وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا
رضوان محمود نموس
إنه داء عضال، بل اتحاد بين عدة أمراض، وتفاعل من مجموعة
عقد؛ منها الرياء والحسد، والبغضاء والضعة، والتبجح والادعاء، وشهوة الشهرة والكذب،
وموت الحياء والسرقة، تتفاعل بين بعضها لتنتج مركب النقص الذي وصفه رب العزة بقوله
سبحانه: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا}.
ومتى دخل هذا الداء ساحة العمل الإسلامي واخترق أسوار الجهاد
المبارك وسرى بين الناس
فإن النتيجة حينئذٍ ضعف وتناحر، وباطل وفرقة، وخواء وهزيمة.
إن صغار الهمم وأصحاب الأخلاق الطفيلية هم وحدهم الذين
يسعون لسرقة نتاج الآخرين وادعائه بالباطل، ولقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم
هؤلاء كما خرج البخاري ومسلم في صحيحيهما (3/ 1681) 126 - (2129) عن الصديقة بنت
الصديق عن حبيبها وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ الْمُتَشَبِّعُ
بِمَا لَمْ يُعْطَ، كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ]
وهؤلاء شرار الخلق،
هم المتزينون بأعمال الخير، يراءون بها النّاس. وهذا الضرب يكثر فيمن انحرف عن
الصراط المستقيم وضل عن السبيل القويم وسلك سبيل الضالين ممن يسطوا على أعمال
المتقين المجاهدين فيتبجحون بما لا يعملون ويهرفون بما لا يعرفون.
إنه داء قديم، قال سيد رحمه الله: "ويوجد في كل جماعة.
نموذج الرجال الذين يعجزون عن احتمال تبعة الرأي، وتكاليف العقيدة، فيقعدون
متخلفين عن الكفاح. فإن غُلب المكافحون وهزموا رفعوا هم رؤوسهم وشمخوا بأنوفهم،
ونسبوا إلى أنفسهم التعقل والحصافة والأناة.. أما إذا انتصر المكافحون وغنموا، فإن
أصحابنا هؤلاء يتظاهرون بأنهم كانوا من مؤيدي خطتهم وينتحلون لأنفسهم يداً في
النصر، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا! إنه نموذج من نماذج البشرية يقتات الجبن
والادعاء. نموذج يرسمه التعبير القرآني في لمسة أو لمستين. فإذا ملامحه واضحة
للعيان، وسماته خالدة في الزمان.. وتلك طريقة القرآن.
هؤلاء الناس يؤكد الله للرسول- صلى الله عليه وسلم- أنهم لا
نجاة لهم من العذاب. وأن الذي ينتظرهم عذاب أليم لا مفر لهم منه ولا معين:
[فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ
عَذابٌ أَلِيمٌ] .
وفي
صفوف بعض الجماعات الإسلامية، وفي سلوك كثير من أفرادها أعراض كثيرة وعلامات مرضية
خطيرة تدل كلها على هذا الوباء، وذلك المرض، الذي أصبح من مكونات هذه الجماعة ولا
ينفك عنها ولا تنفك عنه، ولازم من لوازم وجودها، وعلى سبيل المثال عندما قام البطل
إبراهيم اليوسف رحمه الله بعملية المدفعية الشهيرة سارع الأخوان إلى التبرؤ منها.
وأصدروا بياناً وزعتـه قيادة التنظيم
الدولي للإخوان المسلمين في سوريا ونشرته مجلة المجتمع الكويتية العدد -452-/شعبان/1399هـ
2/تموز يوليو/1979م
حيث ينفي فيه
الإخوان المسلمون علاقتهم بالجهاد المسلح في سوريا عموماً. وبعملية (المدفعية)
والنقيب البطل إبراهيـم اليوسف خصوصاً جاء فيه.
[إن
النقيب إبراهيـم اليوسف الذي نفذ حادثة مدرسة المدفعية معروف عنه أنه عضو عامل في
حزب البعث السوري، وليس له أي صلة بالإخوان المسلميـن، فلماذا ينسب عمله إلى
الإخوان المسلمين؟
ثم إن السلطة
تعرف أن هناك أوراقاً خلفها أصحاب الحادثة تبين هويتهم، وأن لا صلة لهم بالإخوان
المسلمين].
ثم لما انتشر الجهاد وقام على ساق سارعوا لتبني العملية والادعاء
أنهم هم المنفذون: فقالوا في النذير: العدد السابع والخمسون
– السنة الرابعة
[حادثة
مدرسة المدفعية:
كثيرة هي الأحداث التي تمرّ بالإنسان
وبالأمّة، تتعاقب وتتراكب، حتى ينسي الجديد منها القديم، ويلهي الكائن المعاش منها
عما كان.
وما أكثر ما نسيت الشعوب والأفراد وينسون من
الأحداث، حلوها ومرّها، يفعل ما يعرض لهم في حياتهم المليئة بالأفراح والأتراح، ولكن حادثه مدرسة المدفعية لا يمكن أن يبلغها النسيان مهما تلاها من أحداث
وسنين، لأن هذه العملية كانت مَعلماً ضخماً في حياة الحركة الإسلامية المعاصرة، فتحت
عيون الشعب السوري والعيون العمي في كل مكان على المأساة التي يعيشها الشعب المسلم
في سورية، تحت وطأة استعمار من نوع جديد.. استعمار طائفي لا عهد لأمتنا ولا
لشعوبنا به.. استعمار أقلية جاهلة حاقدة تمثلت في نظام حافظ أسد وعصابتـه.
