أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (12)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة عن رأي محمد عمارة بالفرق الضالة وكيف يمجدها ويثني عليها هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
q ثورة الزنج:
وهي ثورة قادها علي بن محمد بن عبد الرحيم، وقد ادّعى النبوة، ثم ادّعى أنه يوحى إليه، وأن الملائكة تقاتل معه، كما ادّعى أنه من آل البيت، و نشر مذهبه الفاسد حتى قتل([1]). وغالب من كانوا معه إما غير مسلمين أصلاً أو زنادقة.
يقول محمد عمارة: [ كتبت عن ثورة الزنج تحقيقاً لرغبة طه حسين ]([2]).
ويقول عمارة عن ثورته: [ قال المهلبي علي بن أبان وهو قائد من قادة الثورة: خطب الجمعة يوماً فدعا لقائده علي بن محمد، وترحم على أبي بكر وعمر، ولم يذكر عثمان ولا علياً، ولعن جبابرة بني العباس وأبا موسى الأشعري([3]) وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ]. ثم يعلق عمارة فيقول: [ ونحن نقول إن هذا الموقف أقرب إلى كثير من المسلمين ]([4]).
وهذا افتراء على المسلمين الذين يشهدون للمبشرين بالجنة، ويترضون على جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وموقف قائد الزنج وعمارة هو موقف المحادِّ لله تعالى الذي رضي عن المؤمنين إذ يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة.
وعندما تكلم عمارة عن صاحب الزنج وغيلان قال: [ وأهم من ذلك يأتي الحديث عن كل ذلك كلبنات أسهمت وما زالت تسهم في صنع الثورة بالمجتمع العربي الإسلامي الكبير، الثورة التي تغيره التغيير الجذري والشامل وتنتقل به إلى مرحلة أكثر تقدماً وتطوراً، وإلى وضع أكثر ملاءمة للحرية والتقدم بالنسبة للإنسان الذي يعيش فيه، ومن هنا تأتي أهمية البحث في تراثنا عن هؤلاء الأعلام وأهميـة الكشف عن آثارهم الفكرية والنضالية وتقديمها إلى الناس ]([5]).
ثم يقول عن هذه الثورة: [ فإن هذه الثورة لو كانت ثورة الزنج اشتعلت لتحريرهم من مظالم سادتهم وقسوة مالكيهم لما انتقص ذلك من قدرها شيئا ولما وضع من مكانها في التاريخ الثوري عند العرب والمسلمين، فكفاها شرفاً بل وتشريفاً لتراثنا الحضاري أن جعلت له ولأهله ثورة كبرى قامت لتحرير العبيد ]([6]).
ثم يصف زنادقة الثورة فيقول: [ فقتيلهم شهيد لا يندبه ذووه ولا يبكي عليه الأحياء، ومن غاب لا أثر لغيابه لأن غيره يأخذ مكانه كي لا تكون ثغرة في صفوف الثورة يستفيد منها الأعداء ]([7]).
ثم يحكي عمارة أن قائد الثورة عندما مات أحد جنوده ودفنه قال: [ لقد سمعت وقت قبض روحه زجل الملائكة بالدعاء له والترحم عليه ]([8]).
ثم يقول: [ وإن تكن البشاعة قد اختصت بأعداء هؤلاء الثوار ]([9]).
ويقول: [ وطافت الدولة برأس الثائر الشاعر العالم علي بن محمد في المدن والأمصار، ولكن حلم الإنسان العربي المسلم بالعدل لم ينته بنهاية هذه الثورة ]([10]).
وعندما مات الخبيث وجيء برأسه إلى بغداد وخرج الناس أزعج هذا النبأ محمد عمارة، فقال: [ لكن هذه الزينات لم يكن الشعب هو الذي أقامها وتلك الأفراح كانت أفراح السلطة ]([11]).
