سقوط الأخوان في منظومة الطغيان (19)
رضوان محمود نموس
الملاحظات وبعض الردود
44- ويقول محمد سعيد حوى
ومن ورائه الإخوان: كجزء من العلاج لا بد من توضيح موقف أهل السنة تجاه أهل البيت
يقوم على أساس:
1.
تثقيف الأمة بأعلام البيت ومواقفهم، وإحياء بعض المناسبات كاستشهاد
الحسين من غير غلو.
2.
النقد الدقيق للحديث، إذ قد تعتمد نصوص لا تصح وتفرق.
3.
اعتماد القرآن أساس وحدة الأمة.
لا يملك المرء إلا أن يقول: حسبنا الله ونعم
الوكيل, ولا حول ولا قوة إلا بالله. فمن أجل التقارب مع الكفار لا يريد الكاتب
تغيير ثوابت وأصول جماعته فحسب؛ بل يريد تغيير الدين؛ من خلال دعوته لأفكار وعقائد
الشيعة, وبدع المآتم, وعدم تكفير النصيرية, والاعتماد على القرآن فقط, والتشكيك
بالصحيحين, وأخيراً نقد الحديث من جديد؛ ولا أدري على وفق أي نظرية يريد, حتى يعاد
تموضعنا بالشكل الملائم الذي يريده الشيعة والنظام النصيري.
ومن الملاحظ أنه كلما خرج ضال؛ يريد إعادة نقد
الحديث ليتسنى له تمرير ضلاله, أما القرآن فقد أنهوا المشكلة معه عندما زعموا أن
له باطناً واعتمدوا التفسير الباطني الذي يوحي به إليهم شياطينهم، قال تعالى:
(وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ
يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) الأنعام:
١١٢
وهذه نغمة قديمة عُرِفَ بها أهل الضلال من المعتزلة
والشيعة، إلى ضُّلال هذا العصر.
قال الحسن: بينما عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا
صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل: يا أبا
نجيد حدثنا بالقرآن، فقال له عمران: أنت وأصحابك يقرءون القرآن، أكنت محدثي عن
الصلاة وما فيها وحدودها؟ أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف
المال؟ ولكنْ قد شهدت وغبت أنت، ثم قال: فرض علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في الزكاة كذا وكذا، فقال الرجل: أحييتني أحياك الله، قال الحسن: فما مات ذاك
الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين.([1])
وقال أمية ابن خالد لعبد الله بن عمر: إنا نجد صلاة
الحضر وصلاة الخوف في القرآن ولا نجد صلاة السفر في القرآن. فقال عبد الله: يا ابن
أخي إن الله بعث إلينا محمداً صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئاً فإنما نفعل كما
رأينا محمداً صلى الله عليه وسلم يفعل.([2])
وقال أيوب السختياني: (إذا حدثت الرجل بالسنة، فقال
دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن، فاعلم أنه ضال مضل). ([3])
ولما نبتت نابتة السوء بدأ هذا الهراء يطفو على
السطح، قال أبو رية: قال الأستاذ محمد عبده رضي الله عنه: إن المسلمين ليس لهم
إمام في هذا العصر غير القرآن.. وقال: لا يمكن لهذه الأمة أن تقوم ما دامت هذه
الكتب فيها –يعني كتب الفقه والسنة- ولن تقوم إلا بالروح التي كانت بالقرن الأول،
وهو القرآن، وكل ما عداه فهو حجاب قائم بينه وبين العلم والعمل.([4])
وقال الدكتور توفيق صدقي: الإسلام هو القرآن وحده.([5])
ثم أصدر أحمد أمين كتابه (فجر الإسلام) وأنكر فيه
حجة السنة. ثم نشر إسماعيل أدهم رسالة في سنة 1353هـ عن تاريخ السنة وقال:
الأحاديث الموجودة حتى في الصحيحين ليست ثابتة الأصول والدعائم، بل هي مشكوك فيها
ويغلب عليها صفة الوضع. ثم حمل لواء إنكار السنة أبو رية في كتابه أضواء على السنة
المحمدية فقال: لم تكن السنة تعرف إلا بالسنة العملية، وقال: وأما إطلاق السنة على
ما يشمل الأحاديث فاصطلاح حادث، وأما بالنسبة لأحاديث الآحاد فمن صحَّ عنده شيء
منها رواية ودلالة عمل به ولا تجعل تشريعاً عاماً تلزمه الأمة إلزاماً.
وعندما احتل الإنجليز الهند، أسسوا فرقة القرآنيين،
وبرز لها الآن أذيال وأتباع، يتزعمهم في مصر أحمد صبحي منصور، وفي سوريا بشير
الباني، وكرسوا كل جهدهم للهجوم على السنة، وخدمة مصالح أمريكا في المنطقة.
وعندما سار الترابي بمخططه التخريبي؛ بدأ من ضرورة
إعادة النظر في منهجية نقد الحديث، ومما قاله: إنكار عدالة الصحابة رضي الله عنهم,
وأننا الآن وفي عصر الحاسوب يمكن اعتماد منهج للنقد أدق وأفضل مما اعتمده
المحدثون.
