هل تصدقون الله
رضوان
محمود نموس
لنسأل
أنفسنا هذا السؤال ونجيب بصراحة مطلقة ونبني أفعالنا على ما نعتقد أنه الحق.
هل
إيماننا بكلام الله مطلق أم فيه شك وريبة؟!
وهل
نصدق الله تعالى فيما يقول أم ينتابنا التردد؟.
وسأسوق أمثلة تمس حياتنا..
يقول
تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126]
وقال
تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ } [الأنفال: 10]
وقال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]
وقال
تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا
وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]
فإذا
كنا نصدق الله تعالى في قوله فلماذا لا نطلب النصر منه؟ ولماذا لا ننصره بقولنا
وفعلنا, والتزامنا بما شرع, والطاعة لما به أمر, والانتهاء عما عنه زجر؟.
ولماذا
نذهب نتسول النصر من الكفار؟ من هيئة الأمم الكفرية, من الناتو, من أمريكا, من
أوربا, من العلمانيين, من المجوس, من الشيوعيين من المرتدين؟.
والله
قال: {إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا } [النساء: 101]
وقال
تعالى: { وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا
لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [هود: 113]
وقال
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ
لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ
الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118]
فهل
من يلتمس النصر عند الكفار يؤمن بالله ويصدقه حقيقة؟! إذا لماذا نركن إليهم؟ لماذا
نقربهم؟ لماذا نتحالف معهم؟ أليس هذا إشعار بأننا لم نصدق كلام الله؟!!.
وهل
من يطلب مساعدتهم يؤمن بصدق الله وحتمية قوله تعالى؟!
ثم
قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ
الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا} [النساء: 139]
وقال
تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } [فاطر:
10]
وقال
تعالى: { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ
الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]
ثم
يذهب أقوام يلتمسون العز والتمكين من قوى الأرض الكافرة فهل هؤلاء يصدقون الله
حقيقة؟ ويؤمنون به حقيقة؟ ويقرؤون القرآن على أنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل
من بين يديه ولا من خلفه؟!!!
ثم
يقول تعالى { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]
{إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ}
[الأنعام: 57]
{إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ
الدِّينُ الْقَيِّمُ } [يوسف: 40]
{إِنِ
الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ
الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67]
{وَلَنْ
يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } [النساء: 141]
ثم
ينادي أقوام بالتحاكم إلى الصندوق وقبول نتائجه ولو كانت تحكيم الكفر والكافرين,
فهل يصدق هؤلاء الله تعالى فيما يقول ويؤمنون به أم أنهم يعبدون الصندوق؟؟!!.
أليس الله تعالى يقول؟ {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ
لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ. قُلْ هَلْ
تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ؟ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ
أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا
فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} (التوبة آية 51، 52) . فنتيجة
الجهاد بالنفس: إما نصر يحمل الخير ويرفع كلمة الله، وإما استشهاد لا موت معه بل
حياة به عند الله. وهل هذا التخاذل من
الأكثرين عن الجهاد بالمال خشية نفاذه؟ يكون معه تصديق بكلام الله؟! أليس الله
تعالى قد ضمن الرزق لكل من خلق. ونحن ممن خلق فطمأننا وأكد لنا وقال لنا: {وَفِي
السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ
لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} (الذاريات آية 22، 23) - ثم زاد
اطمئناننا فبين أن ما لديه غير قابل للنفاذ إطلاقا فقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا
لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} - (ص آية 54) .
إنني أتصور أن الذي صرف أكثر هؤلاء المسلمين عن الله وعن التصديق اليقيني
القاطع إنما هو جهلهم بالله، قال تعالى: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ
إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 74]
وقال
تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ
قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) }
[الزمر: 67]
ومن جهل الله جهل ما قال، وكما يقال: "من جهل شيئا عاداه". ومن
ثم لما جهلوا الله عادوه، ولجئوا إلى غيره فأشركوا فحبطت أعمالهم، ولما جهلوا قول
الله تعالى عادوه كَذلكَ، ولجئوا إلى قول غيره، فضلوا وتخبطوا، واستشرى فسادهم،
وعم شقاؤهم. وصدق الله جل وعلا حين قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ
لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ
كُنْتُ بَصِيرًا* قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ
الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ
رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى } [طه: 124، 127]
فلابد إذن للمسلم أن يتعرف على الله تعالى حتى
يعبد إلهاً يعرفه، فتسلم له عباداته, ويصدقه فيما يقول ويسلِّم أمره كله إليه {قُلْ
إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي
وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ
لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ
اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ
إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ
مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ
دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 161 - 165]
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } [الأحزاب: 36
أن معرفة الله تعالى هي من أشرف العلوم وأجلها, أن معرفة الله تعالى هي أصل الأشياء كلها،
والأعرابي الذي كَانَ يطوف وسمع القارئ يقرأ: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا
تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ
[الذاريات:21-23] فعجب وقَالَ: من أغضب الجبار؟! من أغضب الجبار؟!، هذا الكلام
الذي لم يعهدوا مثله يأتي باليقين إِلَى قلوبهم، حتى أنه لا يحتاج إِلَى تأكيد ولا
يمين فَيَقُولُ: من الذي أغضب الجبار حتى أقسم فقَالَ: فَوَرَبِّ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ فمجرد أن سمع ذلك أيقن أنه حق ولا مجادلة فيه.
والصحابة رضي الله عنهم وصفهم
ربنا عز وجل بقوله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ
وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173]،
جعلتهم هذه التربية القرآنية أقوياء؛ يصدقون وعد الله كأنه في أيديهم فـ
(أبو بصير) وحده يفعل
الأفاعيل بقريش. فلماذا تعجز
أمتنا بما لديها من قدرات وثروات عن اقتلاع العدو الجاثم على صدرها؟
إن السبب الرئيس هو جهلنا بربنا
الذي دفع البعض إلى عدم التصديق بكلام الله وعدم التصديق بصدق وعد الله واعتبار
هذه الوعود كأنها من قبيل القصص والترغيب وليست حقيقة.
إن هذا كارثة إيمانية يجب
تداركها والرجوع الصادق إلى الله والإيمان اليقيني بوعد الله وهو القائل {وَمَنْ
أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا } [النساء: 87]
{ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ
قِيلًا} [النساء: 122]
{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 6]
{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ
وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 55]
{إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ } [الرعد: 31]
{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ
اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ
وَالْإِبْكَارِ (55) إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ
سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 55، 56]
فهل من عودة إلى الله؟
هل من أوبة إلى كلام الله وإحلاله مكان اليقين القاطع؟
إن عدنا إلى الله بصدق وإنابة وتصديق ويقين فهو معنا ولن يترنا أعمالنا
والحمد لله رب العالمين.
0 التعليقات:
إرسال تعليق