لا
تكونوا أجراء الطاغوت وعصابته(47)
رضوان محمود نموس
لقد تكلم الباحث في الحلقة السابقة حكم الشرع فيمن
يشرع من دون الله ويبدل أحكام الله بعدما ثبت بالأدلة قيام المملكة السعودية
بالتشريع من دون الله وإلزام الرعية بهذه القوانين الوضعية كما تفعل سائر الدول التي
يحكمه حكام مرتدون. ويتابع في هذه الحلقة في نفس السياق.
43- أبو الحسن الندوي:
للشيخ رحمه الله في موضوع كفر العلمانية والفلسفات
الوافدة مثل القومية العلمانية وغيرها رسالة باسم (ردة ولا أبا بكر لها) نقتطف منه
بعض أقواله.
قال: [ ولكن جرب العالم الإسلامي في العهد الأخير ردة
اكتسحت عالم الإسلام من أقصاه إلى أقصاه وبزت جميع حركات الردة التي سبقتها في
العنف وفي العموم وفي العمق وفي القوة ولم يخل منها قطر. وقلما خلت منها أسرة من
أسر المسلمين هي ردة تلت غزو أوربا للشرق الإسلامي الغزو السياسي والثقافي وهي
أعظم ردة ظهرت في عالم الإسلام وفي تاريخ الإسلام منذ عهد الرسول صلى الله عليه
وسلم إلى يوم الناس هذا ] ([1]).
ويقول عن الديانة الجديدة الذي ارتد إليها الناس: [
هذه ديانة الطبقة المثقفة الممتازة التي تملك زمام الحياة في أكثر البلدان
الإسلامية ] ([2]).
ويقول: [ إنها ردة أعود فأقول
اكتسحت العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه وغزت الأسر والبيوتات والجامعات
والكليات والثانويات والمؤسسات فما من أسرة مثقفة إلا من عصم ربك إلا وفيها من
يدين بها أو يحبها أو يجلها.
إنها ردة ولكنها لم تلفت نظر المسلمين ولم تشغل خاطرهم
لأن صاحبها لا يدخل كنيسة أو هيكلا ولا يعلن ردته وانتقاله من دين إلى دين.
إنها قضية العالم الإسلامي الكبرى إنها مشكلة الأمة
الإسلامية الكبرى ردة تنتشر وتغزو المجتمع الإسلامي ثم لا ينتبه لها أحد ولا يفزع
لها العلماء ورجال الدين، لقد قالوا قديما " قضية ولا أبا حسن لها " وأقول
" قضية ولا أبا بكر لها " ] ([3]).
ولقد سمى الشيخ الندوي العلمانية والقومية ديانة فقال:
[ سر انتشار هذه الديانة.
لماذا انتشرت هذه الديانة في الشرق الإسلامي؟ لماذا
استطاعت أن تغزو المسلمين في عقر دارهم؟ ولماذا استطاعت أن تسيطر على العقول
والنفوس هذه السيطرة القوية ؟ إن كل ذلك
يطلب التفكير العميق الدقيق والدراسة الواسعة ] ([4]).
44- قال عبد الله بن محمد بن حميد: [ من أطاع العلماء
والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أرباباً من دون
الله ] ([5]).
45- قال إسماعيل بن إبراهيم الخطيب الحسيني الأسعردي
الأزهري: [ وكذلك من ظن أن شيئاً من أحكام الكتاب والسنة النبوية الثابتة الصحيحة
بخلاف السياسة والمصلحة التي يقتضيها نظام الدنيا فهو كافر قطعاً ] ([6]).
وقال: [ إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم بغير ما أنزل
الله فلم يلتزموا ذلك بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ] ([7]).
46- قال محمد قطب: [ والآن فلننظر في الشرك الذي يخرج
الإنسان من دائرة المغفرة ويحجب عنه الجنة، يبين الله لنا في كتابه المنزل وفي سنة
رسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الشرك ثلاثة أنواع رئيسية كل واحد منها شرك وكل
منها ناقض لـ (لا إله إلا الله).... الثالث: يتعلق بالتحليل والتحريم، أي التشريع
بغير ما أنزل الله.
ولما كنا في هذه العجالة معنيين بالنوع الثالث من
الشرك وهو شرك التشريع بغير ما أنزل الله فسنقصر الحديث عليه متخذين الأدلة من
كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أقوال العلماء... بين سبحانه أن
هذه الثلاثة، الاعتقاد والشعائر والشرائع هي مقتضى قول كل رسول لقومه {اعبدوا الله
مالكم من إله غيره }.وأن نقض أي واحد من هذه الثلاثة أو إشراك غير الله فيها ناقض
للإيمان. وقال عن شرك التشريع الذي نحن بصدده: { وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما
وجدنا عليه آباءنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير }...
