحتجاج والاعتراض والبروتستانتي محتج معترض.
[4]-
كالفن جون: عاش ما بين 1509م إلى 1564م, لاهوتي يهودي الأصل ثم ادعى أنه تنصر، نشر
راية الإصلاح الديني البروتستانتي، أنشأ حكومة دينية في جنيف، ثم انتشر مذهبه
بكثرة في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، ويعتمد مذهبه على اعتبار أن الأصل
هو اتباع الكتاب المقدس. وأصل الكتاب المقدس هو التوراة، وعيسى يهودي الأصل,
والعهد الجديد إنما هو تعديلات طفيفة على التوراة, ولا يكون المسيحي مؤمنا حتى
يعمل على تحقيق ما في التوراة باستثناء التعديلات التي جاء بها عيسى.
[5]
- أحجار على رقعة الشطرنج, (ص / 64).
[6]
- المخططات التلمودية, أنور الجندي, (ص / 41).
[7]- نقلا من الأصول
الإنجيلية أو الصهيونية المسيحية والموقف الأمريكي, محمد السماك ص/ 53,36.
باختصار.
[8]
- النبوءة والسياسة -غريس هالسل- ترجمة محمد السماك, (ص / 9-10).
[9]-
المصدر السابق, (ص/ 13-14).
0 التعليقات:
إرسال تعليق