موقع ارض الرباط

موقع ارض الرباط
موقع ارض الرباط

الخميس، 5 يناير 2012

أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (11)


أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (11)
رضوان محمود نموس
نتابع في هذه الحلقة عن رأي محمد عمارة بالفرق الضالة وكيف يمجدها ويثني عليها وكم هذا الضلال رأيه بالدولة الفاطمية هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
·      رأي محمد عمارة في الدولة الفاطمية:
ثم يخرج علينا محمد عمارة في محاولة لتزوير  المفاهيم والتاريخ والعقائد بكتابه (عندما أصبحت مصر عربية إسلامية) الطبعة الأولى عام 1997م, ويصوّر لنا فيه أنّ الدولة الفاطمية هي دولة إسلامية ظلمها مؤرخو أهل السنة.
فيقول عن مصر في عصر الفاطميين: [ الوجه المشرق لمصر الفاطمية.. دراسة للعصر الذهبي الذي عاشته مصر في ظلّ الحكم الفاطمي أزهى العصور الإسلامية ]([1]).
ويقول: [ كان القرن الرابع الهجري نقطة تحول في قيام مصر العربية, واكتمال قسمة العروبة في نضج وحسم ]([2]).
ثم يقول: [ فمنذ أن فتحت مصر عاشت مجرد ولاية تتبع عاصمة الخلافة، المدينة حيناً، والكوفة حيناً، ودمشق حيناً، ثم بعد ذلك بغداد, وعندما أصبحت مصر هي مقرّ الخلافة الفاطمية، وعندما بنيت القاهرة عاصمة خلافة ومركز إمبراطورية وحدوث هذا الحادث الجلل يعني أن مصر العربية قد بدأت تلعب دورها التاريخي والطبيعي الذي تأهلت له وقامت به في عصور كثيرة منذ عصر الفراعنة الأقدمين ]([3]).
ثم قال: [ فتعرّض النظام الشيعي الذي حكم مصر زمن الفاطميين إلى نقد وتجريح من المفكرين والمؤرخين السنيين، والأهم من ذلك أنّ مصر ومجتمعها وحضارتها وإنجازاتها قد تعرضت هي الأخرى من هؤلاء المفكرين والمؤرخين إلى مواقف تراوحت بين النقد الظالم أو التشويه أو الإهمال والإغفال ]([4]).
ويريد إبراز دور القاهرة فيقول: [ إن إقامة هذا البناء لم يكن بدء ميلاد هذه العاصمة، كما أن الموقع الذي أقامها عليه جوهر لم يكن اختياراً مطلقاً من جانب هذا القائد الفاطمي الكبير، فمنذ أن قام في مصر الفرعونية حكم الملك العظيم (مينا) الذي وحّد شمال البلاد مع جنوبها وبنى عاصمتها منفيس ]([5]).
واسمع يا رعاك الله تبرير المفكر الإسلامي الكبير لعدم مقاومة المصريين للفاطميين عندما دخلوا مصر سنة 358 هـ والتي كانت قد فتحها المسلمون سنة 20 هـ يقول: [ كما أنّ قرب اعتناق الجمهور المصري للإسلام وحداثة عهده بالحضارة العربية والتعريب لم يكونا يؤهلانه للتحزب الشديد والتعصب الأعمى لمواقف اعتقادية تسبب إلى خلافات سياسية ]([6]).
ثم يقول: [ ففي كل الفتوحات والغزوات التي عرفتها مصر سواء كانت على يد الفرس أم الرومان أم على يد العرب المسلمين زمن عمرو بن العاص ثم في عهد بني أمية وبني العباس كانت مصر لا تزيد عن مجرد ولاية تتبع معسكر كسرى أو قيصر أو عاصمة الخلافة في المدينة ثم في دمشق ثم في بغداد، أمّا الفاطميون فلقد كانوا فاتحين يريدون تحويل مصر إلى عاصمةٍ للإمبراطورية العظيمة التي امتدت تقريباً بطول بلاد العرب المسلمين وعرضها، وإذا كانت مصر قد شهدت الفاتحين الذي يتبعون عملية الفتح باستنزاف خيراتها ليبعثوا بها إلى القواعد والمدن التي جيشت لفتحها الجيوش.. فإنها قد شهدت للمرة الأولى فاتحاً لا يرسل خيراتها خارج حدودها بل يأتي إليها في موكب جليل مهيب بعد فتحها بأربع سنوات ومعه أهل بيته وحاشية ملكه، بل وتوابيت بها رفات آبائه المهدي والقائم والمنصور ]([7]).

