أرواد ومجتهدون أم فسقة وضالون؟! (10)
رضوان محمود نموس
نتابع رأي محمد عمارة بالزنادقة وأعداء الإسلام وكيف يراهم من المجتهدين المجددين الأبطال هذا الذي وصفه القرضاوي [بأنه أحد مجددي هذا القرن وأحد الذين هيأهم الله لنصرة الدين الإسلامي من خلال إجادته استخدام منهج التجديد والوسطية.] حسب ما نشر موقع الجزيرة وغيره من المواقع المصدر: (الجزيرة نت) 3/11/2010
· - الجعد بن درهم:
يقول عمارة: [ ويأتي كذلك الوالي الأموي خالد بن عبد الله القسري([1]) عندما نفذ مشيئة الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك بذبح مفكر إسلامي كبير كان يقف في طليعة المعارضة السياسية والفكرية لبني أمية، هو الجعد بن درهم. ذبحه بجوار المنبر يوم عيد الأضحى ]([2]).
إنه يصف الضال الجعد بن درهم بالمفكر الإسلامي الكبير ولا غرابة في ذلك، فالمقياس بأهمية المفكرين ووضاعتهم عند محمد عمارة أصابه فيروس العمالة وفيروس الزندقة, كما أنه يصفه بما يصف به نفسه ويصفه به الناس (مفكر إسلامي كبير بل حسب القرضاوي هو مجدد: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا !).
ولننظر إلى علماء الإسلام وماذا قالوا عن الجعد.
قال في مختصر تاريخ دمشق عن الجعد بن درهم: [ أول من قال بخلق القرآن, وكان أول من أظهر القول بخلق القرآن في أمة محمد, فطلبه بنو أمية فهرب من دمشق وسكن الكوفة. ومنه تعلم الجهم بن صفوان في الكوفة القول بخلق القرآن, وهو الذي تنسب الجهمية إليه، وقتله مسلم ابن أحوز([3]) بأصبهان.
وسئل أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الغسيلي: ممن أخذ ابن أبي دؤاد القول بخلق القرآن فقال: من بشر المريسي، وبشر المريسي أخذه من جهم بن صفوان, والجهم أخذه من جعد بن درهم, وأخذه جعد بن درهم من أبان بن سمعان, وأخذه أبان من طالوت ابن أخت لبيد وختنه, وأخذه طالوت من لبيد بن أعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم. وأظهر جعد ذلك القول مع زندقته، فقتله خالد بن عبد الله القسري يوم الأضحى بالكوفة, وكان خالد والياً عليها. أُتي بالجعد في الوثاق, ولما صلى خالد خطب ثم قال في آخر خطبته:
"انصرفوا وضحُّوا تقبل الله منا ومنكم, فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم, فإنه يقول ما كلم الله موسى تكليما, ولا اتخذ إبراهيم خليلا, تعالى الله عما يقول الجعد بن درهم علوا كبيرا"، ثم نزل وحزَّ رأسه بيده بالسكين ]([4]).
وقال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: [ هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاً ولا كلم موسى تكليماً، وأن ذلك لا يجوز على الله، قال المدائني: كان زنديقاً وقد قال له وهب إني لأظنك من الهالكين ]([5]).
وقال ابن كثير: [ الجعد بن درهم شيخ الجهم بن صفوان الذي تنسب إليه الطائفة الجهمية الذين يقولون إن الله في كل مكان بذاته. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً،-ثم ذكر سياق أخذ هذا المذهب الخبيث من لبيد بن أعصم اليهودي- ]([6]).
· - ابن عربي:
يقول عنه عمارة: [ ابن عربي في التصوف الفلسفي قمة القمم، لا في حضارتنا العربية والإسلامية فقط، بل وعلى النطاق الإنساني وهو بمقياس السلفية المحافظة أو الفقهاء وثني زنديق -ثم يقول-: الفقهاء كانوا أضيق أفقاً, كما كانوا أدوات للسلطة الحاكمة على عكس الفلاسفة الصوفيين ]([7]).
