أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (19)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة الرد على محمد عمارة فيما زعمه من أن الحكم والتشريع ليس من خصائص الدين وهو أمر عقلي والأمة هي المفوضة بالتشريع لنفسها عندما أنكر أن يكون للإسلام الحق في تنظيم الدولة أو التدخل في شؤونها عمارة هذا الذي وصفه القرضاوي:[بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
· إفراد الله بالحكم ركن من أركان التوحيد
فكما أن الله هو الخالق الرازق المحيي المميت فهو الحَكَم, وكما أنه يكفر من يقول إن فلاناً يخلق مع الله, فكذلك يكفر من يقول إن لفلان الحق في التشريع مع الله. والآيات التي تثبت أن التشريع والحكم لله وحده كثيرة جداً؛ بل إن القرآن كله يقرِّر هذه الحقيقة الأساس وهو أن الحكم لله.
قال تعالى:{ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِين }([1]).
قال تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إلا لِلَّهِ أَمَرَ ألا تَعْبُدُوا إلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }([2]).
وقال تعالى: { إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ }([3]).
وقال تعالى:{ وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }([4]).
وقال تعالى:{ وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }([5]).
وقال تعالى: { ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ}([6]).
وقال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا % وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا % فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا % أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَولا بَلِيغًا % وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا % فلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }([7]).
وقال الله تعالى: { فلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ ولا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ %..... وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُون َ% أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ % يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين }َ([8]).
وقال تعالى:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }([9]).
وقال الله تعالى: { وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ }([10]).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: { مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ }([11]).
والدلالة فيه أن الذين يفعلون ما لا يؤمرون به من قبل الرسل ويخالفون الرسل يُجَاهَدُون, ومن لا يُجَاهِدهم ولا حتى بقلبه ينتفي عنه الإيمان, فانتفاء الإيمان عن من يخالفون الرسل من باب أولى.
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْبَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقِيتُ عَمِّي وَمَعَهُ رَايَةٌ فَقُلْتُ لَهُ أَيْنَ تُرِيدُ قَالَ: {بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَه }([12]).
والعبرة فيه كما قال ابن تيمية أن تخميس المال دل على أنه كفر بفعله ولم يفسق, لأنه لم يحرم ما حرم الله ورسوله.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:{ لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به }([13]).
ولقد نقل عدد كبير من العلماء الإجماع على كفر من حكم بغير ما أنزل الله.
قال ابن تيمية: [ والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه, أو حرم الحلال المجمع عليه, أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً باتفاق الفقهاء ] ([14]).
وقال: [ إن من أسقط الأمر والنهي الذي بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى ] ([15]).
وقال ابن كثير: [ فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين ] ([16]).
وقال ابن عبد البَر: [ وقد أجمع العلماء أن من سب الله عز وجل أو سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو دفع شيئا أنزله الله وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ] ([17]).
وقال محمد بن المرتضى اليماني([18])،: [ وثانيهما إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم بالضرورة والحكم بردته إن كان قد دخل فيه ] ([19]).
وقال محمد أنور شاه الكشميري: [ وثانيهما إجماع الأمة على تكفير من خالف الدين المعلوم بالضرورة والحكم بردته ] ([20]).
وقال الشيخ عبد الله القلقيلي([21]) في الفتاوى الأردنية: [ من المجمع عليه بين المسلمين أن من استحل محرماً علمت حرمته بالضرورة من الكتاب والسنة وإجماع المسلمين فقد كفر، يستتاب فإن تاب وإلا كان حكم القتل الذي هو حكم المرتد، وإن هذا هو حكم من استحل المحرمات وإن لم يفعلها ] ([22]).
وقال ابن باز: [ أجمع علماء الإسلام على كفر من استحل ما حرمه الله أو حرم ما أحله الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة ومن تأمل كلام العلماء في جميع المذاهب الأربعة في باب حكم المرتد اتضح له ما ذكرنا ] ([23]).
ولقد أجمع علماء الأصول في مباحثهم عن الحكم والحاكم والمحكوم فيه والمحكوم عليه على أن الحُكْمَ هو: "خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع" ([24]).
