لا تكونوا أجراء
الطاغوت وعصابته(43)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة حكم الشرع فيمن
يشرع من دون الله ويبدل أحكام الله بعدما ثبت بالأدلة قيام المملكة السعودية
بالتشريع من دون الله وإلزام الرعية بهذه القوانين الوضعية كما تفعل سائر الدول التي
يحكمه حكام مرتدون. ويتابع في هذه الحلقة في نفس السياق.
22- قال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي صاحب
عون المعبود:
[ ثم اعلم أن البدعة هي عمل على غير مثل سبق قال في
القاموس هي الحدث في الدين بعد الإكمال والبدعة أصغر من الكفر وأكبر من الفسق وكل
بدعة تخالف دليلا يوجب العلم والعمل به فهي كفر ]([1]).
23- قال الإمام محمد بن عبد
الوهاب:
[ اعلم أن من أعظم نواقض الإسلام عشرة، وعدَّ منها:
الثالثة: من
لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم كفر إجماعاً. الرابع: من اعتقد أن
غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه أو أن حكم غيره أحسن من حكمه
كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من
أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر إجماعاً والدليل
قوله تعالى: { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }.
السادس: من
استهزأ بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: { قل أبالله
وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم }.
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباعه صلى
الله عليه وسلم أو أنه يسعه الخروج من شريعته.
العاشر:
الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به والدليل قوله تعالى: { ومن أظلم ممن
ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون } ولا فرق في جميع هذه
النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره ]([2]).
وفي مجموعة التوحيد عدَّد الشيخ أنواع الطاغوت، فقال:
[ الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله والدليل قوله تعالى:{ومن لم يحكم بما أنزل
الله فأولئك هم الكافرون} ]([3]).
وقال: [وهذا من أعظم جهلهم فإنهم لا يعرفون إلا ظلم
الأموال وأما ظلم الشرك فلا يعرفونه وقد قال الله تعالى {إن الشرك لظلم عظيم} وأين
الظلم الذي إذا تكلم الإنسان بكلمة منه أو مدح الطواغيت أو جادل عنهم خرج من
الإسلام ولو كان صائماً قائماً]([4])
وقال: [قال الشيخ ابن تيمية رحمه الله في كتابه الصارم
المسلول: قال الإمام إسحق بن راهويه أحد الأئمة يعدل بالشافعي وأحمد: أجمع
المسلمون أن من سب الله أو رسوله أو دفع شيئاً مما أنزل الله أنه كافر وإن كان
مقراً بكل ما أنزل الله......ومعنى قول
إسحق رحمه الله تعالى: أو دفع شيئاً مما أنزل الله أن يدفع أو يرد شيئاً مما أنزله
الله في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الفرائض أو الواجبات أو
المسنونات أو المستحبات بعد أن يعرف أن الله أنزله في كتابه أو أمر به رسوله صلى
الله عليه وسلم أو نهى عنه ثم دفعه بعد ذلك فهو كافر مرتد وإن كان مقراً بكل ما
أنزل الله في كتابه من الشرع إلا ما دفعه وأنكره لمخالفته لهواه أو عادته أو عادة
أهل بلده.
وهذا معنى قول العلماء: من أنكر فرعاً مجمعاً عليه
كفر. فإذا كان أنكر النهي عن الأكل بالشمال أو النهي عن إسبال الثياب بعد معرفته:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فهو كافر مرتد ولو كان من أعبد الناس
وأزهدهم.
فكيف بمن أنكر إخلاص العبادة لله وحده وإخلاص الدعوة
والاستغاثة والنذر والتوكل وغير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا الله وحده
ولا يصح منها شيء لملك مقرب ولا نبي مرسل. التي أرسل الله جميع رسله, وأنزل جميع
كتبه؛ لأجل معرفتها والعمل بها التي هي أعظم شعائر الإسلام؛ الذي هو معنى لا إله
إلا الله, فمن أنكر ذلك, وأبغضه وسبه, وسب أهله, وسماهم الخوارج, فهو الكافر حقا؛
الذي يجب قتله حتى يكون الدين كله لله بإجماع المسلمين كلهم]([5])
وسئل الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب: هل يجوز
التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ؟ فأجاب: [ لا يجوز ذلك
ومن اعتقد حله فقد كفر وهو من أعظم المنكرات ويجب على كل مسلم الإنكار على من فعل
ذلك ولا يستريب في هذا من له أدنى علم ]([6]).
