في رحاب العلماء(16)
سراج الأخوان في أهم ما يحتاج إليه في هذا الزمان
للشيخ عثمان بن فودي([1]).
رضوان محمود نموس
قال العبد الفقير المضطر لرحمة ربه عثمان بن محمد بن عثمان المعروف بابن فودي تغمده الله برحمته آمين:
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فهذا التأليف سراج الإخوان في أهم ما يحتاج إليه في هذا الزمان، أودعت فيه عشرة فصول ( الفصل الأول ) في بيان الفرق بين المسلمين والكافرين، (الفصل الثاني) في بيان الفرق بين علماء الدين أهل الذكر أنصار الرحمن، وبين علماء السوء أهل الغفلة أنصار الشياطين (الفصل الثالث) في حكم جهاد أقوام، يفوهون بكلمة الشهادة فقط على العرف عادة ولا يعملون شيئاً من أعمال الإسلام، (الفصل الرابع) في حكم جهاد أقوام يفوهون بكلمة الشهادة ويعملون أعمال الإسلام لكنهم يخلطونها بأعمال الكفر، (الفصل الخامس) في حكم جهاد أنصار الكفار من العلماء والطلبة والعوام، (الفصل السادس) في حكم قتال الملمين المهملين الذين لم يدخلوا تحت بيعة أحد من أمراء المسلمين، (الفصل السابع) في حكم قتال المحاربين من أمراء المسلمين، (الفصل الثامن) في حكم قتال المسلمين الظالمين نم أمراء المسلمين الذي يأخذون أموال المسلمين ظلماً وعدواناً، (الفصل التاسع) فيما يجب على أمراء الملين من إقامة شعائر الإسلام، وإصلاح البلاد وتغيير منكراتها، (الفصل العاشر) في بيان حقيقة الحلال والحرام والشبهة وأصول الحلال.
الفصل الأول
في بيان الفرق بين المسلمين والكافرين فأقول وبالله التوفيق: اعلموا يا إخواني أن حقيقة المسلمين شرعاً هم الذين أقروا بكلمتي الشهادة، وعملوا أعمال الإسلام، ولا يسمع منهم إنكار شيء مما علم من الدين بالضرورة، ولا يسمع منهم استهزاء بدين الله بألفاظ الكفر، ولا يرى منهم تخليط أعمال الإسلام بأعمال الكفر، وإنما شرط لصحة الإسلام عدم إنكار شيء مما علم في الدين ضرورة، لأن من أنكر ذلك كافر قطعاً، وفي إضاءة الدجنة:
وجاحد المعلوم بالضرورة***باء بكفر وانتهى غروره
وفي الكوكب الساطع:
وإنما شرط لصحة الإسلام عدم الاستهزاء بدين الله بألفاظ الكفر، لأن من يستهزئ بدين الله كافر قطعاً ولو بغير اعتقاد.
وفي بدء الآمال:
ولفظ الكفر من غير اعتقاد***بطوع رد دين باغتفال.
وإنما شرط لصحة الإسلام عدم تخليط أعمال الإسلام بأعمال الكفر، لأن من يخلط أعمال الإسلام بأعمال الكفر كافر قطعاً، ولا تقل غير الكفر فتكفر.
وفي القصيدة الجزائرية:
ومثلهم كل ذي شرك وإن نسبوا**للدين أنفسهم كفر ولا تقل
فثبت بما قررنا، أن كل من ينكر شيئاً مما علم في الدين ضرورة أو يستهزئ بدين الله، أو يخلط عمل الإسلام بأعمال الكفر كافر قطعاً، ولو كان يدين بدين الإسلام، فحصل الفرق بهذا بين المسلمين والكافرين، وأما من يخلط أعمال الإسلام بأعمال المعاصي والبدع فلا يكون كافراً بإجماع أهل السنة، وإنما هو عاص لله ولرسوله، وفاسق إن كان يعمل الكبائر، أو أصر على الصغائر.
الفصل الثاني
في بيان الفرق بين علماء الدين أهل الذكر أنصار الرحمن، وبين علماء السوء أهل الغفلة أنصار الشيطان.
