اجعل لنا ذات أنواط
رضوان محمود نموس
قال الله تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ))[آل عمران:19]
هو الدين الذي أمرنا الله باتباعه هو دين الإسلام الذي أنزله الله تبارك وتعالى على محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ليمحو به من الأرض كل الجاهليات والوثنيات والبدع والضلالات والانحرافات, وهو الدين الكامل والمنهج المتكامل الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه قال الله تعالى ) الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ ديناً ( ([1]).
إن الله تبارك وتعالى أنزل في كتابه الكريم آياتٍ في آخر سورة الأنعام، هذه الآيات هي الوصايا العشر، التي قال عبد الله بن مسعود رضي الله تبارك وتعالى عنه: [من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي عليها خاتمه -أي التي كأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كتبها وختمها، وبعث بها إلى كل واحد منا كأنها رسالة خاصة مختومة من النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليقرأ هذه الآيات: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [الأنعام:151] إلى قوله )وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الأنعام153
أي: التمسك بهذا الهدي، والسير عليه، وعدم الالتفات يميناً أو يساراً، فهذه الوصية الخاتمة الأخيرة من الوصايا العشر، وهي التي تضبط كل الوصايا، فكل عملٍ لله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- لا بد أن يكون وفق ما شرع الله تعالى ورسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في الحديث الذي روته عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ([2]).
أي مردود على صاحبه، ً {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (20) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (21) الجاثية (18-21) فكل الأعمال تحت أمر الإسلام، خاضعةٌ للكتاب والسنة وهذا الأمر أي الكتاب والسنة مهيمنا على سائر الأمور فوقها، حاكماً عليها، فإذا لم يكن أي عملٍ من الأعمال -ابتداءً من التوحيد وانتهاءً بأمور المعاملات وفروع الشريعة- وفق ما جاء به محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مردود على صاحبه.
ولكون هذا الدين اتباعاً وليس ابتداعاً ولا يخضع للهوى -لأهميته ولعظم شأنه- أمرنا الله تبارك وتعالى في كل ركعةٍ من ركعات الصلاة، أن نقرأ فاتحة الكتاب ، التي هي أم القرآن، والتي هي أفضل سورة في كتاب الله تعالى، أن نقرأها في كل ركعة من الركعات وجوباً، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: في الحديث الذي رواه عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ([3]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلاثًا غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لأبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الإمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ([4]).
فهذه فاتحة الكتاب تضمنت هذا المعنى وهو أن الدين اتباع وليس ابتداعاً.
ففي هذه السورة سؤال العبد لله بالهداية إلى الصراط المستقيم والذي هو اتباع القرآن والسنة فيقول : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فإننا لم نؤمر ولم يفرض علينا أن نردد هذه السورة العظيمة في كل ركعة إلا لحكمة عظمى، وكل كلام الله فيه الحكمة، وفيه العبرة والعظة، فما ظنك بأفضل سورة وهي تردد في كل ركعة من فريضة أو نافلة؟!
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ فهذا هو طلبنا الذي نطلبه من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في كل ركعة أن يهدينا الصراط المستقيم، فما هو الصراط المستقيم؟
الصراط المستقيم هو مضمون قولنا إن الدين اتباع، فالصراط المستقيم هو الإسلام، وهو هدي النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو طاعة الله تبارك وتعالى دون أن يحيد الإنسان عنها لا ذات اليمين ولا ذات الشمال.
ولهذا فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثَّل هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ مثلها صلى الله عليه وسلم عملياً لصحابته لتتضح لهم بعض المعالم فخط رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطاً مستقيماً، وخط خطوطاً ذات اليمين وذات الشمال، وقال: هذا هو الصراط، وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ فهذا الصراط هو الإسلام وهو السنة، وهذه الخطوط: هي الأهواء والبدع والضلالات التي كثرت، والتي تكثر في كل زمان ومكان فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ – أي ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ خَطَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ مُسْتَقِيمًا قَالَ ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ السُّبُلُ وَلَيْسَ مِنْهَا سَبِيلٌ إِلا عَلَيْهِ شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ ثُمَّ قَرَأَ ( وَإِنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) 5)
فبالإتباع أمرنا الله سبحانه وتعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وبالإتباع أمرنا رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (6)
وقال الله تعالى )اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ(7)
وقال الله تعالى )قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ ( ([8]).