ففي
السادس عشر من حزيران 1979م كانت هذه العملية الكبيرة التي خطط لها وأشرف على
تنفيذها شهيد الحركة الجهادية في سورية الأخ النقيب إبراهيم اليوسف، مع ثلة من
أبناء هذه الدعوة، ومن جهازها الجهادي.. نفّذتها مجموعة الاقتحام في الجهاز بقيادة
الأخ الشهيد محمود عزيز – بطل مدرسة المدفعيـة بلا منازع، وثالث ثلاثة أسسوا
وأرسوا قواعد البناء الجهادي في حلب.
وكانت
مجموعة الاقتحام قد تخرج كل أخ منها برتبة (مدرب مقاتل) منذ عام 1979م وتتألف من
الأخوة: محمود عزيز – قائداً لها – عبد الله قدسي، عصام قدسي ، همام الشامي، رامز
العيسى، أسامة فريح، وانضم إلى هؤلاء مؤخراً الأخ الشهيد زهير سرحيل. تغمدهم الله
بفيض رحمتـه ورضوانـه].
ثم لما أرادوا السير بركب أمريكا تبرؤوا من كل جهاد فقالوا في مشروعهم السياسي.
كم جاء
في كتاب الأخوان (المشروع السياسي لسورية المستقبل) رؤية جماعة الأخوان المسلمين
في سورية صفحة 39-40 تاريخ الإصدار 2005
[وتزامنت
هذه السياسات الداخلية المجحفة، مع عمليات المهادنة مع العدو الصهيوني، وتوقيع
اتفاقية فصل القوات، والولوج إلى عالم الاعتراف بالعدو، إلى جانب عمليات تصفيات
المقاومة الفلسطينية في لبنان وما جرى في تل الزعتر والكرنتينا، كل ذلك دفع ثلة من الشباب محدودة العدد، لا صلة لها بجماعتنا، أعلنوا عن
أنفسهم باسم ( الطليعة المقاتلة ) إلى الانخراط في عمليات عنف ضد رموز النظام ..وتوجت
تلك المجموعات عملياتها، بالمجزرة التي استهدفت طلابا في مدرسة المدفعية بحلب، في
حزيران 1979 ..
ومع
أن جماعتنا بادرت إلى استنكار هذه العملية، ونفت في بيان رسمي أي صلة بمنفذيها،
إلا أن النظام أصر على تحميلنا المسؤولية عنها، وعن أعمال العنف التي سبقتها، .. وكانت لتلك الأزمة التي أرخت ذيولها على الجميع ملامحها وخطابها، ولكنها كانت - بلا شك – مرحلة
استثنائية في تاريخ جماعتنا، لا يمكن أن تطغى على نهجها الأصيل، وتاريخها الناصع
بل وفي قلب تلك الأزمة، لم تتخلف جماعتنا عن بسط اليد الإيجابية، لرتق الجرح
وإعادة بناء الوحدة الوطنية تشهد لنا بذلك جميع عروض المصالحة الوطنية، وجولات
المفاوضات والمبادرات التي قام بها أشخاص متعددون من داخل سوريا وخارجها]
واليوم تتكرر نفس المشاهد فبينما يقوم المجاهدون بعمليات
نوعية تثخن العدو النصيري بالجراح كعملية تفجير وقتل خلية الأزمة وعملية الأركان
وما شابههما من عمليات نوعية تقوم نفس هذه الجماعة بالإضافة لجماعات أخرى أبرزها
الجيش الحر الذي ينسق مع هذه الجماعة بتبني العمليات التي لا علم لهم بها إلا كما
يعلم بها سكان الصين من خلال الأنباء.
وعندما يفرغ المجاهدون من أي عملية يسارع هؤلاء المتسلقون
لرفع رايتهم الوثنية فوق المكان وكأنهم هم الذين فعلوا وهم الذين قاتلوا ويحلُمُ المجاهدون
وينظرون من علٍ بهمة بعيدة المرمى ونفس رفيعة المصعد تسموا إلى معالي الأمور،
وتصبوا إلى شريف المطالب، وتنزع إلى سني المراتب، ينظرون إلى هؤلاء الصغار وهم
يعبثون بعد أن خلعوا عذار الحياء وأبرزوا صفحة الوقاحة وأقلعوا عن مذاهب الحشمة.
نقول لهؤلاء عيب إن كنتم تعرفون العيب عيب أن تسرقوا وأن
تنتحلوا!. كونوا رجالاً وافعلوا كما يفعل الرجال، وإلا فاسكتوا وكونوا ربات الحجال
واتركوا الطعان والنزال.
وتمعنوا بقوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا
فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
[آل عمران: 188]
إن انتحال أعمال الآخرين والتباهي بها منقصة، ووصمة ذل وعار
في جبين مرتكبيها، تؤدي إلى عطب كبير وخلل جلي في العمل الجهادي، أقله الكذب
والرياء وعدم الإخلاص وكفى بهنَّ طامات.
وهذا ينتج غالباً عن ضعف في التربية وهشاشة في الشخصية وإجحاف
بحق الآخرين وظلم للمسلمين واستهانة بالدين وخداع للنفس وللآخرين وأنانية مفرطة.
وما لم يؤوب هؤلاء إلى الله ويصدقوا التوبة ويخلصوا النية
فطريقتهم هي الفاضحة بين الناس المستوجبة لعقاب الله أعاذنا الله من ذلك.
0 التعليقات:
إرسال تعليق