24- قال الإمام أبو الوفاء بن عقيل [لما صعبت التكاليف
على الجهال الطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم فسهلت
عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم وهم عندي كفار بهذه الأوضاع]([7])
25- وقال الشوكاني رحمه الله وهو يعدد كبائر الخارجين عن الإسلام:
[ ومنها أنهم يحكمون ويتحاكمون إلى من يعرف الأحكام
الطاغوتية منهم في جميع الأمور التي تنوبهم وتعرض لهم من غير إنكار ولا حياء من
الله ولا من عباده ولا يخافون من أحد بل قد يحكمون بذلك بين من يقدرون على الوصول
إليهم من الرعايا ومن كان قريباً منهم وهذا الأمر معلوم لكل أحد من الناس لا يقدر
أحد إنكاره ودفعه وهو أشهر من نار على علم ولا شك ولا ريب أن هذا كفر بالله سبحانه
وتعالى وبشريعته التي أمر بها على لسان رسوله واختارها لعباده في كتابه وعلى لسان
رسوله بل كفر بجميع الشرائع من عند آدم عليه السلام إلى الآن وهؤلاء جهادهم واجب
وقتالهم متعين حتى يقبلوا أحكام الإسلام ويذعنوا لها ويحكموا بينهم بالشريعة
المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من الطواغيت الشيطانية... فإن ترك من هو قادر
على جهادهم فهو متعرض لنزول العقوبة مستحق لما أصابه فقد سلط الله على أهل الإسلام
طوائف عقوبة لهم حيث لم ينتهوا عن المنكرات ولم يحرصوا على العمل بالشريعة المطهرة
]([8]).
26- قال محمد صديق حسن خان القنوجي: بعد ذكر قوله
تعالى قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول [إن الإعراض عن إطاعة الله واتباع رسوله من
شأن الكفار،... وقال تعالى: { فلا وربك
لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا
تسليما }.
والظاهر أن هذا شامل لكل فرد في كل حكم كما يؤيد ذلك
قوله تعالى:{ وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله } وهذا في حياته صلى الله
عليه وآله وسلم وأما بعد مماته فتحكيم الكتاب والسنة تحكيم الحاكم بما فيهما من
الأئمة والقضاة... وفي هذا الوعيد الشديد ما تقشعر له الجلود وترجف الأفئدة... فضم
إلى التحكيم أمرا آخر هو عدم وجود حرج في صدورهم، فلا يكون مجرد التحكيم والإذعان
باللسان كافيا حتى يكون من صميم القلب عن رضاء خاطر واطمئنان خلد وطيبة نفس ثم لم
يكتف بذلك بل ضم إليه المصدر المؤكد فقال { تسليما } فلا يثبت الإيمان لعبد حتى
يقع منه التحكيم ثم لا يجد الحرج في صدره بما قضى عليه ويسلم لحكمه وشرعه تسليما
لا يخالطه رد ولا تشوبه مخالفة ]([9]).
- ثم قال عن الحكم بالقوانين الوضعية:-
[ وأما من رأى أن الحكم بالطاغوت والقضاء بالجبت أوفق
بحال الخلق وأحسن في السياسة كحال الفقهاء الحاضرين في الزمن الخائضين في أنوع
الفتن التاركين لما في الصحاح الستة القاضين بما في قوانين ملوك الديار ودساتير
الصناديد من الكفار الأشرار مع تمكنهم من القضاء والإفتاء بما أنزل الله في كتابه
العظيم وجاء به الرسول الكريم، فنعوذ بالله من حال أهل النار ]([10]).
27- قال مصطفى صبري، شيخ الإسلام للدولة العثمانية في
معرض رده على الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه(حياة محمد):
[ ولأن يكون معالي المؤلف قد جمع أخطاء جمة في صفحة
واحدة في مقدمة كتابه أثنى في مختتم كلامه على المبدأ الغربي المتعلق بفصل الدين
عن الدولة فصلا واضحا صريحا، والدين في مصر وإن كان منفصلا عن الدولة والحكومة إلى
حد ما، لانقسام المحاكم فيها إلى شرعية وغير شرعية ولعدم دخول شيخ الأزهر في هيئة
الوزارة. لكن معاليه يتمنى فصلا أوضح وأصرح... وهذا الفصل الواضح الصريح الذي هو
آخر آمال المتعلمين العصريين وآخر منالهم من ديننا([11]).
وهنا أقول سلفا وباختصار إن معناه خروج حكومة المسلمين
من ربقة الإسلام ورقابته عليها وخروج الأمة أيضا من ربقته باختيارها الحكومة
الخارجة على الإسلام حكومة لها لا سيما الحكومة المستندة إلى البرلمان المستند إلى
الأمة فمثل الفصل في تلك الحكومات كمثل المناداة بالردة حكومة وأمة وإذا كان في
الأفراد أو على الأصح في بعضهم دين يعيش إلى أن ينقضي جيلهم يعيش محكوما للحكومة
لا حاكما عليها كما كان قبل الفصل وهذا وحده كاف في أن يكون الفصل كفرا لا سيما
إذا كان تنزيل الإسلام عن عرش حكمه بأيدي المسلمين أنفسهم لأن الإسلام يعلو ولا
يعلى عليه... وبالنظر إلى أن بلاد المسلمين تطلق في عرف الشرع على بلاد تحكم فيها
قوانين الإسلام وإن عزل الدين عن التدخل في أمور الدولة يخرج تلك البلاد من عداد
بلاد الإسلام ]([12]).
ويقول في المجلد الرابع تحت عنوان " الباب الرابع
في عدم جواز فصل الدين عن السياسة ": [ لكن حقيقة الأمر أن هذا الفصل مؤامرة
بالدين للقضاء عليه، وقد كان في كل بدعة أحدثها العصريون المتفرنجون في البلاد
الإسلامية كيد للدين, ومحاولة الخروج عليه, لكن كيدهم في فصله عن السياسة أدهى
وأشد من كل كيد في غيره، فهو ثورة حكومية على دين الشعب وشق عصا الطاعة منها أي
الحكومة لأحكام الإسلام؛ بل ارتداد عنه من الحكومة أولاً, ومن الأمة ثانياً إن لم
يكن بارتداد الداخلين في حوزة تلك الحكومة باعتبارهم أفراداً فباعتبارهم جماعة،
وهو أقصر طريق إلى الكفر([13])
من ارتداد الأفراد؛ بل إنه يتضمن ارتداد الأفراد أيضاً لقبولهم الطاعة لتلك
الحكومة المرتدة التي ادعت الاستقلال لنفسها بعد أن كانت خاضعة لحكم الإسلام عليها.
وما الفرق بين أن تتولى الأمر في البلاد الإسلامية حكومة مرتدة عن الإسلام وبين أن
تحتلها حكومة أجنبية عن الإسلام([14]).؛ بل المرتد أبعد عن
الإسلام من غيره وأشد, وتأثيره الضار في دين الأمة أكثر, من حيث أن الحكومة
الأجنبية لا تتدخل في شؤون الشعب الدينية, وتترك لهم جماعة فيما بينهم تتولى الفصل
في تلك الشؤون, ومن حيث أن الأمة لا تزال تعتبر الحكومة المرتدة عن دينها من نفسها
فترتد هي أيضاً معها تدريجياً, إن لم نقل بارتدادها معها دفعة باعتبارها مضطرة في
طاعة الحكومة, ومن حيث أن موقفها الاضطراري تجاه حكومة تأخذ سلطتها وقوتها من نفس
الأمة ليس كموقفها الاضطراري تجاه حكومة لها قوة أجنبية مثلها... لكن البلاد
الإسلامية عامة ومصر خاصة مباءة اليوم لفئة تملكوا أزِمَّة النشر والتأليف ينفثون
من أقلامهم سموم الإلحاد... لأن القول في فصل الدين عن السياسة معناه ادعاء عدم
لزوم الدين للحكومة... فليس معنى تجويز فصل الدين عن السياسة إلا تجويز تجريد الحكومة
عن الدين, وهل يجوز في حق الحكومة هذا التجرد الذي لا يجوز في حق الأمة؟ إلا أن
الراغبين في تجريد الحكومة من الدين يسمونه فصل الدين عن السياسة تخفيفاً لخطره
وسوء تأثيره في سمع الأمة المتدينة, فهم يتوسلون إلى القضاء على دين الحكومة بأن
يعبروا عن هذا القضاء بالفصل بين الدين والسياسة, ثم يتوسلون بالقضاء على دين
الحكومة إلى القضاء على دين الأمة... أما مجاهرة الخروج عن رقابة الإسلام, ومحاولة
عزله عن السياسة.. لأنه إعلان حرب من الحكومة على الإسلام... ثم يعتبر ذلك إعلاناً
من الأمة أيضاً... لتمردها على متبوعها,
وخروجها عن طاعته ]([15]).
[1]- عون المعبود(12 / 243).
[2] - الدرر السنية(1/91-92).
[3] - مجموعة التوحيد ص / 13.
[6] - الدرر السنية(10/252).
[11] - وقد وقع هذا الفصل بعد عهد المؤلف بقليل جدا وصار الفصل تاماً بل
صار الدين مطارداً في مصر وغيرها.
[13] - ومن البلية أن الحركات التي تثار في الأزمنة الأخيرة وترمي إلى
محاربة الإسلام في بلاده بأيدي أهله والتي لا شك أنه الكفر وأخبث أفانين الكفر
يباح فعلها لفاعليها, ولا يباح تسميتها باسمها لمن عارض تلك الحركات, وحارب
المحاربين, ثم إن محاربة الإسلام ومحاربة المحارب تجريان في مصر التي يقال عنها
زعيمة العالم الإسلامي في أسلوب عجيب مبهم ناشئ من خبث نوايا المحاربين, ومن ضعف
مركز المعارضين.(الهامش للشيخ مصطفى صبري).
[14] - وقد قلنا في مقدمة
الكتاب إن مدار الفرق بين دار الإسلام ودار الحرب على القانون الجاري وأحكامه في
تلك الديار، كما أن فصل الدين عن السياسة معناه أن لا تكون الحكومة مقيدة في
قوانينها بقواعد الدين.(الهامش للشيخ مصطفى صبري)
0 التعليقات:
إرسال تعليق