لا
تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته(48)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة حكم الشرع فيمن
يشرع من دون الله ويبدل أحكام الله بعدما ثبت بالأدلة قيام المملكة السعودية
بالتشريع من دون الله وإلزام الرعية بهذه القوانين الوضعية كما تفعل سائر الدول التي
يحكمه حكام مرتدون. ويتابع في هذه الحلقة في نفس السياق.
51-
قال بكر بن عبد الله أبو زيد بعد أن سرد الآيات
والأحاديث وأقوال العلماء: [ وقد تضمن هذا أموراً... والمقصود أن أهل الإيمان لا
يخرجهم تنازعهم في بعض مسائل الأحكام عن حقيقة الإيمان إذا ردوا ما تنازعوا فيه
إلى الله ورسوله كما شرطه الله عليهم بقوله { فردوه إلى الله والرسول إن كنتم
تؤمنون بالله واليوم الآخر } ولا ريب أن الحكم المعلق على شرط ينتفي عند
انتفائه... ومنها أن جعل هذا الرد من موجبات الإيمان ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد
انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم بين هذين
الأمرين فإنه من الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم أخبرهم أن هذا الرد
خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة ثم أخبر سبحانه أنه من تحاكم أو حاكم إلى غير ما
جاء به الرسول فقد حَكَّم الطاغوت وتحاكم إليه، والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده
من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله ] ([1]).
وقال: [وهذا الإرجاء: تأخير العمل عن حقيقة الإيمان
أخطر باب لإكفار الأمة وتهالكها في الذنوب والمعاصي والآثام وما يترتب عليه من
انحسار مفهوم العبادة وتمييع "التوحيد العملي" " توحيد
الألوهية" وكان من أسوأ أثاره في عصرنا "شرك التشريع" بالخروج على
شريعة رب الأرض والسماء بالقوانين الوضعية]([2]).
52- قال سعيد حوى: تحت عنوان: " هل في العالم
الإسلامي ردة ؟ "
[ للجواب على هذا السؤال لا بد من تأمل عميق لبعض الآيات
القرآنية فإذا ما اتضحت لنا هذه الآيات استطعنا بعد ذلك أن نصدر حكما في هذا
الموضوع من خلال تطبيق مضمونها على واقعنا الحالي.
أ- قال تعالى: { إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد
ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل
الله سنطيعكم في بعض الأمر } وبالتأمل الصحيح لهذا النص نجد: أن الآية نص صريح في
الحكم بالردة على كل من أطاع الكافرين ولو في بعض أمره. فالآية اعتبرت مرتدا من
أعطى لمن كره ما أنزل الله الطاعة في بعض الأمر. والواقع الذي نرى عليه حال كثير
من ذراري المسلمين أنهم أعطوا الطاعة كاملة في كل شيء لطبقات من الكافرين مستحلين
ذلك غير شاعرين بالكفر أو شاعرين. ومنهم من أعطاه لكافر صريح ومنهم من أعطاه
لمنافق والأمثلة أكثر من أن تحصى.
ب. قال تعالى:{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون } فهذه الآية صريحة في تكفير من لم يحكم بما أنزل الله وبعض العلماء
يجعلها فيمن يفضلون على حكم الله حكما آخر أو يستحلون الحكم بغير ما أنز الله.
وعلى أي حملنا الآية فإن تطبيقاته في العالم الإسلامي كثيرة حتى أصبح الحكم بغير
ما أنزل الله هو السمة الأصلية في كل نظام حكم موجود في العالم الإسلامي تقريبا...
حتى لقد وصل الأمر في بعض البلاد أن سار بعض الحكام في طريق استئصال العبادات
الإسلامية والعادات الإسلامية فيأمر أحدهم المسلمين بالإفطار في رمضان ويفطر
أمامهم علنا ويحدد بعضهم عدد من يسمح لهم بالذهاب إلى الحج - وهذا إذا سمح- أما
القوانين فحتى قانون الأحوال الشخصية لم يسلم من إدخال الشرائع الكافرة فيه في
أكثر البلدان.
إنه لا السلطة التنفيذية ولا التشريعات ولا القضاء ولا
القوانين ولا اللوائح إسلامية، ولا كذلك القائمون عليها فبماذا نحكم على أصحاب ذلك
كله... - وسرد آيات وأدلة أخرى إلى أن قال - على ضوء ما مر معنا نستطيع أن نقول إن
في العالم الإسلامي اليوم ردة ومن لم يرتد من أبنائه فإنه في حالة ترك للإسلام
والقليل القليل من بقي مستمسكا به معتصما بحبل الله...إذن المسلمون في العالم
الإسلامي في حالة ردة أو ترك قليل أو كثير لهذا الدين إلا قليلا ومع وجود مسلمين
لم يرتدوا ولم يتركوا ومع وجود مسلمين تركوا ولم يرتدوا فإن طابع الردة هو الذي
صبغ حياة العالم الإسلامي على اعتبار أن أجهزة الحكم كلها تقريبا آلت إلى يد
مرتدين أو منافقين أو كافرين أصليين ] ([3]).
