الأجوبة الشرعية على الأسئلة الشامية(4)
رضوان محمود نموس
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ,
الشيخ رضوان حفظك الله, حياك الله و سدد رأيك و هداك .
وردنا سؤال رأيت لو أن تجيب عليه على صفحتنا , مشكورا !
نص السؤال :
"ما هي أسباب النصر و هل تحقق اغلبها في حالة الشعب المسلم السني في سوريا ؟؟
هل يجوز لنا طلب المعونة من غير المسلمين على ضوء ما فعله و لم يفعله المسلمون "الحكومات و المؤسسات " من تخاذل و تجاهل لمذبحتنا على يد نظام كافر صراحة و مجرم متوحش علنا؟؟
هل بيعة قيادة مسلمة لتقود الثورة شرط لنصر الله لنا ؟؟ في هذه الحالة كيف نعمل مع المجلس الوطني السوري و رئيسه الملحد الشيوعي و أعضاءه من غير المسلمين ؟؟
لقد أرسلت هذا السؤال لمشايخ معروفين و لم أحصل عل جواب!!.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد. السؤال يتضمن ثلاثة أسئلة :
1- ما هي أسباب النصر؟.
2- هل يجوز الاستعانة بالمشركين؟.
3- هل كون القيادة مسلمة شرط للنصر؟.
فنقول وبتوفيق الله عن السؤال الأول:
حتى ننتصر علينا أن نأتي بمسببات وعوامل النصر وعوامل النصر لها مفردات جمة ويمكن أن تجمع في عنوان واحد عريض وهو: [ أن نكون جنوداً لله]
قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات:171-173]
ومن صفات الجندي أنه ينفذ ما يلقى إليه من قيادته دون تردد أو تذمر فكيف إذا كانت القيادة هي الله سبحانه وتعالى هي القوة اللامتناهية التي لا يعلم مداها وجنودها وعظمتها إلا هو { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ}.
ولقد كرر علينا ربنا عز وجل هذا المعنى من عدة زوايا لنستيقن أنه الحق
وقال تعالى: (وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) آل عمران : ١٢٦
وقال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلكُمْ فَمَنْ ذَا الذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ آل عمران (160)
وقال الله تعالى ((وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ )) [الأنفال:10]
وقال الله تعالى (( قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ))[التوبة:14]
وقال الله تعالى:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ))[محمد:7]
وقال تعالى:( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) [النور:55]
فواضح من الآيات الكريمة أن نصر الله يتنزل على عباده إن نصروه وأخلصوا له العبودية دون أن تشوبها شوائب الشرك فكيف بإعلانه صريحا.ً
فإذا استقمنا على النهج فلا علينا من قوة الكافرين فما هم بمعجزين في الأرض وقوتهم الظاهرة لن تقف لنا في طريق ونحن الأقوياء بإيماننا, أقوياء بنظامنا, أقوياء بعدتنا التي نستطيع, إنه ما من مرة سارت هذه الأمة على نهج الله وحكمت هذا النهج في الحياة وارتضته في كل أمورها إلا تحقق وعد الله بالاستخلاف والتمكين والأمن.
ألا وإن وعد الله قائم, ألا وإن شرط الله معروف فمن شاء الوعد فليقم بالشرط ومن أوفى بعهده من الله.
فأساس القوة الإيمان قال الله تعالى:(( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ )) [آل عمران:139]
وأساس الضعف والهزيمة الكفر: (( سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ ))[آل عمران:151]
فعمود النصر التجرد لله بالعبودية؛ التي هي: صرف التعبد لله وعدم طلب شيء إلا من الله وعدم الإدهان في الدين ومسايرة الكافرين ومنتهى الانقياد والاستسلام لدينه وشرعه. فمتى قامت الأمة بالتعبُّد لله والتذلل بين يديه؛ أضاء لها نور النصر واضحًا جليًا، تبصره قلوب الصالحين وتعمى عنه قلوب وأبصار من تعبَّد لغير الله من الغافلين والمشركين. وكلما كان تعبُّد الأمة لله أتم كان نصره لها أكمل وأقرب.
(( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ )) [العنكبوت:69]
أما من يخذل شريعة الله فليس له من نصر الله شيء. وما انتصر من انتصر من الصالحين إلا بسبب ما قاموا به من نصرةٍ لدين الله وشريعته . فمن قام ناصراً بلده، أو قومه، أو مبدأه ومذهبه المخالف لدين الله؛ فهو مرذول مخذول مهزوم مذموم وإن صلى وصام وزعم أنه من المسلمين..