فليهنأ محمد عمارة بهذا الاحتلال لمصر, وكونها أصبحت أول عاصمة لدولة مرتدة زنديقة, محاربة للإسلام, مناصرة لأعدائه كما شهد بذلك كل علماء الإسلام ومؤرخيهم ؛ بل كما سيقوله هو مناقضاً لنفسه بعد قليل.
ثم يقول: [ وإذا كانت مصر قد ظلت تشهد حكم الفاطميين لها ومنها ما يزيد قليلاً على القرنين من الزمان حتى إعادة الخطبة لبني العباس على منابرها بواسطة صلاح الدين الأيوبي فإننا نستطيع أن نقول إنّ نصف هذه الفترة تقريباً كان على وجه الإجمال عصر ازدهار وحضارة وتقدم سجلت فيها مصر الكثير من الأيادي البيضاء على الحضارة العربية الإسلامية ]([8]).
ثم يعدّد لنا أمجاد هذه الدولة وأعيادها مفتخراً فيذكر أنها بلغت ثلاثين عيداً, ويعدِّد الأعياد ويذكر منها:1-يوم عاشوراء 2-عيد فتح الخليج 3-عيد النيروز 4-عيد الشهيد 5-عيد النصر 6-عيد المواليد الستة 7-ليالي الوقود الأربعة    8-عيد ميلاد المسيح 9-عيد الغطاس للمسيحيين 10-عيد العهد وهو لليهود والمسيحيين 11-السبت من كل أسبوع 12-عيد الصليب ([9]).
ثم يرى أن موقف مؤرخي أهل السنة كان متحيزاً فيقول: [ ذلك التحيُّز الذي نجده في كتب التاريخ التي كتبها المؤرخون السلفيون والسنيون عن مصر والقاهرة في زمن الفاطميين ]([10]).
ويحدثنا محمد عمارة عما يسميه تسامح الدولة الفاطمية وديمقراطيتها الممدوحة فيقول: [ ولقد كان العزيز والد الحاكم متزوجاً من مسيحية أنجبت له ابنة اسمها سيدة الملك وكانت هذه الزوجة ومعها البنت ذات نفوذ واسع في البلاط الفاطمي وكان لهذه الزوجة أخوان من البطاركة (إرسام بوس) الذي عينه العزيز مطراناً للقاهرة ثم بطريركاً للإسكندرية ، و(أريسطس) الذي عينه بطريركاً في بيت المقدس، واستوزر المسيحي (عيسى بن نسطور) وكذلك ولى أمور الشام للوزير اليهودي (منشا إبراهيم القزاز) فاعتز بهما اليهود والنصارى وآذوا المسلمين ]([11]).
ثم يقول: [ بل لقد أفسحت الخلافة الفاطمية الميدان ميدان الوزارة لغير عيسى بن نسطور من المسيحيين فتولاها منهم كذلك (فهد بن إبراهيم) الذي لقب بالرئيس و   (منصور عبدون) الذي لقب بالكافي و(زرعة بن نسطورس) الذي لقب بالشافي ]([12]).
ثم يقدِّم لنا محمد عمارة رأياً جديداً مخالفاً لكل آراء المسلمين في "الحاكم بأمره" الذي تألّه, وظهرت في عهده الفرق المرتدة كالدروز وغيرهم ، فيقول: [ ونحن نرى أن شخصية الحاكم بأمر الله شخصية تاريخية قد أصابها الكثير من الظلم والتعسف في التفسير والتحليل من قبل الكثير من المؤرخين والباحثين فالحاكم الشخصية وقسمات الإنسان المتميز عن الأشباه والنظائر والأقران وكان صاحب اهتمامات ثقافية وفكرية مبكرة لا في مجال الفلسفة والتشيع والفلك والتنجيم فقط كما اشتهر عنه بل وفي مجال التذوق الأدبي للشعر والنثر ]([13]).