وأما عن الحاكم: فلم يختلف المسلمون في أن مصدر جميع الأحكام التكليفية والوضعية هو الله سبحانه وتعالى، بعد البعثة وبلوغ الدعوة، سواء كان ذلك بطريق النص من كتاب أو سنة أم بواسطة الفقهاء والمجتهدين، لأن المجتهد مُظهِرٌ للحكم وليس مُنشِئَاً له من عنده ؛ لهذا قالوا: الحكم هو خطاب الله تعالى... وقالوا: لا حكم إلا لله، أخذاً من قوله تعالى: { إن الحكم إلا لله }.
كما أجمع الفقهاء جميعاً على أن من رد أو دفع شيئاً من كتاب الله أو سنة رسول الله الثابتة يصبح بهذا الفعل مرتداً وتجري عليه أحكام المرتدين([25]).
وقام عدد كبير وكبير جداً من العلماء يتعذر إحصاؤهم بالكتابة في هذا الموضوع. نذكر بعضاً منهم بما يسمح به المقام.
أقوال العلماء (رحمهم الله):
1- قال الإمام مالك: [ الأمر عندنا أن كل من منع فريضة من فرائض الله عز وجل فلم يستطع المسلمون أخذها كان حقاً عليهم جهاده حتى يأخذوها منه ] ([26]).
2- قال الإمام الشافعي: [ بيان فرض الله في كتابه اتباع سنة نبيه قال الشافعي وضع الله رسوله من دينه وفرضه وكتابه الموضع الذي أبان جل ثناؤه أنه جعله علما لدينه بما افترض من طاعته وحرم من معصيته وأبان من فضيلته بما قرن من الإيمان برسوله مع الإيمان به فقال تبارك وتعالى: { فآمنوا بالله ورسوله }..فذكر الله الكتاب وهو القرآن وذكر الحكمة فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول الحكمة سنة رسول الله... إذا لم يسلموا لحكم كتاب الله نصا غير مشكل الأمر أنهم ليسوا بمؤمنين إذا ردوا حكم التنزيل إذا لم يسلموا له...لأن دعاءهم إلى رسول الله ليحكم بينهم دعاء إلى حكم الله لأن الحاكم بينهم رسول الله وإذا سلموا لحكم رسول الله فإنما سلموا لحكمه بفرض الله وأنه أعلمهم أن حكمه حكمه على معنى افتراضه حكمه... قال الشافعي وما سن رسول الله فيما ليس لله فيه حكم فبحكم الله سنة وكذلك أخبرنا الله في قوله { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله} وقد سن رسول الله مع كتاب الله وسن فيما ليس فيه بعينه نص كتاب وكل ما سن فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته وفي العنود عن اتباعها معصيته التي لم يعذر بها خلقا ولم يجعل له من اتباع سنن رسول الله مخرجا لما وصفت. وما قال رسول الله أخبرنا سفيان عن سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أن رسول الله قال: { لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا أدري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه }وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله ولم يجعل لأحد من خلقه عذرا بخلاف أمر عرفه من أمر رسول الله ] ([27]).
وقال: [ لا سياسة إلا ما وافق الشرع ] ([28]).وقال عن أهل الكتاب: [ فكان الصَّغارُ والله تعالى أعلم أن يجريَ عليهم حُكْمُ الإسلامِ، وأَذِنَ اللَّهُ بِأَخْذِ الجزيةِ منهم عَلَىٰ أنْ قد عَلِمَ شِرْكَهُمْ به واستحلالَهم لمحارِمِهِ، فلا يكشفوا عن شيءٍ ممَّا اسْتَحَلُّوا بينهم، ما لم يكن ضرراً على مسلمٍ أو معاهدٍ، أو مستأمَنٍ غَيْرِهم، وإن كان فيه ضررٌ على أحدٍ من أنفسِهم لم يَطْلُبْهُ، ولم يكشفوا عنه، فإذا أبى بعضُهم على بعضٍ ما فيه له عليه حقٌ، فأتى طالبُ الحقِّ إلى الإمامِ يَطْلُبُ حَقَّهُ، فحقٌّ لازمٌ للإمام والله تعالى أعلم أن يحكم له عَلَىٰ مَنْ كان له عليه حقّ منهم، وإن لم يَأتِهِ المطلوبُ راضياً بحكمِهِ، وكذلك إنْ أَظْهَرَ السُّخْطَةَ لحكمِهِ، لما وصفتُ من قولِ الله عزَّ وجلَّ: {وهم صاغرون} ولا يجوز أن تكونَ دارُ الإسلامِ دارَ مقامٍ لمن يَمْتَنعُ من الحكمِ في حالٍ ] ([29]).
