حكم الاستعانة بالمشركين (2)
رضوان محمود نموس
حتى لا نذهب في متاهات وفقد صلة التخاطب أرى ضرورة ضبط البحث. فالمقصود ابتداء من البحث هو تبيين حكم الاستعانة بالكفار في الجهاد. لأن الاستعانة كلمة عامة ومتشعبة فمنها ما هو إجارة ويطلق عليه الناس لفظ (استعانة) ومنها ما هو استعانة يسيرة كالاستعانة في قضاء بعض الحاجات كرفع متاع إلى سيارة أو ما شابه ومنها استعانة بين المسلمين ومنها استعانة بالكافرين في أمور دنيوية ومنها استعانة لا تجوز إلا بالله وهي الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله وقبل الخوض في الأمر أود تقديم بعض التعريفات المسيسة بالموضوع
عون: [العَوْنُ: الظَّهير على الأَمر، الواحد والاثنان والجمع والمؤنث فيه سواء، وقد حكي في تكسيره أَعْوان،.. أَعَنْتُه إِعانة واسْتَعَنْتُه واستَعَنْتُ به فأَعانَنِي، والمَعُونة مَفْعُلة في قياس من جعله من العَوْن؛ ورجل مِعْوان: كثير المَعُونة للناس.. والنحويون يسمون الباء حرف الاستعانة، وذلك أَنك إِذا قلت ضربت بالسيف، وكتبت بالقلم، وبَرَيْتُ بالمُدْية، فكأَنك قلت استعنت بهذه الأَدوات على هذه الأَفعال]([1]).
نصر: النَّصر: إِعانة المظلوم؛ نَصَره على عدوّه ينصرُهُ و نصَره ينصُره نَصْراً، ورجل ناصِر من قوم نُصَّار .. وفي الحديث: انصُر أَخاك ظالِماً أَو مظلوماً، وتفسيره أَن يمنَعه من الظلم إِن وجده ظالِماً، وإِن كان مظلوماً أَعانه على ظالمه، والاسم النُّصْرة؛ والنَّصِير: النَّاصِر؛ قال الله تعالى: نِعم المولى ونِعم النَّصِير والجمع أَنْصار. والنُّصْرة: حُسْن المَعُونة. والاسْتِنْصار: اسْتِمْدَاد النَّصْر. واسْتَنْصَرَه على عَدُوّه أَي سأَله أَن ينصُره عليه. والتَّناصُر: التَّعاون على النَّصْر. وتَنَاصَرُوا: نَصَر بعضُهم بعضاً. والمُسْتَنْصِر: السَّائل. ووقف أَعرابيّ على قوم فقال: انْصُرُوني نَصَركم الله أَي أَعطُوني أَعطاكم الله]([2]).
الـمُوالاةُ قال في اللسان:[ الوَلايةُ والولاية النُّصرة. يقال:هم علـيَّ وَلايةٌ أَي مـجتمعون فـي النُّصرة. قال أَبو منصور: جعل التولي ههنا بمعنى النَّصْر من الوَلِيّ، و المَوْلـى وهو الناصر والمَوْلى الحَلِيفُ، وهو من انْضَمَّ إِليك فعَزَّ بعِزِّك وامتنع بمَنَعَتك؛.. و المَوْلى الناصر، والمولى الولي الذي يَلِي عليك أَمرك، قال أَبو منصور: جعل التولي ههنا بمعنى النَّصْر من الوَلِيّ، و المَوْلى وهو الناصر. ويقال: تَوَلاَّكَ أَي وَلِيكَ ويكون بمعنى نَصَرك وقوله: اللهم والِ مَنْ والاه أَي أَحْبِبْ مَنْ أَحَبَّه وانْصُرْ من نصره. والمُوالاةُ على وجوه، قال ابن الأَعرابي ... والحَلِيفُ عند العرب مَوْلىً، فالوَلايةُ بالفتح في النسب والنُّصْرة والعِتْق، و الوِلايةُ بالكسر في الإِمارة، و الوَلاءُ في المُعْتَق، والمُوالاةُ: ضِدّ المُعاداة، و الوَلِيُّ: ضدّ العدوّ، ... المُوالاةُ: المُتابعَةُ.]([3]).
وواضح جلي من المعنى أن أهم مظهر من مظاهر الموالاة هو التناصر وقال العلماء ذلك في تفسيرهم للولاء.