ثم يقدم لنا محمد عمارة صورة مشرقة أخرى من ممارسات معشوقته الدولة الفاطمية فيقول: [ قام مؤتمن الخلافة بتدبير مؤامرة للتخلص من صلاح الدين فكتب رسالة سرية بعث بها إلى الصليبيين يستدعيهم لمصر ولكن صلاح الدين ضبط الرسالة والرسول فقتل مؤتمن الخلافة ]([14]).
ويحاول محمد عمارة التماس الأعذار للجواسيس والخونة فيقول: [ فصلاح الدين الأيوبي الذي لم يكن يثق بجند الخليفة العاضد ولا يطمئن إليهم والذي كان يتحدث عنهم فيقول إن أجناد مصر كانوا في الدين مخالفين وعلى عقيدتهم محالفين، قد بدأ صراعه مع هؤلاء الجند وقادتهم حتى قبل وفاة الخليفة العاضد وذلك عندما أبطل إقطاعهم ليحل محلهم فيها جنود جيشه ]([15]).
ويقول عنهم: [ الذين كانوا يعيشون على عطايا الفاطميين وهباتهم وإقطاعاتهم والمصير الذي واجههم بالفقر والفاقة وعدم الثقة من جانب السلطان الجديد ]([16]).
ولا بد هنا من أن نسوق قولا مختصراً عن الدولة الفاطمية العبيدية:
لقد دخل العبيديون مصر سنة 358هـ، دخلها جوهر الصقلي([17]) القائد العسكري للمعز العبيدي واسمه معد بن المنصور بن إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي عبيد الله الفاطمي المغربي، والذي تنسب إليه القاهرة،- أي للمعز - ولد سنة 319هـ وبويع سنة 341هـ.
[ قال الشيخ شمس الدين أبو المظفر ([18]) في تاريخ مرآة الزمان ( وكان مغرماً بالنجوم –يعني المعز– والنظر فيما يقتضيه الطالع؛ فنظر في مولده وطالعه فحكم له بقطع فيه فاستشار منجمه فيما يزيله عنه فأشار عليه أن يعمل سرداباً تحت الأرض ويتوارى فيه إلى حين جواز الوقت فعمل على ذلك وأحضر قواده وكتَّابه وقال لهم: إن بيني وبين الله عهدا في وعد وعدنيه قد قرب أوانه، وقد جعلت نزاراً ولدي ولي عهدي ولقبته العزيز بالله واستخلفته عليكم وعلى تدبير أموركم مدة غيبتي فالزموا الطاعة له واتركوا المخالفة، واسلكوا الطريق السديدة. فقالوا: نحن عبيدك وخدمك ووصى العزيز ولده بما أراد وجعل القائد جوهراً مدبِّره والقائم بأمره بين يديه ثم نزل إلى سرداب اتخذه وأقام فيه وكانت المغاربة إذا رأوا غماماً سائراً ترجل الفارس منه إلى الأرض وأومأ بالسلام يشير إلى المعِّز فيه]([19]).
ولما اختفى عن الناس [ وهو متوفر النعيم والأغذية المسمنة والأطلية التي تنقّي البشرة وتحسِّن اللون ثم ظهر على الناس بعد مدة وقد لبس الحرير الأخضر وجعل على وجهه اليواقيت والجواهر تلمع كالكواكب زعم أنه كان غائباً في السماء وأن الله رفعه إليه فامتلأت قلوب العامة والجهال منه رعباً وخوفاً ]([20]).
وقال عبد الجبار البصري وكان السبب في مجيئه أن الروم كانوا قد استولوا على الشام والثغور وطرسوس وأنطاكية وأذنه والمصيصة وغيرها وفرح بمصاب المسلمين ]([21]).
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: [ القداح جدُّ عبيد الله كان مجوسياً ودخل عبيد الله المغرب وادعى أنه علوي ولم يعرفه أحد من علماء النسب وكان باطنياً خبيثاً حريصاً على إزالة الإسلام، أعدم الفقه والعلم ليتمكن من إغراء الخلق وجاء أولاده أسلوبه وأباحوا الخمور والفروج وأشاعوا الرفض وبثوا دعاة فأفسدوا عقائد جبل الشام كالنصيرية والدروز ]([22]).
ولما تولى العزيز بن المعز أرسل رسالة إلى الخليفة الأموي في الأندلس يشتمه فيها ويهجوه، فكتب إليه الأموي([23]): [ أما بعد قد عرفتنا فهجوتنا، ولو عرفناك لأجبناك. فاشتد ذلك على نزار – أي المعز – وأفحمه الجواب، يعني أنه غير شريف وأنه لا يعرف له قبيلة حتى يهجوه ]([24]).
وأما الحاكم فهو: [أبو علي منصور الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله نزار بن المعز بالله معد بن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي عبيد الله الفاطمي المغربي الأصل، المصري المولد والدار والمنشأ، الثالث من خلفاء مصر من بني عبيد والسادس منهم ممن ولي من أجداده بالمغرب، وهم: المهدي والقائم والمنصور المقدم ذكرهم.
مولده يوم الخميس لأربع ليال بقين من شهر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وثلاث مئة بالقاهرة؛ وقيل: في الثالث والعشرين منه. وولاه أبوه العزيز عهد الخلافة في شعبان سنة ثلاث وثمانين وثلاث مئة، وبويع بالخلافة يوم مات أبوه يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاث مئة؛ فولي الخلافة وله إحدى عشر سنة ونصف، وقيل عشر سنين ونصف وستة أيام وقيل غير ذلك.
قال العلامة أبو المظفر في تاريخ مرآة الزمان: (وقتل العلماء والكتَّاب والأماثل ما لا يحصى وكتب على المساجد والجوامع سب أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم في سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، ثم محاه سنة سبع وتسعين؛ وأمر بقتل الكلاب وبيع الفُقاع،([25])
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخ: ( كان جوادا سمحا، خبيثا ماكرا، رديء الاعتقاد، سفاكا للدماء؛ قتل عددا كبيرا من كبراء دولته صبرا؛ وكان عجيب السيرة، يخترع كل وقت أمورا وأحكاما يحمل الرعية عليها؛ فأمر بكتب سب الصحابة على أبواب المساجد والشوارع، وأمر العمال بالسب في الأقطار في سنة خمس وتسعين وثلاث مئة، وأمر بقتل الكلاب في مملكته وبطَّل الفقاع والملوخِيّا؛ ونهى عن السمك وظَفِر بمن باع ذلك فقتلهم؛ ونهى في سنة اثنتين وأربع مئة عن بيع الرطب ثم جمع منه شيئا عظيما فأحرق الكل؛ ومنع من بيع العنب وأباد كثيرا من الكروم؛ وأمر النصارى بأن تعمل في أعناقهم الصلبان، وأن يكون طول الصليب ذراعا وزنته خمسة أرطال بالمصري؛ انتهى كلام الذهبي باختصار.