فأقول –وبالله التوفيق-: اعلموا يا إخواني أن الفرق بين علماء الدين أهل الذكر أنصار الرحمن، وبين علماء السوء أهل الغفلة أنصار الشيطان، هو: أن كل من اجتمع فيه وصفان: العلم والتقوى: فهو من علماء الدين أهل الذكر أنصار الرحمن، ومن لم يجتمع فيه أي الوصفان، فهو من علماء السوء أهل الغفلة أنصار الشيطان.
وفي أجوبة محمد بن عبد الكريم محمد المغيلي التلمساني عن أسئلة أمير الحاج أبي عبد الله محمد بن أبي بكر المعروف باسكياء لما سأله عن الفرق بين علماء الدين المذكورين أهل الذكر الذين هم بركة أهل الأرض، وبين علماء السوء أهل الغفلة المذكورين الذين هم مصيبة أهل الأرض، فأجابه بقوله (أعاننا الله وإياك على رعاية ودائعه، وحفظ ما أودعنا به من شرائعه، فإن سألتني وقلت منذ منَّ الله عليها بالإسلام: أصابتنا مصيبة في هذه البلاد لعدم الأمانة فيمن ينسب له العلم من قراء بلادنا، ومن صفتهم أنهم عجم لا يفقهون كلام العربية إلا قليلاً من كلام عرب بلادهم على تصحيف وتحريف وعجمة عظيمة بحيث لا يعرفون مقاصد العلماء، ولا موضع التصحيف والتحريف، ومع ذلك لهم كتب يدرسونها، وحكايات وأخبار، يتكلمون في دين الله، ويزعمون أنهم ورثة الأنبياء، وأنه يجب علينا الاقتداء بهم، وأنا أطلب من الله أن يعينني على حمل هذا الثقل الذي أبت السماوات والأرض من حمله، وأطلب منك أن تعينني بما علمك الله في هؤلاء القراء، هل يجوز لي أن نعمل على قولهم في دين الله، ويخلصني تقليدهم عند الله أو لا يحل لي ذلك، أو يجب علي البحث عمن نوليه الحكم ونقلده أمور الدين، بين لنا صفته أي بين العدل من يصلح لذلك شرعاً ؟
فاعلم أعاننا الله وإياك أن الملك لله، وما النصر إلا من عند الله، فكن لله عبداً بطاعته يكن لك رباً بحفظه وإعانته، إنما أنت عبد مملوك لا تملك شيئاً، وقد رفعك مولاك على كثير من عباده لتصلح لهم دينهم ودنياهم لا لتكون سيدهم ومولاهم، فأنت في جميع مملكتك راع لا مالك، وكل راع مسئول عن رعيته، فإذا علمت ذلك أيها الأمير فعليك بأمرين: الأول: أن تبعد عنك أهل الشرور، وأن تقرب منك أهل الخير. والثاني: أن تسأل أهل الذكر عن كل ما لا تعلم حكمه من تصرفاتك كلها لتحكم بما أنزل الله في كل ما حملك منها، قال تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) فأهل الذكر من اجتمع فيه وصفان: العلم والتقوى، لأن بالعلم يعرف الرشد من الغي، وبالتقوى يأمر بالرشد وينهى عن الغي، فلا تقلد في دينك إلا من ثبت أنه عالم تقي لأن من لم يثبت أنه عالم يخاف منه أن يضل ويضل بعماه، ومن لم يثبت أنه تقي يخاف منه أن يضل بهواه، ألم تر إلى قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ) وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’لتتبعن سنن من قبلكم شبراً شبراً وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذا ‘‘. ثبت بذلك أن كثيراً من علماء هذه الأمة وعبادهم يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله، وبسبب هؤلاء العلماء والعباد شاع الفساد في جميع البلاد والعباد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ’’ هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل‘‘. وقال صلى الله عليه وسلم ’’ أنا من غير الدجال أخوف عليكم من الدجال، فقالوا: ممن يا رسول الله ؛ قال: من علماء السوء ‘‘ وروي عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه أخذ حصاة بيضاء فوضعها في كفه ثم قال: إن الدين قد استضاء إضاءة هذه، ثم أخذ كفاُ من تراب بجعل يذره على الحصاة حتى واراها، ثم قال: إن الدين والذي نفسي بيده ليجيئن أقوام يدفنون هذا الدين كما دفنت هذه الحصاة – الحديث. ثم قال محمد بن عبد الكريم بن محمد المغيلي التلمساني: قد تبين بالكتاب والسنة، وإجماع العلماء أن كثيراً من قراء هذه الأمة إنما هم من علماء السوء، وهم أضر على المسلمين من جميع المفسدين، ثم قال بعد كلام: فإن قلت قد بينتَ وأوضحتَ أن كثيراً من علماء هذه الأمة ليسوا من أهل الذكر، وإنما هم من علماء السوء الضالين المضلين، ولكن كل منهم يقرءون القرآن والحديث، ويعرف كثيراً من نصوص الكتاب والحديث، ويزعم أنه من أهل الذكر، وينكر أنه من علماء السوء، فبأي شيء تفرق بين أهل الذكر وعلماء السوء ؟ فالجواب –والله الموفق للصواب- أنه لا يلتبس حال أهل الذكر بحال علماء السوء أصلاً، لا قولاً ولا فعلاً بل لا بد أن يجعل الله لكل هاد من أهل الذكر أنواراً على أنوار في كل عصر من الأعصار هداية لسهم الجنة، وحجة على سهم النار، وبيان ذلك أن من حكمة الله أن لا يعذب قوماً حتى يبين لهم ما يتقون، وتلك سنة الله في الأولين والآخرين، لئلاً يقولوا يوم القيامة: (إنا كنا عن هذا غافلين ) ومن حكمته جل وعلا أن يجعل ذلك البيان على لسان البشر من الأنبياء في الأولين، وأهل الذكر في الآخرين، وجعل لكل هاد منهم عدواًُ من المجرمين، وهم شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، فلا بد إذاً من نور واضح يعلم به صدق الهادين، وكذب الشياطين، فجعل الله ذلك للأنبياء بخروق العادات، ولأهل الذكر بالأعمال الصالحات، فما من نبي أرسله الله لعباده إلا وجعل له نوراً واضحاً يبين للناس كلهم أنه على الحق المبين، وأن كل من خالفه وشاقه إنما هو من الضالين المضلين.
وكذلك أهل الذكر من أهل الأمة إلى يوم القيامة؛ لأن الله تعالى جعلهم للهداية، وإقامة الحجة في هذه الأمة كالأنبياء في الأمم الماضية، ولذلك روي ’’ في رأس كل قرن يرسل الله عالماً للناس يجدد لهم دينهم ‘‘ فلا بد لهذا العالم في كل قرن أن تكون أحواله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح أمور الناس، والعدل بينهم، ونصر الحق على الباطل، والمظلوم على الظالم، بخلاف أحوال علماء عصره، فيكون بذلك غريباً بينهم لانفراده بصفة أحواله، وقلة أمثاله، وحينئذ يتبين ويتيقن أنه المصلحين، وأن من خالفه وشاقه ليصرف الناس عنه، إنما هو من المفسدين لقول النبي صلى الله عليه وسلم ’’بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء، فقيل من الغرباء يا رسول الله ؟ فقال: الذين يصلحون عند فساد الناس‘‘ وذلك من أبين علامات أهل الذكر الذين يجدد الله بهم للناس دينهم، ومن أبين علامات علماء السوء أنهم لا يصلحون، ولا يتركون من يصلح، فمثلهم كمثل الصخرة في باب النهر لا تشرب ولا تترك من يشرب؛ فكل واحد منهم أضر على الناس من ألف شيطان، وليس الخبر كالعيان، وإن لم تفهم ما قررناه وأشكل عليك شيء مما ذكرناه، فاعلم أن القراء كلهم على ثلاثة أنواع:
الأول: من تبين لك أنه عالم تقي.
الثاني: من تبين لك أنه ليس بعالم أو أنه عالم ليس بتقي.
