أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (24)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة الرد على محمد عمارة فيما زعمه من أن الحكم والخلافة شأن دنيوي للدين فيه دخل بل هو أمر عقلي وليس للإسلام الحق في تنظيم الدولة أو التدخل في شؤونها عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي: [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
ومن الإجماع:
1- قال الإمام الجويني: [ الإمامة رياسة تامة وزعامة عامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا متضمنها حفظ الحوزة ورعاية الرعية وإقامة الدعوة بالحجة والسيف وكف الجنف والحيف والانتصاف للمظلومين من الظالمين واستيفاء الحقوق من الممتنعين وإيفاؤها على... بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة واتفاق مذاهب العلماء قاطبة أما أصحاب رسول الله رأوا البدار إلى نصب الإمام حقا وتركوا بسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ودفنه مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة ولا يرتاب من معه مسكة أن الذب عن الحوزة والنضال دون حفظ البيعة محتوم شرعا ولو ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع ولا يزعهم وازع ولا يردعهم عن اتباع خطوات الشيطان رادع مع تفنن الآراء وتفرق الأهواء لتبتر النظام وهلك الأنام وتوثب الطغام والعوام وتحزبت الآراء المتناقضة وتفرقت الإرادات المتعارضة وملك الأرذلون سراة الناس وفضت المجامع واتسع الخرق على الراقع ونشبت الخصومات واستحوذ على أهل الدين ذوو العرامات وتبددت الجماعات ولا حاجة إلى الإطناب بعد حصول البيان وما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن فإذا تقرر وجوب نصب الإمام فالذي صار إليه جماهير الأئمة أن وجوب النصب مستفاد من الشرع المنقول غير متلقى من قضايا العقول ] ([1]).
2- يقول الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية" بعد أن أورد قول من يظن أن الإمامة واجبة عقلاً: [ بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية، فلم يكن العقل موجباً لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم.
ثم يقول: ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال الله عز وجل: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }([2]) ففرض طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمّرون علينا. وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: { سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره ويليكم الفاجر بفجوره فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق }.
فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد، فإذا قام بها من هو أهلها سقط ففرضها على الكفاية ] ([3]).
3- قال أبو يعلى الفراء: [ نصب الإمامة واجب ] ثم قال: [ وطـريق وجوبها السمع لا العقل لما ذكرناه في غير هذا الموضع، وأن العقل لا يعلم به فرض شيء ولا إباحته, ولا تحليل شيء ولا تحريمه، وهي فرض على الكفاية ] ([4]).
4- وقال محمد بن علي القلعي([5]) في تهذيب الرياسة: [ أجمعت الأمة قاطبة إلا من لا يعتد بخلافه على وجوب نصب الإمام على الإطلاق وإن اختلفوا في أوصافه وشرائطه ] ([6]).
5- وقال القلقشندي في صبح الأعشى: [ أما بعد فإن عقد الإمامة لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع مستند لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع ] ([7]).
6- وقال عبد الله بن الأزرق في بدائع السلك: [ قلت وفي مراتب الإجماع لابن حزم اتفقوا على أن الإمامة فرض وأنه لابد من إمام ] ([8]).
7- قال ابن تيمية في بعض رسائله التي أطلق عليها الناس اسم "السياسة الشرعية"([9]): [ يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين إلا بها ]([10]) ثم يقول بعد سرد الآيات والأحاديث:
[ فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً ] ([11]).
8- ويقول ابن خلدون في المقدمة: [ ثم إن نصب الإمام واجب، قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين ], ثم يقول: [ وإذا تقرر أن هذا المنصب واجب بإجماع، فهو من فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل العقد والحل، فيتعين عليهم نصبه، ويجب على الخلق جميعاً طاعته لقوله تعالى:{ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } ]([12]).
9- و يقول الآمدي: [ مذهب أهل الحق من الإسلاميين أن إقامة الإمام واتّباعه فرض على المسلمين ] ([13]).
10- ويقول البغدادي: [ إن الإمامة فرض واجب على الأمة لأجل إقامة الدين ] ([14]).
11- ويقول ابن حزم: [ اتفق جميع أهل السنة على وجوب الإمامة, وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيها أحكام الله, ويسوسهم بأحكام الشريعة ] ([15]).
13- وقد أثبت الشوكاني وجوبها شرعاً عند أهل السنة وساق الأحاديث([18]).
14-ويقول النووي: [ وبيان انعقاد طرق الإمامة, وهي فرض كفاية إذ لا بد للأمة من إمام يقيم الدين, وينصر السنة, وينصف المظلوم من الظالم, ويستوفي الحقوق ]([19]).
15- وأما رشيد رضا تلميذ محمد عبده وهو من المدرسة العقلية التي يحب أن ينتسب إليها المفكر محمد عمارة، يقول في كتابه الخلافة: [ أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام - أي توليته على الأمة - واجب على المسلمين شرعاً لا عقلاً فقط كما قال بعض المعتزلة ] ثم قال: [ اتفق أهل السنة على أن نصب الخليفة فرض كفاية وأن المطالب به أهل الحل والعقد في الأمة ]([20]).
وقال في مجلة المنار: [ نصب الإمام واجب في الملّة في هذا الزمان كغيره، وجميع المسلمين آثمون بعدم نصب إمام تجتمع كلمتهم عليه بقدر طاقتهم، ومعاقبون عليه في الدنيا بما يعلمه أهل البصيرة منهم، وسيعاقبون في الآخرة بما يعلمه الله تعالى وحده ]([21]).
وأما الكُتّاب الجدد القائلون بذلك فهم كثرٌ جداً، فهل كان المفكر الإسلامي الكبير محمد عمارة صادقاً في دعواه بأن جميع أهل السنة يرون وجوب الإمام عقلاً أم كان غير ذلك …؟!.
ومن يرفض إجماع المسلمين يناله وصف الله تعالى بقوله: { وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }([22]).
ومن القواعد الأصولية:
دليل آخر نسوقه للذين لا يوقنون, لأن الموقنين يكفيهم الآية الواحدة أو حديث الآحاد إذا ثبتت صحته ولو كان غريباً؛ بل يكفيهم قول الصاحب إن لم يكن هناك غيره, أما غير الموقنين فلقد وصفهم الله تعالى بقوله: { وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ }([23]).وقال تعالى: { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ }([24]). كما نسوقه إعذاراً إلى الله تعالى كما جاء في كتاب الله الكريم: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }([25]).
والدليل هو القاعدة الأصولية: (ما لا يتم الواجب إلا به واجب).
وقد نص كثير من العلماء على هذه القاعدة في كتبهم وعملوا بها في استنباط الأحكام. ومن ذلك قول القرطبي رحمه الله: [ أصل من أصول الفقه وهو أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مثله ] ([26]). ولو ذهبتُ أذكر كل من قال بهذه القاعدة لطال الأمر ولذكرت المئات.
ووجه الاستدلال بالقاعدة الأصولية: هو أنه لا يتم إقامة الواجبات الشرعية من جهاد وحفظ للبيضة وإقامة الحدود وجمع الزكاوات ورعاية الأمة ونصب القضاء وإنصاف المظلومين ونحو ذلك إلا بتنصيب إمام، فوجب تنصيبه.
يقول صاحب المواقف: [ إننا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود وإظهار شعار الشرع في الأعياد والجمعات, إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشاً ومعاداً, وذلك المقصود لا يتم إلا بإمام... يرجعون إليه فيما يعن لهم..ففي نصب الإمام دفع مضرة لا يتصور أعظم منها, بل نقول نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين ] ([27]).
[1]- غياث الأمم في التياث الظلم للجويني, ص / 14 وما بعدها.
[2] - سورة النساء: 59.
[3] - الأحكام السلطانية للماوردي الشافعي ص / 5 - 6.
[4] - الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي، ص / 19.
[5] - محمد بن علي القلعي: (ت: 630هـ) فقيه باحث من علماء الشافعية، نسبته إلى قلعة حلب، حج ومر بزبيد باليمن واشتهر في ظفار وحضرموت، ومات بمرباط، له مصنفات كثيرة منها: تهذيب الرياسة في ترتيب السياسة، وأحكام العصاة من أهل الإسلام المرتكبين الكبائر، وإيضاح الغوامض في علم الفرائض، ولطائف الأنوار في فضل الصحابة الأبرار، وكنز الحفاظ في غرائب الألفاظ، يعني ألفاظ المهذب في فروع الشافعية.
[6] - تهذيب الرياسة (1 / 73).
[7] - صبح الأعشى (2 / 5).
[8] - بدائع السلك في طبائع الملك (1/ 70).
[9] - الحقيقة أن الإمام ابن تيمية لم يصنف في السياسة الشرعية مصنفاً مستقلاً، وإنما هذه رسالة من ضمن مجموع الفتاوى في المجلد الثامن والعشرين -كتاب الجهاد- أخذت وطبعت منفصلة, وسميت السياسة الشرعية.
[12] - مقدمة ابن خلدون (1 / 203 - 204).
[13] - غاية المرام، ص / 264.
[14] - الفرق بين الفرق،للبغدادي ص / 210.
[15] - الفصل لابن حزم (4 / 87).
[16] - عضد الدين الإيجي: (ت: 756هـ) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار أبو الفضل عضد الدين الإيجي، من أهل "إيج" بفارس، من تصانيفه: المواقف في علم الكلام، العقائد العضدية، شرح مختصر ابن الحاجب، أشرف التواريخ. مات مسجونا في كرمان.
[17] - شرح المواقف (6 / 345).
[18] - نيل الأوطار (8 / 256).
[19]- مغني المحتاج (4 / 129).
[22]- سورة النساء:115.
[23]- سورة الروم: 58.
[24]- سورة البقرة: 145.
[25]- سورة الأعراف: 164.
[26]- تفسير القرطبي (6 / 85). وانظر أقوال العلماء في: تفسير ابن كثير (1/15), والمبدع لابن مفلح (1/188), وشرح العمدة لابن تيمية (3 /615), والكافي لابن قدامة المقدسي (1/225), كشف القناع للبهوتي (1/165), والمجموع للنووي (2/ 167)، ومنار السبيل لابن ضويان (1/ 118) وغيرهم كثير.
0 التعليقات:
إرسال تعليق