فمن يطلب نصر الله عليه أن ينصر دين الله ومن يريد وعد الله عليه أن يصدق مع الله ومن يحب الله لا يحب أعداء الله ومن يوحد الله ويدعي الإيمان لا يرفع الأوثان والصلبان ومن يكن من المجاهدين لايدهن في الدين وينافق الكافرين .
ومن نُصْرَة الله تعالى: إخلاص العبودية له ومعادات أعدائه والبراء منهم, وتطهير الأرض منهم وليس محادَّة الله بإعلان أخوتهم ومودتهم إن نصر الله بنصر دينه وحمايتة من البدع والشرك, وحراسة محارم الله والتقيد بأمر الله والانتهاء عما نهى عنه وليس بإعلان المبادئ الكفرية وتبني الشرك والمنكرات والموبقات
وحين ترى أحوال المسلمين في المعارك التي انهزموا بها ترى أن من أهم الأسباب: تعلُّقُ النفوس في طلب النصر بغير الله،قال الله تعالى (( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ))[التوبة:25] فعندما شعروا أنهم أقوياء وأنهم كثر هزموا فلما عادوا إلى الله وطلبوا النصر منه خالصاً نصرهم.
ووعد الله لنا بالنصر مرهون بنا, بتجريد التوحيد عن الشرك بالولاء والبراء بتطبيق حكم الله فمتى توافرت الأوصاف التي ذكرها الله في هذه الآية في قوم؛ كانوا أحق بالتمكين من غيرهم مهما كانوا .
فحتى نظفر بالتمكين من الله علينا أن نفي بشرطه من التقيد بأمره وتطبيق شريعته في أحوال الناس اليومية، والسياسية، والاجتماعية والاقتصادية وكل شيء عملاً بقوله تعالى: (( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ))[الأنعام:162-163].
عندها سننال النصر من الله بكل تأكيد ويقين، ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
فإذا لم ننتصر فلنراجع، ديننا ولننظر إلى أنفسنا، ولنعدْ إلى الكتاب والسنة فإنما الخلل فينا. قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) آل عمران: ١٦٥
هذا هو الطريق: العودة إلى الله ,إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس العودة إلى الطاغوت والجاهلية؛ التمسك بالعقيدة الصحيحة وليس الحرص على الدنيا؛ إقامة الدين في نفوسنا حتى يقم على أرضنا؛ العمل لإعلاء كلمة الله وليس لإعلاء أهوائنا ورغباتنا والدعوة إلى توحيد الله لقد أرشدنا الله إلى إعلان التوحيد فنقول: (( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ))[آل عمران:64].
ولكننا نقول الآن تعالوا إلى الديمقراطية تعالوا إلى المواطنة تعالوا إلى حقوق الإنسان تعالوا إلى صندوق الاقتراع ولو أنتج الصندوق كافراً مشركا بالله يزعم أن لله زوجة وولد أو أن عليا هو الله أو أن الحاكم هو الله أو أن الشيطان هو الله قبلنا بالنتيجة تعالى الله عما يقولون. فكيف يأتي نصر الله ومن يزعمون أنهم دعاة لله يعلنون هذه المحادة والمعاندة لأمر الله والبقية ساكتون ومقرون إلا قليلاً من المؤمنين الذين عليهم أن يستمروا على الإيمان ولو خالفتهم الدنيا كلها ويكون شأنهم كشأن المؤمنين مع طالوت إذ قالوا:(( فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلا مِنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ))[البقرة:249-251]
وقد روى ابن جرير عن طريق إسرائيل وسفيان الثوري ومسعر بن كدام عن أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب قال: كنا نتحدث أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر، على عدد أصحاب طالوت الذين جاوزا معه النهر، وما جاوزه إلا مؤمن. وروى البخاري عن البراء بنحوه. استقلوا أنفسهم عن لقاء عدوهم لكثرتهم، فشجعهم علماؤهم العاملون بأن وعد الله حق، فإن النصر من عند الله، ليس عن كثرة عدد ولا عدة، ولهذا قالوا: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
نعم شجعهم علماؤهم العاملون الذين كانوا معهم في المعركة؛ ولم يثبطوهم ويصفوهم بالخوارج والتطرف, والإرهاب والتكفير, والتشدد والتزمت, وعدم مسايرة الحضارة والمشترك الإنساني, نعم كانوا معهم ولم تصدر فتاوى التخذيل والتجريم من مكاتب الإفتاء الحكومية, أو القنوات الفضائية, ولم يحرفوا كلام الله عن مواضعه ولم يكونوا سماعين للكذب. ولم يدعوا إلى طاعة الطواغيت والالتزام بقوانين الكفر، ولم يدعوا إلى التحالف مع دول الردة, ولم ينعتوهم بالغلاة، بل شجعوهم حتى سارت العصبة المؤمنة المتعلقة بالله عزَّ وجلَّ والتي عمر قلبها الإيمان فظنت بالله الظن اللائق، وعلمت أن النصر من عنده تبارك وتعالى، ودارت الدائرة على الذين كفروا، وانكشفت المعركة عن نصر المؤمنين قال تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ) فما بال أقوام دأبهم التحالف مع الكفار لا ينفرط تحالف مشؤوم حتى يسارعوا لعقد ما هو أشأم منه، يتحالفون مع الكفار الذين يعلنون كفرهم ليقاتلوا معاً، أو ليشتركوا معهم في الحكم، بل ليكونوا تحت مظلتهم، لأنه لا يسمح للمظلة الإسلامية أن ترتفع في البلاد التي يحكمها حكومات يسمونها إسلامية؛ -زعموا-، وآخرون يغيرون اسمهم لأن اسمهم يشير إلى الإسلام ولو من بعيد، وهذا يؤذي آذان القوى الصليبية وطوائف الردة المحلية ودول الكفر .
فمن أراد أن ينتصر فليعبد الله حقيقة ولا يشرك معه شيئاً لا طاغوت الحاكمية, ولا طاغوت الأقطاب والأغواث والأوتاد والمعصومين, ولا طاغوت الأهواء, ولا التقديم بين يدي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, ولا طاغوت الديمقراطية, ولا طاغوت القومية ولا طاغوت الوطنية ولا طاغوت الليبرالية ولا طاغوت المجتمع المدني، ولا طاغوت الأنسنة، ولا طاغوت التعددية, ولا طاغوت فصل الديني عن السياسي, ولا طاغوت العلمانية, ولا غير ذلك من الطواغيت قال الله تعالى: (( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ))[الأعراف:137] والوعد قائم وينتظر منا أن نفي بما هو مطلوب منا والحمد لله رب العالمين.
السؤال الثاني: هل يجوز الاستعانة بالمشركين؟.
ومن تيقن الجواب عن السؤال الأول فما بين سطوره الجواب عن السؤال الثاني: إن من يثق بالله ويعتمد على الله ويطمئن لوعد الله لا يطلب المساعدة والعون من غيره.
إن الله تعالى قال لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم : ((وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * (( إِذًا لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا) [الإسراء:74 - 75] وقال الله لنا (( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ))[هود:113]:هذا مجرد الركون القليل فكيف نطلب مساعدتهم؟؟!!!! وقال رسول الله صلى الله عليه فيما رواه أبو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ]([1]).
وعن عبد الله حكيم _رضي الله عنه_ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :(من تعلق شيئاً وُكِلَ إليه )([2]).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ([3]).
ويظن البعض أنه لم يأت في النهي عن الاستعانة في المشركين إلا حديث عائشة الصحيح رضي الله عنها – ولو كان ذلك كذلك لكفى _ لأن الله جل جلاله قال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا }([4])
ولكن الحقيقة أن غالب آيات القرآن تنهى عن الاستعانة بالكفار وكذلك الأحاديث بل أصل من أصول الدين التباعد عن لمشركين والنفرة منهم ومنابذتهم وجهادهم.
فكيف ينسجم كل هذا مع القول بجواز الاستعانة؟!.
كيف ينسجم القول بالاستعانة بهم مع كل آيات البراء من المشركين وما أكثرها ؟!.
كيف ينسجم القول بالاستعانة بالمشركين مع كل آيات الجهاد وما أكثرها؟!.
كيف ينسجم القول بالاستعانة بالمشركين مع كل الآيات التي تبين حقدهم على الإسلام ومكرهم بالمسلمين وما أكثرها؟!.
كيف ينسجم القول بالاستعانة بالمشركين مع تهديد الراكن إليهم بالنار.
وسنعرض لنماذج من آيات كتاب الله لعل الله يشرح صدور أقوام.
الآيـات:
قال الله تعالى: { فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ % ولا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ولا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ % ولا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ% } ([5]).
وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } ([6]).
وقال تعالى: { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا }([7])
وقال الله تعالى: { وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} ([8]).
وقال الله تعالى: { وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} ([9]).
وقال الله تعالى: { سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلا قَلِيلا } ([10]).
وقال الله تعالى: { إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ } ([11]).
وقال الله تعالى: { وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ }([12]).
أما الأحاديث:
الأول : عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ يُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِئْتُ لأتَّبِعَكَ وَأُصِيبَ مَعَكَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلِقْ ([13]).