53- قال عمر سليمان الأشقر: تحت عنوان (القول الفصل في
حكم الإسلام في المتحاكمين إلى القوانين الوضعية) وبعد أن ساق الأدلة: [ ومن خلال
هذا التفصيل يتبين لنا أن صنفين من الناس وقعا في الكفر الذي لا شك فيه.
الأول: الذين شرعوا غير ما أنزل الله. وهؤلاء هم الذين
وضعوا القوانين المخالفة لشرع الله حيث يلزمون بها العباد والإجماع على كفرهم لا
شك فيه وهؤلاء هم الشركاء الذين عناهم رب العزة بقوله:{ أم لهم شركاء شرعوا لهم من
الدين ما لم يأذن به الله }.- وساق الآيات وأقوال العلماء - ثم قال:
الثاني: الذين أطاعوا المبدلين المغيرين لشرع الله مع
علمهم أنهم خالفوا دين الرسل - وساق كذلك الآيات وأقوال العلماء - ]([4]).
54- قال مناع القطان رحمه الله: [ والعمل بأحكام الشريعة الإسلامية من أركان
الإيمان ومقتضيات توحيد الله عز وجل وما كان للمؤمنين في حياة رسول الله صلى الله
عليه وسلم أن يتصفوا بالإيمان وهم لا يتحاكمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
في كل أمر من الأمور، يستوي في هذا ما يتعلق بالعبادات وما يتعلق بالمعاملات فإن
تحكيم رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل شأن من شئون الحياة مع التسليم والرضا
من صميم الإيمان ويكون هذا بعد مماته بتحكيم شريعته، قال تعالى:{ فلا وربك لا
يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا
تسليما }... ويجب أن يكون الانقياد لحكم الشريعة ظاهرا وباطنا فيأتي التعبير
بالتسليم مؤكدا بالمصدر في قوله ويسلموا تسليما فلا يثبت الإيمان لعبد حتى يقع منه
ذلك وإذا كان تحكيم الشريعة الإسلامية بهذه المثابة اتباعا لما جاء به رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعد أن ظهرت البراهين الدالة على رسالته وسلوك طريق غير طريق
المؤمنين وما هم عليه من دين الإسلام والعمل بأحكامه فهو موالاة للضلال وخروج عن
الدين يصلى أصحابه نار الجحيم، يستوي في هذا أن تكون المخالفة عنادا أو استكبارا
أو تكون جحودا وإنكارا ] ([5]).
55- قال عبد الرحمن عبد الخالق تحت عنوان: " متى
يجوز أن نحكم على المسلم بالكفر" قال: [ ولا يجوز لنا أن نخرج مسلما من دائرة
الإسلام إلا وفق القواعد الآتية:
...ثانيا: أن يقول قولا أو يعتقد عقيدة من عقائد الكفر
غير متأول كما لو قال إن الله في كل مكان.... أو من قال لا حكم لله إلا في
العبادات فقط وأما في السياسات والمعاملات الحكم لنا أو للأمة.
ثالثا: من عمل عملا حكم الله أو رسوله على فاعله بأنه
كافر كمن حكم في قضية ما وهو يعلم بحكم غير حكم الله سبحانه وتعالى حيث يقول
سبحانه وتعالى:{ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم
الكافرون } ] ([6]).
56- قال عبد القادر بن عبد العزيز: [ والحاصل: أن من
صلى وصام لله وأعطى حق التشريع أو الحكم لغيره أو تحاكم لغير شريعته فقد عَبَدَ
الله وعَبَدَ غيره، وهو بهذا مشرك كافر ليس بمسلم، وهذا هو الشأن في المجتمعات
الجاهلية المعاصرة التي يصلي الناس فيها ويصومون لله وهم مع ذلك يعطون حق التشريع
لغيره وهذا شرك في الربوبية، ويحكمون ويتحاكمون إلى غير شرع الله وهذا شرك في
الألوهية. ودساتيرهم تفصح عن هذا الكفر غاية الإفصاح.
فيقولون:- (يتولى مجلس الشعب سلطة التشريع) انظر على
سبيل المثال (مادة 86 من الدستور المصري).
- و (الحكم في المحاكم بالقانون) انظر على سبيل المثال
(مادة 165 من الدستور المصري).
- و (لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون) انظر على
سبيل المثال (مادة 66 من الدستور المصري).
- و (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع)
انظر على سبيل المثال (مادة 2 من الدستور المصري) ومعظم الدساتير العلمانية تنص
على ذلك وإن اختلفت في العبارات.
وهذا النص الأخير من أعظمها كفرا، فإنه ينص على اتخاذ
آلهة أخرى مع الله، فإن التشريع حق لله وحده - كما سبق بيانه - ومعنى أن شريعته
الإسلامية هي المصدر الرئيسي - ليس الوحيد- للتشريع معناه أن هناك مصادر أخرى
للتشريع وأن هناك آلهة أخرى يتلقى عنها التشريع مع الله تعالى، ولهذا فإنه لا يغفر
لهؤلاء كون قوانينهم الوضعية تحتوي على بعض الأحكام الشرعية - فيما يُسمى بالأحوال
الشخصية أو غيرها- هذا لا يغفر لهم مع اتخاذهم قوانين غير شرعية، وبهذا تعلم أن
قولهم (الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع) يعني أنه (لا إله رئيسي إلا الله) لأنهم
يتخذون آلهة أخرى مع الله يعبدونها بالتحاكم إليها من دون الله، ألا ترى أنه لما قال
البعض لرسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعل لنا ذات أنواط) قال لهم:{ الله أكبر
إنها السنن، قلتم والذين نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة } الحديث رواه
الترمذي وصححه. فجعل قولهم كقولهم لأن العبرة بالمسمى والمضمون وإن اختلفت الأسماء
والألفاظ. واتخاذ آلهة مع الله في التشريع والحكم هو عين الشرك الذي نهى الله عنه
بقوله تعالى { وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فإياي فارهبون } وهذه الآلهة الأخرى المتخذة مع الله هي
الطواغيت التي أمر الله باجتنابها والكفر بها كما قال تعالى { ولقد بعثنا في كل
أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}...
وأحب أن أنبه القارئ على أن المادة الدستورية الكفرية
السابقة (مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) لا توجب على واضعيها
الالتزام بأي قانون إسلامي، فإنها نصت على الالتزام بمبادئ الشريعة لا قوانين
الشريعة وبينهما فرق يقرره سدنة القوانين الوضعية الكافرة إذ يقولون إن مبادئ
الشريعة هي الحق والعدل والمساواة، وأن الأصل براءة الذمة ونحوها، وأن هذه المبادئ
تكفلها القوانين الوضعية, وبهذا تعلم أن هذه المادة لا يترتب عليها أي التزام بتحكيم
الشريعة.
فهذا التشريع من دون الله والحكم والتحاكم بغير شرعه
هو اتخاذ الأنداد من دون الله وهو الكفر بعينه كما قال تعالى { وجعل لله أندادا
ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار } الزمر: 8 ] ([7]).
- وبعد أن سرد الآيات والأحاديث وأقوال الأئمة وأصحاب
الشبهات ورد على شبهاتهم - قال: [ وخلاصة ما ذكرته في المسألة السادسة: بحسب
المناطات الثلاثة المكفرة المذكورة في صدر
المسألة:
1.
أن كل من ترك الحكم بما أنزل الله فيما تصدى للحكم فيه
فهو كافر.
2.
وأن كل من شرع ما يخالف شرع الله فهو كافر سواء حكم به
أم لم يحكم.
3.
وأن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر سواء كان هو
الذي اخترع التشريع المخالف الذي حكم به أو اخترعه غيره وسواء حكم في قضية واحدة
أو أكثر.
ولا يستثنى من هذه الأحكام إلا الحاكم أو القاضي
الشرعي المجتهد المخطئ للنص الوارد في حقه وخطؤه مغفور ومردود لا يعمل به.
ويدخل في هذه الأحكام دخولا أولياً الرؤساء والقضاة
والمشرعون في الدول المحكومة بالقوانين الوضعية إذ إن هؤلاء يتولون ولاياتهم في
هذه البلاد باختيارهم ملتزمين الحكم بهذه القوانين مع علمهم بمخالفتها لشريعة
الإسلام وهذا مستفيض لا ينكره إلا معاند مكابر ] ([8]).
57- قال عاصم المقدسي: [ فاعلم أن من أشنع طواغيت
العصر في بلدنا هذا وفي كثير من بلدان المسلمين هو هذا الدستور وقوانينه الوضعية
التي خضع لها العباد وخنعت لها الرقاب وعبادتها تكون باتباعها والتحاكم إليها
والتسليم بتشريعاتها والرضى بها ] ([9]).
ولا أريد أن أستكثر من النقول عن الشيخ أبي محمد عاصم
المقدسي، فجميع ما كتبه يصب في كفر من يتحاكم لغير الله أو يدعو لذلك. ومن شاء
فليرجع لكتبه مثل: ملة إبراهيم, وكشف النقاب عن شريعة الغاب, ومرجئة العصر,
والديمقراطية دين, وحوار بين عساكر التوحيد وعساكر الشرك والتنديد، وهل أفسد الدين
إلا الملوك، وهذان خصمان اختصموا في ربهم، وكشف شبهات المجادلين عن عساكر الشرك
وأنصار القوانين.... الخ.
0 التعليقات:
إرسال تعليق