قال الطبري: [ويعني بقوله:"بل الله مولاكم"، وليّكم وناصركم على أعدائكم الذين كفروا، وهو خير الناصرين"، لا من فررتم إليه من اليهود وأهل الكفر بالله. فبالله الذي هو ناصركم ومولاكم فاعتصموا، وإياه فاستنصروا، دون غيره ممن يبغيكم الغوائل، ويرصدكم بالمكاره،...عن ابن إسحاق:"بل الله مولاكم"، إن كان ما تقولون بألسنتكم صدقًا في قلوبكم ="وهو خير الناصرين"، أي: فاعتصموا به ولا تستنصروا بغيره، ولا ترجعوا على أعقابكم مرتدِّين عن دينكم ]([4])
وقال ابن المنذر:[{بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ} إن كَانَ مَا تقولون بألسنتكم، صدقا فِي قلوبكم {وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} أي: واعتصموا بِهِ، وَلا تستنصروا بغيره، وَلا ترجعوا مرتدين عَنْ دينه ]([5])
وقال ابن أبي حاتم:[ وَبِهِ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ إِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقاً فِي قُلُوبِكُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ أَيْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ، وَلا تَسْتُنْصِرُوا بِغَيْرِهِ، وَلا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِهِ]([6]).
قال الواحدي: [{وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [النساء: 89] قال ابن عباس: ولا تستنصروا بهم على عدوكم]([7]). وقال أيضاً: [ومعنى لا تتخذوهم أولياء: لا تعتمدوا على الاستنصار بهم.]([8])
وقال ابن الجوزي: [لا تستنصروا بهم، ولا تستعينوا، بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ في العون والنصرة]([9]).
وقال محمد ثناء الله [فاكتفوا به عن غيره فى الولاية والنصرة فانه اعلم واقدر فثقوا به ولا تتولوا ولا تستنصروا غيره]([10]) وقال أيضاً [وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا كرّر النهى عن الولاية للتأكيد أو يقال السابق نهى عن اتخاذهم أولياء قبل الأخذ وهذا عن موالاتهم بعد الأخذ وَلا نَصِيراً وهذا دليل على عدم جواز الاستنصار بالكفار]([11]) .
وقال الرازي: [وَمَعْنَى لا تَتَّخِذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ: أَيْ لا تَعْتَمِدُوا عَلَى الاسْتِنْصَارِ بِهِمْ، ولا تَتَوَدَّدُوا إِلَيْهِمْ]([12]).
وقال محمد بن عمر نووي الجاوي [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ أي لا تعتمدوا على الاستنصار بهم]([13]).
وقال القسمي: [وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً أي: لا توالوهم ولا تستنصروا بهم على أعداء الله ]([14]).
وقال فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي [والمراد بالولاية هنا: مصافاة أعداء الإسلام والاستنصار بهم والتحالف معهم دون المسلمين, أي: يا أيها الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ... لا يتخذ أحد منكم أحدا من اليهود والنصارى وليا ولا نصيرا أي: لا تصافوهم مصافاة الأحباب ولا تستنصروا بهم, فإنهم جميعا يد واحدة عليكم، يبغونكم الغوائل ويتربصون بكم الدوائر. فكيف يتوهم بينكم وبينهم موالاة؟]([15]).
وقال الزحيلي: [ومعنى الموالاة الممنوعة: الاستنصار بهم والتعاون معهم والاستعانة بهم]([16]).
وقال:محمد أحمد إسماعيل المقدم [(بعضهم أولياء بعض) أي: بعضهم ينصر بعضاً]([17]).
فثبت لدينا أن التناصر وطلب النصرة لغة وشرعاً وبنص القرآن وأقوال العلماء هو ولاء بين المتناصرين فإذا كان طلب النصر من الكفار فهو ولاء لهم والولاء للكفار محرم إجماعاً بل هو كفر.
1- قال الله تعالى:) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا( ([18]).
2- : قال الله تعالى: ) لاَ يتخذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ ( ([19]).
قال القرطبي في تفسيره:[ أي فليس من حزب الله, ولا من أوليائه في شيء]([20]).
وقال ابن كثير في تفسيره:[ نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين؛ أن يوالوا الكافرين, وأن يتخذوهم أولياء يسرون إليهم بالمودة من دون المؤمنين, ثم توعد على ذلك, فقال ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء, أي ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله, كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة إلى أن قال ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم من بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم]([21]).
3- :) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا ( ([22]).
قال ابن كثير:[ فإن من الفساد في الأرض, اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء, كما قال تعالى: والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير فقطع الله الموالاة بين المؤمنين والكافرين, كما قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ثم قال إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا فالمنافق لما كان ظاهره الإيمان اشتبه أمره على المؤمنين, فكان الفساد من جهة المنافق حاصل, لأنه هو الذي غر المؤمنين بقوله الذي لا حقيقة له, ووالى الكافرين على المؤمنين, ولو أنه استمر على حاله الأول لكان شره أخف]([23]).