الثاني: عن خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُرِيدُ غَزْوًا أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِي وَلَمْ نُسْلِمْ فَقُلْنَا إِنَّا نَسْتَحْيِي أَنْ يَشْهَدَ قَوْمُنَا مَشْهَدًا لا نَشْهَدُهُ مَعَهُمْ قَالَ أَوَ أَسْلَمْتُمَا قُلْنَا لا قَالَ فَإِنَّا لا نَسْتَعِينُ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ فَأَسْلَمْنَا وَشَهِدْنَا مَعَهُ ([14]).
الثالث: عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ أَنَّهُ أَهْدَى لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَدِيَّةً لَهُ أَوْ نَاقَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْلَمْتَ قَالَ لا قَالَ فَإِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِنِّي نُهِيتُ عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ يَعْنِي هَدَايَاهُمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هَدَايَاهُمْ وَذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَرَاهِيَةُ وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَعْدَ مَا كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ ثُمَّ نَهَى عَنْ هَدَايَاهُم([15]).
الرابع: عن سعيد بن المنذر قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد فلما خلف ثنية الوداع نظر خلفه فإذا كتيبة حسناء فقال:[ من هؤلاء قالوا عبد الله بن أبي بن سلول ومواليه من اليهود فقال وقد اسلموا قالوا لا قال فأنا لا نستعين بالكفار على المشركين].([16]).
الخامس: عن أبي حميد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع فإذا هو بكتيبة خشناء فقال:[ من هؤلاء قالوا عبد الله بن أبي في ستمائة من مواليه من اليهود من بني قينقاع فقال وقد أسلموا قالوا لا يا رسول الله قال مروهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين]. ([17]).
[عن طارق بن شهاب قال ثم خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة له فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة فقال أبو عبيدة يا أمير المؤمنين أنت تفعل هذا تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك فقال عمر أوه لم يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله هذا حديث صحيح على شرط الشيخين] ([18]).
وقال في نوادر الأصول: [ الأصل السابع والثمانون و المائة في النهي عن الاعتزاز بالعبيد عن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من اعتز بالعبيد أذله الله تعالى الاعتزاز الامتناع من الأشياء التي تنوبه فإن امتنع بمن لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا فذاك من العزة و الاعتزاز بالعبيد من الجهل بالله و جهله به سبب لضعفه في كل الأمور و قد دلهم الله تعالى على ما فيه رشدهم فقال و اعتصموا بالله هو مولاكم و الاعتصام به و الاعتزاز من ذرى الإيمان و من اعتصم بالمخلوقين واعتز لعرض الدنيا فهو المخذول في دينه الساقط عن عين الله تعالى و أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام ما من عبد يعتصم بي دون خلقي فتكيده السموات و الأرض إلا جعلت له من ذلك مخرجا.]([19]).
ولقد قال المفسرون في قوله تعالى: { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا }([20]).
قال القرطبي: [ قوله تعالى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا التقدير عند الفراء من كان يريد علم العزة وكذا قال غيره من أهل العلم أي من كان يريد علم العزة التي لا ذلة معها لأن العزة إذا كانت تؤدي إلى ذلة فإنما هي تعرض للذلة والعزة التي لا ذل معها لله عز وجل جميعا....وهو المفهوم من قوله الحق في سورة يونس ولا يحزنك قولهم إن العزة لله ويحتمل أن يريد سبحانه أن ينبه ذوي الأقدار والهمم من أين تنال العزة ومن أين تستحق فتكون الألف واللام للاستغراق وهو المفهوم من آيات هذه السورة فمن طلب العزة من الله وصدقه في طلبها بافتقار وذل وسكون وخضوع وجدها عنده إن شاء لا ممنوعة ولا محجوبة عنه قال صلى الله عليه وسلم من تواضع لله رفعه الله ومن طلبها من غيره وكله إلى من طلبها عنده وقد ذكر قوما طلبوا العزة عند سواه فقال:{ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } فأنبأك صريحا لا إشكال فيه أن العزة له يعز بها من يشاء ويذل من يشاء وقال صلى الله عليه وسلم مفسرا لقوله من كان يريد العزة فلله العزة جميعا من أراد عز الدارين فليطع العزيز وهذا معنى قول الزجاج ولقد أحسن من قال وإذا تذللت الرقاب تواضعا إليك فعزها في ذلها فمن كان يريد العزة لينال ويدخل دار العزة ولله العزة فليقصد بالعزة الله سبحانه والاعتزاز به فإنه من اعتز بالعبد أذله الله ومن اعتز بالله أعزه الله]([21]).
وقال الطبري:[ القول في تأويل قوله تعالى: الذين يتخذون الكافرين أوليآء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا أما قوله جل ثناؤه الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين فمن صفة المنافقين يقول الله لنبيه يا محمد بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني أولياء يعني أنصارا وأخلاء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة يقول أيطلبون عندهم المنعة والقوة باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي فإن العزة لله جميعا يقول فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم هم الأذلاء الأقلاء فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين فيلتمسوا العزة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء فيعزهم ويمنعهم ]([22]).
وقال ابن كثير: [قال الله تعالى ينعو عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين أيبتغون عندهم العزة ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له كما قال تعالى في الآية الأخرى من كان يريد العزة فلله العزة جميعا وقال تعالى ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عبادة المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد]([23]).
فيتبين من هذه الأدلة أنه لا يجوز الاستعانة بالمشركين والله أعلم.
السؤال الثالث هل بيعة قيادة مسلمة لتقود الثورة شرط لنصر الله لنا؟؟ في هذه الحالة كيف نعمل مع المجلس الوطني السوري و رئيسه الملحد الشيوعي و أعضاءه من غير المسلمين ؟؟
والجواب عن السؤال الثالث موجود في ثنايا لجواب عن السؤال الأول والثاني:
فإذا كان لا يجوز الركون إلى الذين كفروا ولا موادتهم ولا الاستعانة بهم فكيف يكونوا هم القيادة إن الذي يرضى بقيادة الكافر كافر مثله ويستحيل عقلاً وشرعاً الرضا بقيادة الكافر
يقول الإمام ابن تيمية [وَمِثْلُ هَذَا لآ تَتَّخِذُهُ الْأُمَّةُ رَأْسًا قَطُّ إلا أَنْ تَكُونَ قَدْ كَفَرَتْ]([24]).
ويقول الشاطبي: [ إن تحليل الشيء إذا كان مشهوراً فحرَّمه بغير تأويل أو التحريم مشهوراً فحلَّله بغير تأويل كان كفراً وعناداً ومثل هذا لا تتخذه الأمة رأساً قط إلا أن تكون الأمة قد كفرت ] ([25]).
ولقد أجمع العلماء أن مجرد الرضى بالكفر كفر فكيف باتخاذ الكافر رأساً وقائداً وممن قال بقاعدة الرضا بالكفر كفر أو نقلها النووي في روضة الطالبين وعمدة المفتين (10 / 65) و عضد الدين الإيجي في المواقف (3 / 251) و الزمخشري في الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (2 / 368) و الرازي في مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (8 / 192) و القرطبي في تفسيره (5 / 418) و الخازن في لباب التأويل في معاني التنزيل (2 / 461) و أبوحيان في البحر المحيط في التفسير (4 / 103) و النيسابوري في غرائب القرآن ورغائب الفرقان (2 / 139) و البقاعي في نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (5 / 439) و البيضاوي في الحاشية عنايه القاضي وكفاية الراضي (3 / 189) و جاء في مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد (1 / 120) و القاسمي في محاسن التأويل (3 / 375) و رشيد رضا في تفسير المنار (10 / 204) و في أيسر التفاسير للجزائري (1 / 559) وفي معترك الأقران في إعجاز القرآن (2 / 444) و في نيل المرام من تفسير آيات الأحكام (ص: 218) وفي بيان المعاني (3 / 76) وفي تفسير آيات الأحكام للسايس (ص: 191) وقال ملا على القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3 / 1212) وفي الفروق للقرافي وفي أنوار البروق في أنواء الفروق (4 / 228) وفي الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (4 / 205) و في شرح مختصر خليل للخرشي (8 / 65) و تقي الدين الشافعي في كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 495) و في تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (6 / 352) وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لشهاب الدين الرملي (5 / 456) وفي حاشية الروض المربع للبهوتى الحنبلى (3 / 157) وفي الشرح الممتع على زاد المستقنع للشنقيطي (8 / 75)
إذن شرط كون القيادة مسلمة أمر معلوم من الدين بالضرورة فالله ينصر عباده المؤمنين وعلى الذين اختاروا قيادة كافرة أن يراجعوا دينهم.
هذا ما تيسر فإن أصبت فبتوفيق الله وإن أخطأت فمن نفسي والحمد لله رب العالمين
[1] - وسلم صحيح مسلم (4 / 2289)
[5]- التوبة 83-85
[6]- آل عمران 118
[7]- النساء 45
[8]- النساء 89
[17] - رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سعد بن المنذر بن أبي حميد ذكره ابن حبان في الثقات فقال سعد بن أبي حميد فنسبه إلى جده وبقية رجاله ثقات مجمع الزوائد 5/303
0 التعليقات:
إرسال تعليق