الاغتيالات وفتاوى علماء الطواغيت (2)
رضوان محمود نموس
نتابع سَوق الأدلة على شرعية الاغتيالات.
قال محمد علي الصابوني في صفوة التفاسير:[{فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} أي اقتلوهم في أي مكانٍ أو زمان من حلٍّ أو حرم، قال ابن عباس: في الحلِّ والحرم وفي الأشهر الحرم {وَخُذُوهُمْ} أي بالأسر {واحصروهم} أي احبسوهم وامنعوهم من التقلب في البلاد قال ابن عباس: إِن تحصَّنوا فاحصروهم أي في القلاع والحصون حتى يُضطروا إِلى القتل أو الإِسلام. {واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} أي اقعدوا لهم في كل طريق يسلكونه، وارقبوهم في كل ممر يجتازون منه في أسفارهم، قال في البحر: وهذا تنبيه على أن المقصود إِيصال الأذى إِليهم بكل وسيلة بطريق القتال أو بطريق الاغتيال]([1]).
وقال إمام الحرمين الجويني: في نهاية المطلب: [ولو زعم الكافر أنه ظن التجارة أماناً، لم نبال به واغتيل، وأُخذ مالُه، ولا معوَّلَ على ظنه]([2])،
وقال أيضاً [إذا أخذ الجزية من قومٍ زعموا أنهم يهود أو نصارى، ثم أسلم منهم اثنان، وظهرت عدالتهما في الدين، وشهدا عندنا بأن قومهما ليسوا يهوداً، ولا نصارى، وإنما هم عبدة الأوثان؛ فإنّا نتبين أن الذمة غيرُ منعقدة، ونعاملهم معاملة عبدة الأوثان، ثم إذا أثبتنا أن لا ذمة لهم، فهل نغتالهم بسبب تلبيسهم علينا أو نلحقهم بدار الحرب؟
هذا فيه تردد. والظاهر أنا نغتالهم؛ لأن الأمان الفاسد إنما يثبت عُلقة الأمان إذا كان المؤمِّن على جهل لا [يقدّر] أن يتمهد لأجله عُذره، فإذا كان الظن منا والكافر يدلّس علينا، فلا يتجه إلا الاغتيال]([3]).
وقال أيضاً [ولو نبذ الذميّ العهدَ : والمسائل موزعة على ثلاث مراتب: إحداها - المنابذة، ونصب القتال، ومصيره حرباً، فهاهنا لا اختلاف في الاغتيال والاستئصال في النفس والذرّية والمال]([4]).
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري:[ وهذا من باب قوله (صلى الله عليه وسلم) (الحرب خدعة) . فيه: جواز التجسس على المشركين، وطلب غرتهم، وفيه الاغتيال في الحرب]([5]).
وقال الغزالي في الوسيط:[فَإِن قيل وَمَا حكم انْتِقَاض الْعَهْد قُلْنَا أما فِي الْقِتَال فَحكمه الاغتيال]([6]).
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: [(قَوْلُهُ لِتَلْبِيسِهِمْ عَلَيْنَا) وَالْأَمَانُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الِاغْتِيَالَ عِنْدَ ظَنِّ الْكَافِرِ صِحَّتَهُ، وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَعَلَى إطْلَاقِ الِاغْتِيَالِ جَرَى الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَفُرُوعُهُ]([7]).
وقال الشيخ زكريا الأنصاري أيضاً: [(وَلَوْ) عُقِدَتْ الْجِزْيَةُ لِمَنْ زَعَمَ التَّمَسُّكَ بِكِتَابٍ، ثُمَّ (أَسْلَمَ اثْنَانِ) مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ (وَجَادَ الْحَالُ) مِنْ زِيَادَتِهِ أَيْ: وَحَسُنَ حَالُهُمَا بِحَيْثُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا (وَشَهِدَا بِكُفْرِهِ) أَيْ: بِكَذِبِهِ فِيمَا زَعَمَهُ (يُغْتَالُ)]([8]).
وقال أيضاً: [أَمَّا مُنْتَقِضُ الْعَهْدِ بِمَنْعِ الْجِزْيَةِ أَوْ بِالتَّمَرُّدِ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ مَعَ مُنْتَقِضِ الْعَهْدِ بِمَا سَيَأْتِي، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ، وَأَخَذَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْحَاوِي بِظَاهِرِ كَلامِهِ فَجَعَلَ الاغْتِيَالَ رَاجِعًا إلَى مُنْتَقِضِ الْعَهْدِ بِالثَّلاثَةِ الْمَذْكُورَةِ]([9]).