3- قال الإمام أحمد بن حنبل: [ من كان عنده كتاب الحيل في بيته يفتي به فهو كافر بما أنزل الله على محمد ] ([30]). فكيف بمن يحكم بالقوانين الوضعية!!
وقال: [ ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين ] ([31]).
4- قال الإمام السدّي: [ من خالف حكم الله وتركه عامداً وتجاوزه وهو يعلم، فهو من الكافرين حقاً،...وقال الحسن: هو عام في كل من يبتغي غير حكم الله. والحكم حكمان: حكم بعلم، فهو حكم الله. وحكم بجهل فهو حكم الشيطان ] ([32]).
5- قال الإمام إسحاق بن راهويه: [ قال وقد أجمع العلـماء أن من سب الله عز وجل، أو سب رسوله، أو دفع شيئًاً أنزله الله، أو قتل نبـيًا من أنبـياء الله، وهو مع ذلك مقر بما أنزل الله أنه كافر ] ([33]).
6- قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني: [ فالمتبع في حق المتعبدين بالشريعة ومستندها القرآن ثم الإيضاح من رسول الله صلى الله عليه وسلم والبيان. ثم الإجماع المنعقد من حملة الشريعة أهل الثقة والإيمان. والإمام في التزام الأحكام وتطوق الإسلام كواحد من مكلفي الأنام وإنما هو ذريعة في حمل الناس على الشريعة غير أن الزمان إذا اشتمل على صالحين لمنصب الإمامة فالاختيار يقطع الشجار ويتضمن التعيين والانحصار، ولا حكم مع قيام الإمام إلا للمليك العلام ] ([34]).
7- قال الإمام ابن حزم: [ فإن كان يعتقد أن لأحد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم شيئاً كان حلالاً إلى حين موته عليه السلام أو يحل شيئاً كان حراماً إلى حين موته عليه السلام أو يوجب حداً لم يكن واجباً إلى حين موته عليه السلام أو يشرع شريعة لم تكن في حياته عليه السلام فهو كافر مشرك حلال الدم والمال حكمه حكم المرتد ولا فرق ] ([35]).
وقال أيضاً: [ قال علي وأما من ظن أن أحداً بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم... يحدث شريعة لم تكن في حياته عليه السلام فقد كفر وأشرك وحل دمه وماله ولحق بعبدة الأوثان لتكذيبه قول الله تعالى: { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } وقال تعالى: { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } فمن ادعى أن شيئاً مما كان في عصره عليه السلام على حكم ما ثم بدل بعد موته فقد ابتغى غير الإسلام ديناً، لأن تلك العبادات والأحكام والمحرمات والمباحات والواجبات التي كانت على عهده عليه السلام هي الإسلام الذي رضيه الله تعالى لنا وليس الإسلام شيئاً غيرها فمن ترك شيئاً منها فقد ترك الإسلام ومن أحدث شيئاً غيرها فقد أحدث غير الإسلام ] ([36]).
وقال ابن حزم أيضاً: [ إحداث الأحكام لا يخلو من أحد أربعة أوجه إما إسقاط فرض لازم كإسقاط بعض الصلاة أو بعض الصيام أو بعض الزكاة أو بعض الحج أو بعض حد الزنا أو حد القذف أو إسقاط جميع ذلك، وإما زيادة شيء منها أو إحداث فرض جديد وإما إحلال محرم كتحليل لحم الخنزير والخمر والميتة وإما تحريم محلل كتحريم لحم الكبش وما أشبه ذلك وأي هذه الوجوه كان، فالقائل به كافر مشرك لاحق باليهود والنصارى والفرض على كل مسلم قتل من أجاز شيئاً من هذا دون استتابة ولا قبول توبة إن تاب واستصفاء ماله لبيت مال المسلمين لأنه مبدل لدينه وقد قال عليه السلام (من بدل دينه فاقتلوه) ومن الله تعالى نعوذ من غضبة لباطل أدت إلى مثل هذه المهالك ] ([37]).