الثالث: من شككت فيه، فلم تعلم هل هو عالم، أم لا …؟
فمن تبين أنه عالم تقي، فهو من أهل الذكر فاسأله عن دينك وقلده ينجيك ويكفيك، كمن زعم أنه خبير وتبين لك بلا شك أنه عارف أمين، ومن تبين لك أنه ليس بعالم أو أنه ليس بتقي، فليس هو من أهل الذكر، فلا تقلده في شيء من دينك، ولا تسأله عنه، كمن زعم أنه خبير وتبين لك أنه ليس بعارف، أو أنه ليس بأمين، ومن لم يتبين لك حاله فلم تعلم هل هو عالم تقي أم لا ؟ فقف عنه أيضاً، ولا تقلده في شيء من دينك، ولا تسأله عنه، ولو كان فصيحاً عربياً يحفظ جميع ما في الكتب ؛ حتى يتبين لك بلا شك أنه عالم تقي، كمن زعم أنه خبير أمين، ولم يتبين لك هل هو صادق أم كاذب.
وإذا علمت ذلك لم يلتبس عليك أمر القراء في هذا الزمان وواجب عليك أن تطلب عالماً من أهل الذكر حيث كان؛ لأن أهل الذكر في هذه الأمة كالأنبياء في الأمم الماضية، ويجب الاعتماد عليهم والسعي إليهم وإن بعدوا، انتهى والله ولي التوفيق والهداية.
الفصل الثالث
في حكم جهاد أقوام يفوهون بكلمة الشهادة فقط على العرف، ولا يعملون شيئاً من أعمال الإسلام، فأقول وبالله التوفيق: اعلموا يا إخواني أن حكم هؤلاء المذكورين الكفر بلا شك، فالجهاد فيهم بقتل رجالهم، وذراريهم، وسبي نساءهم، ونهب أموالهم واسترقاقهم جميعاً بلا خلاف
الفصل الرابع
في حكم جهاد أقوام يفوهون بكلمة الشهادة ويعملون أعمال الإسلام لكنهم يخلطونها بأعمال الكفر فأقول وبالله التوفيق:
اعلموا يا إخواني أن جهاد هؤلاء القوم واجب إجماعاً لأنهم كفار إجماعاً إذ الإسلام مع الشرك غير معتبر.
وفي القصيدة الجزائرية
ومثلهم كل ذي شرك وإن نسبوا** للدين أنفسهم كفر ولا تقل
فبذلك نعرف أن سلاطين أهل هوسة كفار فيما نعرف في هذا الزمان، لتخليطهم أعمال الإسلام بأعمال الكفر..
وفي أجوبة محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني عن أسئلة الأمير أسكيا لما سأله عن حال (سن عل) من ملوك سغى، قال:... وكان سن عل... كما كان أبوه ومن قبله من ملوك سغى، إلا أنه لما نشأ من صغره إلى كبره بين أخواله، وتطبع بطبائعهم كان من صفته أنه ينطق بالشهادتين ونحوهما من ألفاظ المسلمين، ويصوم رمضان ويتصدق كثيراً بالذبح عن المساجد ونحوها ومع ذلك يعظم بعض الأشجار والأحجار بالذبح عندها والصدقة والتضرع والنذر لها وطلب قضاء حوائجه منها، ويستعين بالسحرة والكهان في أموره كلها أوجلها.
ومن صفته أيضاً: أنه لا يتوقف في النساء بلا نكاح ولا غيره من شروط الإسلام، بل كلما أعجبته امرأة في جميع مملكته أخذها وأدخلها بيته. ومن صفته أيضاً: أنه حلل دماء المسلمين.