وقال الله تعالى: )وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ(([9]).
وقال الله تعالى )وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(([10]).
وقال الله تعالى )وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ( ([11]).
و قال الله تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ(([12]).
وقال الله تعالى: ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(([13]).
و قال الله تعالى :)وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(([14]). [فهلم الآن إلى تدين المتبعين وسيرة المتمسكين وسبيل المتقدمين بكتاب الله وسنته والمنادين بشرائعه وحكمته الذين قالوا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين وتنكبوا سبيل المكذبين بصفات الله وتوحيد رب العالمين فاتخذوا كتاب الله إماما وآياته فرقانا ونصبوا الحق بين أعينهم عيانا وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم جنة وسلاحا واتخذوا طرقها منهاجا وجعلوها برهانا فَلُقُوا الحكمة ووقوا من شر الهوى.] اعتقاد أهل السنة ج: 1 ص: 20
وقال المباركفوري: [وليس في أمر الشريعة إلا الإتباع] عون المعبود ج: 5 ص: 189
ولما يكون الإيمان ضعيفاً والجهل مشرئباً تتطلع النفوس يمنة ويسرة ويبدأ الميل عن الطريق المستقيم.
وَفِي الصَّحِيحِ «عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللِّيثِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ حَدِيثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ، وَلِلْمُشْرِكِينَ سِدْرَةٌ يَعْكُفُونَ حَوْلَهَا وَيَنُوطُونَ بِهَا أَسْلِحَتَهُمْ، يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اللَّهُ أَكْبَرُ " هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138] لَتَرْكَبُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» الاعتصام للشاطبي (ص: 751): وفي الترمذي ت شاكر (4/ 475برقم 2180):وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ و[حكم الألباني] : صحيح ومسند أحمد مخرجا (36/ 225):
[وأبو واقد كان من الذين أسلموا في هذا العام، ولهذا قال: "خرجنا مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى حُنَيْن ونحن حُدَثاء عهد بكفر" يعني: أن إسلامهم كان جديداً متأخراً، وهو يريد بذلك بيان العذر مما وقع منهم، أنهم كانوا جُهّالاً، لم يتفقّهوا _ فهم من الطلقاء أسلموا يوم الفتح ولما خرجوا إلى حنين لم يكن مر على إسلامهم إلا سبعة عشر يوماً _ ...
"فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أَنْوَاط كما لهم ذات أَنْوَاط" أعجبهم عمل المشركين، فظنوا أن هذا عمل سائغ، وهم يحرصون على تحصيل البركة، فطلبوا من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يجعل لهم شجرة يَعْكُفُون عندها، ويَنُوطُون بها أسلحتهم طلباً للبركة، ولكن انظروا إلى أدب الصحابة مع الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث لم يقدموا إلى هذا الأمر من عند أنفسهم، بل رجعوا إلى الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالمسلم إذا أعجبه شيء ويظن أنه خير فلا يستعجل حتى يعرض هذا على الكتاب والسنة ويسأل عنه أهل العلم الثقات.
فهذا فيه دليل على وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة، وأن الإنسان لا يعمل باستحسانه، أو استحسان غيره، بدون أنه يرجع إلى الكتاب والسنة، فقوله: "فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أَنْواط" يعني: شجرة نعلّق بها أسلحتنا للبركة، ونجلس عندها للبركة. "فقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الله كبر، إنها السُّنَن" النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غضب لما قالوا له هذا الكلام وتعجّب، وكبّر الله سبحانه وتعالى تنزيهاً لله عزّ وجلّ عن هذا العمل. وهذه عادة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كان إذا أعجبه شيء أو استنكر شيئاً أنه يسبح أو يكبر.