وقال السبكي:[ومنها: قال الشيخ الإمام رحمه الله في جواب فتيا وردت عليه [من] مدينة صفد: لو كان على المسلمين ضرر في الأمان كان الأمان باطلًا ولا يثبت به حق التبليغ إلى المأمن؛ بل يجوز الاغتيال في هذه الحالة وإن حصل التأمين، لأنه تأمين باطل بخلاف التأمين الفاسد حيث يثبت له حكم التأمين الصحيح كأمان الصبي والتأمين الباطل مثل تأمين الجاسوس ونحوه. انتهى]([10]).
ومن الأدلة العملية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم عدة أحوال ووقائع منها اغتيال كعب بن الأشرف.
قال ابن اسحق: [وكان من حديث كعب بن أشرف أنه لما أصيب أصحاب بدر وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة وعبد الله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين, بفتح الله عز وجل وقتل من قتل من المشركين, كما حدثني عبد الله بن المغيث بن أبي بردة الظفري وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم, وعاصم بن عمرو بن قتادة وصالح بن أمامة بن سهل, كل حدثني بعض حديثه.
قالوا: قال كعب بن أشرف: وكان رجلاً من طيء ثم أحد بني نبهان, وكانت أمه من بني النضير حين بلغه الخبر, أحق هذا؟ أترون محمداً قتل هؤلاء الذي يسمي هذان الرجلان, يعني عبد الله بن رواحة, وزيد؟ فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس, والله لئن كان محمداً أصاب هؤلاء القوم لبطن الأرض خير من ظهرها!
فلما تيقن عدو الله الخبر, خرج حتى قدم مكة فنزل على المطَّلِب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي, وعنده عاتكة بنت أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف, فأنزلته وأكرمته وجعل يحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وينشد الأشعار ويبكي أصحاب القليب من قريش الذين أصيبوا يوم بدر فقال:
طحنت رحى بدر لمهلك أهله ** ولمثل هذا تستهل وتدمع
قتلت سراة الناس حول حياضها ** لا تبعدوا إن الملوك تصدع
كم قد أصيب به من ابيض ماجد ** ذي بهجة يأوي إليه الضيع
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت ** حمال أثقال يسود ويربع
ويقول أقوام أسر بسخطهم ** إن ابن أشرف ظل كعباً يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قُتِّلوا ** ظلت تسوخ بأهلها وتصدع
فرد عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه بقوله:
أبكي لكعب ثم عل بعبرة ** منه وعاش مجدعاً لا يسمع
ولقد رأيت ببطن بدر منهم ** قتلى تسح لها العيون وتدمع
فابكي فقد أبكيت عبداً راضعاً ** شبه الكليب إلى الكليبة يتبع
ولقد شفى الرحمن منا سيدا ** وأعان قوماً قاتلوه وضرعوا
ونجا وأفلت منهم من قلبه ** شغف يظل لخوفه يتصدع
ثم رجع ابن الأشرف إلى المدينة فشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم]([11]).
