أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (23)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة الرد على محمد عمارة فيما زعمه من أن الحكم والخلافة شأن دنيوي ليس للدين فيه دخل بل هو أمر عقلي وليس للإسلام الحق في تنظيم الدولة أو التدخل في شؤونها عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي: [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
وأما من السنة:
فعَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{ كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ, كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ, وَإِنَّهُ لا نَبِيَّ بَعْدِي, وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّلِ فَالأوَّلِ, أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ, فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ }([1]).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:{ إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا }([2]).
- ووجه الاستدلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم, ولكن خلافة, فأوصى المؤمنين بالوفاء بالبيعة للخليفة, وأن لا يسمحوا بتعدد الخلافة. فلو حاول أحد أخذ الخلافة مع وجود الخليفة فحكمه أن يقتل, حتى لا يكون في كل رقعة زنديق وأوباش يتبعونه, ثم تتفرق الأمة شذَر مذَر. ولا يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الخليفة وقتل مناوئه إلا إذا كان وجوده واجباً وحقاً.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: { مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ, وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ, وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي, وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي }([3]).
وعَنْه رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ, وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ, وَمَنْ أَطَاعَ الأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي, وَمَنْ عَصَى الأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي.. }([4]).
- ووجه الاستدلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتبر طاعة الأمير من طاعة الله سبحانه وتعالى, ولا يكون ذلك إلا إذا كانت الخلافة والإمارة مأمور بهما شرعاً.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُول: { مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا حُجَّةَ لَهُ, وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً }([5]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ... وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لا يُبَايِعُهُ إِلا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا وَفَى لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا لَمْ يَفِ لَهُ }([6]).
- ووجه الاستدلال: أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية, وأن من لم يفِ للأمير المبايَع له عذاب أليم, وهذا يعني أن البيعة للخليفة واجبة شرعاً إلى الحد الذي يصل به غير المبايِع إلى الميتة الجاهلية. فوجوب البيعة يقتضي وجوب وجود المُبَايَع وهو الخليفة.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {..ولا يَحِلُّ لِثَلاثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلاةٍ إِلا أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ }([7]).
- ووجه الاستدلال: أنه إذا كان لا يحل لثلاثة في فلاة شرعاُ أن يبقوا دون أمير فمن باب أولى الأمة كلها.
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:{لَيُنْقَضَنَّ عُرَى الإسْلامِ عُرْوَةً عُرْوَةً فَكُلَّمَا انْتَقَضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا وَأَوَّلُهُنَّ نَقْضًا الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلاةُ}([8]).
- ووجه الاستدلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتبر الحكم عروة من عرى الإسلام, والذي يكون عروة من عرى الإسلام يجب التمسك به, والحفاظ عليه, ولا يكون ذلك إلا بخليفة, كما أعلم الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن سيكون أناس يرتدون عن الدين, وينقضون عرى الإسلام, وأول الردة ستكون بنقض عروة الحكم.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: {...وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ}([9]) .
- ووجه الاستدلال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر بوجود الأئمة, وأن هؤلاء الأئمة إذا حادوا عن حكم الله يكون بأسهم بينهم.
وقال مسلم في باب الإمارة: بسم الله الرحمن الرحيم. كتاب الإمارة. باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش. وروى بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {الناس تبع لقريش في هذا الشأن, مسلمهم لمسلمهم, وكافرهم لكافرهم}.وعن عبد الله رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان}, وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: {لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً -ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي- فسألت أبي ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كلهم من قريش }([10]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: {قال لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان}([11]).
وعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْد رضي الله عنهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {الْخِلافَةُ فِي قُرَيْشٍ}([12]).
وعن وَهْبٍ الْجَزَرِيِّ قَالَ: قَالَ لِي أَنَسُ بْنُ مَالِك رضي الله عنهٍ: أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا مَا أُحَدِّثُهُ كُلَّ أَحَدٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ عَلَى بَابِ الْبَيْتِ وَنَحْنُ فِيهِ فَقَالَ: {الأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا, وَلَكُمْ عَلَيْهِمْ حَقًّا مِثْلَ ذَلِكَ مَا إِنِ اسْتُرْحِمُوا فَرَحِمُوا, وَإِنْ عَاهَدُوا وَفَوْا, وَإِنْ حَكَمُوا عَدَلُوا. فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}([13]).
- ووجه الاستدلال: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجب على الأمة تعيين الخليفة فقط ؛ بل أرشدها إلى من يجب عليها أن تختار منهم الخليفة.
وعَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه وَهُوَ مَرِيضٌ, قُلْنَا: أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَال َ: دَعَانَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَبَايَعْنَاهُ, فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا {أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ}([14]).
قال الحافظ في الفتح: وزاد في رواية الوليد بن عبادة عن أبيه " وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ", ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة " إلا أن يكون معصية لله بواحا " وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة " ما لم يأمروك بإثم بواحا " وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة "سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون, فلا طاعة لمن عصى الله " وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة ([15]).
وقال النووي في شرحه على مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان),... والمراد بالكفر هنا المعاصي, ومعنى عندكم من الله فيه برهان: أي: تعلمونه من دين الله تعالى. ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم, ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام, فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم, وقولوا بالحق حيث ما كنتم ([16]).
- ووجه الاستدلال أن الأمر بطاعة الإمام ووجوب خلعه إن كفر, أو فسق وكان هناك استطاعة لا بد له قبل ذلك من وجود هذا الإمام فعلم وجوب نصب الخليفة.
وعن الْحَارِثَ الأشْعَرِيَّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا فَقَالَ عِيسَى إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ وَإِمَّا أَنْ آمُرَهُمْ فَقَالَ يَحْيَى أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ... قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيدَ شِبْرٍ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الإسْلامِ مِنْ عُنُقِهِ إِلا أَنْ يَرْجِعَ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مِنْ جُثَا جَهَنَّمَ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ قَالَ وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ فَادْعُوا بِدَعْوَى اللَّهِ الَّذِي سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ }([17]).
- ووجه الاستدلال أن السمع والطاعة لابد أن تكون لخليفة أو أمير فوجب نصبه, وأن الجهاد لا بد أن يكون مع أمير, والجماعة بإمرة أمير أو خليفة فوجب نصبه.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ }([18]).
قال الحافظ في الفتح:وهذا الحديث معدود من أصول الإسلام وقاعدة من قواعده, فإن معناه: من اخترع في الدين ما لا يشهد له أصل من أصوله فلا يلتفت إليه([19]).
وقال النووي في شرح مسلم: قوله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي الرواية الثانية: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) قال أهل العربية: (الرد) هنا بمعنى المردود, ومعناه: فهو باطل غير معتدٍّ به. وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام, وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم فإنه صريح في رد كل البدع والمخترعات.
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي}([20]).
قال في الفتح: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) المراد بالسنة الطريقة لا التي تقابل الفرض, والرغبة عن الشيء الإعراض عنه إلى غيره, والمراد من ترك طريقتي وأخذ بطريقة غيري فليس مني([21]).
- ووجه الاستدلال: أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الراشدين تنصيب الإمام أو الخليفة, ومن يرغب عن هذا فليس من الرسول صلى الله عليه وسلم, والذي يقول عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس مني فقد خاب وخسر وضلَّ ضلالاً بعيداً.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ }([22]).
- ووجه الاستدلال أن حواريي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أخذوا بسنته, ونصبوا الخليفة, وبادروا إلى ذلك قبل دفنه صلى الله عليه وسلم والذي يريد أن يستن بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الراشدين فواجب عليه نصب الخليفة كما فعلوا, والذي لا يريد ذلك فهو من الخلوف الذين تجب مجاهدتهم.
وعن حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ }([23]).
- ووجه الاستدلال فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوجود الخلافة على وجه المدح, وبشر أمته بأن الحكومات المرتدة ستزول, وتأتي الخلافة الراشدة مرة أخرى عندما يشاء الله, وتقوم العصبة المؤمنة بإخلاص العبودية لله فلا تخشى إلا الله, ولا تصغي إلا لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم,وتلقي بأقوال علماء الطواغيت -لا بأدلتهم- حيث يجب أن تلقى, وتعتبر أن الطواغيت ودولهم وجيوشهم وأجهزة أمنهم وأجهزة إعلامهم ومن يقدم الفتاوى لهم ومن يدور في فلكهم كلهم جميعاً كتلة واحدة لها حكم واحد. فإذا اتخذت العصبة المؤمنة هذا الموقف بجد وقوة فستقترب إن شاء الله خطوة كبيرة من نصر الله الذي وعد.
- ومن الإجماع:
1- قال الإمام الجويني: [ الإمامة رياسة تامة وزعامة عامة تتعلق بالخاصة والعامة في مهمات الدين والدنيا متضمنها حفظ الحوزة ورعاية الرعية وإقامة الدعوة بالحجة والسيف وكف الجنف والحيف والانتصاف للمظلومين من الظالمين واستيفاء الحقوق من الممتنعين وإيفاؤها... بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة واتفاق مذاهب العلماء قاطبة أما أصحاب رسول الله رأوا البدار إلى نصب الإمام حقا وتركوا بسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ودفنه مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة ولا يرتاب من معه مسكة أن الذب عن الحوزة والنضال دون حفظ البيعة محتوم شرعا. ... وما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن فإذا تقرر وجوب نصب الإمام فالذي صار إليه جماهير الأئمة أن وجوب النصب مستفاد من الشرع المنقول غير متلقى من قضايا العقول]([24]).
2- يقول الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية" بعد أن أورد قول من يظن أن الإمامة واجبة عقلاً: [ بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية، فلم يكن العقل موجباً لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم.
ثم يقول: ولكن جاء الشرع بتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال الله عز وجل: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }([25]) ففرض طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمّرون علينا... فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد، فإذا قام بها من هو أهلها سقط ففرضها على الكفاية ] ([26]).
3- قال أبو يعلى الفراء: [نصب الإمامة واجب] ثم قال: [وطـريق وجوبها السمع لا العقل لما ذكرناه في غير هذا الموضع، وأن العقل لا يعلم به فرض شيء ولا إباحته, ولا تحليل شيء ولا تحريمه، وهي فرض على الكفاية ] ([27]).
4- وقال محمد بن علي القلعي([28]) في تهذيب الرياسة: [أجمعت الأمة قاطبة إلا من لا يعتد بخلافه على وجوب نصب الإمام على الإطلاق وإن اختلفوا في أوصافه وشرائطه] ([29]).
5- وقال القلقشندي في صبح الأعشى: [ أما بعد فإن عقد الإمامة لمن يقوم بها من الأمة واجب بالإجماع مستند لأقوى دليل تنقطع دون نقضه الأطماع وتنبو عن سماع ما يخالفه الأسماع] ([30]).
6- وقال عبد الله بن الأزرق في بدائع السلك: [ قلت وفي مراتب الإجماع لابن حزم اتفقوا على أن الإمامة فرض وأنه لابد من إمام ] ([31]).
7- قال ابن تيمية في بعض رسائله التي أطلق عليها الناس اسم "السياسة الشرعية"([32]): [ يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين إلا بها ]([33]) ثم يقول بعد سرد الآيات والأحاديث:
[ فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً ] ([34]).
8- ويقول ابن خلدون في المقدمة: [ثم إن نصب الإمام واجب، قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين], ثم يقول: [وإذا تقرر أن هذا المنصب واجب بإجماع، فهو من فروض الكفاية وراجع إلى اختيار أهل العقد والحل، فيتعين عليهم نصبه، ويجب على الخلق جميعاً طاعته لقوله تعالى:{أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }]([35]).
9- و يقول الآمدي: [ مذهب أهل الحق من الإسلاميين أن إقامة الإمام واتّباعه فرض على المسلمين ] ([36]).
10- ويقول البغدادي: [ إن الإمامة فرض واجب على الأمة لأجل إقامة الدين ] ([37]).
11- ويقول ابن حزم: [ اتفق جميع أهل السنة على وجوب الإمامة, وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيها أحكام الله, ويسوسهم بأحكام الشريعة ] ([38]).
13- وقد أثبت الشوكاني وجوبها شرعاً عند أهل السنة وساق الأحاديث([41]).
14- ويقول النووي: [ وبيان انعقاد طرق الإمامة, وهي فرض كفاية إذ لا بد للأمة من إمام يقيم الدين, وينصر السنة, وينصف المظلوم من الظالم, ويستوفي الحقوق ]([42]).
15- وأما رشيد رضا تلميذ محمد عبده وهو من المدرسة العقلية التي يحب أن ينتسب إليها المفكر محمد عمارة، يقول في كتابه الخلافة: [ أجمع سلف الأمة وأهل السنة وجمهور الطوائف الأخرى على أن نصب الإمام - أي توليته على الأمة - واجب على المسلمين شرعاً لا عقلاً فقط كما قال بعض المعتزلة ] ثم قال: [اتفق أهل السنة على أن نصب الخليفة فرض كفاية وأن المطالب به أهل الحل والعقد في الأمة ]([43]).
وقال في مجلة المنار: [ نصب الإمام واجب في الملّة في هذا الزمان كغيره، وجميع المسلمين آثمون بعدم نصب إمام تجتمع كلمتهم عليه بقدر طاقتهم، ومعاقبون عليه في الدنيا بما يعلمه أهل البصيرة منهم، وسيعاقبون في الآخرة بما يعلمه الله تعالى وحده]([44]).
وأما الكُتّاب الجدد القائلون بذلك فهم كثرٌ جداً، فهل كان المفكر الإسلامي الكبير محمد عمارة صادقاً في دعواه بأن جميع أهل السنة يرون وجوب الإمام عقلاً أم كان غير ذلك …؟!.
ومن يرفض إجماع المسلمين يناله وصف الله تعالى بقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }([45]).
ومن القواعد الأصولية:
دليل آخر نسوقه للذين لا يوقنون, لأن الموقنين يكفيهم الآية الواحدة أو حديث الآحاد إذا ثبتت صحته ولو كان غريباً؛ بل يكفيهم قول الصاحب إن لم يكن هناك غيره, أما غير الموقنين فلقد وصفهم الله تعالى بقوله: {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ }([46]).وقال تعالى: { وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ }([47]). كما نسوقه إعذاراً إلى الله تعالى كما جاء في كتاب الله الكريم: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ }([48]).
والدليل هو القاعدة الأصولية: (ما لا يتم الواجب إلا به واجب).
وقد نص كثير من العلماء على هذه القاعدة في كتبهم وعملوا بها في استنباط الأحكام. ومن ذلك قول القرطبي رحمه الله: [أصل من أصول الفقه وهو أن ما لا يتم الواجب إلا به واجب مثله] ([49]). ولو ذهبتُ أذكر كل من قال بهذه القاعدة لطال الأمر ولذكرت المئات.
ووجه الاستدلال بالقاعدة الأصولية: هو أنه لا يتم إقامة الواجبات الشرعية من جهاد وحفظ للبيضة وإقامة الحدود وجمع الزكاوات ورعاية الأمة ونصب القضاء وإنصاف المظلومين ونحو ذلك إلا بتنصيب إمام، فوجب تنصيبه.