وابن عربي هو محمد بن علي بن محمد الطائي الأندلسي المعروف بابن عربي الملقب بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر. ولد في مرسية بالأندلس 560 هـ, وقيل إنه يهودي, وقيل بل باطني من بقايا الفاطميين القداحين. سافر إلى مصر, وصدرت عنه أقوال مكفرة, فعمل بعضهم على إراقة دمه كما أريق دم الحلاج وأشباهه, وحبس فسعى في خلاصه علي بن فتح البجائي (من أهل بجاية) فنجا, واستقر في دمشق بعد سفره إلى بلاد الروم والعراق, وتوفي 638 هـ. قال كثير من العلماء بكفره, وألف البقاعي كتاباً بعنوان (تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي) ولو تناولنا أيَّ كتاب لابن عربي فلا يكاد القارئ يقرأ فيه فصلاً واحداً إلا ويصطدم بالكفر البواح، سواء في ذلك كتاب فصوص الحِكَم, أو الفتوحات المكيَّة, أو التفسير, أو غيرها.
ولننظر مثلاً إلى كتاب"فصوص الحكم":
نجده يبدأ الكتاب بقوله: [ الحمد لله منزل الحكم على قلوب الكلم، بأحَدية الطريق الأَمَم، من المقام الأقدم، وإن اختلفت الملل والنحل لاختلاف الأمم، وصلى الله على مُمِدِّ الهِمم من خزائن الجود والكرم بالقيل الأقوم محمد وآله وسلم.
فإني رأيت رسول الله في مبشّرة أُريتها في العشر الأخير من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده كتاب، فقال لي رسول الله عليه السلام: هذا كتاب فصوص الحكم. خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به. فقلتُ: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منَّا كما أُمِرنا. فحقَّقتُ الأمنية، وأخلصتُ النية، وجرَّدتُ القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب، كما حدَّه لي رسول الله من غير زيادة ولا نقصان، وسألت أن يجعلني فيه وفي جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، وأن يخصَّني في جميع ما يرقُمه بناني، وما ينطق به لساني، وما ينطوي جناني بالإلقاء السبُّوحيّ، والنفث الروحيّ في الروع النفسيّ, بالتأييد الاعتصاميّ, حتى أكون مترجِماً لا متحكِّماً... ولا أنزل في هذه السطور إلا ما ينزل عليّ، ولست بنبيّ ولا رسول، ولكني وارث، ولآخرتي حارث.
(فمن الله فاسمعوا، وإلى الله فارجعوا، فإذا سمعتم ما أثبت به فعُوا، ثم بالفهم فصِّلوا مجمل القول واجمعوا)]([8]).فكتابه فصوص الحكم إذاً هو من الله أرسل به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى ابن عربي. كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إلا كَذِبًا
ثم يقول تحت عنوان: (فـصُّ حكمة سبُّوحيّة في كلمة نُوحيّة)
[ اعلم أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد. فالمنزِّه إما جاهل، وإما صاحب سوء أدب، ولكن إذا أطلقاه وقالا به فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزَّه ووقف عند التنزيه، ولم يرَ غيره فقد أساء الأدب, وأكذب الحق والرسل وهو لا يشعر، ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الغائب، وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض... فإن للحق في كل خلق ظهور، فهو الظاهر في كل مفهوم، وهو الباطن عن كل فهم، إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته وهويَّته ].
ثم قال: [ وقال تعالى: سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم. وهو غيبك حتى يتبين لهم أي للناظرين أنه الحق، من حيث أنك صورته، وهو روحك. فأنت له كالصورة الجسمية لك، وهو لك كالروح المدبِّر لصورة جسدك، والحدُّ يشمل الظاهر والباطن منك... فما أنت هو؛ بل أنت هو ].