4- قال الله تعالى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( ([24]).
قال القرطبي:[ حكمه كحكمهم, وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد, وكان الذي تولاهم "ابن أبي" ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة, في قطع المولاة وقد قال تعالى: ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وقال تعالى: في آل عمران لا تتخذوا بطانة من دونكم وقد مضى القول فيه وقيل إن معنى بعضهم أولياء بعض, أي في النصرة, ومن يتولهم منكم فإنه منهم شرط وجوابه أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله, كما خالفوا ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم, ووجبت له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم]([25]).
وقال ابن كثير:[ ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله, قاتلهم الله, ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض, ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك, فقال ومن يتولهم منكم فإنه منهم الآية... عن محمد بن سيرين قال: قال عبد الله بن عتبة ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر قال فظنناه يريد هذه الآية يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء الآية...
5- قال الله تعالى: ) تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ % وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (([26]).
قال ابن كثير: [وقوله تعالى ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء. أي لو آمنوا حق الإيمان بالله والرسول والقرآن؛ لما ارتكبوا ما ارتكبوه من موالاة الكافرين]([27]).
وقال أبو السعود:[ ولو كانوا أي الذين يتولون المشركين من أهل الكتاب, يؤمنون بالله والنبي, أي نبيهم وما أنزل إليه من الكتاب, أو لو كان المنافقون يؤمنون بالله ونبينا إيمانا صحيحا؛ ما اتخذوهم أي المشركين أو اليهود أولياء, فإن الإيمان بما ذكر, وازع عن توليهم قطعا, ولكن كثيرا منهم فاسقون, خارجون عن الدين, والإيمان بالله, ونبيهم, وكتابهم, أو متمردون في النفاق, مفرطون فيه]([28]).
وقال البغوي: [ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي محمد صلى الله عليه وسلم, وما أنزل إليه يعني القرآن, ما اتخذوهم يعني الكفار أولياء, ولكن كثيرا منهم فاسقون. أي خارجون عن أمر الله سبحانه وتعالى]([29]).
فنرى صيغة القرآن الكريم وأقوال المفسرين؛ استنكارية تعجبية تطلق الأمر وكأنه من البدهيات المسلمات التي لا تحتاج إلى برهان وحوار عند العقلاء, فالمؤمن بالله جل حلاله وبالرسول صلى الله عليه وسلم, لا يمكن أن يتخذ الكفار أولياء, والعكس أن من يتخذهم أولياء لا يمكن أن يعتبر من المؤمنين.
قال سيد رحمه الله في الظلال [كما تقرر صفة المسلم الذي يختاره الله لدينه، ويمنحه هذا الفصل العظيم في اختياره لهذا الدور الكبير:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ، أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ، يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ.. ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ» ..
وكل هذه التقريرات خطوات في المنهج، وفي صياغة الفرد المسلم، والجماعة المسلمة على الأساس المتين.
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ. بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ. وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ. إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ، يَقُولُونَ: نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ. فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ: وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ؟ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ، فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ» ..
ويحسن أن نبين أولاً معنى الولاية التي ينهى الله الذين آمنوا أن تكون بينهم وبين اليهود والنصارى..
إنها تعني التناصر والتحالف معهم. ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم. فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين. إنما هو ولاء التحالف والتناصر، الذي كان يلتبس على المسلمين أمره، فيحسبون أنه جائز لهم، بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر، ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام، وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة، حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله. بعد ما تبين عدم إمكان قيام الولاء والتحالف والتناصر بين المسلمين واليهود في المدينة..
وهذا المعنى معروف محدد في التعبيرات القرآنية. وقد جاء في صدد الكلام عن العلاقة بين المسلمين في المدينة والمسلمين الذين لم يهاجروا إلى دار الإسلام. فقال الله سبحانه: «ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا» .. وطبيعي أن المقصود هنا ليس الولاية في الدين. فالمسلم ولي المسلم في الدين على كل حال. إنما المقصود هو ولاية التناصر والتعاون. فهي التي لا تقوم بين المسلمين في دار الإسلام والمسلمين الذين لم يهاجروا إليهم.. وهذا اللون من الولاية هو الذي تمنع هذه الآيات أن يقوم بين الذين آمنوا وبين اليهود والنصارى بحال، بعد ما كان قائماًَ بينهم أول العهد في المدينة]([30])
0 التعليقات:
إرسال تعليق