وهكذا كلما نبت صاحب ضلالة يريد أن يعدل في الإسلام
لاستيعاب ضلالته, والقاعدة أصبحت معروفة؛ تأويل القرآن والتشكيك في السنة. وأول من
بدأ بهذا الضلال، المؤسسون للدين الشيعي الوضعي، وضُّلال المعتزلة واقتفى أثرهم
كافة الضالين. وهذا محمد سعيد حوى أحدث حلقة في هذه السلسلة.
والنقد لغة كما جاء في المعاجم: تمييز الدراهم، قال في اللسان: والنقد والتنقاد
تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها، أنشد سيبويه:
تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدنانير تنقاد الصياريف
وقال في المعجم الوسيط: نقد الشيء نقداً نقره
ليختبره أو ليميز جيده من رديئه... ويقال نقد النثر ونقد الشعر، أظهار ما فيهما من
عيب أو حسن.
والنقد في الاصطلاح: له عدة تعريفات، مؤداها واحد
وهو: تمييز الأحاديث الصحيحة من السقيمة والحكم على رواتها تجريحاً وتعديلاً
بألفاظ مخصوصة ودلائل معلومة.
ومما هو معروف بين أهل العلم في الحديث أن هذا
العلم قد مَرّ بأطوار مختلفة، من حين نشأته إلى هذا العصر. وقد كان في أطواره هذه
كغيره من العلوم أيضاً قد نشأ ونَمَا وترعرع حتى اكتمل، ثمّ ومن حينٍ لآخر تقوم
جهودُ بَعْثٍ وتجديد وعودة إلى أصول هذا العلم -التي رسَّخها الجهابذة في كل طور
من أطواره تُعيد إليه شيئاً من مظاهر
نقائه وصفائه، وتَدْفَعُ عنه أخطارَ أعدائه، تحقيقاً لوعد الله تعالى بحفظ هذا
الدين.
وحيث إن الأصل الرجوع بعلوم السنة إلى نبعها
الصافي، وإلى زمن ازدهارها، ((يومَ كان شأنُ الحديث فيما مضى عظيماً، عظيمةٌ جموعُ
طلبته، رفيعةٌ مقاديرُ حُفّاظِه وحملته. وكانت علومه بحياتهم حيّة، وأفنان فنونه
ببقائهم غضّة، ومغانيه بأهله آهِلةٌ))([6])
وأن من بعدهم غاية الغايات لديهم أن يقتفوا أثرهم
ويطبقوا منهجهم ويسيروا على هديهم، فإن استطاعوا ذلك فقد نالوا الحظ الأوفى.
فالصحابة رضي الله عنهم هم الذين سمعوا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم
ونقلوه كما سمعوه للتابعين, والتابعون نقلوه لتابعيهم وهكذا. وأولئك هم خير القرون
ديناً وحفظاً ورواية ودراية. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِىَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِى، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِىءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ
شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ ».([7])
والذين يدعون الآن لإعادة نقد الحديث, لسان حالهم
ومقالهم يقول: إن السلف لم يقوموا بنقد الحديث بالشكل الصحيح, وأن النتائج التي
توصل إليها جهابذة الحديث ليست ملزمة, وأنّ إلزامَ الناس بقواعد أو معاني مصطلحات
عصرٍ ما تحكُّمٌ لا وَجْهَ له, وأن باستطاعة الناس اليوم أن يضعوا مناهج للنقد أدق
من تلك التي سار عليها الصحابة والتابعون إلى عصر التدوين, والبخاري ومسلم وأصحاب
السنن والمسانيد والمصنفات والمجاميع وأئمة الجرح والتعديل. ناسين أومتناسين أن
هؤلاء الأئمة شاهدوا الرواة وعرفوا حالهم ونقبوا عنهم، فمن يريد الآن أن يغير
مثلاً في وصف الرواة أو بعضهم. لمن يرجع؟! وكيف يعلم؟! لن يكون هذا إلا بإخبار
الغائب الذي في السرداب أو بقراءة القطب للوح المحفوظ!!!!.
إذ [لا يختلف اثنان من أهل العلم، في أن نَقْل
السنة خلال القرن الأول والثاني والثالث كان كافياً للحفاظ على السنة الحفاظ
الكامل، بعدم تَفَلُّتِ شيءٍ منها عن الأُمّة، وعدم تَسَلُّلِ ما ليس منها إليها.
وهذا أمرٌ بدهي عند من يعتقد أن السنّة قد بلغتنا كاملة؛ لأن اعتقاد وقوع خلل في
منهج نَقْل السنة خلال القرن الأوّل مثلاً، سيؤدِّي إلى أن لا يجد القرنُ الثاني
إلا ذلك الإرث المُخْتَلّ، إذ لا سبيل له في النقل إلا ما يؤدّيه إليه الناقلون.
وكذلك لا يختلف اثنان من أهل العلم أن منهج نقد
السنة خلال القرن الأول والثاني والثالث كان كافياً لمعرفة صحيح السنة وثابتها
وتمييزه عن سقيمها وغير الثابت منها؛ لأن اعتقاد وقوع خلل في منهج النقد في
القرن الأول مثلاً، يعني أن الأمّة في ذلك القرن قد ضَلّت دينَ ربِّها، فنسبت إلى
وَحْي السنة ما ليس منه، أو ردّت هدايةً من هداية ربِّها.