ثم يقول: [ ولو أن نوحاً جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، فدعاهم جهاراً، ثم دعاهم إسراراً، ثم قال لهم: استغفروا ربكم إنه كان غفاراً... وذكر عن قومه أنهم تصامّوا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته, فعلم العلماء بالله تعالى ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من الثناء عليهم بلسان الذم، وعلموا أنهم إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من الفرقان، والأمر قرآن لا فرقان، ومن أُقيم في القرآن لا يُصغي إلى الفرقان... فلذلك جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، وهذه كلها صورة السر التي دعاهم إليها بالفعل، لا بلبيك... فقال نوح في حكمته لقومه: يرسل السماء عليكم مدراراً، وهي المعارف العقلية في المعاني، والنظر الاعتباري. ومكروا مكرا كُبَّاراً، لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعُوِّ، لأن ما عدم من البداية فيدعى إلى الغاية، أدعو إلى الله فهذا عين المكر على بصيرة، فأجابوه مكراً لمَّا دعاهم مكراً... فقالوا في مكرهم: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودّاً ولا سُواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً، فإنهم لو تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء. فإن للحق في كل معبود وجهاً, يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله... فما عُبد غير الله في كل معبود... مما خطيئاتهم فهي التي خطئت بهم في بحار العلم بالله، وهو الحيرة، فأدخلوا ناراً في عين الماء، فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً، فكان الله عين أنصارهم، فهلكوا فيه إلى الأبد ].
وقال: (فصّ حكمة مهامِية في كلمة إبراهيمية):
[ إنما سُمّي الخليل خليلاً لتخلُّله وحصره جميع ما اتصف به الذات الإلهية، وبه سمّي الخليل خليلاً كما يتخلَّل اللون الملَّون، فيكون العَرَض بحيث جوهره، أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم عليه السلام وكل حكم... ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدَثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص، وبصفات الذم. ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولِها إلى آخرها، وكلها حقٌّ له ].
وقال: (فصّ حكمة إماميّة في كلمة هارونية):
[ ثم قال: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، ولا تُشمت بيَ الأعداء، فهذا كله نَفَس من أنفاس الرحمة، وسبب ذلك عدم التثبت في النظر فيما كان في يديه من الألواح التي ألقاها من يديه. فلو نظر فيها نظر تثبت لوجد فيها الهدى والرحمة... وكان موسى أعلم بالأمر من هارون، لأنه علم ما عبده أصحاب العجل لعلمه بأن الله قضى أن لا يُعبد إلا إيّاه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عَتَب موسى أخاه هارون لمَّا وقع الأمر في إنكاره، وعدم اتساعه, فإن العارف من يرى الحق في كل شيء؛ بل يراه عين كل شيء... وما عبد شيء من العالم إلا بعد التلبس بالرفعة عند العابد، والظهور بالدرجة في قلبه، ولذلك يسمَّى الحق لنا برفيع الدرجات، ولم يقل: رفيع الدرجة، فكثَّر الدرجات في عين واحدة، فإنه قضى أن لا يعبد إلا إياه في درجات كثيرة مختلفة أعطت كل درجة مجلَّى إلهياً عُبد فيها، وأعظم مجلًّى عُبد فيه وأعلاه الهوى، كما قال: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه, فهو أعظم معبود، فإنه لا يُعبد شيء إلا به.
وحق الهوى إن الهوى سبب الهوى ** ولولا الهوى في القلب ما عُبد الهوى
... والعارف المكمّل من رأى كل معبود مجلّى للحق يعبد فيه ].
