إضاءة (4)
رضوان محمود نموس
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران139
إنه الإيمان يرفع الله به أقواماً ويحط آخرين إن الأمة تكون هي العليا ما تمسكت بكتاب ربها وسنة نبيها تمسك الموقن، وفهمت الكتاب فهم الجندي لأمر قائده، فهماً للتنفيذ والعمل، لا للمراوغة والجدل، فهماً يتفاعل مع كينونة الإنسان فيجعله كائناً آخر مرتبطاً بالله، لا يخاف إلا الله، ولا يسعى إلا لله، ولا يخضع إلا لله.
فهماً يحول الإنسان بعد تلقي المهمة عن الله إلى كائن آخر يعمل ليل نهار لتنفيذ هذه المهمة ونشر النور ودحر الظلام .
فالاستعلاء مرتبط بالإيمان إيجاباً وسلباً فحيث وجد الإيمان وجدت العزة والرفعة بما يتناسب وهذا الإيمان وإذا رأينا الذلة تطوقنا والاستبداد ينتشر في فضائنا والهوان يتصاعد في أفقنا والظلم يزحف بلا رادع فلنراجع إيماننا.
وعندما يتحول السواد الأعظم للأمة إلى جنود يؤمنون الإيمان الفاعل المتحرك، الإيمان الذي يجعل منهم جنوداً لله بطوعهم وإرادتهم وعملهم وسعيهم سنكون الأعلون .
عندما نشعر بالاستعلاء الإيماني على كل مذاهب الأرض وركام
الأرض وحطامها الاستعلاء المرتبط بالله الذي يتخلص من جاذبية الأرض والتثاقـل ليحلق في خدمة دين الله فيرفعه الله في الدنيا والآخرة.
ولن يكون الاستعلاء الخارجي إلا بعد الاستعلاء النفسي على كل الجاهليات استعلاء من نبذ الطاغوت وأفكار الطاغوت والمذاهب الجاهلية الوضعية واستمسك بالعروة الوثقى.
ومعلوم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فمن كان مؤمنًا فهو الأعلى كائنًا من كان، ولا نهاية لعلو الإيمان فصار علوّ كل قلب على قدر إيمانه (يرفع اللَّه الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)، وقال تعالى: (وَالله وَلِيُّ المُؤْمِنينَ)، ومن كان الله وليه فهو الأعلى وهو الأقوى وهو المنتصر وهو الذي لا تهزمه الدنيا كلها ولو اجتمعت عليه لذلك نرى نوحاً عليه السلام يستعلي بإيمانه ويقول لقومه {فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ} وعندما يستشعر الإنسان أنه جندي عند الله ويثق بكلام الله الثقة اللائقة وأن الله تعالى يقول {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِين} {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} {كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} ليطمئن أنه الأعلى وأنه المنصور وأن كل قوى الأرض والطواغيت وشياطين الأنس والجن لن تهزمه ولو كانوا عليه ظهيرا.
أما خصوم المؤمنين فعلى العكس من ذلك مسوقون إلى الهزيمة، وإلى العذاب: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} وهم موعودون بالذل: {أُولَئِكَ فِي الأذَلِّين} مشمولون بالخزي {وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ} {وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ} ولسوف تٌحَطَّمُ قوتهم: {دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}، ولا ريب: {إِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} {وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، ومن حادَّ الله ورسوله فهو الأدنى والأذل قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الأذَلِّينَ}.
فإن الغلبة والاستعلاء لا تقوم إلا على الإيمان. الإيمان المنطلق الإيمان الحر المرتبط بالله وكتابه وسنة رسوله المتخلص من براثن التقليد والتبعية والانهزامية النفسية الإيمان المحلق الذي يعتز صاحبه بأنه عبداً لله الواحد القهار أنه جندياً عند الله الإيمان المستعلي على الأهواء والرغبات الأرضية الإيمان الذي يشعر صاحبه أن ارتباطه بالله يعطيه قوة يزعزع بها الجبال إن الأذلين الذين يستندون إلى قوة الطاغوت الهزيل الضعيف تراهم يتيهون خيلاءً فما بال الذين يزعمون أنهم يستندون إلى قوة الله يعتريهم الضعف والمسكنة ولو كان الإيمان حقيقياً لما وهنوا ولما استكانوا ولكانوا هم الأعلون حقاً وحقيقةً.
0 التعليقات:
إرسال تعليق