"إنها السُّنن" أي: الطرق المسلوكة، أي: السبب أن الذي أوقعكم في هذا هو التَّشَبُّه بما عليه الناس، فالتَّشَبُّه بالكفار في عباداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم، آفة خطيرة: "من تشبه بقوم فهو منهم"، وما أصاب بعض المسلمين من الأمور الشنيعة، أغلبه من جهة التَّشَبُّه بالكفار، أوّل ما حدث الشرك في مكة هو بسبب التَّشَبُّه بالكفار، لأنه لما ذهب عمرو بن لُحَيْ إلى الشام، ووجد أهل الشام يعبدون الأصنام، أعجبه ذلك، وجلبها إلى الحجاز، ومن ذلك الوقت فشا الشرك في أرض الحجاز، فهو أول من غير دين إبراهيم- عليه الصلاة والسلام-، فهذه هي الآفة، هذه هي السُّنَن التي تعجّب منها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثم بيّن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطر هذه المقالة، فقال: "قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنوا إسرائيل لموسى: " {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} " النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيّن أن هذه عادة قديمة في العالم، وأنها حصلت على عهد موسى عليه السلام، وذلك أن الله لما نجّى بني إسرائيل من فرعون، وأغرق فرعون وقومه، ونجّى موسى وقومه، ومرّوا في طريقهم على قوم يعكفون على أصنام لهم.
{قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} طلبوا من موسى أنه يجعل لهم صنماً يعبدونه كهؤلاء الذين يعبدون الصنم، قال موسى عليه السلام: " {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} " السبب الذي أوقعكم في هذا هو الجهل بالتّوحيد، وهذا- كما ذكرنا- يُوجب على المسلمين أن يتعلموا العقيدة، ولا يكتفوا بقولهم: نحن مسلمون، نحن في بلاد إسلام، نحن في بيئة إسلامية، كما يقوله الجهال أو الذين يُثَبِّطون عن تعلّم العقيدة.
ففيه آفة الجهل، وان الجهل قد يوقع في الكفر بالله عزّ وجلّ، وهذه خطورة عظيمة، ولا يُنجّي من هذا الجهل إلاَّ تعلّم العقيدة الصحيحة، والتأكُّد منها، وتدريسها، وتكرارها على الناس، وتعليمها للناس، ونشرها بكل وسيلة في المساجد، وفي المدارس، وفي وسائل الإعلام، وفي المجالس، وفي البيوت، وقوله: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ} ، أي: عمل هؤلاء زائل وتالف {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} لأنه شرك بالله عزّ وجلّ، {قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) } أي: أنا لا أَشْرَع لكم الشرك، وهل هذا جزاء النعمة أن الله فضلكم على العالمين، يعني: عالم زمانهم، أما بعد بِعثة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأفضل العالمين هم أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ....وفيه- أيضاً- مسألة مهمة: وهي أن حُسن المقاصد لا يغير من الحكم الشرعي شيئاً، هؤلاء لهم مقصد حسن، ولكن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يعتبر مقاصدهم، بل أنكر هذا، لأن الوسائل التي تُفضي إلى المحاذير ممنوعة، صحابي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحمل السيف للجهاد، ما قصد إلاَّ الخير هو ومن معه، ومع هذا غضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عند مقالتهم، وجعلها مثل مقالة بني إسرائيل، فدلّ على أن المقاصد الحسنة لا تبرِّر الغايات السيّئة والمنكرة.
وفيه- أيضاً-: القاعدة العظيمة، وهي: خطورة التَّشَبُّه بالكفار والمشركين، لأنها تؤدِّي إلى الشرك، ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لتركبن سُنَن من قبلكم " وهذا فيه- أيضاً- عَلَم من أعلام النبوة، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أخبر أنه في المستقبَل سيكون في المسلمين من يقلِّد الكفار، وهذا وقع كما أخبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فتقليد الكفار الآن على قدم وساق.] مختصر من إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد (1/ 159- 161):
ولئن كان تقليدهم في الملبس وما شابه منهي عنه فكيف باستيراد مناهجهم وتقليدها. وتبنيها وإسباغ الصبغة الشرعية عليها.
قال الكفار : الاشتراكية هي الحق فردد ببغاواتنا اجعلوا لنا اشتراكية كما لهم اشتراكية فكتب الأحبار الاشتراكية في الإسلام , اشتراكية محمد , اشتراكية أبوذر ...الخ
قال الكفار لا بد من دستور ينظم البلاد غير الدين. فردد ببغاواتنا اجعلوا لنا دستوراً كما لهم دستور فكتب الأحبار إن أول دستور مدني وهو دستور المدينة ووثيقة المدينة وبين وثيقة الأمان التي كتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليهود وبين الدستور كما بين الكفر والإيمان. ثم شرعوا في كتابة الدساتير.
قال الكفار الديمقراطية هي المنهج فردد ببغاواتنا اجعلوا لنا ديمقراطية فكتب الأحبار إن أكبر ديمقراطية عرفها العالم هي ديمقراطية عثمان وعلي ونسي هؤلاء الحمقى أن الديمقراطية تأليه الشعب وممثليه ثم كتبوا الديمقراطية في الإسلام بل أكدوا أن الذي ينكر الديمقراطية لا يعرف الإسلام.
قال الكفار التعددية والمجتمع المدني فردد ببغاواتنا اجعلوا لنا تعددية ومجتمع مدني فسارع الأحبار لأسلمة التعددية والمجتمع المدني.
[ويجب الضرب على أيدي الداعين إلى الأخذ بنظم الكافرين ووسائل سياساتهم أو تحسينها أو السكوت عنها فكيف بمن يحطب في حبلهم ويسايرهم ويدعوا لطاعتهم في بعض الأمر وما أشبه هؤلاء بالمفتونين من أمة موسى حين جاوز الله بهم البحر وأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون] مناهل العرفان ج: 2 ص: 109
وأهل السنة لا يرغبون عن طرايقهم من الاتباع ولو نشروا بالمناشير ولا يستوحشون لمخالفة أحد ولا يغويهم زخرف القول قال الله تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ))[الأنعام:112]
قَالَ عمر بن مَيْمُون الأودي صَحِبت معَاذًا بِالْيمن فَمَا فارقته حَتَّى واريته بِالتُّرَابِ بِالشَّام ثمَّ صَحِبت بعده أفقه النَّاس عبد الله بن مَسْعُود فَسَمعته يَقُول عَلَيْكُم بِالْجَمَاعَة فَإِن يَد الله على الْجَمَاعَة ثمَّ سمعته يَوْمًا من الأَّيام وَهُوَ يَقُول سيلي عَلَيْكُم وُلاة يؤخرون الصَّلاة عَن مواقيتها فصلوا الصَّلاة لميقاتها فَهِيَ الْفَرِيضَة وصل مَعَهم فَإِنَّهَا لَك نَافِلَة قَالَ قلت يَا أَصْحَاب مُحَمَّد مَا أدرى مَا تحدثون قَالَ وَمَا ذَاك قلت تَأْمُرنِي بِالْجَمَاعَة وتحضني عَلَيْهَا ثمَّ تَقول لي صل الصَّلاة وَحدك وَهِي الْفَرِيضَة وصل مَعَ الْجَمَاعَة وَهِي نَافِلَة قَالَ يَا عَمْرو بن مَيْمُون قد كنت أَظُنك من أفقه أهل هَذِه الْقرْيَة تَدْرِي مَا الْجَمَاعَة قلت لا قَالَ إن جُمْهُور النَّاس فارقوا الْجَمَاعَة وَإن الْجَمَاعَة مَا وَافق الْحق وَإن كنت وَحدك وَفِي رِوَايَة فَقَالَ ابْن مَسْعُود وَضرب على فَخذي وَيحك إن جُمْهُور النَّاس فارقوا الْجَمَاعَة وَإن الْجَمَاعَة مَا وَافق طَاعَة الله تَعَالَى قَالَ نعيم ابْن حَمَّاد يَعْنِي إِذا فَسدتْ الْجَمَاعَة فَعَلَيْك بِمَا كَانَت عَلَيْهِ الْجَمَاعَة قبل أَن تفْسد وَإن كنت وَحدك. الباعث على إنكار البدع والحوادث (ص: 22:
[1] - المائدة 3.
[2] - البخاري برقم 2499
[3] - متفق عليه البخاري برقم 714 ومسلم 595
[4] - مسلم برقم 598
[5] - رواه أحمد برقم 4205
[6] - آل عمران 31
[7] - الأعراف 3
[8] - البقرة 120
[9] - البقرة 145
[10] - المائدة 48
[11] - يونس 109
[12] - الرعد 37
[13] - القصص 50
[14] - الأحزاب 2
0 التعليقات:
إرسال تعليق