8- قال الإمام ابن الجوزي: [ قوله تعالى فلا وربك لا يؤمنون أي لا يكونون مؤمنين حتى يحكموك وقيل لا ردا لزعمهم أنهم مؤمنون والمعنى فلا أي ليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا وهم يخالفون حكمك ثم استأنف فقال وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم أي فيما اختلفوا فيه وفي الحرج قولان أحدهما أنه الشك قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي في آخرين والثاني الضيق قاله أبو عبيدة والزجاج وفي قوله ويسلموا تسليما قولان أحدهما يسلموا لما أمرتهم به فلا يعارضونك هذا قول ابن عباس والزجاج والجمهور والثاني يسلموا ما تنازعوا فيه لحكمك ] ([38]).
9- قال ابن تيمية: [ والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء ] ([39]).
وقال أيضا:ً [ كما أن لفظ الشريعة يتكلم به كثير من الناس ولا يفرقون بين الشرع المنزل من عند الله تعالى وهو الكتاب والسنة التي بعث الله به رسوله فإن هذا الشرع ليس لأحد من الخلق الخروج عنه ولا يخرج عنه إلا كافر ] ([40]).
وقال: [ فلفظ الشرع قد صار له في عرف الناس ثلاث معان الشرع المنزل والشرع المؤول والشرع المبدل فأما الشرع المنزل فهو ما ثبت عن الرسول من الكتاب والسنة وهذا الشرع يجب على الأولين والآخرين اتباعه وأفضل أولياء الله أكملهم اتباعا له ومن لم يلتزم هذا الشرع أو طعن فيه أو جوز لأحد الخروج عنه فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل]([41]).
وقال: [ كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة من هؤلاء القوم وغيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كما قاتل أبو بكر الصديق والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبى بكر رضى الله عنهما فاتفق الصحابة رضي الله عنهم على القتال على حقوق الإسلام عملا بالكتاب والسنة وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة مع قوله تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط للقتال فالقتال واجب حتى يكون الدين كله لله وحتى لا تكون فتنة فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب.
فأيما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام تحريم الدماء والأموال والخمر والزنا والميسر أو عن نكاح ذوات المحارم أو عن التزام جهاد الكفار أو ضرب الجزية على أهل الكتاب وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء ] ([42]).
10- قال الإمام ابن قيم الجوزية: [ إن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر ] ([43]).
وقال: [ فكل حال خرج صاحبه عن حكم الكتاب وما جاء به الرسول فهو شيطاني كائنا ما كان ] ([44]).
وقال: [ ولا يكفي ذلك في العبودية حتى يكون الله ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما فلا يكون عنده شيء أحب إليه من الله ورسوله ومتى كان عنده شيء أحب إليه منهما فهذا هو الشرك الذي لا يغفره الله لصاحبه البتة ولا يهديه الله قال الله تعالى { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } فكل من قدم طاعة أحد من هؤلاء على طاعة الله ورسوله أو قول أحد منهم على قول الله ورسوله أو مرضاة أحد منهم على مرضاة الله ورسوله أو خوف أحد منهم ورجاءه والتوكل عليه على خوف الله ورجائه والتوكل عليه أو معاملة أحدهم على معاملة الله فهو ممن ليس الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وإن قاله بلسانه فهو كذب منه وإخبار بخلاف ما هو عليه وكذلك من قدم حكم أحد على حكم الله ورسوله فذلك المقدم عنده أحب إليه من الله ورسوله ] ([45]).
وقال بعد كلام سبق في ذكر ما عليه كثير من الناس من الكفر والخروج عن الإسلام: [ وهذا كثير غالب لا سيما في الأعصار والأمصار التي تغلب فيها الجاهلية والكفر والنفاق فلهؤلاء من عجائب الجهل والظلم والكذب والكفر والنفاق والضلال ما لا يتسع لذكره المقال وإذا كان في المقالات الخفية فقد يقال إنه فيها مخطئ ضال لم تقم عليه الحجة التي يكفر صاحبها لكن ذلك يقع في طوائف منهم في الأمور الظاهرة التي يعلم الخاصة والعامة من المسلمين أنها من دين الإسلام بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمدا صلى الله عليه وسلم بعث بها وكفر من خالفها مثل أمره بعبادة الله وحده لا شريك له ونهيه عن عبادة أحد سوى الله من الملائكة والنبيين أو غيرهم فإن هذا أظهر شعائر الإسلام ومثل معاداة اليهود والنصارى والمشركين ومثل تحريم الفواحش والربا والخمر والميسر ونحو ذلك ثم تجد كثيرا من رؤوسهم وقعوا في هذه الأنواع فكانوا مرتدين ] ([46]).
11- قال الإمام ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون }:
[ ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير ] ([47]).
12- قال الإمام الشاطبي: [ فكل من اعتمد على تقليد قول غير محقق أو رجح بغير معنى معتبر خلع الربقة واستند إلى غير الشرع عافانا الله من ذلك بفضله ] ([48]).
وقال: [ إن تحليل الشيء إذا كان مشهوراً فحرَّمه بغير تأويل أو التحريم مشهوراً فحلَّله بغير تأويل كان كفراً وعناداً ومثل هذا لا تتخذه الأمة رأساً قط إلا أن تكون الأمة قد كفرت ] ([49]).
13- قال الإمام ابن قدامة المقدسي: [ ... أو استحلال محرم مشهور أجمع عليه كالخمر والخنزير والميتة والدم والزنى ونحوه فإن كان ذلك لجهل منه لحداثة عهده بالإسلام أو لإفاقة من جنون ونحوه لم يكفر وعرف حكمه ودليله فإن أصر عليه كفر لأن أدلة هذه الأمور الظاهرة ظاهرة في كتاب الله وسنة رسوله فلا يصدر إنكارها إلا من مكذب لكتاب الله وسنة رسوله ] ([50]).
[1]- سورة الأنعام: 57.
[2]- سورة يوسف: 40
[3]- سورة يوسف: 67.
[5]- سورة القصص: 88.
[6]- سورة غافر: 12.
[7]- سورة النساء: 60 - 65.
[8]- سورة المائدة: 44 – 51.
[9]- سورة النور: 63.
[10]- سورة الأنعام: 131.
[11]- رواه مسلم برقم (50).
[18] - محمد بن المرتضى اليماني: (ت: 732هـ)هو العلامة محمد بن المرتضى بن المفضل الحسني، أخذ عن أبيه وعمه إبراهيم واتصل بالإمام محمد بن أبي القاسم، من مؤلفاته: إيثار الحق على الخلق.
[20]- إكفار الملحدين. ص/ 81.
[21]- عبد الله القلقيلي: هو مفتي الأردن في وقته، له كتاب باسم الفتاوى الأردنية في الجهاد، كتبه سنة 1381هـ، وطبعه المكتب الإسلامية.
[22]- الفتاوى الأردنية ص / 77-78.
[23]- مجموع فتاوى ومقالات متنوعة تأليف ابن باز (2 / 330).
[24]- يراجع مثلا الأحكام للآمدي (1 / 49), حاشية البناني على شرح جمع الجوامع (1 / 40), شرح العضد (1 / 220), التلويح على التوضيح (1 / 13), غاية الوصول شرح لب الأصول ص / 6, حاشية الأزميري على مرآة الأصول (1 / 31), فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (1 / 54), المنهاج للبيضاوي مع الأسنوي (1 / 38), إرشاد الفحول (1 / 56).
[25]- يراجع في هذا كتاب المرتد في جميع كتب الفقه.
[26] - تقريب المدارك بشرح رسالتي الليث بن سعد والإمام مالك, ص / 85, وتنوير الحوالك (1/257).
[27]- الرسالة: مختصراًً من ص/ 73 وما بعدها.
[28]- بدائع الفوائد (3/ 673).
[30] - المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد (2 / 176).
[31] - الورع لابن حنبل (1/ 200).
[33] - إغاثة اللهفان (1/82).
[34] - غياث الأممم في التياث الظلم (الغياثي)، ص / 336 – 337، فقرة 487، 488.
[35] - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم بتحقيق أحمد شاكر (1/73).
[36] - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم بتحقيق أحمد شاكر (2 / 144- 145).
[37] - الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم بتحقيق أحمد شاكر (6 / 110).
[38]- تفسير زاد المسير (2 / 124).
[39] - مجموع الفتاوى (3 / 267).
[40] - مجموع الفتاوى (11/262).
[41] - مجموع الفتاوى (11/506).
[43] - مدارج السالكين (1/336- 337).
[44]- الروح ص/ 266.
[45] - مدارج السالكين (1/ 99).
[46] - شرح قصيدة ابن القيم (2 / 408).
[47] - تفسير ابن كثير (2 / 70) طبعة دار المعرفة.
[48] - الاعتصام (2 / 179).
1 التعليقات:
اللهم حكم كتابك وسنة نبيك
إرسال تعليق