ولما مكن الله لدينه في الأرض نجم في المجتمع فريق
ثالث غير المؤمنين والكافرين الصرحاء وهم المنافقون، وهم في الدرك الأسفل من
النار، أولئك الذين أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر وقد تركز كفرهم ونفاقهم في قضية
التشريع فبين الله أن إعراضهم عن شريعة الله وبحثهم عن شريعة أخرى ينفي عنهم الإيمان
جملة وأنهم لا يؤمنون حتى ينبذوا تلك الشرائع التي يتوجهون إليها ويعودون إلى
شريعة الله وحده دون غيرها من الشرائع. { ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنـوا بما
أنزل إليـك وما أنـزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الـطاغـوت وقد أمروا أن
يكـفروا بـه ويريد الشيطان أن يضـلهم
ضلالا بعيدا } إلى آخر الآيات
فإذا كان هذه الآيات وأمثالها في القرآن قد بينت صلة
التشريع بالعقيدة وأنهما لا ينفصلان وأن التشريع بغير ما أنزل الله شرك مخرج من
الملة. -كما ساق الأحاديث حول ذلك- ثم قال: وخلاصة الحديثين أن الرضى بشرع غير شرع
الله مخرج من الملة كالتشريع سواء ] ([8]).
47- قال عبد المجيد الشاذلي بعد أن سرد أقوال الأئمة:
[ وخلاصة هذا كله أن توحيد العبادة الذي هو العمل في أصل الدين لا يخرج من ثلاثة
معان هي:
1.
الحكم لله بلا شريك { إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا
إلا إياه ذلك الدين القيم }، والحكم هو خطاب الشارع إلى المكلفين بالاقتضاء
والتخيير والوضع.
2.
الولاية بلا شريك...
3.
النسك بلا شريك...
ووجه ارتباط هذه الأركان بتوحيد العبادة كما استفاض من
كلام ابن تيمية الذي نقلنا عنه في رسائله وكتبه...
-ثم قال-: إفراد الله بالحكم: لأنه تفسير الإسلام، لأن
الإسلام هو الاستسلام ولا يتحقق ذلك إلا بقبول الأحكام فمن استسلم لله ولغيره فهو
مشرك ومن رد أمر الله عليه فهو مستكبر وكلاهما كافر، والإسلام العام هو توحيد
العبادة وهو الدين الذي لا يقبل الله غيره من الأولين والآخرين]([9]).
وقال: [ قال تعالى:{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا
تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما
يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون % أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } في هذه
الآيات الواضحة والحاسمة يعرض لنا القرآن الكريم قضية الحكم والشريعة والتقاضي ومن
ورائها قضية الألوهية والتوحيد والإيمان وذلك من خلال الإجابة عن هذا السؤال:
أيكون الحكم والشريعة والتقاضي حسب مواثيق الله وعقوده وشرائعه التي استحفظ عليها
أصحاب الشرائع السماوية واحدة بعد الأخرى وكتبها على الرسل وعلى من يتولون الأمر
من بعدهم ليسيروا على هداهم أم يكون ذلك كله للأهواء المتقلبة والمصالح التي لا
ترجع إلى أصل ثابت من شرع الله... وإنه إما أن يكون الحكام قائمين على شريعة الله
فهم في نطاق الإيمان وإما أن يكونوا قائمين على شريعة أخرى مما لم يأذن به الله فهم
الكافرون الظالمون الفاسقون.
وإن الناس إما أن يقبلوا من الحكام والقضاة حكم الله
وقضاءه في أمورهم فهم مؤمنون وإلا فما هم بالمؤمنين ولا وسط بين هذا الطريق وذاك،
ولا حجة ولا معذرة ولا احتجاج بمصلحة.
والخطاب والتكليف موجه إلى المحكومين والحكام والمناط
هو الحكم بما أنزل الله من الأحكام وقبول هذا الحكم من المحكومين وعدم ابتغاء غيره
من الشرائع والأحكام لذلك فهي قضية الكفر أو الإيمان وقضية الجاهلية أو الإسلام]([10]).