فما الحكم في سن عل، وجميع أعوانه من الظلمة الذين كانوا يعملون بعمله هل هم كفار أم لا ؟ وهل تسترق أولادهم من بعدهم وتباع أمهات أولادهم أم لا ؟
فالجواب والله الموفق للصواب: أن (سن عل)، وجميع أعوانه وأتباعه وأنصاره لا شك أنهم من أظلم الظالمين الفاسقين الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، فجهاد الأمير أسكيا فيهم، وأخذه السلطنة من أيديهم من أفضل الجهاد وأهمه،... والذي ذكرتموه من حال سن عل علم على الكفر بلا شك فإن كان الأمر فيه كما ذكرتهم فهو كافر، وكذلك من عمل بمثل عمله بل يجب التكفير بما هو أقل من ذلك، وأما استرقاق أولادهم فلا أراه، وإن ثبت عليهم موجب الحكم بالتكفير لأن الكفار ثلاثة أصناف:
الأول: من هو كافر صريح الكفر بالأصالة كالنصارى، واليهود، والمجوس ونحوهم ممن ورث الكفر الصريح عن آبائه.
الثاني: من كان مسلماً ثم ارتد عن دين الإسلام ارتداداً ظاهراً، وصرح بأنه خرج عن دين الإسلام، ودخل في دين الكفر.
الثالث: من يزعم أنه مسلم وحكمنا بكفره، لأنه صدر منه ما لا يقع في الظاهر إلا من كفار كما ذكرتهم عن سن عل،.
الفصل الخامس
في حكم جهاد أنصار الكفار من العلماء والطلبة والعوام.
فأول وبالله التوفيق: اعلموا يا إخواني أن جهاد هؤلاء القوم المذكورين واجب إجماعاً لأنهم كفار قطعاً إن كانوا يلبسون الحق بالباطل لأجلهم أو كانوا يحلون لهم ما حرم الله عز وجل، أو كانواً أنصاراً لهم على المؤمنين في جيوشهم، وفي أجوبة محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني عن أسئلة الأمير أسكيا لما سأله عن سلطان يعمل الحرام المكس ونحوه فإذا قيل له: هذا الذي تعمل حرام، قال: حاشاني من الحرام، وكل ما نعمل حلال، أنا أعلم منكم، وعلم أنه تلبيس الحق بالباطل، وله فقهاء اتخذهم لذلك، فكلما أراد أن يفعل شيئاً من غرضه أحضرهم وقال لهم: أليس هذا حلالاً؟ فيقولون: بلى، لك ذلك، فيوافقونه على غرضه ويستتر بهم من الطعن عليه بالظلم والجور، فهل مثل هذا السلطان ظالم أو كافر لأجل تحليل ما حرم الله، وكذا أولئك الفقهاء؟ فأجابه بقوله: من ثبت عليه أنه حلل المكس ونحوه من أكل أموال الناس بالباطل وجب الحكم بكفره، وكذلك من أنكر الحق المبين ولبسه بالباطل، وقال في كتابه ’’ مصباح الأرواح في أصول الفلاح‘‘ في بيان تكفيرهم، بنصرهم الكفار، على المؤمنين مما يدل على عدم الإيمان بنص القرآن بموالاتهم الكفار، لقوله تعالى (ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون)
قال: لأن الدليل المذكور بين أن من لازم الإيمان عدم موالاة الكفار فلزم بشهادة رب العزة تكفير كل من تولى واحد منهم كائناً من كان في كل زمان ومكان، وموالاتهم نصرهم لأن الولي هو الناصر ولا يعذر بما ظهر عليه من قصد المنفعة كمن سجد لصنم بمائة ألف درهم فيستتاب بالسيف، فإن مات أو قتل قبل أن يتوب مات كافراً، فلا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإن كان مدة حياته ينطق بالشهادتين ويصلى ويصوم ويحج ويفعل جميع أنوا البر، لأنه لا عمل إلا بالإيمان، وإن عمل واحدة من خصال الكفر تحبط ألفاً من خصال الإيمان) انتهى. قلت: فثبت بهذا أن كل من تولى أحد من الكافرين كائناً من كان في كل زمان ومكان مرتد عن دين الإسلام إن صح إسلامه قبل ذلك، فالجهاد فيهم أفضل من كل جهاد، ومالهم فيء، وأما حكم استرقاقهم واسترقاق أولادهم وأزواجهم فقد تقدم بيان الخلاف في استرقاق المرتدين، وإن أكثر العلماء لا يجيزون ذلك خلافاً لأصبغ، ومن وافقه من العلماء في جواز ذلك، ومن أنعم النظر في هذا الفصل عرف أن أنصار الكفار من العلماء والطلبة والعوام كفار، لأن بعضهم يلبس الحق بالباطل لأجلهم وهو كفر كما مر، وبعضهم يحلون لهم بعض ما حرم الله وهو كفر كما مر، وبعضهم يتولاهم بإعانتهم ونصرهم في جيوشهم على جيوش المسلمين وهو كفر كما مر، والله ولي التوفيق.
الفصل السابع
في حكم قتال المحاربين من المسلمين
وبالله التوفيق:- اعلموا يا إخواني أن قتال المحاربين واجب إجماعاً. وفي أجوبة محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني عن أسئلة الأمير أسكيا لما سأله عن المحاربين، فقال (جوابكم في المحاربين معهم أنا يزعمون أنهم مسلمون، وهم سكنوا معهم ملازمون لهم في الرحيل والنزول ويخالطونهم في كل شيء من أحوالهم وأمورهم، فلما غزونا أولئك المحاربين جمعهم جيشنا معهم، وجوابهم أيضاً فقالوا: نحن مسلمون، فقال لهم: كيف تجتمعون مع هؤلاء المحاربين؟ والجواب والله الموفق للصواب: أما المحاربون فلا بد من غزوهم، ولا بأس عليكم فيمن أصيب بينهم من أولئك المسلمين، لأنهم ظلموا أنفسهم بالنزول معهم، فما لم تعلموا من أنفسهم وأموالهم حتى فسد فلا شيء عليكم فيه، ومن علمتم به قبل أن يفسد فاجتنبوه، وردوه لأهله، وذلك إن لم يسكنوا معه اختياراً، وأما من سكن معهم اختيارا وكان يغير معهم ويعينهم على الفساد، وهذا منهم اقتلوا وانهبوا أمواله، ولا تقبلوا له توبة إذا مكنكم الله منهم.
ذكر أبو القاسم البرزلي ما نصه: وقد ظفر السلطان بفرقة من بوادي إفريقية، وجلهم مستغرقوا الذمة فأفتى شيخنا ابن عرفة بإباحة أموالهم عملاً بالأغلب حتى يتحقق أهل الحلال منهم، قال: لأنهم عصاة بمكاثرة المحاربين، وتكثير سوادهم، ولم يجعل لهم حرمة من بان بنفسه، ويخالطهم، وهذا إذا وجد مندوحة عنهم وإلا فهو كالمكره في باب الحرب إذا لم يستطع الخروج من بلاده، وخاف على نفسه وماله وولده. انتهى والله ولي التوفيق والهداية([2]).
وبالله التوفيق:- اعلموا يا إخواني أن قتال المحاربين واجب إجماعاً. وفي أجوبة محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني عن أسئلة الأمير أسكيا لما سأله عن المحاربين، فقال (جوابكم في المحاربين معهم أنا يزعمون أنهم مسلمون، وهم سكنوا معهم ملازمون لهم في الرحيل والنزول ويخالطونهم في كل شيء من أحوالهم وأمورهم، فلما غزونا أولئك المحاربين جمعهم جيشنا معهم، وجوابهم أيضاً فقالوا: نحن مسلمون، فقال لهم: كيف تجتمعون مع هؤلاء المحاربين؟ والجواب والله الموفق للصواب: أما المحاربون فلا بد من غزوهم، ولا بأس عليكم فيمن أصيب بينهم من أولئك المسلمين، لأنهم ظلموا أنفسهم بالنزول معهم، فما لم تعلموا من أنفسهم وأموالهم حتى فسد فلا شيء عليكم فيه، ومن علمتم به قبل أن يفسد فاجتنبوه، وردوه لأهله، وذلك إن لم يسكنوا معه اختياراً، وأما من سكن معهم اختيارا وكان يغير معهم ويعينهم على الفساد، وهذا منهم اقتلوا وانهبوا أمواله، ولا تقبلوا له توبة إذا مكنكم الله منهم.
ذكر أبو القاسم البرزلي ما نصه: وقد ظفر السلطان بفرقة من بوادي إفريقية، وجلهم مستغرقوا الذمة فأفتى شيخنا ابن عرفة بإباحة أموالهم عملاً بالأغلب حتى يتحقق أهل الحلال منهم، قال: لأنهم عصاة بمكاثرة المحاربين، وتكثير سوادهم، ولم يجعل لهم حرمة من بان بنفسه، ويخالطهم، وهذا إذا وجد مندوحة عنهم وإلا فهو كالمكره في باب الحرب إذا لم يستطع الخروج من بلاده، وخاف على نفسه وماله وولده. انتهى والله ولي التوفيق والهداية([2]).
[1] - ترجمة المؤلف
نقلاً عن كتاب حصة الأفهام من جيوش الأوهام
السلطان المجاهد العالم الشيخ عثمان بن محمد بن فودي بن عثمان بن صالح بن هارون بن محمد غورطو ابن جبو بن سمبو بن أيوب بن ماسران بن أيوب بن بايا بن موسى المهاجر بجماعته من فوتاتور إحدى عواصم الفلاتيين الثلاث وهي فوتاتورو وفوتاجللو، وفوتامللي لما وقعت ثورة عظيمة بتلك البلاد في القرن الثالث عشر الميلادي افترقوا، فهاجر موسى بجماعته على قصد الهجرة إلى الحجاز فوصل بعضهم إلى دارفور وباغربي فاستوطنوها وتأخر الباقون في بلاد هوسا، واختلطوا بهم حتى ظهر بينهم الشيخ عثمان ولد الشيخ عثمان في قرية طفل بأرض غوبر سنة 1169 هـ، ونشأ في حجر والديه الصالحين، وأولع بالعبادة والذكر منذ أن ناهز البلوغ، وفتح الله عليه ونور قلبه بنور الإيمان فصار من أوليائه الكبار.
مشائخه
مشائخه
أخذ مبادئ العلم الأولية عن والده محمد بن فودي، ثم أخذ عن الشيخ عثمان بندور الكبوي وأخذ الإعراب عن الشيخ عبد الرحمن بن حمدا، وسمع الفقه من محمد بن سمبو بن عبد الله، ثم ارتحل إلى الشيخ جبريل بن عمر ولازمه مدة، ثم عاد إلى وطنه، ثم سمع التفسير من الشيخ أحمد بن محمد بن هاشم الزنفرى، وأخذ الحديث والمصطلح عن الحاج محمد بن راجى رضي الله عنه وعنهم أجمعين.
قيامه بالوعظ
لما انتشرت البدع بين العلماء، ودب الفساد في نفوس المسلمين وعظموا الأشجار والأحجار، ونسبوا إليها طرق الرزق والولد والخير والشر، وتعمق الملوك في الجور والطغيان تلك الأشياء التي أنهضت نية ابن فودي للقيام بالدعوة إلى إخماد تلك البدع الشنيعة وإحياء الشريعة الإسلامية. قام منذ سنة 1188هـ وأخذ يعظ الناس ويرشدهم إلى الإسلام الصحيح حتى اشتهر بالأمر والمعروف والنهي عن المنكر، فتاب على يديه خلق كثير من الناس، وتألف منهم جماعة أقوياء الإيمان كانواً له أنصاراً لدعوته وإصلاحه.
ولما رأى الشيخ أن لا بد من المسير إلى الأمراء ليتم بذلك دعوته إلى إصلاح قصد أول وهلة كبيرهم الذي هو ملك غوبر واسمه باو، فبين له الحق والباطل وشرح له الإسلام الصحيح، وطلب إليه الرجوع إلى إحياء معالم الدين، وإقامة العدل بين الرعية، فكان من توفيق الإله أن أجابه الملك بالسمع والطاعة، وأسند إليه الفتوى والإرشاد بمجلسه وديوانه، ولما رأى الملك أن ابن فودي ما كان يخافه، ولا يفتر أن ينصحه إذا أحس منه بأنه يميل عن جادة الاستقامة، كما يخافه العلماء الباقون لذلك حاول أن يصرفه عن ذلك العمل، فأحضر إليه علماء أره مرة يوم عيد الأضحى سنة 1202هـ، ومعهم الشيخ عثمان بن فودي، فتصدق عليهم بأموال طائلة، وأغراض نفيسة ففرح بها العلماء ومدحوه كثيراً وأثنوا عليه، ولما فطن الشيخ لحقيقة الأمر في سياق الحديث الذي دار بينهم في المجلس رفض الشيخ ما أعطي من الأموال والأغراض، وخرجوا من عند الملك، فأوغر الملك في صدره منه حقداً من ذلك اليوم.
وبعد ذلك بأيام قلائل سافر الشيخ إلى بلاد زنفره وكبي ودند للوعظ والإرشاد فأسلم على يديه عدد كبير من الكفار، وتاب كثير من العاصين، ثم عاد إلى وطنه بعد خمس سنوات فأخذ جماعته يتكاثرون بازدياد مستمر، كما يزيد إيمانه وتقواه وتتقدم همته ثم أن الملك أرسل إلى الشيخ يأمره بالخروج من أرضه هو وحده فرضي الشيخ بالخروج مع من أراد الخروج معه من الجماعة، فجمع الجماعة كلمتهم على أن يخرجوا جميعاً مع الشيخ فسقط في يد الملك وطلب إلى الشيخ أن يلازم مكانه فامتنع الشيخ.
هجرته ومبدأ جهاده
هاجر الشيخ وجماعته من بلاد غوبر سنة 1218 هـ وتوجهوا إلى أطراف الصحراء التي صارت مقراُ لهم اليوم فجعل الملك يقطع طريقهم وينهب أموالهم ثم أخرج جيشاً إلى جماعة منهم، وقتل منهم العلماء الأجلاء وأسر الباقين، فلما رأى جماعة الشيخ أن لا بد من مقاومة هذه الحالة اتفقوا على مبايعة الشيخ على طاعة الله ورسوله والجهاد في سبيله فبايعوه في نفس سنة هجرتهم فأخذوا في الاستعداد للحرب، وقام الملك بجمع القبائل لحرب الشيخ ومن هنا أرسل الشيخ إلى ملك غوبر وحلفائه، أنه مستعد للجهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين الإسلامي إذا كانوا لا يؤمنون إلا بالقتال. فتوجه بجيوشه إلى بلاد غوبر، وفتح منها حصوناً منيعة، ووقبل وصوله إلى الحصن سمع أن الطوارق الملثمين يغيرون على عيال الجماعة، ويمثلون بهم أشنع تمثيل، فأرسل إليهم قطعة جيش بقيادة عبد الله، ومعهم العلماء والقراء والشجعان ليرجعوا بالعيال إلى مركز الجيش، وفي أثناء رجوعهم هجم عليهم طوائف من الطوارق من جيوش غوبر في مكان اسمه (ثنثو) ووقعت هناك وقعة عظيمة استشهد فيها أعيان جماعة الشيخ وسلم الباقون وأصلوا العيال إلى المركز حيث قاموا مستمرين في سيرهم حتى وصلوا حصن قالاوي وهو حث ملك غوبر، فحاصروه شهراً ثم فتحوه وقتلوا الملك بنفو الطاغية، وهزموا جيوشه سنة 1804 م وانتشر بذلك صيته في آفاق تلك البلاد حتى كتب إليه سلطان المغاربة رسالة يثني عليه فيها، وكانت وفاة ابن فودي سنة 1817 م – 1232 هـ.
تغمده الله برحمته، ثم ثار الكفار ثورات متتابعة من بلاد غرما ونفي وكبي فقام ولده خليفته محمد بللوا بن عثمان فودي، فأخمد نيرانها، وبذلك استتب الأمن وساد السلام، وتكونت إمبراطورية إسلامية واسعة يرأسها خليفته ابن فودي في مدينة سوكوتو، وينوب عنه أنصاره ووكلاؤه في البلاد التابعة لها، وما زال الأمر حتى جاء الكفار( الإنجليز) فحاربوهم حتى فنيت الأسلحة والرجال، ولا بد للإسلام من جولة بمشيئة الله.
0 التعليقات:
إرسال تعليق