ولا يدفعنا كراهيتنا ومقتنا وبغضنا للكفر ولحركات الزنادقة أن نصف ملك بني أمية وبني العباس بأنه كان خلافة راشدة نقية مبرأة من كل عيب، كما لا يستجرنا بغض الظلم والأثرة والجور الذي كان على شيء منه بنو أمية وبنو العباس أن نسكت, أو نبرر لأولئك الزنادقة الكفرة المجرمين من غيلان وأتباعه إلى القرامطة إلى الزنج إلى الجهمية والجعدية وأشياعهم، إلى محمد عمارة ومدرسة الضلالة, ولا شك أنه كان هناك عند غالب الأمويين والعباسيين ومن بعدهم نوع من ظلم, واستئثار بالثروة والسلطة, وتوسع في الملذات والشهوات, ولكن كان أيضا دفاع عن الملة, وحماية للبيضة, ونشر للإسلام. فما انتشر الإسلام في وسط آسيا إلى أن وصل إلى طشقند ومشارف موسكو (القبلة الثانية لزنادقة العصر الجديد بعد واشنطن).. أقول ما وصل الإسلام إلى هذه البقاع إلا بسيوف بني العباس وبني أمية وجنودهم، وما دخلت الهند الإسلام إلا بجهادهم, وما طرق أبواب باريس وفيينا إلا قادتهم, وكانت هناك حركة مجوسية مزدكية, وزنادقة لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر؛ بل انحنوا للموجة عندما كانت قوية, وعندما أحسوا بضعف الخلافة رفعوا رؤوسهم من جديد ليظهروا كفرهم ومزدكيتهم وزندقتهم، ومن هؤلاء الزناندقة [ صاحب الزنج وهو علي بن محمد بن عبد الرحيم من سكان الري, ولد بطالقان, وجدته سندية. ادّعى أنه من آل البيت, ونزل في البحرين. وكانت البحرين آنذاك تشمل ما يسمى الآن الإحساء وغيرها من المناطق المجاورة. وأنزله أهلها من أنفسهم منزلة النبي, وكان يقول: آيات من آيات إمامتي ظاهرة، منها أن لسانه جرى في ساعة واحدة بسور من القرآن لم يكن يحفظها كما يدعي، وأنه نودي من السحاب بالمصير إلى البصرة, وأنه يعرف ما في ضمائر أصحابه وما يفعله كل واحد منهم, وأن الله يكتب له كتاباً على الحائط لا يراه إلا هو.
تقلب بين الميل إلى الخوارج والشيعة على تناقضهما, فهو يؤيد الفكر الخارجي ليستند عليه في الخروج على الدولة، ويؤيد الشيعة ليستميل الغوغاء والمغفلين، جمع عدداً من الزنوج الذين كانوا على وثنيتهم الأولى, وقطع بهم الطريق, وسبى النساء, وسرق الأموال, والتحق به كل زنديق ووثني وآبق ومجرم. بدأ يهجم على أطراف البصرة, ثم غزا البصرة, وادعى المهدوية, وقال: عرضت علي النبوة فلم أقبل بها. ترجم له الإمام الذهبي بقوله: "الخبيث هو طاغية الزنج علي بن محمد بن عبد الرحمن العبدي من عبد القيس افترى وزعم أنه من ولد زيد بن علي العلوي وكان منجما طرقيا ذكيا حروريا ماكرا داهية منحلا على رأي فجرة الخوارج يتستر الانتماء إليهم وإلا فالرجل دهري فيلسوف زنديق". ادعى أنه المقصود بقوله تـعالى من سورة الجن { وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا }, وزعم أنه تكلم بالمهد, وكان يجمع اليهود والنصارى يسألهم عما في التوراة والإنجيل من ذكره, ويقرأون له فصولاً فيدعي ويدعون أنها فيه. دعاه الموفَّق إلى التوبة من تحريف القرآن, ومن ادعاء مخاطبته الملائكة فما أجاب بشيء، فجهز له جيشاً وهزمه وقتله ]([12]).
هذه هي ثورة الزنج التي يتولاها ويظاهرها ويدافع عنها محمد عمارة, ولا يخفى أن من يتولى قوماً فهو منهم.
q كلمة شاملة في الزنادقة:
يقول عمارة: [ إن المثقف العربي يجب أن يجعل نفسه الامتداد المتطور لثوار مصر الفرعونية ضد غزاتها، ولشعراء الفتوة وفرسان الصعاليك في عرب الجاهلية، ولرواد العقلانية العربية الإسلامية من المعتزلة، ولديموقراطية الخوارج وثورتهم المستمرة، ولحركات الشيعة السرية وثوراتها، وللذين أحيوا تراث اليونان والهند والفرس بعد أن مات بين يدي أهله... ولرواد نهضتنا ويقظتنا الذين أعادوا الروح لهذه الأمة بعد ليل العثمانيين والمماليك، من الطهطاوي إلى الأفغاني ويعقوب صنوع –يهودي-إلى قاسم أمين وطه حسين، إلى الأخيار الذين يجاهدون قوى التخلف والرجعية إلى الأبد ]([13]).
هذا هو السلف الذي اختاره محمد عمارة أسوة له وقدوة, ولم نختره نحن له, فسلفه الذي يدعو المثقفين ليكونوا امتداداً لهم هم الفراعنة والجاهليون والشيعة والخوارج والزنادقة واليهود وبناء عليه اعتبره القرضاوي مجدداً! فهنيئا له هذا السلف, ونسأل الله أن يحشره معهم, وأن يكون مصيره مصيرهم.
فلقد روى البخاري بسنده عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: { وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ: لا شَيْءَ إِلا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ } قَالَ: أَنَسٌ فَمَا فَرِحْنَا بِشَيْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ وَإِنْ لَمْ أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ ([14]).
وروى أيضاً بسنده عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: { الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ }([15]).
· محمد عمارة والحروب الصليبية:
يصف عمارة صلاح الدين بـ: [ القائد الإقطاعي البارز ]. ويقول عن الحروب الصليبية: [ فلقد كانت الحروب الصليبية مرحلة من الأحداث الكبرى التي أتاحت للإقطاع العربي فترة من استرداد الحيوية والنشاط ]. ثم يريد أن يتبرأ من هذه الحرب فيقول: [ ولكن القوى التي أحرزت هذا الانتصار العسكري كانت في الأساس من جند المماليك ومن ثم فقد كانت قوة غريبة قومياً وحضارياً عن الأمة والشعب والتاريخ ]([16]).
والحمد لله إذ تبرأ محمد عمارة من المسلمين الذين انتصروا على الصليبيين ليؤكد انتماءه لأعداء الدين بلسانه, ويختار مكانه على بصيرة, ويحدد موقعه بوضوح لا لبس فيه ولا التواء, فهو مع الزنادقة ضد أهل السنة, ومع الصليبيين ضد المسلمين. ومع الباطل ضد الحق, ومع الظلمات ضد النور,
محمد عمارة والدولة العثمانية:
ويقول: [ وذلك عندما أرادت القوى المتخلفة والرجعية متمثلة في مشيخة الإسلام العثمانية أن تعود بعقارب ساعة التطور إلى الوراء بمحاولتها إجهاض سعي العرب والمسلمين نحو التحرر الوطني والتبلور القومي والتقدم الاجتماعي ]([19]).
ويقول: [ ذلك أن مشيخة الإسلام هذه كانت تعمل لإعاقة حركات التحرر الوطني عن طريق إشاعة الفكر الديني المؤسس على الخرافة والشعوذة ]([20]).
ويقول: [ طوفان الدمار التركي وأرجل الجيش العثماني الذي لفّ العالم العربي بردائه الأسود أكثر من أربعة قرون ]([21]).
ويقول عن إمامه محمد عبده إنه وجّه للمشيخة الإسلامية العثمانية أقوى الطعنات فها هو يقول: [ وجّه لها أشد السهام وأقوى الطعنات إمام المجتهدين والمجددين المسلمين في العصر الحديث وأعظم عقل إسلامي وقف أمام كتاب الله منذ نهضتنا الحديثة الأستاذ الإمام محمد عبده ]([22]).
ولقد كان محمد عبده كما وصفه يوجه الطعنات لمشيخة الإسلام والدولة العثمانية وللخديوي، ولما آلت الأمور كلها إلى كرومل الإنجليزي وأصبح صديقه الحميم، يقول عمارة: قال الإمام: [ أما أمر الحكومة والمحكوم فتركته للقدر يقدره, وليد الله بعد ذلك تدبره ]([23]).
نحن لا نشك في أن الدولة العثمانية أسهمت بالتأخر الديني والحضاري والمدني, ولكنها مع كل هذا دافعت عن حوزة الإسلام, وبيضة المسلمين أكثر من أربعة قرون؛ بل تقدمت خلال هذه المدة لتنشر الإسلام في أوربا, ولا يزال أثر ذلك واضحاً في البلقان مثل البوسنة والهرسك وغيرها واليونان. والسلطان عبد الحميد على ما لنا عليه من ملحوظات هو الذي وقف سداً أمام احتلال فلسطين, وتسليمها لليهود, حتى قامت الدول العربية الوطنية التقدمية العلمانية بتسليمها لليهود وحراسة حدودها ضد المجاهدين,ومنع المجاهدين من الوصول إلى فلسطين وحصار الفلسطينيين وتدمير طرق وأنفاق إمدادهم والتنسيق علنا مع يهود والقوى الصليبية في الحرب على الإسلام, كما قامت هذه الدول بالسهر والدفاع عن مؤامرة سايكس بيكو([24]) التي قسّمت البلاد إلى اثنتين وعشرين دولة. لكل دولة علم, ونشيد وطني, ويوم استقلال, ودستور وقوانين من صنع إبليس وأعوانه ولكن دون حرية أو وطنية أو استقلال أو إرادة, كما قامت هذه الدول ببيع فلسطين وشعبها ومقدساتها بثمن بخس, وسخَّرت جيوشها لحماية المحتل وقتل المجاهدين الذين يقاومونه, ثم ازدادت هذه الدول إيغالاً في التقدمية حتى وصلنا إلى معاهدات (كامب ديفد) و(مؤتمر مدريد) و(اتفاقية أوسلو), ومؤتمرات شرم الشيخ, وسفارات ليهود في البلاد, وتهنئة شارون([25]) بتأسيس الدولة اليهودية, والمخبَّأ أكبر. وفي كل يوم تزداد هذه الحكومات تقدُّماً على طريق الذل والخنوع والهوان. ولن نردَّ على عمارة بالكتب فهذا الواقع أمام عينيه, إن كان له عين يرى بها, أو أذن يسمع بها, أو قلب يعي به, ليرى الانهيار السياسي والأخلاقي والديني والاقتصادي والاجتماعي, وما حققته هذه الدول من تقدم في مجالات الرذيلة, والردة, والخضوع للدول الغربية ومنح القواعد لها, وفي مجال الحرب على الله ورسوله, والحرب على الإسلام, والحرب على القيم, والحرب على الشعوب, وفي مجال سرقة ثروات الأمة, وفي مجال عبادة الطواغيت حتى عُبد إبليس علانية, وصار له الآن ببعض الدول التقدمية جداً معابد تسهر على حراستها الدولة التي تهاجم المساجد والمصلين بأمنها المركزي.