ولا يعني ذلك أن علوم الحديث (نقلاً ونقداً) لم
تمرَّ بمراحل تطوّر خلال قرونها الثلاثة الأولى، ولا أن علوم الحديث في القرن
الثالث هي تلك التي وُلدت في القرن الأول. وعلى هذا: فكيف يَلْتَئمُ أن تكون علوم
السنة قد مَرّت بمراحل تطوّر، ومع ذلك فهي في كل مرحلةٍ كانت كفيلةً بالحفاظ على
السنة وبتمييز صحيحها من سقيمها؟
الجواب عن ذلك: أن انتقال علوم السنة من مرحلة إلى
مرحلة لم يكن بسبب قصور فيها في المرحلة الأولى عن القيام بواجب الحفاظ على السنة،
ولكن لأن عواملَ جديدةً طرأت في المرحلة الثانية تستلزم تطوّراً في العلم. فالتطور
لم يكن لنقص العلم قبل تطوّره، وإنما لحدوث أمرٍ لم يكن موجوداً يقتضي ذلك
التطوّر. فتجدُّدُ ضروريات، وحدوث حاجيّات، وبروز أخطار لم تكن موجودة كل ذلك هو
الذي كان يجعل السنة تنتقل من مرحلة إلى مرحلةٍ، حيث إن علماء السنة كانوا يبادرون
إلى استحداث وسائل في التعلُّمِ والتعليم وفي التعامُل مع العلم تحقّقُ لهم تحصيلَ
تلك الضروريات، وتلبية الحاجيات، ودَفْع هاتيك الأخطار... وأهل النقد هم في ذلك
كأهل اللغة الذين يُحْتَجُّ بلغتهم، فكما أن دأب اللغويين تقييد لغة هؤلاء، فكان
ينبغي أن يكون دأب المصنفين في علوم الحديث من المتأخرين أن يكون دأبهم تقييد لغة
أولئك وقواعدهم في علمهم، الذي كان حيًّا بينهم، لا يحْتاجون فيه إلى من يترجم لهم
ألفاظه ومصطلحاته. فوجه الشبه بين الفريقين: حياة العلم عند أهل الحديث، وحياة
اللغة عند من يحتج بلغتهم.
وكل دعوى عن اختلافِ المنهج، خلال أزمنة أهل
المنهج، وبين أهله دعوى باطلة، بعيدةٌ كل البُعْد عن فقه المسألة، وعن التدبّر في
نشأة المنهج ودواعيه وأطواره.
وكيف يُتصوّرُ حصول اختلافٍ في المنهج، والمنهج
إنما نشأ لحماية المنقولات من آفتي الخطأ والكذب؟! هل هناك من يقبل الخطأ؟! هل
هناك من يقبل الكذب؟! هل هناك من يقبل ما يغلب على الظن أنه خطأ؟! هل هناك من يقبل
ما يغلب على الظنّ أنه كذب؟!]([8]).
والحديث الصحيح كما عرفه أئمة الفن: (الصحيح ما
اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من مبتدئه إلى منتهاه وسلم عن شذوذ وعلة)
ونعني بالمتصل ما لم يكن مقطوعاً بأي وجه كان فخرج المنقطع والمعضل والمرسل على
رأي من لا يقبله وبالعدل من لم يكن مستور العدالة ولا مجروحاً فخرج ما نقله مجهول
عيناً أو حالاً أو معروف بالضعيف وبالضابط من يكون حافظاً متيقظاً فخرج ما نقله
مغفل كثير الخطأ وبالشذوذ ما يرويه الثقة مخالفاً لرواية الناس وبالعلة ما فيه
أسباب خفية قادحة فخرج الشاذ والمعلل و بيان هذه المخرجات كلها معلومة لطلبة العلم
إن شاء الله تعالى.
فاتصال السند بنقل العدل الضابط؛ يمثل أعلى درجات
ما يسمى الآن (بالأمانة العلمية) بل كل أمانة علمية في هذا العصر لا تبلغ سواحل
بحار الأمانة العلمية للمحدثين الذين جمعوا الحديث الشريف.
وسلامة المتن من الشذوذ والعلة؛ يمثل (الأهلية
العلمية) وكل أهلية علمية معاصرة في الحديث لا يمكن مقارنتها بالأهلية العلمية
للمحدثين الذين دونوا الحديث.
[إنَّ مِنْ
نعم الله العظيمة على هذه الأمة حفظ دينها بحفظ كتابه العزيز، وسنة نبيه الكريم،
قَالَ تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر: ٩ وهذا الوعدُ
والضمانُ بحفظِ الذكر يشمل حفظ القرآن، وحفظ السنة النبوية - التي هي المفسرة
للقرآن وهي الحكمة المنزلة كما قَالَ تعالى: (وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ
اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً) النساء: ١١٣
وقد ظهر مصداقُ ذلك مع طولِ المُدّة، وامتدادِ
الأيام، وتوالي الشهور، وتعاقبِ السنين، وانتشارِ أهل الإسلامِ، واتساعِ رُقعتهِ،
فقيض الله للقرآن من يحفظه ويحافظ عليه.
وأما السُّنَّةُ فإنَّ الله تعالى -بفضلهِ ومنتهِ
وحكمته- وَفَّق لها حُفَّاظاً عارفين، وجهابذةً عالمين، وصيارفةً ناقدين، ينفون
عنها تحريف الغالين، وانتحال المُبْطلين، وتأويل الجاهلين، فتفرغوا لها، وأفنوا
أعمارهم في تحصيلها، فجزاهم اللهُ عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرَ الجزاءِ وأوفرَهَ.
وقد خلَّفَ لنا هؤلاء الأئمةُ الحفّاظ ثروةً علميةً
زاخرةً، مَنْ تأملَ في فنونها وعلومها المختلفة عَلِمَ الجهدَ الشاقّ، والصبرَ
الطويلَ، الذي بذله سلفُنَا وعلماؤنا في جمعِها، وبيانها والاستنباطِ منها،
وتمييزِ ضعيفها من صحيحها، وبذل الغالي والنفيس في سبيلِ ذلكَ، و عَلِمَ أيضاً
مقدار ما حَظِي بهِ السلف من تأييدٍ رباني وفضلٍ إلهيّ وتوفيقٍ سماويّ لمَّا
صَدَقوا في الطلب والعلم والعمل والدعوة وصَبَروا على ذلك (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) الجمعة: ([9])
فهذا سعيد بن المسيب أحد كبار التابعين يقول: إني
كنت لأسافر مسيرة الأيام والليالي في الحديث الواحد. ورحل شعبة بن الحجاج من أجل
إسناد لحديث فضل الوضوء والذكر بعده. فإن أبا إسحاق السبيعي الذي سمع منه شعبة هذا
الحديث مدلس. ولم يكشف لشعبة عن حقيقة أمر الإسناد. وكان شعبة كثير العناية بتتبع
المدلسين. فرحل تلك الرحلة المضنية، حتى توصل إلى نتيجة مؤسفة هي سقوط رواة من
السند، أحدهم مطعون فيه. فلم يملك نفسه أن قال: دمر علي هذا الحديث. لو صح لي هذا
الحديث، كان أحب إلي من أهلي ومن مالي ومن الدنيا كلها. ([10])
وقام الجهابذة في دار الإسلام ينقون حديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم ويسهرون على حمايته لأنهم ينظرون إليه ونظرتهم الحق (بأنه دين)
وحرصهم عل حماية دينهم لا يدانيه حرص.
فقام كبار
التابعين وصغارهم بهذه المهمة منهم: عروة بن الزبير ت 93, محمد بن علي بن الحسين
بن علي بن أبي طالب ت 114, أبو بكر محمد بن عمر بن حزم ت 120, ومحمد بن شهاب
الزهري ت 123,الحسن البصري ت 110, مالك بن
أنس (93-179 هـ) وسفيان بن عيينة (107 / 198 هـ) والثوري (97-161 هـ) و شعبة (82-
160 هـ) وحماد بن زيد (98- 179 هـ) والأوزاعي (88-158 هـ) ووكيع بن الجراح (127-197
هـ) وابن نمير (115- 199هـ) و يحيى بن سعيد القطان (125-198هـ) وعبد الرحمن بن
مهدي (125- 198 هـ) وأبو إسحاق الفزاري (- 185هـ) وأبو مسمهر (140-218 هـ) وعبد
الله بن المبارك (118-181 هـ).وأحمد بن حنبل... إلى البخاري ومسلم وأصحاب السنن.
وأول من اشتهر في الكلام في نقد الحديث ابن سيرين
ثم خلفه أيوب السختياني، وأخذ ذلك عنه شعبة، وأخذ عن شعبة يحيى القطان وابن مهدي،
وأخذ عنهما أحمد وعلى بن المديني وابن معين، وأخذ عنهم مثل البخاري وأبي داود وأبي
زرعة وأبي حاتم، وكان أبو زرعة في زمانه يقول: من قال يفهم هذا وما أعزه إلا رفعت
هذا عن واحد واثنين فما أقل من تجد من يحسن هذا، ولما مات أبو زرعة قال أبو حاتم
ذهب الذي كان يحسن هذا المعنى يعني أبا زرعة ما بقي بمصر ولا بالعراق واحد يحسن
هذا، وقيل له بعد موت أبي زرعة: يعرف اليوم واحد يعرف هذا قال و جاء بعد هؤلاء
جماعة منهم النسائي والعقيلي وابن عدي والدارقطني وقل من جاء بعدهم.
قَالَ ابن القيم: [ومعرفةُ هذا الشأنِ وعللهِ ذوقٌ
ونورٌ يقذفه اللهُ في القلبِ يقطعُ بهِ من ذاقه ولا يشك فيه، ومن ليس له هذا الذوق
لا شعور له به، وهذا كنقدِ الدراهم لأربابه فيه ذوق ومعرفة ليستا لكبار العلماء]([11]).
وَقَالَ العلائيُّ: [وهذا الفنُ أغمضُ أنواعِ
الحديثِ، وأدقها مسلكاً، ولا يقومُ بهِ إلاّ مَنْ منحه اللهُ فهماً غايصاً،
واطلاعاً حاوياً، وإدراكاً لمراتب الرواة، ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلاّ
أفراد أئمة هذا الشأنِ وحذاقهم كابنِ المدينيّ، والبخاريّ، وأبي زرعة، وأبي حاتم
وأمثالهم].([12])
وَقَالَ ابنُ رجب: [فالجهابذةُ النقادُ العارفون
بعللِ الحديثِ أفرادٌ قليلٌ من أهل الحديث جداً، - وذكر علماء الحديث- ثم قال:
وقلّ مَن جَاء بعدهم مَنْ هو بارع في معرفة ذلكَ حتى قَالَ أبو الفرج ابن الجوزي
في أول كتابه الموضوعات: قل من يفهم هذا بل عُدم، والله أعلم] ([13]).
وَقَالَ أيضاً: ((وقد ذكرنا في كتاب العلم أنه علم
جليل، قلَّ من يعرفه من أهل هذا الشأن، وأنَّ بساطه قد طوي منذ أزمان)).
وَقَالَ أيضاً:((ذكرنا فيما تقدم في كتاب العلم شرف
علم العلل وعزته، وأنّ أهله المتحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث،
وقد قَالَ أبو عبد الله بن منده: إنّما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفر يسير من
كثير ممن يدعي علم الحديث)) ولنَقْصِ هذه الآلة عند المتأخّرين منع ابنُ الصلاح
المتأخرين من الاستقلال بالحكم على الحديث بالضعف، لمجرّد ضعف السند، لاحتمال وجود
متابعةٍ لم يقفوا عليها؛ إلا إنْ حَكَمَ أحدُ أئمة الحديث بغرابة ذلك السند.([14])
بل يُصرّح السيوطي بالمسألة نصًّا عليها، فيقول
متحدّثاً عن المتأخرين: ((وينبغي التوقُّفُ عن الحكم بالفرديّة والغرابة؛ لاحتمالِ
طريقٍ آخر لم يقف عليه، وعن العِزّة أكثر؛ لضيق شرطها))([15])
ولو رحت أذكر أئمة الحديث وجهودهم لما استوعبت ذلك
المجلدات.
هذا حال السلف في حفظ حديث رسول الله وهاك أقوال
بعض المعاصرين في هذا الجهد:
قال الشيخ مصطفى السباعي في كتابه السنة ومكانتها
في التشريع الإسلامي: (لا يستطيع من يدرس موقف العلماء -منذ عصر الصحابة إلى أن تم
تدوين السنة- من الوضع والوضاعين وجهودهم في سبيل السنة وتمييز صحيحها من فاسدها،
إلا أن يحكم بأن الجهد الذي بذلوه في ذلك لا مزيد عليه، وأن الطريق التي سلكوها هي
أقوم الطرق العلمية للنقد والتمحيص، حتى لنستطيع أن نجزم بأن علماءنا رحمهم
الله، هم أول من وضعوا قواعد النقد العلمي الدقيق للأخبار والمرويات بين أمم الأرض
كلها، وأن جهدهم في ذلك جهد تفاخر به الأجيال وتتيه به على الأمم، وذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.([16])
وقال الشيخ محمد بن محمد أبو شهبة في كتابه (الوسيط
في علوم ومصطلح الحديث): (وقد التزم الجامعون للسنة والأحاديث غاية التحري والتثبت
في الرواية، واجتهدوا غاية وسعهم في التصحيح والتحسين والتضعيف، ونقدوا الرواة
والمرويات. واحتاطوا أشد الاحتياط في النقل. فكانوا يحكمون بضعف الحديث لأقل شبهة
في سيرة الناقل وسلوكه الشخصي مما يؤثر في عدالته عند أئمة هذا العلم. فإذا
اشتبهوا في صدقه وعلموا أنه كذب في شيء من كلامه رفضوا روايته وسموا حديثه متروكا،
وإن لم يعرف عنه الكذب في رواية الحديث مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب، وهذا غاية
الاحتياط في الرواية، وكذلك استوثقوا من حفظ كل راوٍ وذلك بمقارنة رواياته بعضها
ببعض، وبروايات غيره. فإذا وجدوا خطأه أكثر من صوابه ضعفوا روايته وردوها، وإن كان
لا مطعن عليه في شخصه ولا في عدالته وذلك خشية أن تكون روايته مما خانه فيها الحفظ
أو غلبه السهو. وقد أوفى المحدثون في نقد الأحاديث النقد الخارجي على الغاية ولم
يدعو زيادة لمستزيد... وكذلك عنوا بنقد المتن النقد الداخلي فحكموا على الحديث
بالوضع أو النكارة إذا خالف العقل أو الحس أو القرآن أو السنة المشهورة ولم يكن
التوفيق أو التأويل تأويلاً مقبولاً ومن كلامهم في هذا، قال ابن كثير في الباعث
الحثيث –إذا رأيت الحديث يباين المعقول أو يخالف المنقول أو يناقض الأصول فاعلم
أنه موضوع، ومعنى مناقضته للأصول أن يكون خارجاً عن دواوين الإسلام في الحديث من
الجوامع والسنن والمسانيد والكتب المشهورة- وقد حرروا القواعد والأصول التي وضعوها
لنقد الأحاديث ومعرفة المقبول منها من المردود.([17])
ومن العلوم التي صنفها سلفنا الصالح لمعرفة أحوال
الراوي:
صفة من تقبل روايته ومن ترد، كتب الجرح والتعديل،
طبقات الصحابة، طبقات الثقات، طبقات الضعفاء، الوحدان، المثاني، المدلسون، من
اختلط. تواريخ الرواة، طبقات الرواة، التابعون، أتباع التابعون، الإخوة والأخوات
من العلماء والرواة، المدبج، ورواية الأقران، الأكابر الرواة عن الأصاغر، السابق
واللاحق، رواية الآباء عن الأبناء، رواية الأبناء عن الآباء، المبهمات، من ذكر
بأسماء مختلفة، الأسماء والكنى، ألقاب المحدثين، المنسوبون إلى غير آبائهم، النسب
التي على خلاف ظاهرها، الموالي من الرواة والعلماء، أوطان الرواة وبلدانهم،
الأسماء المفردة، المتفق والمفترق، المؤتلف والمختلف، المتشابه، المشتبه المقلوب،
التواريخ... الخ.
وفي علم رواية الحديث: أدب طالب الحديث، آداب
المحدث، كيفية سماع الحديث، صفة رواية الحديث، كتابة الحديث... الخ.
وعلوم المتن من حيث الدراية مثل كتب العلل،
والسؤالات وغريب الحديث، وأسباب ورود الحديث، وناسخ الحديث ومنسوخه، ومختلف الحديث
ومحكم الحديث... الخ.
وهناك علوم فرعية كثيرة تدخل في هذا الباب ليس الآن
مجال ذكرها كلها.
والعجيب أن يخرج في هذا العصر من يريد نقد الحديث
ليغربل الحديث مما يقف في طريق ضلاله وبدعه.
قال الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب في كتابه توثيق
السنة في القرن الثاني الهجري: (ما أشبه الليلة بالبارحة كما يقولون، فقد نبتت
نابتة في عصرنا الحديث تشكك المسلمين في السنة، وتسير على درب أسلافهم الذين كادوا
للمسلمين وللإسلام، وردهم الله على أعقابهم خاسرين، زعمت هذه النابتة أن السنة
حرفت وبدلت، وأن أسس توثيقها كانت واهية وشكلية، ولم تنهض بعبء الحفاظ عليها.
هل حقاً ما يزعم هؤلاء؟ إن الأمر في حاجة إلى دراسة
متأنية موضوعية تكشف وجه الحق وتبرز ما أخفاه هؤلاء الجاهلون أو غاب عنهم)؟!!([18])
والكاتب متأرجح بين رد الحديث وذلك واضح من خلال
تركيزه مراراًَ على القرآن فقط, وبين إعادة نقد الحديث ليتناسب مع ما يريده الشيعة
والنصيرية والعلمانيون والقوميون والتحرريون. و[عَنِ الْمِقْدَامِ بن مَعْدِ
يكَرِبَ الكندي رضي الله عنه قال: قال
رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ألا إني أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ معه ألا
إني أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ معه ألا يُوشِكُ رَجُلٌ ينثني شَبْعَاناً على
أَرِيكَتِهِ يقول عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ فما وَجَدْتُمْ فيه من حَلاَلٍ
فَأَحِلُّوهُ وما وَجَدْتُمْ فيه من حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ألا لاَ يَحِلُّ لَكُمْ
لَحْمُ الْحِمَارِ الأهلي وَلاَ كُلُّ ذي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ ألا وَلاَ
لُقَطَةٌ من مَالِ مُعَاهِدٍ إلا أن يستغني عنها صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ
بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لم يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ
يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ] وفي رواية الحاكم زيادة: وإنما ما حرم رسول
الله كما حرم الله وعند ابن ماجة: أَلا وَإِنَّ ما حَرَّمَ رسول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُ ما
حَرَّمَ الله].([19])
فليحذر الذين يخالفون عن أمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم سوء العاقبة في الدنيا والآخرة قال تعالى: (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ) النور: ٦٣.
والشيعة التي يريد الكاتب تعديل ديننا لأجلهم لا يقبلون
بأي شيء منا؛ فدينهم الوضعي قائم على مخالفتنا.
فقد نسبوا إلى الصادق قوله: (خذوا بما خالف
العامة).([20])
وفي سؤال للصادق: قال قائلهم: جعلت فداك، أرأيت أن
المفتيين غبي عليهما معرفة حكمه من كتاب وسنة، ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة
والآخر مخالفا لهم، بأي الخبرين نأخذ؟ قال: بما خالف العامة، فإن فيه الرشاد.([21])
إن كل ما خالف العامة من الأخبار الخارجة عنهم
(عليهم السلام) فهو موافق للقرآن العزيز وإن لم يهتدوا إلى وجه الموافقة ولا يجوز
أن يكون مخالفاً له، وذلك لأن الأحكام الواقعية الخارجة لا على جهة التقية لا يجوز
مخالفتها للقرآن كما تقدم بيانه ثمة، وما عليه العامة فهو خلاف الحنيفية، لما
استفاض من أنهم ليسوا من الحنيفية على شيء، وأنه لم يبق في أيديهم إلا استقبال
القبلة وأنهم ليسوا إلا مثل الجدر المنصوبة، ونحو ذلك مما تقدم ذكره أيضا.([22])
وما روي في الروايات المتكاثرة من الصحاح وغيرها من
قولهم: (ما خالف أخبارهم فخذوه)، وقولهم: (خذوا بما خالف القوم).([23])
وهؤلاء
الشيعة الذين يريد الكاتب نقد السنة وغربلتها لتوافق ضلالهم، منهجهم في السنة أضل
من منهج إبليس:
فالسنة عند الشيعة:
(قول المعصوم أو فعله أو تقريره).([24])
جعلوا للأئمة وظيفة المشرع المعصوم الذي لا ينطق عن
الهوى، فالأئمة لا يحكمون (إلا عن الأحكام الواقعية عند الله تعالى كما هي وذلك من
طريق الإلهام كالنبي من طريق الوحي أو من طريق التلقي من المعصوم قبله).([25])
(ولا فرق بين كلام هؤلاء الأئمة بين سن الطفولة وسن
النضج العقلي إذ أنهم لا يخطئون عمداً ولا سهواً ولا نسياناً طوال حياتهم).([26])
(وذلك لأن الأئمة كالرسل، قولهم قول الله، وأمرهم
أمر الله، وطاعتهم طاعة لله).([27])
(وأما ما يرويه مثل أبي هريرة وسمرة بن جندب وعمرو
بن العاص ونظائرهم فليس له عند الإمامية من الاعتبار مقدار بعوضة).([28])
(فهم يرون أن معرفة صحة الحديث وسقيمه لا بد عن طريق
المعصومين وأن غيرهم لا يقدر على شيء من ذلك ولو كان عالماً علامة، فالسنة النبوية
هي قبل كل شيء محتاجة إلى المعصوم الذي يدل على صحيحها ويطرح كل ما وضع فيها).([29])
ولانتشار الكذب عند الشيعة حتى كان دينهم الكذب قال
أحد أئمتهم: (لقد أمسينا وما أحد أعدى لنا ممن ينتحل مودتنا).([30])
وأن الأئمة اشتكوا من كثرة الكذابين عليهم. ففي
تنقيح المقال: (عن جعفر الصادق أن لكل رجل منا رجل يكذب عليه، وقال: أن المغيرة بن
سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما
خالف قول ربنا وسنة نبينا).([31])
والإخباريون من الشيعة (يرون أن الأخبار الموجودة
في الكتب الأربعة المعروفة وهي الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار.
كلها قطيعة الصدور عن الأئمة، فلا يحتاجون إلى البحث عن سندها).([32])
ولم يهتم الشيعة بالرجال والأسانيد والجرح والتعديل
إلا في القرن السابع وبعد هجوم أهل السنة عليهم وخاصة ابن تيمية رحمه الله.
(أما أول من قام بتقسيم الحديث عندهم إلى صحيح
وغيره هو العلامة ابن المطهر الحلي الذي رد عليه ابن تيمية في كتابه (منهاج السنة)
وهذا يدل على أن بداية تقويمهم للحديث وتقسيمه إلى صحيح وغيره قد كانت في القرن
السابع... وقد اعترف شيخهم (الحر العاملي) بأن سبب وضع الشيعة لهذا الاصطلاح هو
النقد الموجه لهم من أهل السنة، فقال: (والفائدة في ذكره -أي السند- دفع تعيير
العامة –أهل السنة- بأن أحاديث الشيعة غير معنعنة، بل منقولة من أصول قدمائهم).([33])
وقال الحر العاملي (والاصطلاح الجديد موافق لاعتقاد
العامة واصطلاحهم بل هو مأخوذ من كتبهم كما هو ظاهر بالتتبع).([34])
وشروط الراوي عند الشيعة (أن يكون الراوي إمامياً
اثني عشرياً).([35])
(ولا بد أن تكون الرواية عن الأئمة).([36])
يعني ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل
رواية الإمامي عن آل البيت من غير الأئمة لا تقبل. (فالرواية عن ذرية فاطمة من ولد
الحسن رضي الله عنه لا تعتبر روايتهم، بل من ولد الحسين كزيد بن علي وغيره ممن
ليسوا بالأئمة عندهم).([37])
فهم لا يقبلون روايات أهل السنة أصلاً لأنهم مرتدون
أولاد زنا...الخ، (وفي مخالفتهم الرشاد).([38])
وحتى علياً رضي الله عنه لم يستطع إقامة الدين،
وتنقيح السنة, يقول شيخهم مرتضى العسكري: (كان الخلفاء قبله –أي قبل الإمام علي-
قد غيروا وبدلوا من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخالف سياستهم، فلما جاء
الإمام علي إلى الحكم بعدهم حاول أن يعيد الأمة الإسلامية إلى سنة الرسول وتغيير
سنة الخلفاء فلم ينجح).([39])
ولقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ « رَأْسُ الْكُفْرِ نَحْوَ
الْمَشْرِقِ([40]).
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُسْتَقْبِلُ الْمَشْرِقِ يَقُولُ «
أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا مِنْ حَيْثُ
يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ ».([41])
وعن المغيرة بن سبيع، عن عمرو بن حريث، قال: مرض
أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم كشف عنه فصلى بالناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم
قال: أنا لكم ناصح سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «يخرج الدجال من قبل
المشرق من أرض يقال لها خراسان، معه قوم وجوههم كالمجان). ([42])
عن المغيرة بن سبيع عن عمرو بن حريث عن أبي بكر
الصديق قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن الدجال يخرج من أرض بالمشرق
يقال لها خراسان يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة). ([43])
وربما لأجل هذا يريد الكاتب إعادة نقد السنة حتى لا
يبقى فيها شيء يمس الشيعة والنصيريين, وأهل الكفر من كل الملل، لأنه يريد أن ينسق
معهم بل ويحالفهم ويواليهم, والقرآن يفسر تفسيراً باطنياً، والحديث يعاد نقده على
الأسس التي يريدها الكاتب، والإجماع يُفَند بحيث لا يبقى أي عائق أمام الكفر،،
وهكذا يتخيل الكاتب أن سفينة الضلال يمكن أن تبحر دون معارضة وعواصف وأمواج, ونسي
أنه مازال بالأمة من يقدمون أرواحهم فداءً لدينهم.
ثم يريد الكاتب أن يرقِّع ما خرق فقال: وقد نكون في
غنى هنا أن نؤكد أن هذا لا يمس بعقائدنا.
وأي عقيدة تبقى بعد تدمير السنة؟! وأي عقيدة تبقى
بعد القبول بضلالات وكفريات النصيرية والشيعة والعلمانية؟!. وأي عقيدة تبقى بعد
هذا الضلال الذي أحدثه الكاتب من فمه؟!. إذا لم يكن ما يدعو إليه الكاتب هو عين
الضلال؛ فلا يوجد ضلال في الدنيا.
يتبع
[1] - المستدرك 1/109-110 حديث
رقم 343.
[2] - المستدرك 1/258.
[3] - الكفاية في علم الرواية
ص16.
[4] - أضواء على السنة ص
405-406.
[5] - مجلة المنار السنة التاسعة
العدد 7 ص 12.
[6] - مقدّمة كتاب ابن الصلاح:
علوم الحديث (5 - 6).
[7] - متفق عليه رواه صحيح
البخارى برقم 3651 -أطرافه 2652، 6429، 6658 ومسلم برقم 6635
[8] - بَيَانُ الحَدّ الذي
يَنْتهِي عِنْدَهُ أَهْلُ الاصطلاحِ والنَّقْد في علوم الحديث د. الشريف حاتم بن
عارف بن ناصر العوني ص/3-4
[9] - جُهُودُ المُحَدِّثِينَ
فِي بَيانِ عِللِ الأحَادِيثِ د.علي بن عبد الله الصياح ص13
[10] - الرحلة في طلب الحديث /
149 -153
[11] - الفروسية (ص 235).
[16] - السنة ومكانتها في التشريع
الإسلامي ص 90.
[17] - الوسيط في علوم ومصطلح
الحديث ص 76-77.
[18] - توثيق السنة في القرن
الثاني الهجري ص 4.
[19] - رواه أحمد في المسند
ج4/ص130برقم 17213والحكم في المستدرك على الصحيحين ج1/ص190برقم 368 وقال: هو صحيح
على شرط الشيخين وذكره ابن حبان في صحيحه ج1/ص189برقم 12 ورواه أبو داود في السنن
ج4/ص200 وسنن ابن ماجه ج1/ص6 وسنن الترمذي ج5/ص37 وسنن الدارقطني ج4/ص286 وسنن
الدارمي ج1/ص 153 وغيرها كثير
[20] - جوابات أهل الموصل - الشيخ
المفيد - ص 4
[21] - تحرير الأحكام - العلامة
الحلي - ج 5 - ص 240
[22] - الحدائق الناضرة - المحقق
البحراني - ج 3 - ص 58 - 59
[23] - عوائد الأيام - المحقق
النراقي - ص 466
[25] - المظفر 3/60.
[27] - الاعتقادات لابن بابويه ص
106.
[28] - أصل الشيعة وأصولها ص 165.
[29] - الشيعة هم أهل السنة ص
149.
[30] - رجال الكشي ص 259.
[31] - تنقيح المقال 1/174.
[32] - توثيق السنة بين الشيعة
الإمامية وأهل السنة ص 154.
[33] - وسائل الشيعة عن (توثيق
السنة بين الشيعة الإمامية وأهل السنة) ص 157.
[34] - وسائل الشيعة 20/100.
[35] - مقياس الهداية 2/25،
ومعالم الدين ص 353، والرعاية ص 189 وقواعد الحديث ص 27-28.
[36] - آل كاشف الغطاء في أصل
الشيعة ص 165.
[37] - توثيق السنة بين الشيعة
الإمامية وأهل السنة ص 160.
[38] - كليات في علم الرجال ص
372.
[39] - معالم المدرستين 2/352.
[42] - المستدرك على الصحيحين للحاكم - (20 / 12) برقم: 8754
[43] - رواه (ابن ماجة) برقم
4072(والترمذي برقم 2237) وقال عنه
الألباني صحيح، الروض النضير (1184)، تخريج المختارة (33 - 37)، الصحيحة (1591)
0 التعليقات:
إرسال تعليق