وقال تحت عنوان (فصّ حكمة عُلوِيَّة في كلمة مُوسوية):
[ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه الخليفة بالسيف، وإن جار في العرف الناموسي. أطيعوا أمراءكم وإن جاروا, لذلك قال: أنا ربكم الأعلى، أي وإن كان الكلُّ أرباباً بنسبةٍ ما, فأنا الأعلى منهم, بما أُعطيتُه في الظاهر من التحكُّم فيكم، ولمَّا علمتِ السحرةُ صدقه فيما قاله: أنا ربكم الأعلى. لم ينكروا، وأقرّوا بذلك, فقالوا: إنما تقضي هذه الحياة الدنيا, فاقضِ ما أنت قاضٍ، فالدولة لك، فصح قوله: أنا ربكم الأعلى، وإن كان عين الحق، فالصورة لفرعون... فنجاه الله من عذاب الآخرة في حق نفسه، ونجَّى بدنه، كما قال تعالى: فاليوم ننجيك ببدنك، فقد عمته النجاة حسّاً ومعنىً ].
وقالت تحت عنوان (فصّ حكمة أحديّة في كلمة هوديّة):
[ واعلم أنه لما أطلعني الحق, وأشهدني أعيان رسله وأنبيائه كلهم البشريين, من آدم إلى محمد صلى الله عليهم أجمعين، في مشهد أقمتُ فيه بقرطبة سنة ست وثمانين وخمسمائة, ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود. فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم, ورأيته عليه السلام رجلاً ضخماً... وإن أخذنا ليس كمثله شيء تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء... فهو السَّاري في مسمَّى المخلوقات والمبدَعات، ولو لم يكن الأمر كذلك لما صحَّ الوجود, فهو عين الوجود ].
وقال تحت عنوان (فصّ حكمة فرديّة في كلمة محمديّة):
[ وأول الأفراد الثلاثة، وما زاد على هذه الأوليّة من الأفراد فإنه عنها. فأشبه الدليل في تثليثه. والدليل دليل نفسه. فمن عرف نفسه فقد عرف ربه، ولما كانت حقيقته تعطي الفردية الأولى بما هو مثلث النشأة، لذلك قال في المحبة التي هي أصل الوجود: حُبِّب إليّ من دنياكم ثلاث، بما فيه من التثليث، ثم ذكر النساء والطِّيب، وجعلت قرة عينه في الصلاة.
فابتدأ بذكر النساء وأخَّر الصلاة، وذلك لأن المرأة جزء من الرجل في أصل ظهور عينها... فإن كل جزء من العالم دليل على أصله الذي هو ربُّه فافهم، فإنما حُبِّب إليه النساء فحنَّ إليهن, لأنه من باب حنين الكل إلى جزئه، فأبان بذلك عن الأمر في نفسه من جانب الحق... فبطن نفس الحق فيما كان به الإنسان إنساناً، ثم اشتقَّ له شخصاً على صورته سمّاه امرأة، فظهرت بصورته فحنَّ آدم إليها حنين الشيء إلى نفسه، وحنَّت المرأة إليه حنين الشيء إلى وطنه، فحُبب إليه النساء. فإن الله أحبَّ مَن خلَقه على صورته، وأسجد له ملائكته النوريين على عظم قدرهم ومنزلتهم، وعلوِّ نشأتهم الطبيعية. فمن هنا وقعت المناسبة والصورة أعظمَ مناسبة وأجلَّها، فإنها زوّجت أي شفعت وجود الحق, كما كانت المرأة شفعت بوجود الرجل فصيَّرته زوجاً، فظهر الثلاث: حق, ورجل, وامرأة، فحنَّ إلى ربه الذي هو أصله حنين المرأة إليه، فحَبَّب إليه ربُّه النساء كما أحب الله مَن هو على صورته.