يقول صاحب المواقف: [إننا نعلم علماً يقارب الضرورة أن مقصود الشارع فيما شرع من المعاملات والمناكحات والجهاد والحدود وإظهار شعار الشرع في الأعياد والجمعات, إنما هو مصالح عائدة إلى الخلق معاشاً ومعاداً, وذلك المقصود لا يتم إلا بإمام... يرجعون إليه فيما يعن لهم..ففي نصب الإمام دفع مضرة لا يتصور أعظم منها, بل نقول نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين وأعظم مقاصد الدين] ([50]).
[15] - فتح الباري (13 / 8).
[16]- شرح النووي على صحيح مسلم (12 / 229).
[17]- رواه الترمذي برقم (2863).
[18]- متفق عليه: رواه البخاري برقم (2499), ومسلم برقم (3242).
[19]- فتح الباري (5 / 302).
[20]- متفق عليه: رواه البخاري برقم (5063), ومسلم برقم (1401).
[21]- فتح الباري (9 / 105).
[22]- رواه مسلم برقم (50).
[23]- رواه أحمد برقم (17939).
[24]- غياث الأمم في التياث الظلم للجويني, ص / 14 وما بعدها.
[25] - سورة النساء: 59.
[26] - الأحكام السلطانية للماوردي الشافعي ص / 5 - 6.
[27] - الأحكام السلطانية لأبي يعلى الفراء الحنبلي، ص / 19.
[28] - محمد بن علي القلعي: (ت: 630هـ) فقيه باحث من علماء الشافعية، نسبته إلى قلعة حلب، حج ومر بزبيد باليمن واشتهر في ظفار وحضرموت، ومات بمرباط، له مصنفات كثيرة منها: تهذيب الرياسة في ترتيب السياسة، وأحكام العصاة من أهل الإسلام المرتكبين الكبائر، وإيضاح الغوامض في علم الفرائض، ولطائف الأنوار في فضل الصحابة الأبرار، وكنز الحفاظ في غرائب الألفاظ، يعني ألفاظ المهذب في فروع الشافعية.
[29] - تهذيب الرياسة (1 / 73).
[30] - صبح الأعشى (2 / 5).
[31] - بدائع السلك في طبائع الملك (1/ 70).
[32] - الحقيقة أن الإمام ان تيمية لم يصنف في السياسة الشرعية مصنفاًً مستقلاًً، وإنما هذه رسالة من ضمن مجموع الفتاوى في المجلد الثامن والعشرين -كتاب الجهاد- أخذت وطبعت منفصلة, وسميت السياسة الشرعية.
[35] - مقدمة ابن خلدون (1 / 203 - 204).
[36] - غاية المرام، ص / 264.
[37] - الفرق بين الفرق،للبغدادي ص / 210.
[38] - الفصل لابن حزم (4 / 87).
[39] - عضد الدين الإيجي: (ت: 756هـ) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار أبو الفضل عضد الدين الإيجي، من أهل "إيج" بفارس، من تصانيفه: المواقف في علم الكلام، العقائد العضدية، شرح مختصر ابن الحاجب، أشرف التواريخ. مات مسجونا في كرمان.
[40] - شرح المواقف (6 / 345).
[41] - نيل الأوطار (8 / 256).
[42]- مغني المحتاج (4 / 129).
[45]- سورة النساء:115.
[46]- سورة الروم: 58.
[47]- سورة البقرة: 145.
[48]- سورة الأعراف: 164.
[49]- تفسير القرطبي (6 / 85). وانظر أقوال العلماء في: تفسير ابن كثير (1/15), والمبدع لابن مفلح (1/188), وشرح العمدة لابن تيمية (3 /615), والكافي لابن قدامة المقدسي (1/225), كشف القناع للبهوتي (1/165), والمجموع للنووي (2/ 167)، ومنار السبيل لابن ضويان (1/ 118) وغيرهم كثير.
0 التعليقات:
إرسال تعليق