وبعد.. فهذا رأي محمد عمارة بالفرق والزنادقة، فلم يبق خارج على الإسلام إلا وامتدحه، ولم يدع زنديقاً إلا وأثنى عليه, ولم تفته فرقة ضالة مضلة إلا وكال لها المدح والتقدير والإجلال. فما موقفه إذن من أهل السنة والجماعة؟:.
q موقفه من أهل السنة والجماعة:
دأب محمد عمارة على تحين الفرص في كتاباته للهجوم على أهل السنة ووصفهم بمختلف الأوصاف المذمومة، فيقول في معرض الدفاع عن المعتزلة والتهجم على أهل السنة: [ وعندما حدث بعض التجاوزات ووقع بعض الاضطهاد وخاصة بصدد القول بخلق القرآن لجأ خصومهم -أي خصوم المعتزلة- إلى العامة واستنفروها للدفاع عن عقائدها الموروثة ومفاهيمها الشائعة وتصوراتها البسيطة والساذجة ]([26]).
ويقول عن الدولة العباسية والمعتزلة وأهل السنة: [ وبسبب أن هذه المؤسسة الجديدة والكبيرة هي جند وجيش كانت بعيدة عن الاهتمامات الحضارية، وبسبب غربتها عن العروبة وتخلف قادتها بداهة عن نمط التفكير العقلي والفلسفي كانت أميل إلى العامة وأمعن في عدائها للفكر الفلسفي والآراء المستنيرة والتيار العقلاني، وهكذا تحولت الأداة التي أرادها المعتصم حصناً للحضارة العقلانية ضد العامة تحولت إلى حصن للفكر المتخلف انطلقت منه العامة وفقهاؤها ليصيبوا ذلك المد الحضاري والعقلاني بالتوقف فالجمود فالتراجع وذلك بمجرد استيلاء المتوكل على السلطة ولقد رضيت العامة وفقهاؤها من النصوصيين لقصر نظرها عن هذا الانقلاب ]([27]).
ويقول: [ إن التفكير العقلي والإيمان بالعقل وتقديم براهينه على ظواهر النصوص المأثورة هي سمات تنفر منها مثلاً حياة البدو النازعة إلى البساطة والسذاجة ]([28]).
ويقول: [ فهذه العامة وهؤلاء الجماهير كانوا وقود كثير من الفتن والهياج الذي قادهما أهل السنة وأصحاب الحديث في صراعهم الفكري والسياسي ضد المعتزلة ]([29]).
ويقول: [ فنحن بإزاء مشكلة المشكلات الحادة التي واجهت المعتزلة عندما لم تكن لهم دولة وعندما أصبحت لهم دولة مشكلة اتقاء أخطار العامة الذين كانوا وقوداً في الصراع الذي دار بين المعتزلة كأرستقراطية فكرية لا يفهم الجمهور فكرها ولا تستسيغ العامة ثمرات نظرها وبين خصومهم الذين كانوا أهل حشو وأنصار جبر وتشبيه ]([30]).
ويقول: [ أما خصوم المعتزلة من الفقهاء وأهل التقليد ممن يقفون عند المأثورات وظواهر النصوص فإنهم كانوا أقرب إلى مستوى العامة ]([31]).
ويقول عمارة: [ كما قرأنا وسمعنا في تاريخ العصور المظلمة بأوروبا عن تلك المؤسسات الكهنوتية التي استندت إلى السلطة الدينية في الحكم على عقائد نفر من المواطنين، بخاصة العلماء والفلاسفة والمفكرين المستنيرين، وكيف ذهبت تلك المؤسسات إلى إحراق بعض الكتب وتحريم بعض النظريات... فإن المجتمعات الإسلامية ولها هي الأخرى عصورها المظلمة... فهناك ذلك المرسوم الذي أصدره الخليفة العباسي القادر بالله والذي سمّاه الاعتقاد القادري وحرم فيه فكر المعتزلة العقلاني، وعدّه فسقاً وكفراً وزندقة وإلحاداً فجاء صورة من صور المجامع الكنسية... وفعل فعله في الانتكاس بحركة الخلق والإبداع الفكري في حضارتنا ]([32]).
ونودّ أن نسأل المفكر الإسلامي عمارة: إن الخليفة القادر بالله كتب اعتقاد أهل السنة والجماعة، وحرم اعتقاد أهل البدع، فاعتبر هذا مرسوماً كنسياً إجرامياً.
فلماذا لم يتكلم عن أفعال المأمون والمعتصم المعتزليين اللذين كانا يقتلان كل مخالف لهما ويصلبانه في بغداد، ويلزمان العلماء والناس بالقول بخلق القرآن؟، بل من وقع أسيراً من المسلمين من أهل السنة لا يفادونه، أليس هذا إرهاباً فكرياً؛ بل تعدياً وإجراماً؟! فأين عقلانية المفكر الإسلامي الكبير؟ أم أنها عقلية فرعون وأتباع دينه وخلفه (ما أريكم إلا ما أرى)؟!
[1] - راجع تاريخ الطبري, والبداية والنهاية لابن كثير, والمنتظم لابن الجوزي. أحداث سنة 258.
[2] - مسلمون ثوار، ص / 197.
[3] - أبو الحسن علي بن إسماعيل بن أبي بشر إسحاق بن سالم بن إسماعيل بن عبد الله بن موسى بن أمير البصرة بلال بن أبي بردة بن صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي موسى عبد الله بن قيس بن حَضَّار ، الأشعري اليماني البصري. مولده سنة ستين ومائتين وقيل : بل ولد سنة سبعين . أخذ عن: أبي خليفة الجمحي، وأبي علي الجبائي، وزكريا الساجي وسهل بن نوح، وطبقتهم، يروي عنهم بالإسناد في تفسيره كثيرا. بقي إلى سنة ثلاثين وثلاث مائة.
[4] - مسلمون ثوار ، ص / 215.
[5] - مسلمون ثوار ، ص / 15.
[6] - مسلمون ثوار ، ص / 218.
[7] - مسلمون ثوار ، ص / 235 - 236.
[8] - مسلمون ثوار ، ص/ 231.
[9] - مسلمون ثوار ، ص / 215.
[10] - مسلمون ثوار ، ص / 235.
[11] - مسلمون ثوار ، ص / 234.
[12] - أخذت الترجمة عن سير أعلام النبلاء (13/ 129).وتاريخ الطبري, والبداية والنهاية لابن كثير, والمنتظم لابن الجوزي - أحداث سنة 255هـ.
[13]- التراث في ضوء العقل، ص / 287.
[14]- رواه البخاري برقم (3688).
[15]- رواه البخاري برقم (6169).
[16] -فجر اليقظة العربية، ص / 228.
[18] -مسلمون ثوار، ص / 383.
[19] -الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص / 29.
[20] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية ، ص / 26.
[21] -فجر اليقظة القومية، ص / 362.
[22] -الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص / 27.
[23] -من مقالة لمحمد عمارة : مجلة المجتمع , العدد / 1404هـ.
[24] - اتفاقية سايكس-بيكو-سازانوف عام 1916 كانت تفاهماً سرياً بين فرنسا وبريطانيا ومصادقة روسيا على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا من العراق للشام لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الامبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأولى.تم الوصول إلى هذه الاتفاقية بين تشرين الثاني 1915 وأيار 1916 بمفاوضات سرية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك.
[26]- مسلمون ثوار، ص / 202.
[27]- مسلمون ثوار ، ص / 203.
[28]- الخلافة ونشأة الأحزاب الدينية، ص / 220.
[29]- الخلافة ونشأة الأحزاب الدينية ، ص/ 217.
[30] - الخلافة ونشأة الأحزاب الدينية ، ص / 219.
[31] - الخلافة ونشأة الأحزاب الدينية ، ص / 201.
[32] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص / 19.
0 التعليقات:
إرسال تعليق