فما وقع الحب إلا لمن تكوَّن منه وهو الحق؛ فلهذا قال: حُبِّب إليّ، ولم يقل: أحببتُ، لتعلّق حبِّه بربّه الذي هو على صورته حتى في محبته لامرأته، فإنه أحبها بحبّ الله إيّاه تخلقاً إلهياً، ولما أحبَّ المرأة طلب الوُصلة, أي غاية الوصلة التي تكون في المحبة، فلم يكن في صورة النشأة العنصرية أعظم وصلة من النكاح، ولهذا تعمّ الشهوة أجزاءه كلَّها، ولذلك أمر بالاغتسال منه، فعمّت الطهارة كما عمَّ الفناء فيها عند حصول الشهوة، فإن الحق غيور على عبده أن يعتقد أنه يلتذُّ بغيره، فطهره بالغسل ليرجع بالنظر إليه فيمن فني فيه، فإذا شاهد الرجل الحق في المرأة كان شهوده في منفعل، وإذا شاهده في نفسه من حيث ظهور المرأة عنه شاهده في فاعل، وإذا شاهده من نفسه من غير استحضار صورة ما تكون عنه كان شهوده في منفعل عن الحق بلا واسطة, فشهوده للحق في المرأة أتمّ وأكمل، لأنه يشاهد الحق من حيث هو هو فاعل منفعل، ويشاهد من نفسه من حيث هو منفعل خاصة.
فلهذا أحب النساء لكمال شهود الحق فيهن؛ إذ لا يشاهد الحق مجرّداً عن المراد أبداً، وإذا كان الأمر من هذا الوجه ممتنِعاً، ولم تكن الشهادة إلا في مادة. فشهود الحق في النساء أعظم الشهود وأكمله. وأعظم الوصلة النكاح، وهو نظير التوجه الإلهي على مَن خلقه على صورته ليخلفه، فيرى فيه صورته؛ بل نفسه... فما أحبّهن إلا بالمرتبة، وأنهن محلّ الانفعال, فهن له كالطبيعة للحق التي فتح فيها صور العالم بالتوجه الإرادي، والأمر الإلهي، الذي هو نكاح في عالم الصورة العنصرية، وهمّة في عالم الأرواح النّورية، وترتيب مقدمات في المعاني للإنتاج، وكل ذلك نكاح الفردية الأولى في كل وجه من هذه الوجوه... وأما حكمة الطِّيب وجعله بعد النساء، فلِما في النساء من روائح التكوين، فإنه أطيب الطيب عناق الحبيب... فحُبِّب إليه الطيب، فلذلك جعله بعد النساء، فراعى الدرجات التي للحق في قوله: رفيع الدرجات ].
ومن أقوال ابن عربي في غير الفصوص:
[ عطاء الفتوة قد بيناه في هذا الكتاب (الفتوحات)، وفي كتاب مواقع النجوم الذي ألفناه بالمرية من بلاد الأندلس سنة خمس وتسعين وخمسمائة عن أمر إلهي, وهو كتاب شريف ]([9]).
ويقول: [ قد وقف الصفيّ الوليّ-أبقاه الله-على سبب بدء العالم في كتابنا المسمى بـ"عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب"، وفي كتابنا المسمَّى بـ"إنشاء الدوائر"... فشغلنا هذا الكتاب عنه وعن غيره بسبب الأمر الإلهي الذي ورد علينا في تقييده ]([10]).
وقال: [ وأما أنا فسبق لي منه-أي من رسول الله صلى الله عليه وسلم-لوح من ذهب جيء به إليّ بتونس سنة ثمان وتسعين وخمسمائة ]([11]).
ويقول: [ إن هذا العرش-عرش الله- قد جعل الله له قوائم نورانية لا أدري كم هي، ولكني أُشهدتها، ونورها يشبه نور البرق. ومع هذا فرأيت له ظلاً فيه من الراحة ما لا يقدر قدرها، وذلك الظل ظل مقعَّر هذا العرش يحجب نور المستوِي الذي هو الرحمن، ورأيت الكنز الذي تحت العرش الذي خرجت منه نقطة "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم"، فإذا الكنز آدم عليه السلام، ورأيت تحته كنوزاً كثيرة أعرفها ]([12]).
وقال: [ رأيت ليلةً أني نكحتُ نجوم السماء كلها, فما يبقى منها نجم إلا نكحته بلذة عظيمة روحانية، ثم لمَّا كملت نكاح النجوم أُعطيت الحروف الأبحدية فنكحتُها ]([13]).