وقال ابن الصابئ([26]): ( كان الحاكم يواصل الركوب ليلا ونهارا، ويتصدى له الناس على طبقاته، فيقف عليهم ويسمع منهم، فمن أراد قضاء حاجته قضاها في وقته، ومن منعه سقطت المراجعة في أمره. وكان المصريون موتورين منه؛ فكانوا يَدسُّون إليه الرقاع المختومة بالدعاء عليه والسب له ولأسلافه، والوقوع فيه وفي حرمه، حتى انتهى فعلهم إلى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس مجفف وإزار، ونصبوها في بعض الطرق وتركوا في يدها رقعة كأنها ظلامة، فتقدم الحاكم وأخذها من يدها. فلما فتحها رأى أولها ما استعظمه فقال: انظروا هذه المرأة من هي ؟ فقيل له: إنها معمولة من قراطيس؛ فعلم أنهم قد سخروا منه، وكان في الرقعة كل قبيح. فعاد من وقته إلى القاهرة، ونزل في قصره واستدعى القواد والعرفاء، وأمرهم بالمسير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها، وقتل من ظفروا به من أهلها؛ فتوجه إليها العبيد والروم والمغاربة وجميع العساكر. وعَلِمَ أهل مصر بذلك فاجتمعوا وقاتلوا عن نفوسهم، وأوقعوا النار في أطراف البلد، فاستمرت الحرب بين العبيد والعامة والرعية ثلاثة أيام، والحاكم يركب في كل يوم إلى القرافة، ويطلع إلى الجبل ويشاهد النار ويسمع الصياح ويسأل عن ذلك، فيقال له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، فيظهر التوجع، ويقول: لعنهم الله  من أمرهم بهذا. فلما كان اليوم الرابع اجتمع الأشراف والشيوخ إلى الجوامع ورفعوا المصاحف وضجوا بالبكاء وابتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء، فرحمهم الأتراك ورقوا لهم وانحازوا إليهم وقاتلوا معهم، وكان أكثرهم مخالطا ومداخلا ومصاهرا، وانفرد العبيد وصار القتال معهم؛ وعظمت القصة وزادت الفتنة، واستظهرت كتامة والأتراك عليهم، وراسلوا الحاكم وقالوا: نحن عبيد ومماليك، وهذا البلد بلدك وفيه حرمنا وأموالنا وأولادنا وعقارنا، وما علمنا أن أهله جنوا جناية تقتضي سوء المقابلة، وتدعو إلى مثل هذه المعاملة. فإن كان هناك باطن لا نعرفه فأخبرنا به، وانتظرنا حتى نخرج بعيالنا وأموالنا منه. وإن كان ما عليه هؤلاء العبيد مخالفاً لرأيك فأطلقنا في معاملتهم بما يعامل به المفسدون والمخالفون. فأجابهم بأنه ما أراد ذلك، ولعن الفاعل له والآمر به، وقال: أنتم على الصواب في الذب عن المصريين، وقد أذنت لكم في نصرتهم، والإيقاع بمن تعرض لهم. وأرسل إلى العبيد سرا يقول: كونوا على أمركم؛ وحمل إليهم سلاحا قواهم به. وكان غرضه في هذا أن يطرح بعضهم على بعض، وينتقم فريق من فريق. وعلم القوم بما يفعل، فراسلته كتامة والأتراك: قد عرفنا غرضك، وهذا هلاك هذه البلدة وأهلها وهلاكنا معهم؛ وما يجوز أن نسلم نفوسنا والمسلمين والحريم للفتك وذهاب المهج. ولئن لم تكفهم لنحرقن القاهرة، ونستنفرن العرب وغيرهم. فلما سمع الرسالة؛ وكانوا قد استظهروا على العبيد ركب حمارة ووقف بين الصفين وأومأ للعبيد بالانصراف فانصرفوا، واستدعى كتامة والأتراك ووجوه المصريين واعتذر إليهم، وحلف أنه بريء مما فعله العبيد؛ وكذب في يمينه؛ واحترق من مصر مقدار ثلثها، ونُهِبَ نصفها. وتتابع المصريون من أخذ أزواجهم وبناتهم وأخواتهم، وابتاعوهن من العبيد بعد أن فضحوهن، وقتل بعضهن نفوسهن خوفا من العار. واستغاث قوم من العلويين الأشراف إلى الحاكم، وذكروا أن بعض بناتهم في أيدي العبيد على أسوأ حال، وسألوه أن يستخلصهن.
ثم عنَّ له أن يدعي الربوبية، وقرَّب رجلا يعرف بالأخرم ساعده على ذلك؛ وضم إليه طائفة بسطهم للأفعال الخارجة عن الديانة. فلما كان في بعض الأيام خرج الأخرم من القاهرة راكبا في خمسين رجلا من أصحابه، وقصد مصر ودخل الجامع راكبا دابته، ومعه أصحابه على دوابهم وقاضي القضاة ابن أبي العوام([27]) جالس فيه ينظر في الحكم، فنهبوا الناس وسلبوهم ثيابهم وسلموا القاضي رقعة فيها فتوى، وقد صدرت باسم الحاكم الرحمن الرحيم. فلما قرأها القاضي رفع صوته منكرا، واسترجع وثار الناس بالأخرم وقتلوا أصحابه وهرب هو. وشاع الحديث في دعواه الربوبية، وتقرَّب إليه جماعة من الجهال، فكانوا إذا لقوه قالوا: السلام عليك يا واحد يا أحد يا محيي يا مميت، وصارت له دعاة يدعون أوباش الناس، ومن سخف عقله إلى اعتقاد ذلك، فمال إليه خلق كثير طمعا في الدنيا والتقرب إليه. وكان اليهودي والنصراني إذا لقيه يقول: إلهي قد رغبت في شريعتي الأولى فيقول الحاكم: افعل ما بدا لك، فيرتد عن الإسلام.
وقال الشيخ شمس الدين في تاريخ مرآة الزمان: ( رأيت في بعض التواريخ بمصر أن رجلا يعرف بالدرزي قدم مصر، وكان من الباطنية القائلين بالتناسخ، فاجتمع بالحاكم وساعده على ادعاء الربوبية وصنف له كتابا ذكر فيها أن روح آدم عليه السلام انتقلت إلى علي بن أبي طالب، وأن روح علي انتقلت إلى أبي الحاكم، ثم انتقلت إلى الحاكم. فنفق على الحاكم وقربه وفوض الأمور إليه، وبلغ منه أعلى المراتب، بحيث إن الوزراء والقواد والعلماء كانوا يقفون على بابه ولا ينقضى لهم شغل إلا على يديه. وكان قَصْدُ الحاكم الانقياد إلى الدرزي المذكور فيطيعونه. فأظهر الدرزي الكتاب الذي فعله وقرأه بجامع القاهرة؛ فثار عليه الناس وقصدوا قتله فهرب منهم؛ وأنكر الحاكم أمره خوفا من الرعية، وبعث إليه في السر مالا، وقال: اخرج إلى الشام وانشر الدعوة في الجبال، فإن أهلها سريعو الانقياد. فخرج إلى الشام، ونزل بوادي تيم الله ابن ثعلبة، غربي دمشق من أعمال بانياس، فقرأ الكتاب على أهله، واستمالهم  إلى الحاكم وأعطاهم المال، وقرر في نفوسهم الدرزي التناسخ، وأباح لهم شرب الخمور والزنا، وأخذ مال من خالفهم في عقائدهم وإباحة دمه؛ وأقام عندهم يبيح لهم المحظورات إلى أن انتهى).]([28]).
ولقد كفَّر الدولة العبيدية وبين فضائحها علماء أهل السنة، نذكر من ذلك قولا للإمام ابن تيمية في معرض رده على من يقدم العقل على النقل، فقال:
[ ومبدأ هذا من أقوال الذين يعارضون النصوص بآرائهم كما ذكر الشهرستاني في أول كتابه في الملل والنحل أن مبدأ أنواع كل الضلالات هو من تقديم الرأي على النص واختيار الهوى على الشرع، فسرى في المنتسبين إلى العلم والدين من أهل الفقه والكلام والتصوف من أقوال الملاحدة بسبب هذا الأصل ما لا يعلمه إلا الله. وأما ملاحدة الشيعة من القرامطة الباطنية والإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، فأولئك أمرهم أظهر من أن يخفى على من عرف حالهم، ممن فيه نوع إيمان بالله ورسوله. ولهذا كثر الكاشفون لأسرارهم، الهاتكون لأستارهم من جميع أصناف أهل القبلة حتى الشيعة والمعتزلة ونحوهم، فإنهم متفقون على تكفيرهم كما اتفق على تكفيرهم أئمة السنة ومن انتسب إليهم من متكلمة الإثبات وغيرهم.
وصنف القاضي أبو بكر –الباقلاني- كتابه المشهور، ووصف فضائحهم القاضي عبد الجبار([29])، والقاضي أبو يعلى([30])، وأبو الوفاء بن عقيل([31])، وأبو حامد الغزالي، والشهرستاني([32])، والخبوشاني([33])، وغير واحد من العلماء وتكلموا في العبيديين الذين كانوا بالمغرب ومصر، الذين ادعوا النسب العلوي وأضمروا مذهبهم. تكلموا فيهم بما بينوا فيه بطلان نسبهم كما عرفوا بطلان مذهبهم، وأن باطن مذهبهم أعظم كفرا من أقوال كفار أهل الكتاب، ومن أقوال الغالية الذين يدعون نبوة علي أو إلهيته ونحوهم، إذ كان مضمون مذهبهم تعطيل الخالق وتكذيب رسله، والتكذيب باليوم الآخر، وإبطال دينه.
وقد ذكروا منتهى دعوتهم في البلاغ الأكبر والناموس الأعظم الذي لهم، وأن أقرب الطوائف إليهم الفلاسفة، مع أنهم خالفوا الفلاسفة في إثبات واجب الوجود، فإن الفلاسفة الإلهيين يثبتونه، وهؤلاء أصحاب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم أنكروه كما فعلت الدهرية الطبيعية ]([34]).
هذه هي الدولة الفاطمية وأفاعيلها النجسة: من نشرٍ للمذهب العبيدي الباطل, واختراع للفرق الضالة, وتقديم لليهود والنصارى الذين حكمتهم الدولة برقاب المسلمين .
هذه هي الدولة الفاطمية التي يرى فيها محمد عمارة أن حكمها كان العصر الذهبي  الذي عاشته مصر وهو أزهى العصور الإسلامية وهذه هي شخصية الحاكم معشوق محمد عمارة وصاحب الشخصية المتميزه عن الأشباه والنظائر والأقران وصاحب الاهتمامات الثقافية والفكرية والتذوق الأدبي ولقد صدق من قال : والناس فيما يعشقون مذاهب .
هذه هي الدولة التي تحالفت مع الصليبيين والتي أجمع كل علماء الأمة على كفرها وردّتها.
هذه هي الدولة العبيدية القداحية ومن شاء فليراجع ذلك في كتب العلماء مثل: ابن تيمية وابن كثير والذهبي وابن حزم وابن الجوزي وغيرهم من علماء الإسلام؛ بل لقد أفتى جملة من فقهاء الإسلام أن من لم يكفِّرهم فهو كافر، ويأبى المفكر المجتهد المجدِّد الإسلامي الدكتور محمد عمارة إلا امتداحهم وموالاتهم, والذبّ عنهم, والهجوم على المسلمين.
ونذكر محمد عمارة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم  { أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ } ([35]). وقوله صلى الله عليه وسلم {  الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ } ([36])



[1] -عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 29 -30.
[2] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 5.
[3] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 6.
[4] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 7.
[5] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 11.
[6] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 21.
[7] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 25.
[8] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 32.
[9] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ص / 41 -42.
[10] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  , ص / 46.
[11] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  , ص / 76.
[12] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  , ص / 77.
[13] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  , ص / 71.
[14] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ، ص / 140.
[15] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ، ص / 140.
[16] - عندما أصبحت مصر عربية إسلامية  ، ص / 141.
[17] - ولد جوهر الصقلي عام 928 ميلادي وكان مملوكا من اصل كرواتي. أسر أثناء الحرب بين كرواتيا وفينيسيا وباعه تجار نورمانديون كعبد في صقلية التي ينتسب إليها اسمه إلى يومنا. وبعد عدة سنوات باعه تجار رقيق إلى الخليفة المنصور بالله الفاطمي. وأصبح بعد ذلك قائد القوات الفاطمية في عهد المعز لدين الله الذي اعتقه وجعله من المقربين إلى البلاط الفاطمي ، توفي سنة (381)هـ.
[18] - أبو المظفر السمعاني الإمام العلامة ، مفتي خراسان ، شيخ الشافعية أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي ، السمعاني ، المروزي ، الحنفي كان ، ثم الشافعي . ولد سنة 426 وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربع مائة عاش ثلاثا وستين سنة رحمه الله .
[19]- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبو المحاسن 4/70-71.
[20]- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبو المحاسن 4/74.
[21]- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبو المحاسن 4/72.
[22]- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبو المحاسن 4/75-76.
[23]- الأموي هذا هو هشام بن الحكم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد الأموي أمير الأندلس تولى الإمارة 350هـ كنيته أبو العاص ولقبه المستنصر بالله.
[24]- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبو المحاسن 4/114.
[25] -  والفُقَّاعُ: شَراب يتـخذ من الشعير سمي به لـما يعلوه من الزَّبَدِ. لسان العرب ج: 8 ص: 256
[26]  - ابن الصابئ: (ت 619هـ) محمد بن إسحاق بن محمد أبو الحسين بن الصابئ، صاحب ديوان الإنشاء في أيام المستعين بأمر الله، بغدادي له عدة مصنفات.
[27]  - ابن أبي العوام المحدث , الإمام أبو بكر , وأبو جعفر , محمد بن أحمد بن يزيد بن أبي العوام الرياحي .سمع : يزيد بن هارون , وعبد الوهاب بن عطاء العقدي . وجماعة  وعنه: ابن عقدة , وإسماعيل الصفار , وأبو بكر الشافعي , وابن الهيثم الأنباري , وآخرون . قال الدارقطني : صدوق. مات سنة ست وسبعين ومئتين في رمضانها .
[28] - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين أبو المحاسن 4/176-185.
[29]  - القاضي عبد الجبار ابن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل ، العلامة المتكلم ، شيخ المعتزلة، أبو الحسن الهمذاني صاحب التصانيف ، من كبار فقهاء الشافعية . ولي قضاء القضاة بالرَّي ، مات في ذي القعدة سنة خمس عشرة وأربع مائة من أبناء التسعين
[30]  - محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الفراء, أبو يعلىَ:(380_458هـ) عالم عصره في الأصول والفروع وأنواع الفنون. من أهل بغداد. ارتفعت مكانته عند القادر والقائم العباسيين. وولاه القائم قضاء دار الخلافة والحريم, وحران وحلوان, وكان قد امتنع, واشترط أن لا يحضر أيام المواكب, ولا يخرج في الاستقبالات ولا يقصد دار السلطان, فقبل القائم شرطه.
[31]  - أبو الوفاء البغدادي علي بن عقيل بن محمد بن عقيل علامة العراق وشيخ الحنابلة في بغداد في وقته، له تصانيف أعظهما كتاب الفنون أصله في أربعمائة جزء، قال الذهبي في تاريخه كتاب الفنون لم يصنف في الدنيا أكبر منه وبقي منه القليل القليل، وله الواضح في النحو، ، والفصول في فقه الحنابلة،
[32]  - الشهرستاني: (479-548هـ) هو محمد بن عبد الكريم بن أحمد أبو الفتح الشهرستاني، كان إماماً في علم الكلام وأديان الأمم ومذاهب الفلاسفة، يلقب بالأفضل، قال ياقوت في وصفه: الفيلسوف المتكلم صاحب التصانيف، كان وافر الفضل ولولا تخبطه في الاعتقاد ومبالغته في نصرة مذاهب الفلاسفة والذب عنهم لكان هو الإمام.
[33]- هو أبو البركات نجم الدين محمد بن الموفق ابن سعيد ابن علي الخبوشاني، نسبة إلى خبوشان، بليدة بناحية نيسابور، ولد سنة 510هـ وتوفي بالقاهرة 587هـ.
[34]- درء تعارض العقل والنقل للإمام ابن تيمية 5/9.
[35]- البخاري: برقم 3688
[36]- البخاري برقم 6168

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites

 
x

أحصل على أخر مواضيع المدونة عبر البريد الإلكتروني - الخدمة مجانية

أدخل بريدك الإلكتروني ليصلك جديدنا:

هام : سنرسل لك رسالة بريدية فور تسجيلك. المرجوا التأكد من بريدك و الضغط على الرابط الأزرق لتفعيل إشتراكك معنا.