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعْتُ جَابِرًا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللهَ وَرَسُولَهُ»، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: ائْذَنْ لِي، فَلأَقُلْ، قَالَ: «قُلْ»، فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ: وَذَكَرَ مَا بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ أَرَادَ صَدَقَةً، وَقَدْ عَنَّانَا، فَلَمَّا سَمِعَهُ قَالَ: وَأَيْضًا وَاللهِ، لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَدِ اتَّبَعْنَاهُ الآنَ، وَنَكْرَهُ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ أَمْرُهُ، قَالَ: وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ تُسْلِفَنِي سَلَفًا، قَالَ: فَمَا تَرْهَنُنِي؟ قَالَ: مَا تُرِيدُ؟ قَالَ: تَرْهَنُنِي نِسَاءَكُمْ، قَالَ: أَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ، أَنَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا؟ قَالَ لَهُ: تَرْهَنُونِي أَوْلادَكُمْ، قَالَ: يُسَبُّ ابْنُ أَحَدِنَا، فَيُقَالُ: رُهِنَ فِي وَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ، وَلَكِنْ نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ - يَعْنِي السِّلاحَ -، قَالَ: فَنَعَمْ، وَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ بِالْحَارِثِ، وَأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ، وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ، قَالَ: فَجَاءُوا فَدَعَوْهُ لَيْلا فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، قَالَ سُفْيَانُ: قَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنِّي لأَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ صَوْتُ دَمٍ، قَالَ: إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَرَضِيعُهُ، وَأَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ لَيْلا لأَجَابَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِّي إِذَا جَاءَ، فَسَوْفَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى رَأْسِهِ، فَإِذَا اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَدُونَكُمْ، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ نَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ، فَقَالُوا: نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الطِّيبِ، قَالَ: نَعَمْ تَحْتِي فُلانَةُ هِيَ أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ، قَالَ: فَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ مِنْهُ، قَالَ: نَعَمْ فَشُمَّ، فَتَنَاوَلَ فَشَمَّ، ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَعُودَ، قَالَ: فَاسْتَمْكَنَ مِنْ رَأْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: دُونَكُمْ، قَالَ: فَقَتَلُوهُ]([12])
قال ابن اسحق: فحدثني ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال: إنهم عندما انطلقوا لقتل كعب مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجههم فقال: {انطلقوا على اسم الله, اللهم أعنهم} ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته, ولما قتلوه صاح صيحة ذعر لها أهل الحصن من اليهود, فأشعلوا النيران, وكان المسلمون قد احتزوا رأسه ورجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغوا بقيع الغرقد كبروا, وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة يصلي, فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرهم بالبقيع, كبر وعرف أن قد قتلوه, ثم انتهوا يعدون حتى وجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بباب المسجد, فقال: أفلحت الوجوه, فقالوا: ووجهك يا رسول الله, ورموا برأسه بين يديه, فحمد الله على قتله, قالوا فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليلة التي قتل فيها ابن الأشرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه} فخافت اليهود, فلم يطلع عظيم من عظائمهم ولم ينطقوا وخافوا أن يبيتوا كما بيت ابن الأشرف.
وكان ابن سنينة من يهود بني حارثة وكان حليفاً لحويصة بن مسعود, فعدا محيصة على ابن سنينة فقتله, فجعل حويصة يضرب محيصة وكان أسن منه يقول: أي عدو الله أقتلته أما والله لرب شحم في بطنك من ماله, فقال محيصة: والله لو أمرني بقتلك الذي أمرني بقتله لقتلتك, قال والله لو أمرك محمداً أن تقتلني لقتلتني؟ قال نعم, قال حويصة: والله إن ديناً يبلغ هذا الدين معجب!, فأسلم حويصة يومئذ, فقال محيصة:
يلوم ابن أمي لو أمرت بقتله لطبقت ذافره بأبيض قاضب
حسام كلون الملح أخلص صقله متى ما تصوبه فليس بكاذب
وما سرني أني قتلتك طائعاً ولو أن لي ما بين بصرى ومأرب
ففزعت اليهود ومن معها من المشركين, فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين أصبحوا, فقالوا طرق صاحبنا الليلة وهو سيد من ساداتنا قتل غيلة بلا جرم ولا حدث علمناه, فقال رسول اله صلى الله عليه وسلم: {إنه لو قرَّ كما قرَّ غيره ممن هو على مثل رأيه ما اغتيل, ولكن نال منا الأذى وهجانا بالشعر, ولم يفعل هذا أحد منكم إلا كان له السيف} ودعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يكتب بينهم كتاباً ينتهون إلى ما فيه, فكتبوا بينهم وبينه كتاباً تحت الغدق, في دار رملة بنت الحارث, فحذرت اليهود وخافت وذلك من يوم قتل ابن الأشرف([13])
[1]- صفوة التفاسير (1/ 485)
[3]- نهاية المطلب في دراية المذهب (18/ 14) 11445-
[7]- أسنى المطالب في شرح روض الطالب (4/ 213)
[10]- الأشباه والنظائر للسبكي (2/ 99)
[11]- السيرة النبوية لابن هشام
[12]- رواه البخاري في المغازي باب رهن السلاح, والجهاد باب الكذب في الحرب, وباب الفتك بأهل الحرب, ورواه مسلم (3/ 1425)في باب الجهاد رقم (1, 18) وغيرهم, والرواية المثبتة لمسلم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق