الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية (9)
رضوان محمود نموس
السؤال: هل يجب علينا استئذان الوالدين للجهاد في سوريا وما هو الحل إذا رفضا.
الجواب أقول وبالله التوفيق:
ُيسأل بعض العلماء عن جهاد دفع العدو الصائل المحتل الذي أخذ البلاد وقتل العباد وسبى ذرارينا ونساءنا وصادر وسرق أموالنا واختطاف شبابنا وأسرهم فيجاوبون عن جهاد الطلب والغزو ولا شك أن هذا إمعان في التضليل وخضوع ذميم لرغبات القيادة اليهودية الصليبية والأصل أن من عرف أنه (لا إله إلا الله) ولو معرفة جزئية أن يتجنب هذه الأساليب الإبليسية ولقد قال الأمام أحمد: [في رواية عبد الخالق بن منصور من كان عنده كتاب الحيل في بيته يفتى به فهو كافر بما انزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم]([1]). فكيف بهذه الألاعيب التي هي أسوأ من كتاب الحيل بملايين المرات فلئن كان كتاب الحيل يعيد امرأة بغير وجه شرعي لرجل كان زوجها مثلاً ففتاوى العلماء التلاعبية تجعل بلاد الإسلام برمتها تحت تصرف المحتل الكافر وتعطي المبرر للمرتدين بالتسلط على العباد وتخذِّل المؤمنين عن الجهاد وتوقع البلابل بين الناس وتسمح بالتطاول للأنجاس والمتوقع أن لا تنطلي مثل هذه الأباطيل على شباب الإسلام وسنحاول إن شاء الله كنس ما يهيله علماء الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشرائع من الركام على أحكام الجهاد ولن يستطيع أحد حجب الشمس بغربال.
أما حديث استئذان الوالدين فهو حديث صحيح ولكن في أي جهاد وما هي مناسبته:
خرج البخاري ومسلم بسنده [حَدَّثَنَا آدَمُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا العَبَّاسِ الشَّاعِرَ، وَكَانَ - لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ - قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»]([2])
وقال الحاكم: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلا هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي هَاجَرْتُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ هَجَرْتَ مِنَ الشِّرْكِ وَلَكِنَّهُ الْجِهَادُ هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ؟» قَالَ: أَبَوَايَ قَالَ: «أَذِنَا لَكَ؟» قَالَ: لا قَالَ: «فَارْجِعْ فَاسْتَأْذِنْهُمَا، فَإِنْ أَذِنَا لَكَ، فَجَاهِدْ وَإلا فَبِرَّهُمَا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ «إِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»([3])
فهذا الحديث في رجل هاجر من اليمن إلى المدينة وأراد أن يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الهجرة والجهاد وترك أبويه في اليمن ولما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أمره ببرهما وإن أذنا له فليفعل:
ولم يثبت أن الصحابة الذين في المدينة استأذن أحد منهم للخروج إلى جهاد الطلب والغزو طيلة فترة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة فما بالك بجهاد الدفع.
وجهاد الدفع متعين ولا يستأذن والدان ولا سيد ولا دائن وعلى هذا أجمع العلماء.
قال النووي: [الضرب الثاني: الجهاد الذي هو فرض عين فإذا وطئ الكفار بلدة للمسلمين أو أطلوا عليها ونزلوا بابها قاصدين ولم يدخلوا صار الجهاد فرض عين.
وللدفع مرتبتان:
إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم واستعدادهم للحرب فعلى كل واحد من الأغنياء والفقراء التأهب بما يقدر عليه وإذا لم يمكنهم المقاومة إلا بموافقة العبيد وجب على العبيد الموافقة فينحل الحجر عن العبيد حتى لا يراجعوا السادات وإن أمكنهم المقاومة موافقة العبيد فوجهان أصحهما أن الحكم كذلك لتقوى القلوب وتعظم الشوكة وتشتد النكاية. والثاني لا ينحل الحجر عنهم للاستغناء عنهم والنسوة إن لم تكن فيهن قوة دفاع لا يحضرن وإن كان فعلى ما ذكرنا في العبيد ويجوز أن لا يحوج المزوجة إلى إذن الزوج كما لا يحوج إلى إذن السيد ولا يجب في هذا النوع استئذان الوالدين وصاحب الدين .
المرتبة الثانية أن يتغشاهم الكفار ولا يتمكنوا من اجتماع وتأهب فمن وقف عليه كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذ فعليه أن يتحرك ويدفع عن نفسه بما أمكن يستوي فيه الحر والعبد والمرأة والأعمى والأعرج والمريض]([4]).
وقال ابن قدامة في المغني:[ مسألة قال وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لهما وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركها يعني إذا وجب عليه الجهاد لم يعتبر إذن والديه لأنه صار فرض عين وتركه معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله وكذلك كل ما وجب مثل الحج والصلاة في الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب قال الأوزاعي لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال لأنها عبادة تعينت عليه فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة ولأن الله تعالى قال ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا آل عمران ولم يشترط إذن الوالدين]([5]).
وقال القرطبي: [وقد تكون حالة يجب فيها نفير الكل وهي الرابعة وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو بحلوله بالعقر فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا شبابا وشيوخا كل على قدر طاقته من كان له أب بغير إذنه ومن لا أب له ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ]([6]).
قال المقدسي في الكافي:[ فصل ويتعين الجهاد في موضعين أحدهما إذا التقى الزحفان تعين الجهاد على من حضر لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا الأنفال وقوله تعالى إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار الأنفال الثاني إذا نزل الكفار ببلد المسلمين... ومتى تعين الجهاد فلا إذن لأبويه لأنه صار فرض عين فلم يعتبر إذنهما فيه كالحج الواجب وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركه لان تركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله]([7]).
وقال صالح الأزهري:[ فيتعين – أي الجهاد- لفك الأسارى وباستنفار الإمام بمعنى أن الإمام إذا عين واحداً أو أكثر لقتال العدو فإنه يتعين عليه ذلك ولا تسعه المخالفة سواء كان ممن يخاطب بفرض الجهاد أم لا كالعبد والصبي الذي يقدر على القتال والمرأة ويفجأ العدو محلة قوم،]([8]).
وجاء في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: [والحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا مثلاً فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم. ويكون الجهاد حينئذ فرض عين سواء أمكن تأهبهم لقتال أم لم يمكن:]([9]).
وقال الإمام ابن تيمية:[وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا]([10]).
وقال محمد بن يوسف بن أبي القاسم المالكي: ( إن نزل أمر يحتاج فيه إلى الجميع كان عليهم فرضا وينفر من بسفاقس لغوث سوسة إن لم يخف على أهله لرؤية سفن أو خبر عنها وإن على امرأة من النوادر يخرج لمتعينه مطيقه ولو كان صبيا أو امرأة أبو عمر يتعين على كل أحد إن حل العدو بدار الإسلام محاربا لهم فيخرج إليه أهل تلك الدار خفافا وثقالا شبانا وشيوخا ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكتر وإن عجز أهل تلك البلاد عن القيام بعدوهم كان على من جاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة وكذلك من علم أيضا بضعفهم وأمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج فالمسلمون كلهم يد على من سواهم.]([11]).
وقال ابن عبد البر:[ الجهاد ينقسم أيضا قسمين أحدهما فرض عام متعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محاربا لهم فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقالا وشبابا وشيوخا ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا قلوا أو كثروا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج إليهم فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ... ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها لزمهم أيضا الخروج إليه ]([12]).
وقال الشيخ الحمد: وأما جهاد الفرض فإن الوالدين لا يستأذنان فيه لأنه فرض فتركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق]([13]).
وقال الشنقيطي: [فإذا قال العلماء: (يتعين ويجب) فإنه يسقط -كما ذكرنا- استئذان الوالدين، واستئذان المدين من دائنه]([14]).
وقال الشيخ بهاء الدين المقدسي:[ مسألة 9: (إلا أن يتعين عليه) الجهاد فلا إذن لهما؛ لأنه صار فرض عين وتركه معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كل ما وجب من الحج والصلاة في الجماعة والسفر للعلم الواجب، ولأنه عبادة تعينت عليه فلا يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة]([15]).
وجاء في الشرح الكبير [(فصل) فإن تعين عليه الجهاد سقط إذنهما وكذلك كل فرائض الأعيان لا طاعة لهما في تركها لأن تركها معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله وكذلك كل ما وجب كالحج وصلاة الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب لأنها فرض عين فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة]([16]).
[قَال الأَْوْزَاعِيُّ: لاَ طَاعَةَ لِلْوَالِدَيْنِ فِي تَرْكِ الْفَرَائِضِ، وَالْجُمَعِ، وَالْحَجِّ، وَالْقِتَال؛ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ إِذْنُ الأَْبَوَيْنِ فِيهَا كَالصَّلاَةِ ([17]) .
(وإذا خوطب في الجهاد فلا إذْن لهما، وكذلك كلّ الفرائض لا طاعة لهما في تركها) يعني إذا وجَب عليه الجهاد لم يُعتَبَرْ إذن والديه، لأنه صار فرْضَ عين، وترْكه معصية، ولا طاعة لأحد في معصية الله،]([18]).
[وسئل الشيخ الغنيمان: السؤال هل يجوز الجهاد بغير إذن الوالدين؟
الجواب: هذا يحتاج إلى تفصيل؛ لأن الجهاد أحياناً يكون فرض عين، فمثل هذه الحالة لا يستأذن والديه، فمثلاً: إذا داهم العدو البلد الذي هو فيه من بلاد المسلمين، فهنا لا حاجة إلى أن يستأذن والديه ولا غيرهم، بل يتعين عليه أن يجاهد]([19]).
وقال الشيخ محمد المنجد: [وإن كان الجهاد فرض عين، كأن حضر المعركة، أو داهم العدو البلد خرج بغير إذن أبويه]([20]).
ومما هو معلوم أن الجهاد في بلاد الإسلام منذ أكثر من ستة قرون هو كله جهاد دفع وشيء آخر هو أن بلاد الإسلام واحدة فإذا غزا الكفار أقصى الشرق أو أقصى الغرب من بلاد المسلمين يتعين على كل المسلمين رد هذا العدو ولا عبرة في دول سايكس بيكو التي يحرص عليها الطواغيت.
ومختصر الفتوى أن الجهاد في سوريا الآن لا حاجة فيه لإذن الوالدين أو الدائن وهو متعين على جميع سكان بلاد الشام من المسلمين فإن لم يحصل بهم رد العدو فهو متعين على كل المسلمين من الهند إلى مراكش. والله أعلم.
وكتبه رضوان محمود نموس
يوم الاثنين: 5/ ربيع الثاني 1433هـ
0 التعليقات:
إرسال تعليق