وقال في كتاب "ترجمان الأشواق" وذلك حين نزل بمكة عند رجل، وكان لهذا الرجل بنت صبية، فوقع بحبّها، وتغزّل وتشبّب بها، وها هو يقول بلسانه, وبخطُّ بنانه:
[ وكان لهذا الشيخ رضي الله عنه -وهو أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني- بنت عذراء تسمى بالنظام، وتلقّب بعين الشمس والبَها...ساحرة الطرف, عراقية الظرف، إن أسهبت أتعبت، وإن أوجزت أعجزت، وإن أفصحت أوضحت، إن نطقت خرس قِسُّ بن ساعدة، وإن كرمت خنَسَ معن بن زائدة، وإن وفّت قصّر السمَوْأل خطاه، وأغرى ورأى بظهر الغرور وامتطاه. ولولا النفوس الضعيفة لأخذت في شرح ما أودع الله تعالى في خَلْقها من الحُسن، وفي خلُقها الذي هو روضة المُزن... حقة مختومة، واسطة عقد منظومة، يتيمة دهرها، كريمة عصرها، مسكنها جياد، وبيتها من العين السواد، ومن الصدر الفؤاد، عليها مسحة ملَك، وهمّة ملِك، فقلَّدناها في نظمنا هذا الكتاب أحسن القلائد بلسان النسيب الرائق، وعبارات الغزل اللائق؛ إذ هي السؤال والمأمول. فأعربت عن نفس توّاقة، ونبهت على ما عندنا من العلاقة... فكل اسم أذكره في هذا الجزء فعنها أكنِّي، وكل دار أندبها فدارها أعني ]([14]). ثم قال:
ما رحَّلوا يومَ بانوا البزَّل العيس ** إلا وقد حملوا فيها الطـواويسـا
مـن كل فاتكةِ الألحاظِ مـالكةٍ ** تخالُها فوق عرش الـدرِ بلـقيسا
إذا تمشَّت على صرحِ الزجاج تَرى** شمساً على فلك في حِجر إدريسا
تُحيي إذا قتلتْ باللَّـحظ منطِقها ** كأنها عندما تُحيـي بـه عيسـى
توراتُـها لـوحُ ساقيها سَناً وأنا ** أتلو وأدرسهـا كأننـي موسـى([15]).
وقال أيضاً:
توراتُـها لـوحُ ساقيها سَناً وأنا ** أتلو وأدرسهـا كأننـي موسـى([15]).
وقال أيضاً:
خليليَّ عوِّجا بالكثيب وعرِّجا** على لعلَعٍ واطلب مياهَ يـلملمِ
فإن بها من قد علمتَ ومَن لهم** صيامي وحجّي واعتماري وموسمي
فلا أُنس يوماً بالمحصَّب من مِنى ** وبالمنحر الأعلى أمـوراً وزمـزمِ
محصبُّهم قلبي لرمي جمـارهم ** ومنحرُهم نفسي ومشربُهم دمي([16]).
وقال:
ألم تَدرِ أن الحُسن يسُلب مَن لهُ ** عفافٌ فيُدعَى سالبَ الحسنـاتِ
فموعدُنا بعد الطواف بـزمزمٍ ** لدى القبةِ الوسطى لدى الصخَراتِ
هنالك من قد شفَّه الوجد يَشتفي** بما شاءه من نسوة عَطــراتِ
إذا خِفن أسدلن الشعور فهنَّ من ** غدائرِها في أَلحف الـظلماتِ([17]).