48- قال المستشار علي جريشة: [ ومن صور الشرك الذي هو
أعظم الظلم وفي مقدمتها شرع ما لم يأذن به الله { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين
ما لم يأذن به الله } كذلك الحكم بغير ما أنزل الله، وصف القرآن الحاكمين بأنهم
ظالمون وفاسقون وكافرون، وإذا انصرف الحكم إلى التشريع فإن الكفر والظلم
يلتقيان... وإذا انصرف إلى التنفيذ فإن الصور الثلاث بمعانيها المختلفة تكون واردة]([11]).
وقال: [ ورفض الدين كله كفر، ورفض بعض الدين كفر كذلك،
ذلك أن رفض الدين يعني جحد حق الله في أن يشرع وهو تماماً كجحد حق الله في أن يخلق
ورفض بعض الدين يعني جحد حق الله في أن يشرع هذا الجانب وهو تماماً كجحد حق الله
في أن يخلق جانباً من خلقه.
ولقد يكون ذلك الجحود مقروناً بادعاء الحق في الشرع
ابتداء وإذا كان ذلك خالص حق الله فهو يعني ادعاء الحق في أن يكون نداً لله تعالى
فقد وقع الكفر والشرك سواء ادعى كل الحق أو بعض الحق.
ثم يقول: إن رفضه كله فتنة لأنه ضلال عن صراط الله
المستقيم ورفض بعضه كذلك فتنة لأنه ضلال عن صراط الله المستقيم وقد تكون فتنة
التجزئة أخطر من فتنة الرفض الكلي، لأن الضلال يكون بها أشد إذ يلتبس الحق بالباطل
والطيب بالخبيث ويلتبس الأمر على الناس فيظنون متى رأوا المساجد مفتحة والمآذن
مشرعة أن ما هم تحته حكم شرعي وشرع الله ينقض عروة عروة أولها الحكم وآخرها الصلاة
ولئن كانت فتنة هدم الدين أكبر بغير شك إلا أن فتنة هدم البعض كما قدمنا أخطر]([12]).
49- قال عبد الله عزام: [ كل من رفض التحاكم إلى شريعة
الله أو فضل أي تشريع على تشريع الله أو أشرك مع شرائع الله شرائع أخرى من وضع
البشر وأهوائهم وكل من رضي أن يستبدل بشرع الله قانوناً آخر فقد خرج من حوزة هذا
الدين وألقى ربقة الإسلام من عنقه ورضي أن يخرج من هذه الملة كافراً]([13]).
50- قال عمر عبد الرحمن فك الله أسره: [ لقد أضحت
القضية واضحة لا لبس فيها ولا غموض، إن ترك شرع الله والإتيان بشرع جديد إنما هو
استبدال والاستبدال كفر لا شك في ذلك يستوي في هذا استبدال كل الشرع أو استبدال
بعضه، بل إن استبدال حكم واحد من أحكام الشرع وتقديم حكم البشر على حكم الله
ورسوله وجعل مرد الأمر في هذا الوضع إلى ما شرعه البشر لا ما شرعه الله ورسوله لهو
كفر أيضاً، وحيثما وجدت صورة من صور الاستبدال وجب القتال { حتى لا تكون فتنة
ويكون الدين كله لله } الدين كله لا بعضه دون البعض لله، فمتى كان بعض الدين لغير
الله فالقتال واجب]([14]).
ويقول: [ استبدال الشرع كفر في أي مجال من المجالات
وبأي صورة من الصور وتحت أي دعوى من الدعاوى قليلاً أو كثيراً بتحليل الحرام أو
تحريم الحلال أو تعطيل بعض الشرع أو تغيير العقوبة وأشنع صوره استبدال مصدر
استخراج الأحكام كأن يجعل مرد الأمر إلى الدستور بدلاً من القرآن والسنة، القوانين
الوضعية كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، الحاكم المستبدل كافر يجب قتاله حتى يرجع
إلى حكم الله فلا يحكم سواه في قليل أو كثير أو يخلع]([15]).
[1]- ردة ولا أبا بكر لها: ص/ 4- 5.
[2]- المصدر السابق, ص/ 7.
[3]- المصدر السابق, ص/ 8- 9.
[4]- المصدر السابق، ص / 9 - 16.
[5] - المجموعة العلمية السعودية,ص / 161.
[6] - تحذير أهل الإيمان عن الحكم بغير ما أنزل الرحمن, ص /56.
[7] - المصدر السابق,ص / 59.
[10]- أصل الدين، ص / 178 - 180.
[11] - أصول الشرعية الإسلامية ص / 99.
0 التعليقات:
إرسال تعليق