وقال:
تطوفُ بقلـبي ساعةً بعد ساعـةٍ ** لوجـْد وتَبريـح وتلثُم أركاني
كما طاف خيرُ الرسل بالكعبة التي ** يقولُ دليل العقل فيها بنقصـانِ
وقبَّـل أحجـاراً بهـا وهو ناطق ** وأين مـقام البيت من قدر إنسانِ
فكم عهدتْ أن لا تحولَ وأقسمتْ ** وليس لمخضوبٍ وفـاءٌ بأيمـانِ
ومِن عجَب الأشياء ظبيٌ مـبرقَعٌ ** يُشيـر بعنَّاب ويُومي بأجـفانِ
ومرعاهُ ما بـين الترائب والحَشـا ** ويا عـجباً من روضةٍ وسطَ نيرانِ
لقد صـار قلبي قابلاً كـلَّ صورةٍ ** فمَرعى لغـزلانٍ ودَيـر لرهبانِ
وبـيتٌ لأوثان وكعبـةُ طائـفٍ ** وألواحُ توراةٍ ومـصحفُ قرآنِ
أَدين بدين الحب أنَّي توجهـتْ ** ركائبُه فالـحب ديـني وإيـماني
لنا أسوةٌ في بشر هندٍ وأختِهـا ** وقيسٍ وليـلى ثم مَيٍّ وغيـلانِ([18]).
ومما قال أيضاً:
طال شوقي لطفـلةٍ ذاتِ نثرِ ** ونظـامٍ ومنبـرٍ وبـيـانِ
من بنات الملوك من دار فُرسِ ** من أجَلِّ البلاد من أصبهانِ
لو تَرانـا بِرامـةَ نَتعـاطَـى ** أكْـؤساً للهوى بغير بنـانِ([19]).
وقال:
أفيقــوا علينا فإنَّـا رُزئنـا ** بُعَيد السُّحَير قبيلَ الشروقِ
ببـيضاءَ غيـداءَ بهـتـانـة ** تَضوع نشراً كمِسك فَتيـقِ
برِدفٍ مَهـول كدِعـص النقا ** ترجرج مـثل سنام الفـنيق
ولـو لامني في هواها عذول ** لكان جوابي إليه شهيقي ([20]).
وقال:
شمس ضحى في فلك طالعة ** غصن نقىً في روضة قد نصبا
لو أن إبليس رأى من آدم ** نور محياها عليـه ما أَبـى([21]).
وقال:
فمُرْ تعرَّض في الطواف فلم أكن ** بسواه عند طوافه بي طائفا([22]).
وهكذا يستمر في سائر ديوانه: غزل فاحش، وكفر أفحش. وهو في كل ما كتب موغل في الكفر, سابح في الضلال، يكذب على الله ورسوله، ويقول بالحلول والاتحاد والتثليث والفناء، وأن قوم نوح وفرعون مؤمنون, ناجون, عالمون بالله.
كفرٌ بيِّنٌ، وظلمات بعضها فوق بعض. أنَّي تجولت في كتبه صدمتك ألفاظ الكفر، وظلامة الضلال, والكيد والتآمر على الإسلام.
وأجدني في غنى عن سرد المزيد من أقواله, ومن شاء فليراجع كتبه, وإذا تنزه عن ذلك وهو الأولى فليراجع كتاب "تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي", أو رأي أئمة المسلمين فيه.
[2] - الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية، ص / 19.
[3] - سلم بن أحوز أمير الشرطة في خلافة مروان بن محمد، أسر الجهم بن صفوان، وأمر بقتله فقتل، توفي سلم سنة (128)هـ.
[4] - مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (6 / 50 - 51).
[5] - سير أعلام النبلاء (5 / 433).
[6] - البداية والنهاية (10 / 19).
[7] - التراث في ضوء العقل, ص / 291.
[9] - الفتوحات المكية (4 / 338).
[10]- الفتوحات المكية (1 / 126).
[11]- الفتوحات المكية (1 / 838).
[12]- الفتوحات المكية , (3 / 573).
[13]- الفتوحات المكية , (1/ 8).
[14]- مقدِّمة كتاب ترجمان الأشواق ص / 7- 8.
[15]- ترجمان الأشواق, ص / 15- 16.
0 التعليقات:
إرسال تعليق